المكسيك بانتظار القرار الأميركي حول اتفاق التجارة

مونتريال ستحتضن جولة مهمة من المفاوضات

عائلات مكسيكية مشتتة بين أميركا والمكسيك في لقاء عبر جدار حدودي بين البلدين (أ.ف.ب)
عائلات مكسيكية مشتتة بين أميركا والمكسيك في لقاء عبر جدار حدودي بين البلدين (أ.ف.ب)
TT

المكسيك بانتظار القرار الأميركي حول اتفاق التجارة

عائلات مكسيكية مشتتة بين أميركا والمكسيك في لقاء عبر جدار حدودي بين البلدين (أ.ف.ب)
عائلات مكسيكية مشتتة بين أميركا والمكسيك في لقاء عبر جدار حدودي بين البلدين (أ.ف.ب)

تحتضن مونتريال الكندية بين 23 و28 من الشهر الحالي جولة المحادثات السادسة في إطار تعديل اتفاقية التجارة الحرة بين بلدان أميركا الشمالية (المكسيك، وكندا والولايات المتحدة) التي تعرف اختصاراً باسم «تي إل سي»، وهي الاتفاقية التي وعد الرئيس الأميركي دونالد ترمب في إدخال تعديلات جوهرية عليها من أجل العودة بالنفع على التجارة الأميركية، وبخاصة بعد سلسلة وعود انتخابية أشار فيها الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن بلاده ستعمل على تحسين أداء الاتفاقية بما يعود بالنفع في التجارة الأميركية كافة.
الجولة القادمة وصفها عدد من الخبراء الاقتصاديين والسياسيين في المكسيك ببالغة الأهمية؛ وذلك لأنها تأتي قبل ستة أشهر من الانتخابات الفيدرالية في المكسيك، التي ستبدأ الحملات فيها من شهر مارس (آذار) المقبل، كما ستعقد الانتخابات في شهر يوليو (تموز) من العام الحالي، وبالتالي فإن ما سيخرج من تلك الجولة قد يغير المشهدين السياسي والاقتصادي في المكسيك.
ومن المتوقع أن يحضر الاجتماعات عدد كبير من الوزراء من بلدان الاتفاقية الثلاث، وهو الشيء الذي لم يحدث على مدار جولات المحادثات السابقة؛ مما يعطي الأهمية لتلك الجولة، ويجعل الأوساط السياسية في المكسيك غير بعيدة من الخوف بشأن الوفد الأميركي، الذي قد يأتي تلك الجولة لنسف المحادثات والخروج كلياً من الاتفاقية التجارية التي استمرت لمدة 24 عاماً استفادت المكسيك من خلالها الكثير.
ويقول الباحث الاقتصادي اللاتيني أغناسيو بارتيساغي: «إن على المكسيك التريث وعدم التسرع في أي قرار؛ لأن كل ما تحتاج إليه هو شراء الوقت؛ وذلك حتى لا تخرج نتائج المفاوضات قبل الانتخابات؛ لأن أي نتيجة للمفاوضات حالياً قد تؤثر بشكل دراماتيكي على نتيجة الانتخابات المقبلة، وتغير المشهد السياسي في المكسيك، كما أن الاقتصاد المكسيكي قد يتباطأ وتنهار عملة (البيزو)؛ مما قد يلحق الضرر الكارثي بالبلاد».
في هذه الأثناء، ومع استمرار الضغوط الأميركية على الجارة المكسيكية، طالب الرئيس الأميركي ترمب الكونغرس في بلاده بتخصيص 18 مليار دولار لبناء المرحلة الأولى من سور حدودي مع المكسيك.
وقالت تقارير إعلامية: إن هذا المبلغ هو لبّ الطلب الذي عرضه السيناتور الديمقراطي ديك دوربين، ويغطي فترة عشرة أعوام.
وجعل ترمب، وفقاً للطلب، موافقة الكونغرس على هذا المبلغ إضافة إلى 15 ملياراً لتغطية الإجراءات الحدودية الأخرى، شرطاً لإصدار قانون يسمح لنحو 800 ألف مهاجر غير شرعي من الشباب بالبقاء داخل الولايات المتحدة.
كان ترمب أوقف العام الماضي برنامجاً أعد في فترة حكم الرئيس السابق أوباما يقضي بإعطاء هذه الفئة من المهاجرين الذين نقلهم آباؤهم وأمهاتهم بشكل غير قانوني إلى الولايات المتحدة في مرحلة الطفولة، تصاريح عمل مؤقتة كبداية. ومنذ ذلك الوقت يحاول ترمب أن يستخدم مصير هذه الفئة التي أطلق عليها «الحالمون» من الشباب «رافعة» من أجل تمويل خطط بناء السور على حدود المكسيك. كان ترمب وعد خلال حملته الانتخابية بأن يطلب من المكسيك نفسها دفع تكاليف بناء السور. ويسعى السيناتور دوربين في محادثاته مع الجمهوريين المعتدلين لإيجاد حل يعطي هؤلاء الفئة من المهاجرين حق البقاء في الولايات المتحدة. وأصبحت هذه المفاوضات أكثر صعوبة بعد تقديم الطلب الذي طرحه ترمب. ومن الممكن أن يمثل طلب الرئيس ترمب هذا خطراً على المساعي الرامية لإصدار خطة الموازنة بحلول التاسع عشر من يناير (كانون الثاني) الحالي: وإلا فقدت الحكومة الأموال المخصصة لذلك.
ويرفض الديمقراطيون بصورة قاطعة الموافقة على تدبير تكاليف خطط بناء السور.
يجدر بالذكر، أن مشروع السور الذي يطلب تمويله الرئيس ترمب سيكون بطول نحو 500 كيلومتر، إضافة إلى تدعيم منشآت أخرى قائمة على مساحة 560 كيلومتراً من مبلغ 18 مليار دولار قام الرئيس الأميركي بطلبه من الكونغرس؛ وهو ما يجعل أكثر من نصف طول الحدود مع المكسيك معززاً بسور فاصل ومنشآت أخرى، وذلك في إطار الوعود الانتخابية الأميركية بتخفيف الهجرات الواردة للولايات المتحدة، وبخاصة القادمة من المكسيك الدولة المجاورة للولايات المتحدة، التي تعتبر مقصداً مهماً لراغبي الدخول إلى الولايات المتحدة بشكل غير شرعي.



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».