سلطات جنوب السودان تشدد الأمن بعد هجوم لقوات مشار قرب جوبا

TT

سلطات جنوب السودان تشدد الأمن بعد هجوم لقوات مشار قرب جوبا

بدأت دولة جنوب السودان في وضع إجراءات أمنية مشددة بعد محاولة قوات المعارضة المسلحة الرئيسية، بزعامة نائب الرئيس السابق ريك مشار، الهجوم على بلدة تقع قرب العاصمة جوبا، في وقت نفى فيه متحدث باسم المعارضة مسؤوليتها عن الاشتباكات التي وقعت أول من أمس، وعدها مجرد صراعات داخل الجيش الحكومي.
وقال مصدر في الجيش الشعبي الحكومي، فضّل عدم تعريفه، لـ«الشرق الأوسط» إن الجيش والأجهزة الأمنية اتخذوا إجراءات أمنية داخل وحول العاصمة جوبا، خاصة في المناطق الغربية من المدينة، مشدداً على أنه تم نشر قوات كبيرة على الأجزاء الغربية من جوبا، والقيام بعمليات تفتيش للداخلين إلى العاصمة.
وكانت قوات المعارضة المسلحة الرئيسية قد نفذت هجوماً على منطقتي كوبري هابونا وليمون غابة، غرب عاصمة البلاد جوبا، وخلفت الاشتباكات حالة من الذعر وسط المواطنين، مما دفع السلطات إلى اتخاذ إجراءات أمنية مشددة.
وتضاربت المواقف داخل المعارضة المسلحة حول الجهة المسؤولة عن هذا الهجوم، حيث نفى المتحدث باسمها لام بول غابريال في بيان اطلعت عليه «الشرق الأوسط» مسؤولية قواته عن الهجوم الذي وقع قرب العاصمة جوبا، وقال إن الاشتباكات التي وقعت «كانت بين أنصار الحكومة نفسها. واتهام قواتنا بالتسبب في المعارك عار عن الصحة تماماً... وهذه محاولة من نظام جوبا لعرقلة عملية السلام».
في المقابل، اعترف تشان قرنق لوال، وهو قيادي عسكري في المعارضة في تصريحات نقلها موقع (سودان تربيون) بأن قواته هاجمت مواقع الحكومة ليلة الخميس الماضي، وقال إن الحكومة «غير مستعدة لتنفيذ وقف إطلاق النار... ونحن نتحمل مسؤولية هذا الهجوم والقتال في جوبا للسيطرة عليها. القوات الحكومية تواصل مهاجمتنا بهدف الحصول على مزيد من المواقع في أجزاء مختلفة، ولذلك لا يمكننا أن نكف أيدينا في الوقت الذي نتعرض فيه للهجوم». واتهم المتحدث باسم الجيش الشعبي الحكومي لول رواي المعارضة المسلحة بمهاجمتها أحد مواقع الجيش في منطقة كافوري غرب العاصمة جوبا، وقال إن القتال «وقع بين القوات الحكومية وجنود المعارضة المسلحة، وتم صد الهجوم».
وكانت الحكومة وفصائل المعارضة المسلحة قد وقعتا اتفاقا في 21 من ديسمبر (كانون الأول) الماضي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا لوقف إطلاق النار، وفتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات للمدنيين، وهو الاتفاق الذي يمهد لبدء مفاوضات أخرى حول السلطة وشكل الحكم في فبراير (شباط) 2018. في غضون ذلك، قالت آلية رصد وقف إطلاق النار والترتيبات الانتقالية في بيان لها، إن اللجنة بدأت تحقيقات في التقارير المتعلقة بانتهاكات وقف الأعمال القتالية في جنوب السودان، وأعربت عن قلقها البالغ إزاء الانتهاكات في ولايات الوحدة، ووسط وغرب الاستوائية. وأضاف البيان أن مراقبي رصد وقف إطلاق النار يتابعون 12 موقعاً من أكثر المناطق المتضررة من النزاع في البلاد، وتواصل رصد الحالة الأمنية.
وكانت حكومة جنوب السودان قد طالبت الأسبوع الماضي المراقبين بالتحقق من التقارير حول الاشتباكات بين الجيش الحكومي وجماعات المعارضة المسلحة قبل نشرها وتوزيع الاتهامات.
وتم تشكيل لجنة رصد ومتابعة وقف إطلاق النار بموجب اتفاق السلام عام 2015 للتحقيق والإبلاغ عن تطبيق الاتفاق على أساس المعلومات الموثوقة المقدمة من الأطراف وغيرها. وقد هددت دول «الترويكا»، التي تضم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والنرويج، والتي شكلت مجموعة دعم لاتفاق وقع في 2005، وأدى لانفصال جنوب السودان عن السودان، بفرض عقوبات فردية أو جماعية على من ينتهكون وقف إطلاق النار.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟