مصر تستعد لأزمة مياه قد يحدثها {سد النهضة»

الرئيس السيسي خلال افتتاحه عددا من المشروعات التنموية في مصر أمس (المصدر: الرئاسة)
الرئيس السيسي خلال افتتاحه عددا من المشروعات التنموية في مصر أمس (المصدر: الرئاسة)
TT

مصر تستعد لأزمة مياه قد يحدثها {سد النهضة»

الرئيس السيسي خلال افتتاحه عددا من المشروعات التنموية في مصر أمس (المصدر: الرئاسة)
الرئيس السيسي خلال افتتاحه عددا من المشروعات التنموية في مصر أمس (المصدر: الرئاسة)

في مسعى لتفادي أزمة باتت تلوح في الأفق القريب، شرعت مصر في إعداد بدائل محلية لمواجهة تداعيات متوقعة لـ{سد النهضة» الذي تبنيه إثيوبيا على أحد الروافد الرئيسية لنهر النيل، وتقول القاهرة إنه يهدد حصتها التاريخية من مياه النهر.
وأعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أمس أنه يجري حاليا إنشاء أكبر محطة لمعالجة مياه الصرف والتحلية، فيما بدأت الحكومة تنفيذ خطة لترشيد استخدام المياه. وفي تصريحات بثها التلفزيون الرسمي، قال السيسي أثناء افتتاحه مشروعات طرق وإسكان: «نحن نقوم بما يتعين علينا عمله حتى نتمكن من حل مشكلة محتملة».
ولم يحدد الرئيس المصري حجم المحطة أو كمية المياه التي ستوفرها، لكنه قال: «ليس ممكناً أن نسمح بمشكلة مياه في مصر... لا بد من تأمين المياه للكل. لكي نستفيد من المياه بشكل كبير، نقوم بعمل محطة، نحن مدركون (لكل الاحتمالات) وجاهزون» لمواجهتها.
وقال خبير الموارد المائية ضياء الدين القوصي لـ«الشرق الأوسط» إن اتجاه مصر لإنشاء محطة كبرى لتحلية المياه أو معالجة مياه الصرف {أمر حتمي لا غنى عنه، يجب أن يتم في أسرع وقت}، مشيراً إلى أنه {بصرف النظر عن التأثير المحتمل للسد الإثيوبي، والذي بطبيعة الحال إذا ما تم وفقا للمخطط الحالي فإنه سيضر بتدفقات المياه لمصر، فإن الزيادة السكانية المتنامية، تتطلب تحركا سريعاً في اتجاه تعظيم الموارد المائية والبحث عن بدائل}.
وأوضح القوصي، وهو مستشار وزير الري الأسبق، أن مصر تحتاج خلال السنوات المقبلة ما يوازي 50 في المائة زيادة على حصتها من مياه النيل الراهنة. وأضاف أن {مصر لديها ميزتان في قضية تحلية المياه، الأولى توافر مياه جوفية أقل ملوحة من مياه البحر، وبالتالي فإن تحليتها ستكون أقل كلفة. أما الميزة الثانية، فهي وفرة الطاقة المتجددة، المتمثلة في الشمس والرياح، والتي يمكن استخدامها في تشغيل محطة التحلية، ومن ثم توفير النفقات}.
في السياق ذاته، قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الموارد المائية والري حسام الإمام لـ«الشرق الأوسط» إن {الوزارة تعمل حالياً وفق خطة قومية لإدارة الموارد المائية في مصر، تم إعدادها بالتعاون مع عدد من الوزارات، لتوفير الاحتياجات المائية، في ظل التحديات التي ستزيد في المستقبل}. وأوضح أن {الخطة تتضمن أربعة محاور أساسية هي تنمية موارد مائية إضافية، وترشيد الاستخدامات المائية في القطاعات كافة، وتحسين نوعية المياه والحفاظ عليها من التلوث، مع تهيئة البيئة المناسبة والمتعلقة بالإجراءات القانونية، بتكلفة تقديرية 900 مليار جنيه}.
ويأتي الحديث عن خطط مصرية بديلة، في ظل تعثر المسار الفني لمفاوضات تحديد تأثيرات السد على دولتي المصب (مصر والسودان). وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري، أمس، إن بلاده لم تتلق رداً من إثيوبيا والسودان على اقتراحها إشراك البنك الدولي في مفاوضات السد، داعياً إلى {المراعاة المشتركة لمصالح الأطراف الثلاثة}.

وأكد شكري أنه «ليس هناك رغبة من قبل مصر لخلق أي مجالات للتوتر، ولكن نجد دائما أن هناك أرضية للتوافق إذا كانت هناك إرادة سياسية لذلك، وهذا هو ما نقدره ونقيمه، فمصر لديها هذه الإرادة ولكن تتعامل مع أي قدر من التصعيد بالشكل الذي يتناسب مع القدرات ويتناسب أيضا مع الاهتمام بمصالح الشعبين». وحول الزيارة القادمة لرئيس وزراء إثيوبيا لمصر قال شكري إنه «جاري الترتيب لها».
وعن التوترات مع السودان، قال شكري «نرصد التطورات في الفترة السابقة في العلاقات المصرية السودانية، وهي علاقات لها خصوصيتها وأهميتها، ويتم تقييم كل ما يرتبط بها بشكل دقيق وبشكل يراعي مصلحة الشعبين في المقام الأول».
وأشار إلى أن «القرار الأخير، الذي اتخذته الحكومة السودانية بسحب سفيرها للتشاور، يتم تقييمه ويتم التعامل مع كل التأثيرات التي تترتب عليه لاتخاذ الإجراءات المناسبة حيال هذا التطور». وأضاف «مصر دائما تسعى لأن تكون هذه العلاقة معبرة عن رغبة الشعبين في توثيق العلاقة، ولكن أيضا وفي المرحلة الحالية، وبعد ما تم تداوله من تصريحات تثير القلق، فإن المنحى لهذه العلاقات يحتاج إلى تصويب حتى يظل محافظا على مجالات التعاون، والرغبة أن لا يكون هناك أي تأثيرات سلبية فيما يتعلق بمصلحة الشعبين».



مصر لتعزيز الشراكة مع أوروبا في مجال المياه

وزير الري المصري خلال استقباله سفيرة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة (الري المصرية)
وزير الري المصري خلال استقباله سفيرة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة (الري المصرية)
TT

مصر لتعزيز الشراكة مع أوروبا في مجال المياه

وزير الري المصري خلال استقباله سفيرة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة (الري المصرية)
وزير الري المصري خلال استقباله سفيرة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة (الري المصرية)

تسعى الحكومة المصرية، لتعزيز الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، في مجال إدارة الموارد المائية، في ظل تحديات كبيرة تواجهها تتعلق بـ«محدودية مواردها». وخلال لقائه سفيرة الاتحاد الأوروبي في القاهرة أنجلينا إيخورست، الاثنين، ناقش وزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم، التعاون بين الجانبين، في «إعادة استخدام المياه، وتقنيات معالجتها».

وتعاني مصر عجزاً مائياً، حيث يبلغ إجمالي الموارد المائية، نحو 60 مليار متر مكعب سنوياً، في مقابل احتياجات تصل إلى 114 مليار متر مكعب سنوياً، وبنسبة عجز تقدر 54 مليار متر مكعب، وفق «الري المصرية».

وتعتمد مصر على حصتها من مياه نهر النيل بنسبة 98 في المائة، والبالغة 55.5 مليار متر مكعب سنوياً.

وحسب بيان لـ«الري المصرية»، ناقش سويلم، مع سفيرة الاتحاد الأوروبي، مقترحات تطوير خطة العمل الاستراتيجية (2024-2027)، طبقاً للأولويات المصرية، مشيراً إلى الدعم الأوروبي لبلاده في مجالات «رفع كفاءة الري، وإعادة استخدام المياه، وتقنيات معالجة المياه، والتكيف مع تغير المناخ».

ووقَّعت الحكومة المصرية، والاتحاد الأوروبي، إعلاناً للشراكة المائية، خلال فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ، COP28، الذي عُقد في دبي عام 2023، بهدف تحقيق الإدارة المستدامة للموارد المائية، وتعزيز الحوار، وتبادل الخبرات.

وأوضح وزير الري المصري أن «الإجراءات التي تتبعها بلاده لرفع كفاءة استخدام المياه، تندرج تحت مظلة الجيل الثاني لمنظومة الري»، منوهاً بقيام الوزارة حالياً «بتأهيل المنشآت المائية، ودراسة التحكم الآلي في تشغيلها لتحسين إدارة وتوزيع المياه، والتوسع في مشروعات الري الحديث»، إلى جانب «مشروعات معالجة وإعادة استخدام المياه، ودراسة تقنيات تحلية المياه من أجل الإنتاج الكثيف للغذاء».

ومن بين المشروعات المائية التي تنفذها الحكومة المصرية، بالتعاون مع عدد من دول الاتحاد الأوروبي، «البرنامج القومي الثالث للصرف، وتحسين نوعية المياه في مصرف (كيتشنر)، وتحديث تقنيات الري لتحسين سبل عيش صغار المزارعين في صعيد مصر، ومراقبة إنتاجية الأراضي والمياه عن طريق الاستشعار عن بعد».

وتعوِّل الحكومة المصرية على الخبرات الأوروبية في مواجهة ندرة المياه، وفق أستاذ الموارد المائية، في جامعة القاهرة، نادر نور الدين، الذي أشار إلى أن «القاهرة سبق أن استعانت بخبراء أوروبيين لصياغة حلول للتحديات المائية التي تواجهها مصر»، وقال إن «كثيراً من المقترحات التي قدمها الخبراء تنفذها الحكومة المصرية في سياستها المائية، ومن بينها التوسع في مشروعات معالجة المياه، وتحلية مياه البحر، واعتماد نظم الري الحديث».

وللتغلب على العجز المائي شرعت الحكومة المصرية في تطبيق استراتيجية لإدارة وتلبية الطلب على المياه حتى عام 2037 باستثمارات تقارب 50 مليون دولار، تشمل بناء محطات لتحلية مياه البحر، ومحطات لإعادة تدوير مياه الصرف بمعالجة ثلاثية، إضافة إلى تطبيق مشروع تحول للري الزراعي الحديث.

ويعتقد نور الدين، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «الخبرة الأوروبية في مجال تطوير إدارة المياه والتغيرات المناخية هي الأفضل في هذا المجال»، مشيراً إلى أن «القاهرة تسعى إلى الاستفادة من المنح الأوروبية المقدَّمة في تلك المجالات، وخصوصاً، التكيف مع التغيرات المناخية»، معتبراً أن «التعامل مع العجز المائي في مصر من أولويات السياسة المائية المصرية».

ويُعد الاتحاد الأوروبي من أهم الشركاء في المجال التنموي بالنسبة لمصر، وفق أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، عباس شراقي، الذي أشار إلى أن «التعاون المائي بين الجانبين يأتي ضمن الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي جرى توقيعها بين الحكومة المصرية والاتحاد الأوروبي، لتطوير التعاون بمختلف المجالات».

ويرى شراقي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «الاتحاد الأوروبي يمتلك التكنولوجيا والخبرات الحديثة بشأن تطوير استخدام المياه، خصوصاً في الدول التي تعاني من شح مائي».