أوروبا تعيش قلق العائدين من «المهجر المتطرف»

مخاوف من تحول المقاتلين الأجانب إلى «خلايا نائمة»

مقاتل أجنبي في ولاية الرقة قبل اندحار التنظيم وهزيمته («الشرق الأوسط»)
مقاتل أجنبي في ولاية الرقة قبل اندحار التنظيم وهزيمته («الشرق الأوسط»)
TT

أوروبا تعيش قلق العائدين من «المهجر المتطرف»

مقاتل أجنبي في ولاية الرقة قبل اندحار التنظيم وهزيمته («الشرق الأوسط»)
مقاتل أجنبي في ولاية الرقة قبل اندحار التنظيم وهزيمته («الشرق الأوسط»)

يستحيل اجتثاث التنظيمات المتطرفة وإغفال ما تخلفه وراءها من مقاتلين شرسين يعودون إلى أوطانهم بلوثة أفكارهم وشراسة رغباتهم بإلغاء وتدمير الآخرين، إذ يستحيل أبناء جلدتهم أغراباً عنهم ينبغي القضاء عليهم. تحتّم هذه الإشكالية التوغّل في كيفية معالجة المقاتلين العائدين من «المهجر المتطرف»، إذا كان من سبيل لإعادة تأهيلهم.

إذ يختلف ذلك حسب الحالة النفسية للمقاتل ومدى تشبّعه بالأفكار المتطرفة، وقناعته بمبادئها، أضف إلى ذلك مبلغ مركزه في التنظيم؛ إذ من النادر أن يرضخ قيادي في التنظيم للأنظمة والقوانين الدولية، بل يفضّل الموت في سبيل قضيته التي سيخسر إن تركها كل صلاحياته وامتيازاته. يبقى على وجه العموم ملف المقاتلين الأجانب شائكاً صعب المعالجة، الأمر الذي حدا بعدد من الخبراء في مجال الأمن والإرهاب بأن يفضلوا إبادتهم والتخلص من فكرهم لدرء متاعبهم عن أوطانهم إن قرروا العودة إليها. ويتجلّى ذلك عبر تأكيد المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص بالتحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش بريت ماكغورك حرص التحالف على التخلص من مقاتلي «داعش» المتبقين في سوريا وقتلهم هناك.
منذ إعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الانتهاء من تحرير «آخر معاقل» تنظيم داعش في العراق والتخلص من مناطق هيمنة التنظيم، تصاعد القلق الدولي حيال الأعداد الكبيرة من المقاتلين الأجانب ممن لاذوا بالفرار وتوجهوا ناحية الصحراء محملين بفكرهم المتطرف وعزمهم على نقل التخريب والدمار في أماكن أخرى.
وتتمحور الخطورة في المقاتلين الأجانب على وجه التحديد، خصوصاً أولئك العائدين إلى أوطانهم ممن يعزمون على الانصهار بالمجتمع كأشخاص أسوياء، إلا أنهم عبارة عن خلايا نائمة على استعداد للهجوم من جديد في حال تم استنهاضهم من خلال أعضاء آخرين للتنظيم، سواء كان ذلك عبر عمليات أحادية كـ«ذئاب منفردة»، أم من خلال أعمال مشتركة؛ فعدم وجود بيئة خصبة كمعقل للتنظيم حتّم نقل ساحة العراك الداعشي من مناطق الاضطراب السياسي إلى النواحي الآمنة من العالم، وتحويل السلطة التنظيمية لها من مناطقية شملت العراق وسوريا إلى سلطة إلكترونية تتواصل مع المتعاطفين والمنضمين للتنظيم عن بُعد بوسائل متنوعة تتغير حسب مدى تضييق خناق السلطات عليها، فعلى الرغم من القيود والرقابة المكثفة التي تمارسها السلطات الدولية إلكترونياً، فإن تصريحات المتطرفين والبث المرئي لهم والتوجيهات للمؤيدين لم تتلاشَ من الوجود.
وقد تصاعد في الدول الأوروبية على وجه التحديد قلق تغلغل المقاتلين لديهم، مما أثقل كاهل السلطات الأمنية لديهم، لا سيما مع تصاعد عدد اللاجئين والأقليات في تلك الدول، ممن يحمل قابلية الشعور بالتهميش والاختلاف عن الآخرين، مما يفضي لسهولة انقيادهم نحو التطرف، ومن ثم الانضمام لتنظيمات إرهابية، خصوصاً إذا ما قوبل بأعضاء داعشيين حملوا مجد خوض تجربة «الخلافة الداعشية» الغابرة، فيصبح خطاب الكراهية ومبادئ القتل والتخويف جاذبة، وفكرة دخولهم معسكرات تدريبية للقتال أو حتى مجرد المشاركة في ساحات المعارك وقتل الأبرياء مسببات لتعظيمهم والأخذ بتوجهاتهم.
بعيداً عن التنظير، فإن عدداً من الحيثيات تعكس جهود تنظيم داعش الحثيثة نحو استعادة مجده المنحسر من خلال تكثيف تخطيطه ونقل توجهاته التخريبية إلى القارّة الأوروبية، حسب تقرير صدر من مركز بحوث تسلح الصراعات، فإن ثلث أسلحة تنظيم داعش المكوّنة من بنادق آلية وقاذفات الذخائر صُنِعت في الاتحاد الأوروبي في عدة دول، مثل رومانيا والمجر وبلغاريا. وهو الأمر ذاته الذي حذر منه الخبير المختص بالإرهاب البروفسور بروس هوفمان، إذ نوه بأن آلاف المقاتلين الأجانب قد لاذوا بالفرار من مناطق الصراع، وعدد كبير منهم يقبع في دول البلقان في انتظار الفرص المناسبة للتغلغل في بقية الدول الأوروبية. ذلك التوجه الداعشي نحو المدن الأوروبية بعد خسارة معاقله لا يتأتى بسبب سعيه لإيجاد مناطق أخرى وطرق بديلة للتنظيم، بعد أن قام التحالف الدولي بتشريده من مناطق النزاع وقتل أعداد كبيرة من أعضائه فيها.
يأتي ذلك أيضاً سعياً في استغلال التركيبة الديموغرافية لأوروبا، المؤلفة من أقليات من الممكن استغلال أو إقناع البعض منهم بالانضمام. كما أن من الصعب تقصي واكتشاف الخلايا النائمة المتخفية داخل المجتمع، التي تم غرسها، فمن الصعب تمييزها عن الآخرين، خصوصاً أن هناك فعلياً عدداً من المقاتلين العائدين من ساحات القتال، وهم محملون بخيبة الأمل في تنظيم داعش، سواء نتيجة توغّله في العنف والسعي في إبادة الآخرين أو كونه مغايراً للشعارات الدينية أو الوطنية التي كان ينادي بها من أجل تحرير العراق أو سوريا على سبيل المثال، أو حتى على اعتبار أن معاقلهم بمثابة ملاذ للمتطرفين.
تلك الخيبة تزداد مع استيعاب حقيقة التنظيم واكتفائه بالعنف والقتل والتخريب وتغافل الشعارات التي استقطب بها الآخرين من قبل. مثل هذه الفئة الراغبة في الاندماج في المجتمع قابلة لإعادة التأهيل، وإن كان من الصعب تحديد نسبة هؤلاء المتطرفين «التائبين»، لا سيما لدى المختصين بالأمن ممن يفضلون القضاء على المشكلة من الأساس عبر التخلص من المقاتلين الأجانب.
يؤكّد الخبير المختص في قضايا الإرهاب ديفيد أوتو أن «(الجهاديين) لا يتركون (الجهاد) وراءهم فقط، لأن خلافتهم قد انهارت، ولا يمكن لمقاتليهم أن يختفوا عن الوجود، فهم يجدون من الضروري إيجاد محيط بديل لهم، حيث يكون من السهل لهم الانخراط مع الآخرين، كتوجه البريطانيين إلى تركيا والأفارقة إلى ليبيا وهكذا دواليك».
وهو في وصفه يشير إلى فئة المقاتلين ممن تترسخ في أعماقهم قناعة بمسببات القتال، أو أولئك الساعين نحو القتل والتخريب ممن يحملون مسببات نفسية للقيام بذلك، وقد تلقف فرصة وجود تنظيم يدعمه سواء لوجيستياً وتدريبياً أو حتى الاكتفاء بالمعنوي من أجل تحفيزه لارتكاب الهجمات الإرهابية. وقد تم استغلال الخلايا النائمة في أوروبا من أجل إثارة الرعب فيها عبر هجمات تتفاوت ما بين المتخبطة التي تماثل الجرائم الفردية من خلال الطعن أو الدهس مما لا يتطلب تخطيطاً شاقاً، مثل حادثة الدهس في جادة لا رامبلا السياحية في برشلونة، وحادثة الدهس الأخرى في مناسبة عيد الميلاد في برلين العام الماضي، وفي نيس في العام الذي يسبقه، وتلك التي قام فيها كوسوفي بارتكاب هجوم بواسطة فأس في محطة القطارات الرئيسية في دوسلدورف، وتهجّم رجل مسلح بسكين على متجر في هامبورغ، مما يشابه إلى حد كبير الجرائم العشوائية، وأخرى تنمّ عن تخطيط دقيق مثل حادثة محاولة اغتيال رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، وإن تمّ إحباطها، وقد تبيّن فيما بعد أن مرتكبي جميع تلك الحوادث لديهم ارتباط بتنظيم داعش، سواء كان مباشراً أم مجرد اكتفاء بالحصول على الدعم المعنوي. ولا بد أن حوادث الدهس والطعن العشوائية في أوروبا التي تكرّرت تعكس ضعف التنظيم وصعوبة مقدرته على التخطيط المحبوك لهجومٍ كبير، مع الاحترازات الأمنية المتشددة أخيراً، ويقابلها في الوقت ذاته سهولة استخدام عنصر المفاجأة والهجوم العشوائي في المناسبات التي يحتشد فيها الناس، إضافة إلى السهولة النسبية لتحريض الذئاب المنفردة، وهم غالباً عبارة عن شخوص معتلين نفسياً ينسبون المسببات الاجتماعية والدينية لحاجتهم إلى أن ينفذوا مثل هذه الهجمات الإرهابية السهلة، وإن تسبب ذلك بمقتله. وقد شنّت بالفعل حسابات نسبت لتنظيم داعش حملات مكثفة من أجل تحريض الذئاب المنفردة على استهداف الأوروبيين والتخطيط لهجمات إرهابية بالأخص في مناسبات الأعياد الرسمية مثل عيد الميلاد ورأس السنة. بل إنه في إحدى الرسوم التي نشرتها هذه الحسابات ظهر شخص ملثم ممسكاً بلعبة على صورة «بابا نويل» في إشارة إلى استهداف هذه المناسبة وفي الوقت ذاته تحفيز الخلايا النائمة في أوروبا للتيقظ والبدء باستغلال أماكن اكتظاظ الناس من أجل تنفيذ هجمات تثير الرعب، من خلال قتل أكبر عدد ممكن من الضحايا.
وإن كان ذلك لا يمنع سعي تنظيم داعش إلى إيجاد الفرصة لارتكاب جرائم إرهابية كبيرة لا تكتفي بالاعتماد على الذئاب المنفردة، ويعزز من ذلك الاحتمال أعداد المقاتلين الأوروبيين العائدين إلى أوطانهم وغالبيتهم يحملون الجنسية الفرنسية والبريطانية والألمانية، ويقدّر عدد العائدين بنحو 1200. الأمر الذي رفع من حجم الحذر المتوخى من قبل السلطات الأمنية في أوروبا، وإيجاد الطرق المثلى للكشف عن المتطرفين لديهم. وقد تبنّت أجهزة الأمن الألمانية أخيرا نظاماً جديداً لتقييم المتطرفين أطلقت عليه اسم «رادار داعش»، وهو نتاج فريق عمل مكون من خبراء في مجالات الإرهاب والجريمة وأكاديميين مختصين في علم النفس والاجتماع. ويتجلى الكشف عن الإرهابيين من خلال وضع مفردات للكشف المبكر عنهم. وعلى الرغم من أن مثل هذه الاحترازات قد ترفع سقف الأمن في أوروبا، فإنها قد تفضي إلى التنميط بناء على العرق أو الدين، مما قد يؤجج من تصاعد الإسلاموفوبيا، وبالتالي التعامل مع كل شخص عربي أو مسلم على أنه إرهابي محتمل، في الوقت الذي تدفع الهجمات الإرهابية إلى زيادة الهوة بين الثقافات، والتقليل من فرص إعطاء المتطرفين خيار الاندماج مع مجتمعاتهم من خلال إعادة تأهيلهم. لا سيما أن المراقبة المستمرة والتشكيك في مدى تنصلهم من الفكر الإرهابي يقللان من فرص الدمج ومعاودة الحياة الطبيعية، بالأخص مع ظهور عدد من خبراء الأمن ممن يحمل صرامة في القرارات وتفضيل إبادة المقاتلين الأجانب في مناطق النزاع عن عودتهم لأوطانهم.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».