من المتوقع أن يدفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي بدأ أمس اليوم الثاني من زيارته الأولى للصين نحو تحسين فرص دخول الشركات الفرنسية إلى السوق الصينية، من أجل خفض العجز التجاري الفرنسي الذي تبلغ قيمته 36 مليار دولار لصالح الصين، وأعلن مباشرة رفع الحظر الصيني عن لحوم البقر الفرنسية، واتفقا على فتح فرع لمركز بومبيدو الفرنسي في شنغهاي. وتريد باريس بصورة خاصة انفتاحا أكبر للأسواق الصينية أمام منتجاتها الزراعية والغذائية الأخرى وكذلك مصارفها، وعقد صفقات لبيع طائرات إيرباص ومحركات سافران. المصادر الفرنسية تقول إن ماكرون يريد العودة إلى باريس وفي جعبته نحو 50 عقدا واتفاقا، ولهذا فقد وصل إلى الصين برفقة وفد من رؤساء نحو خمسين شركة بينها أريفا وإيرباص وسافران وشركة كهرباء فرنسا.
كما أن تنفيذ توصيات اتفاقية المناخ لعام 2015 ستكون هي الأخرى من أولويات الرئيس الصيني خلال الزيارة. ودعا ماكرون الرئيس الصيني، شي جينبينغ، إلى «الانخراط في معركة ضد تغير المناخ» و«أن يظهر للعالم أننا - الفرنسيين والصينيين - قادرون على جعل الكوكب عظيما وجميلا مرة أخرى».
وتعتبر الصين أكبر مصدر لغازات الاحتباس الحراري في العالم، ونشرت في عام 2016 خطة لتسريع وتيرة تطوير استخدام طاقة الوقود غير الأحفوري في 31 منطقة ومكافحة غازات الاحتباس الحراري في القطاع الزراعي وزيادة مساحة الرقعة الخضراء.
وأطلقت الصين في الشهر الماضي نظام تداول الانبعاثات المنتظر على مستوى البلاد وسيغطي قطاع الكهرباء في مرحلته الأولى ويهدف لخفض انبعاثات الكربون. وقال الرئيس الصيني شي جينبينغ إن الصين وفرنسا «سوف يعملان معا لمواجهة التغير المناخي والإرهاب الدولي والتحديات الأخرى».
وفي إطار الاتفاقيات، سوف تقوم شركة إيرباص الأوروبية لصناعة الطائرات بزيادة إنتاجها من طراز إيه 320 في مصنع تيانجين لست طائرات شهريا بدلا من أربع حاليا، بحسب ما ذكرته وكالة بلومبرغ. كما وقعت شركة اريفا الفرنسية للطاقة مذكرة تفاهم مع شركة تشاينا ناشيونال كورب للطاقة النووية مع أجل التعاون في عملية إعادة معالجة المخلفات النووية. ورحب وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير، كما جاء في تقرير الصحافة الفرنسية، المشارك في الوفد بالاتفاق مؤكدا أنه «يوازي ما قيمته 10 مليارات يورو فورية ستنقذ الشركة»، علما بأن هذه الورشة الهائلة فرصة ذهبية لمجموعة أريفا الفرنسية المتخصصة في الطاقة النووية المدنية التي تواجه صعوبات مالية وتتفاوض منذ عشر سنوات مع شريكتها «شركة الصين الوطنية للنووي». وأكد لومير: «تلقينا ضمانات على العقد مع تحديد موعد توقيعه في الربيع». لكن لومير أقر أنه يرفض «الكثير» من المشاريع الصينية، موضحا «إننا نقبل استثمارات على المدى الطويل، لا استثمارات النهب».
وتود باريس تشجيع الاستثمارات الصينية في فرنسا «طالما أنها تستحدث وظائف ونموا لبلدينا وتندرج في إطار شراكات متوازنة وبعيدة الأمد»، بحسب ما أعلن قصر الإليزيه، كما نقلت عنه الصحافة الفرنسية. وإن كانت هذه الاستثمارات تسجل تزايدا مطردا وقد بلغت ستة مليارات يورو في نهاية 2016 بما فيها استثمارات هونغ كونغ، إلا أنها لا تزال دون مستوى الاستثمارات الفرنسية في الصين (33 مليار يورو)، حسب المصادر الرسمية الفرنسية.
وحضر الرئيس الفرنسي توقيع عقد مع المجموعة الصينية العملاقة للبيع على الإنترنت «جي دي إم» تعهدت بموجبه بيع منتجات فرنسية بقيمة ملياري يورو على مواقعها خلال السنتين المقبلتين، مبدية في المقابل استعدادها لإقامة مقر لها في فرنسا.
وصرح ماكرون الثلاثاء لدى زيارة إلى مقر مجموعة «سوهو 3 كيو» للشركات الناشئة أن «الشراكة مع الصين شراكة استراتيجية. يجب تنظيم العلاقات على صعيد الملكية الفكرية، وتنظيم وصول أكبر إلى السوق الصينية، والسماح بالاستثمارات الصينية في فرنسا، وإتاحة البيانات بصورة متبادلة».
كما أعلنت الرئاسة الفرنسية أن المفاعل النووي الذي تقيمه شركة كهرباء فرنسا في جنوب الصين، سيباشر العمل بعد نحو ستة أشهر على الأرجح، ليكون أول مفاعل نووي من الجيل الثالث قيد العمل في العالم.
وبدأ ماكرون زيارته الرسمية الأولى إلى الصين، التي تستمر ثلاثة أيام، أمس الاثنين، بزيارة العاصمة القديمة، شيان، حيث زار «جيش التيراكوتا» الطيني المكون من تماثيل لجنود صينيين، كما ألقى خطابا هناك. ووافق ماكرون على الانضمام لخطة الرئيس الصيني لإنشاء شبكة تجارة وبنية تحتية تقدر بتريليونات الدولارات في أنحاء آسيا وأوروبا.
وقال ماكرون في بكين حيث وقع هو ونظيره الصيني عدة مذكرات تفاهم «نود أن نعمل يدا بيد مع الصين».
وبعدما أثنى ماكرون الاثنين على «طرق الحرير الجديدة»، مشروع البنى التحتية الذي باشره شي للربط بين الصين وآسيا وأوروبا، دعا فرنسا إلى التكيف مع التحدي الذي طرحه القوة الاقتصادية الثانية في العالم. وقال إن «الصين تواصل استراتيجيتها للتنمية الاقتصادية، ونظراً إلى حجم هذه السوق، فإن ذلك ينعكس على العولمة ككل. من واجب فرنسا أن تفهم هذه التوجهات (...) وذلك يتطلب فرنسا قوية» محذرا بأنه «إن لم تحسن فرنسا التكيف، فسوف يتم تغييبها». ويغادر ماكرون بكين الأربعاء وقد وعد في خطابه الأول الاثنين أن يزور الصين «مرة في السنة على الأقل» بهدف «بناء الثقة خطوة خطوة».
- أبرز مشاريع «طرق الحرير الجديدة»
> تشتمل مبادرة «طرق الحرير الجديدة» التي أشاد بها الرئيس الفرنسي على مشاريع للبنى التحتية تصب في تعزيز علاقات بكين التجارية في قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا. ويعرف المشروع الذي أطلقه الرئيس شي جينبينغ في الصين باسم «الحزام والطريق»، أي حزام بري يربط إمبراطورية الوسط بأوروبا الغربية عبر آسيا الوسطى وروسيا، وطريق بحرية تصلها بأفريقيا وأوروبا عبر بحر الصين والمحيط الهندي. يشارك في المبادرة المرفقة باستثمارات صينية ضخمة نحو 65 بلدا يمثلون 60 في المائة من السكان ونحو ثلث إجمالي الناتج الداخلي العالمي. ووعد شي أثناء قمة دولية نظمها حول مبادرته في مايو (أيار) في بكين، بدفع 100 مليار يوان (13 مليار يورو) لصندوق مخصص للمشروع.
كما ستؤمن المصارف الصينية قروضا بقيمة 380 مليار يوان (50 مليار يورو)، على ما أعلن الرئيس الصيني.
ومن أبرز المشاريع:
- ستربط سكك حديد الصين بنحو 30 مدينة أوروبية في أقل من ثلاثة أسابيع، في وسيلة نقل أسرع وكذلك أغلى ثمنا من الطريق البحرية.
- في آسيا ستربط طريق بطول 873 كلم الصين بالساحل التايلاندي. وفي أفريقيا تمول الصين خطا بطول 471 ميلا في كينيا بين العاصمة نيروبي وميناء مومباسا على المحيط الهندي.
- في تركيا اشترت ثلاث شركات عامة صينية ميناء كومبورت قرب إسطنبول، الثالث في البلاد الذي يعتبر محورا حيويا بين «الحزام» و«الطريق».
- في باكستان سيتم ربط ميناء جوادر القريب من الحدود الإيرانية بالشرق الأقصى الصيني بعد ترميم 500 كلم من الطرقات. ويفترض أن يسهل الميناء وصول الصين إلى الشرق الأوسط بحرا عبر مضيق ملقا (بين ماليزيا وإندونيسيا). ومن المقرر بناء مطار دولي جديد في جوادر.
- تبني الصين في بيلاروسيا مجمعا صناعيا بتقنيات عالية في مينسك، هو الأضخم الذي يبنيه العملاق الآسيوي في الخارج.
- يتم حاليا بناء مشروع مماثل في كوانتان في ماليزيا لصناعات الفولاذ والألمنيوم وزيت النخيل.