كيف يرى العالم احتجاجات إيران؟

رغم محاولات التعتيم الإعلامي من قبل السلطات المحلية في إيران، والتصريحات المقللة من شأن الاحتجاجات التي بدأت الأسبوع قبل الماضي، لا تزال تحظى التظاهرات في الكثير من المدن الإيرانية ضد غلاء المعيشة والفساد والتدخلات الخارجية للنظام باهتمام الصحف العالمية.
وقالت صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية الصادرة اليوم (الأحد) إنه ليس هناك أي دليل على أن الاحتجاجات مدبرة من جانب وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) أو دول خارجية أخرى، كما زعم النظام الإيراني.
وأضافت الصحيفة في تقرير لها «أن الاحتجاجات الحالية تعد رد فعل على مظالم حقيقية، كما أنها انتشرت إلى خارج العاصمة» على عكس احتجاجات 2009 بعد مزاعم تزوير الانتخابات الرئاسية التي فاز بها محمود أحمدي نجاد على حساب مير حسين موسوي. وتابعت: «يظل مرتقباً إلى أي مدى سوف تسير الاحتجاجات. إن زعم قادة الحرس الثوري بأنه تم الانتصار على (العصيان) يبدو سابقاً لأوانه. فالاحتجاجات استمرت بعد ذلك».
وبينما استبعدت الصحيفة أن تؤدي الاحتجاجات إلى سقوط النظام في إيران، إلا أنها رأتها «تمثل تحذيراً، وتُظهر لنظام ينفق أمواله على تأسيس إمبراطورية فارسية جديدة، أن لديه مشكلات خطيرة».
وفي تغطيتها للاحتجاجات، عنونت صحيفة «الغارديان» البريطانية تقريرها المنشور الأحد بـ«إيران تطلق موجة اعتقالات في إطار سعي النظام لقمع الاحتجاجات»، وذلك تعليقاً على اعتقال عشرات الطلاب ضمن نحو 1000 شخص اعتقلتهم السلطات الإيرانية منذ بداية الاحتجاجات. وبينما شكلت جامعة طهران لجنة لمتابعة مصير الطلاب المحتجزين، والبالغ عددهم 90 طالباً، قال النائب عن مدينة طهران وعضو لجنة التعليم في البرلمان الإيراني محمود صادقي أمس (السبت)، إنه «ليس معروفاً بعد مكان احتجازهم... وكذلك لا يزال غير معروف الجهاز الذي قام باحتجازهم».
وتتهم منظمة العفو الدولية إيران بملاحقة «مروعة» واعتقالات بحق المتظاهرين السلميين.
ونقلت شبكة «سي إن إن» الإخبارية عن فيليب لوثر الباحث ومدير المنظمة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قوله «بالنظر إلى التصاعد المقلق لموجة الاعتقالات الحالية، فمن المرجح كثيراً أن الكثير من هؤلاء المحتجزين هم متظاهرون سلميون تم احتجازهم تعسفياً، ويجدون أنفسهم الآن في السجون، حيث الظروف المأساوية والتعذيب أداة منتشرة لاستخلاص الاعترافات ومعاقبة المعارضين».
ودعا أربعة من خبراء حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، طهران، الجمعة، إلى احترام حقوق المتظاهرين، والسماح بحرية التعبير عن الرأي والتجمع، بعد مقتل 21 شخصاً في الاحتجاجات التي بدأت في 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وشهدت اعتقال المئات.
صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية أوضحت، في تقرير لها، أمس (السبت)، أن الظروف الاقتصادية هي المحرك الرئيسي وراء الاحتجاجات، بعدما خسر كثيرون أموالهم ومدخرات جمعوها طوال حياتهم بعد إغلاق مؤسسات ائتمانية غير مرخصة بشكل مفاجئ في السنوات الأخيرة.
وعلى تطبيق «تلغرام» المنتشر على نطاق كبير في إيران، كتبت سيدة مسنة من مدينة مشهد (مهد الاحتجاجات الأخيرة)، خسرت أموالها بعد إغلاق مؤسسة مصرفية بتهمة الاختلاس قبل ثلاث سنوات: «لماذا لا يعيد إليَّ أحد أموالي؟». وأضافت: «لا يمكنني التحرك، ولدي نفقات، ويتعيّن عليَّ دفع الرعاية الصحية».
ونقلت الصحيفة عن سوزان مالوني الباحثة في شؤون الشرق الأوسط بمؤسسة «بروكينغز» قولها: «البنوك تغلق بدون أي نوع من الإشعار، وتخلق رد فعل سياسي واقتصادي سلبي على المستوى المحلي».
وتقول «واشنطن بوست» إنه على الرغم من إعلان مركز إحصاء إيران الحكومي عن نسبة بطالة بلغت 11.7 في المائة، فإن اقتصاديين يعتقدون أنها قد تكون أعلى من ذلك بكثير، وذلك على خلفية برنامج التقشف الضريبي الذي نفذه الرئيس حسن روحاني، وأضرَّ بالوظائف، رغم نجاحه في خفض معدل التضخم.
وأشارت الصحيفة كذلك إلى الانتقادات التي وجهها المتظاهرون لتخصيص 8 مليارات دولار للحرس الثوري، ورفضهم إنفاق الأموال على تدخلات إيران في الحروب الإقليمية، بما فيها سوريا والعراق. وأوضحت أن المؤسسات الدينية، وبعضها معفى من الضرائب، حصلت على دعم في الموازنة الجديدة، بما في ذلك زيادة 20 في المائة لممثلي المرشد علي خامنئي بالجامعات الإيرانية، بينما ترتبط المنظمات الدينية التي يشرف عليها مكتب خامنئي ببعض المؤسسات المصرفية التي تم حلها، ومعها ضاعت مدخرات الإيرانيين.
واختتمت «واشنطن بوست» تقريرها قائلة إن «روحاني باع الاتفاق النووي للإيرانيين كشيء حيوي لإعادة إحياء الاقتصاد المريض»، مشيرة إلى أن الإيرانيين شعروا بالإحباط لعدم تسارع معدل النمو، لافتة إلى أن 74 في المائة لم يروا تحسناً اقتصادياً كنتيجة للاتفاق النووي، بحسب استطلاع أجراه مركز الدراسات الدولية والأمنية في ميرلاند في يوليو (تموز) الماضي.
ويعقد مجلس الشورى الإيراني جلسة مغلقة اليوم خصصها لمناقشة الاحتجاجات، حيث من المقرر الاستماع إلى وزير الداخلية عبد الرضا رحماني فضلي، ووزير الاستخبارات محمود علوي، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني.
وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أن اجتماع مجلس الشورى سينصرف إلى البحث في أسباب الاحتجاج ورد السلطات، فيما يناقش النواب مشروع الموازنة للسنة الإيرانية 1397 التي تبدأ في 21 مارس (آذار).
وسيناقش النواب أيضاً مسألة القيود المفروضة على شبكة «تلغرام» الاجتماعية، الأكثر شعبية في إيران، خلال الاحتجاجات.
وكتب بهروز نعمتي، المتحدث باسم رئاسة مجلس الشورى على صفحته في «إنستغرام»، أن «مجلس الشورى لا يؤيد استمرار التدقيق في شبكة (تلغرام)، لكن عليها أن تعطي التزامات حتى لا يستخدمها أعداء الشعب الإيراني».
ورفع الأربعاء الإغلاق الذي فرض على شبكة «إنستغرام» لتقاسم الصور، لكن «تلغرام» التي يستخدمها أكثر من 25 مليون شخص يومياً، ما زالت تواجه قيوداً؛ فالوصول إلى الشبكة ما زال متعذراً عبر الجوال، إلا إذا تم استخدام شبكة افتراضية خاصة.
ودعمت الولايات المتحدة، المتظاهرين، منذ اليوم الأول للاحتجاجات، وأكد الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن «العالم يراقب» ما يجري في إيران، كما وعد بتقديم «دعم كبير في الوقت المناسب» في تغريدات على «تويتر». ودبلوماسياً، دعت واشنطن إلى اجتماع عاجل لمجلس الأمن عقد يوم الجمعة الماضي لمناقشة الاحتجاجات، فيما حذرت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي السلطات الإيرانية من أن العالم يراقب ردها على الاحتجاجات المناهضة للحكومة. وقالت إن «النظام الإيراني بات الآن على علم بأن العالم سيراقب ما سيفعله».
وأبدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مكالمة هاتفية مع روحاني، الثلاثاء، قلقه بعد سقوط قتلى في الاحتجاجات، وحثَّ على إظهار ضبط النفس في التعامل مع المتظاهرين، فيما تم إرجاء زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان لطهران إلى وقت لاحق.
وزعم الحرس الثوري الإيراني في بيان اليوم (الأحد) نجاحه في كسر الاحتجاجات، مضيفاً أن «الشعب وقوات الأمن أخمدوا الاضطرابات التي أثارها أعداء أجانب وجماعات معارضة» على حد وصفه.
وأوضح البيان أن عشرات الآلاف من قوات «الباسيج» والشرطة ووزارة الاستخبارات ساهموا مع الشعب في «كسر سلسلة الاضطرابات»، متهماً دولاً خارجية، من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا، بالتسبب فيها.
ورغم محاولات القمع من جانب الأمن الإيراني، تتواصل المظاهرات الليلية في الكثير من المدن الإيرانية، ويتداول ناشطون مقاطع مصورة للاحتجاجات التي تجوب شوارع مدن كرج غرب طهران وأصفهان وميناء معشور جنوب البلاد.
وعمت المظاهرات المؤيدة للاحتجاجات الكثير من المدن والعواصم الغربية، إذ تظاهر المئات أمام السفارة الإيرانية في باريس، منددين بقمع الاحتجاجات، كما تم تنظيم مسيرة ضخمة السبت، انطلقت من أمام البيت الأبيض في العاصمة الأميركية واشنطن دعماً للاحتجاجات.
وفي ألمانيا، تظاهر المئات في مدينتي برلين وهامبورغ السبت دعماً للاحتجاجات في إيران. وقال منظمو الاحتجاجات إن نحو 1300 شخص تجمعوا عند بوابة براندنبورغ بالعاصمة الألمانية. وتوافد بعض مؤيدي المسيرة من هانوفر وهامبورغ وكولونيا ومناطق أخرى. وفي هامبورغ نفسها تجمع نحو 300 متظاهر لإظهار معارضتهم للقيادة الإيرانية، وفقاً لأرقام الشرطة. ورفع المتظاهرون لافتات مكتوبا عليها «يسقط روحاني ويسقط خامنئي».