تكثّف القصف على مدينة حرستا والغوطة الشرقية بريف دمشق يوم أمس حيث سجّل إطلاق أكثر من 165 غارة وصاروخا وقذيفة على وقع استمرار الاشتباكات التي تشهدها جبهات القتال بين فصائل المعارضة وقوات النظام.
وتركزت الاشتباكات بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جانب، وهيئة تحرير الشام وحركة أحرار الشام الإسلامية وفيلق الرحمن من جانب آخر، على محاور قرب مبنى المحافظة بمحيط حرستا وفي محيط إدارة المركبات المحاصرة من قبل الفصائل وترافقت مع استهدافات على جبهات القتال وخطوط التماس بينهما، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وأدى القصف الذي طال مناطق عدة في الغوطة إلى مقتل المزيد من المدنيين وارتفع عدد القتلى إلى 97 بينهم 24 طفلاً سقطوا منذ عشرة أيام إضافة إلى عشرات الجرحى.
وأظهرت لقطات فيديو لهواة نشرت على مواقع معارضة، تحليق طائرة حربية فوق بلدة عربين ثم تصاعد دخان كثيف من أحد المباني. كما نشرت جماعة الخوذ البيضاء المعنية بجهود الدفاع المدني، لقطات مصورة تظهر أفرادها يقدمون المساعدة لمصابين في عربين وحرستا في أعقاب ما بدا أنها ضربات جوية.
وتشكل الغوطة الشرقية «الخاصرة الرخوة» للنظام السوري، مع صمود الفصائل المعارضة فيها وقدرتها رغم الحصار المحكم على استهداف العاصمة، ما يرجح وفق محللين، توجه دمشق لحسم عسكري في المنطقة بعد انتصارات على جبهات أخرى.
وتحظى هذه المنطقة المحاصرة بشكل محكم منذ العام 2013 بأهمية مزدوجة لدى الفصائل المعارضة، كونها آخر أبرز معاقلها، وكذلك لدى القوات النظامية التي تسعى لضمان أمن دمشق، بعدما تمكنت من استعادة السيطرة على أكثر من نصف مساحة سوريا.
وتكثف قوات النظام السوري قصفها على بلدات ومدن في الغوطة الشرقية منذ أسبوع، رداً على هجوم شنته فصائل وإسلامية على مواقعها قرب مدينة حرستا. وتدور معارك عنيفة بين الطرفين.
ويقول مدير أبحاث الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما جوشوا لانديس لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «استمرار مقاومة الفصائل في الغوطة الشرقية بات مسألة محرجة وعبئاً كبيراً على نظام الأسد، كونه يقدم نفسه المنتصر في الحرب، ويأمل في إقناع المجتمع الدولي بأنه يواجه معارضة لا تذكر موزعة على جيوب» في مناطق محدودة.
واستعادت قوات النظام تدريجياً منذ 2015 زمام المبادرة ميدانياً، بعدما تمكنت من إلحاق سلسلة هزائم بالفصائل وتنظيم داعش في آن معاً. ولعب التدخل العسكري الروسي إلى جانبها دوراً حاسماً في ذلك. وغالباً ما تنفذ الطائرات الروسية غارات على بلدات ومدن الغوطة الشرقية.
ويوضح مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن في تصريحات لـ«الوكالة» أن «الغوطة الشرقية هي فعلاً الخاصرة الرخوة للنظام، لأن الفصائل الموجودة فيها قوية، وتهدد دمشق بشكل مباشر». وتسيطر الفصائل المعارضة على أكثر من مائة كيلومتر مربع من الغوطة الشرقية. ويعيش في تلك المناطق المحاصرة، وفق الأمم المتحدة، نحو 400 ألف شخص.
وأوقعت الغارات الكثيفة والقصف الذي يستهدفها آلاف القتلى والجرحى منذ اندلاع النزاع في العام 2011، بحسب «المرصد».
وبعد إقرار اتفاق خفض التصعيد الذي يشمل الغوطة الشرقية، تراجعت وتيرة القتال والقصف لفترات محددة، قبل أن يتعرض الاتفاق لانتهاكات كبرى آخرها قبل أسبوع. وتسبب الحصار أيضاً في حالات سوء تغذية حادة وبنقص في الخدمات الطبية الأولية. وتحذر منظمات دولية بانتظام من مأساة إنسانية حقيقية في المنطقة.
ورغم تفاقم معاناة المدنيين المحاصرين، لا يزال لدى الفصائل المعارضة والإسلامية «حاضنة شعبية»، إذ إن الآلاف من المقاتلين فيها من أهالي المنطقة، بحسب رامي عبد الرحمن. ويعد «جيش الإسلام» الفصيل المعارض الأقوى في المنطقة، ويسيطر على الجزء الأكبر منها، ويشمل بلدة دوما ومحيطها وبلدات النشابية ومسرابا وسواها. ويعد هذا الفصيل شريكاً في اتفاق خفض التصعيد، وهو ممثل على طاولة المفاوضات في جنيف.
ويسيطر «فيلق الرحمن» ثاني أكبر الفصائل على ما يسمى بالقطاع الأوسط الذي يضم بلدات عدة، أبرزها عربين وحمورية ومديرا. ولـ«هيئة تحرير الشام» (النصرة سابقًا) وجود محدود في هذا القطاع يقتصر على بعض المقرات. وتنفرد حركة «أحرار الشام» الإسلامية من جهتها بالسيطرة على بلدة حرستا ومحيطها على أطراف الغوطة الشرقية من جهة دمشق. وتخوض منذ أسبوع إلى جانب «هيئة تحرير الشام» معارك عنيفة ضد قوات النظام تمكنت خلالها من حصار إدارة المركبات، القاعدة الوحيدة للجيش في الغوطة الشرقية. ويتوقع المحلل المتخصص في الشأن السوري في مؤسسة «سنتشوري للأبحاث» سام هيلر، أن «يصعّد النظام عملياته لرد هجوم الفصائل واستعادة تلك المنطقة، مهما كلفه الأمر من قوات وتعزيزات».
ويتحدث لانديس عن «إعادة تموضع القوات السورية للقتال في حماة (وسط) والغوطة الشرقية بعد إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش» في شمال وشرق سوريا.
وإذا كان مسار الأمور يتوجه «نحو حسم عسكري لصالح النظام في مناطق سيطرة (فيلق الرحمن) و(أحرار الشام) و(هيئة تحرير الشام)، فإن واقع الحال مختلف في مناطق سيطرة (جيش الإسلام)»، وفق هيلر، إذ يمثل هذا الفصيل «قوة عسكرية لا يستهان بها ويسيطر على كتلة سكنية كبيرة من الصعب على النظام هضمها» بحسب هيلر. كما أن من شأن «انخراطه في محادثات جادة مع الجانب الروسي أن يؤدي إلى حل تفاوضي يبقيه في مكانه بعد تقديم تنازلات» معينة.
الطيران يكثف قصفه على الغوطة الشرقية
خبير يعتبر استمرار الفصائل {عبئاً كبيراً} على نظام الأسد
الطيران يكثف قصفه على الغوطة الشرقية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة