رموز نضال فلسطينية

TT

رموز نضال فلسطينية

> كثرة من العرب والفلسطينيين أنشدت في عقد السبعينات أغنية «لينا» للمغني اللبناني خالد الهبر، كتب كلماتها الشاعر حسن ظاهر وتقول: «لينا طفلة كانت تصنع غدها... لينا سقطت لكن دمها كان يغني للجسد المصلوب الغاضب.. للقدس ويافا وأريحا، للشجر الواقف في غزة.. للبحر الميت في الأردن. يا نبض الضفة لا تهدأ أعلنها ثورة... حطم قيدك.. اجعل لحمك جسر العودة... فليمسِ وطني حراً.. فليرحل محتلي.. فليرحل».

لينا النابلسي

المقصودة بهذه الأغنية هي الفتاة الفلسطينية الصغيرة لينا إسحاق النابلسي التي لم تكن تبلغ في حينه سن الخامسة عشرة.
يوم 16 مايو 1976، لاحق أحد جنود الاحتلال الإسرائيلي لينا التلميذة في المدرسة العائشية في مدينة نابلس، وهي تقود مظاهرة، وحاصرها في أحد مباني المدينة وألقى القبض عليها. شهود عيان قالوا إنها بصقت في وجهه فأعدمها برصاصة في العنق، مع أنها كانت بين يديه لا تقوى على الحركة وكان بإمكانه اعتقالها. وهكذا تحولت لينا النابلسي إلى رمز وطني استمد منه جيل الشباب الفلسطيني الإلهام في مقارعة الاحتلال خلال السنوات اللاحقة، ونموذج للفتاة الفلسطينية المناضلة ضد القهر والاحتلال. وفي عقد الثمانينات ما كاد بيت فلسطيني يخلو من اللوحة التي تصوّرها وهي ملقاة على الأرض والدماء تسيل من شعرها وهي بزيها المدرسي الأخضر. اللوحة رسمها الفنان الفلسطيني ابن القدس سليمان منصور بعدما صادرت سلطات الاحتلال الصورة الأصلية التي تظهرها مضرجة بدمائها بعد قتلها.
أصبحت لينا ثاني شهيدة في مدينة نابلس بعد إلهام أبو غزالة، المقاتلة في صفوف «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، التي استشهدت بانفجار عبوة ناسفة كانت تعدها عام 1968. كذلك كانت لينا النابلسي ثاني شهيدة بالضفة الغربية تقضي برصاص جيش الاحتلال بعد عدوان يونيو (حزيران) 1967.

منتهى الحوراني و«الانتفاضة الأولى»

الشهيدة الأولى كانت منتهى الحوراني (16 سنة) من مدينة جنين، واستشهدت في يوم 11 نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1974، على مقربة من دوار مدينة جنين. وهي أيضاً سارت في مظاهرة ضد عنف الاحتلال فرّقها الجنود بالرصاص الحي، فأصابوها برأسها. وتحوّلت إلى رمز. وللعلم، بعد مقتل لينا، نفذت «الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين» عملية فدائية في الجفتلك بمنطقة غور الأردن يوم 18 أكتوبر (تشرين الأول) 1976، سمتها «عملية الشهيدة لينا النابلسي» وشارك في العملية خمسة مقاتلين، عبروا نهر الأردن وهاجموا معسكراً للجيش الإسرائيلي. ودارت معركة عنيفة قتل خلالها ثلاثة مقاتلين هم مشهور طلب العاروري وحافظ أبو زنط وخالد أبو زياد، في حين عاد اثنان إلى قاعدتهما، في حين قتل ثلاثة وأصيب ستة من جنود الاحتلال.
في تلك الفترة، تصاعد النضال الفلسطيني ضد الاحتلال بمشاركة مختلف الفصائل الفلسطينية المنضوية في منظمة التحرير الفلسطينية. وانطلقت «الانتفاضة الأولى» يوم 8 ديسمبر 1987، وإثرها دعا الرئيس الأميركي جورج بوش الأب إلى مؤتمر مدريد للسلام (عام 1991)، وبدأت مفاوضات على مسارين. وفيها برزت وتألقت د. حنان عشراوي، كناطقة بلسان المفاوضين الفلسطينيين عن منظمة التحرير الفلسطينية، ود. صائب عريقات، ورئيس الوفد د. حيدر عبد الشافي والمناضل المقدسي فيصل الحسيني. تلك الانتفاضة توقفت رسمياً مع الكشف عن «اتفاقيات أوسلو» في 13 سبتمبر (أيلول) 1993. وبرز في هذه «الانتفاضة» ألوف القادة الميدانيين الذين تحولوا إلى رموز للكفاح. وكانت حصيلتها 1162 شهيداً، بينهم 241 طفلاً ونحو 90 ألف جريح ومصاب و15 ألف معتقل فضلاً عن تدمير ونسف 1228 منزلاً. ولاستيعاب هذا العدد الهائل من الأسرى اضطرت إسرائيل إلى فتح عدة سجون. وأبعدت إسرائيل مجموعة من شباب «الانتفاضة» الذين أصبحوا لاحقاً رموزاً وقادة أمثال مروان البرغوثي ومحمد دحلان وجبريل الرجوب وتوفيق الطيراوي وغيرهم.
في تلك الفترة، أيضاً، وجهت إسرائيل لأول مرة ضربة لحركة حماس، التي بدأت محاولات لتحويل الانتفاضة إلى عمل عسكري. وفي ديسمبر 1992 أبعدت 415 شخصية من قادة حماس إلى محيط قرية مرج الزهور اللبنانية. وفي إطار المعركة لأبطال قرار الإبعاد، بقي المبعدون في خيام يرفضون أي توطين. وهبت حملة تضامن عالمية معهم أسفرت عن تحريرهم وعودتهم بعد نحو السنة إلى فلسطين. وبرز من هؤلاء يومها عدد من الشخصيات التي احتلت مواقع قيادية، مثل إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس ود. محمود الزهار عضو المكتب السياسي، ود. عزيز دويك رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، وحسن يوسف قائد حماس في الضفة الغربية، وسامي أبو زهري المتحدث الرسمي. وكان بين القادة البارزين من اغتيل لاحقاً مثل د. عبد العزيز الرنتيسي وإسماعيل أبو شنب وسعيد محمد صيام وصلاح دروزة. وهذا إضافة إلى الشيخ أحمد ياسين، الذي اغتيل هو أيضاً بأيدي إسرائيل عام 2004.

«الانتفاضة الثانية» ومروان البرغوثي

«الانتفاضة الثانية» انطلقت في 28 سبتمبر 2000 إثر دخول أريئيل شارون (رئيس المعارضة الإسرائيلية يومذاك) إلى باحة المسجد الأقصى برفقة حراسه، الأمر الذي دفع جموع المصلين إلى التجمهر ومحاولة التصدي له، فكان من نتائجه اندلاع أول صدامات عنيفة في هذه «الانتفاضة». وفي مرحلة معينة منها، توفي الرئيس الفلسطيني وكبير الرموز، ياسر عرفات، الذي يصر الفلسطينيون على أن إسرائيل قامت بتسميمه. وتوقفت هذه «الانتفاضة»، فعلياً في 8 فبراير (شباط) 2005، بعد اتفاق الهدنة الذي عقد في قمة شرم الشيخ، وجمع الرئيس الفلسطيني المنتخب حديثاً محمود عباس وشارون، الذي أصبح رئيساً للوزراء. واتسمت «الانتفاضة الثانية» مقارنة بسابقتها بكثرة المواجهات المسلحة التي راح ضحيتها 4412 شهيداً فلسطينياً و48322 جريحاً (خسائر إسرائيل 334 قتيلاً عسكرياً و735 قتيلاً مدنياً بمجموع 1069 قتيلاً و4500 جريح). ومرت مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة خلالها بعدّة اجتياحات إسرائيلية منها عمليات «الدرع الواقي» و«أمطار الصيف» و«الرصاص المصبوب».
وكان من أبرز رموزها: مروان البرغوثي (من مواليد 1958)، الذي كان يقود تنظيم حركة فتح الميداني في الضفة الغربية، واعتقلته في عام 2002، وحكمت عليه بالسجن لخمسة مؤبدات، كما برزت صبايا فلسطينيات نفذن عمليات عسكرية، منهن: وفاء إدريس (كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح)، وهبة الضراغمة (سرايا القدس التابعة للجهاد الإسلامي)، وريم الرياشي (كتائب القسام التابعة لحركة حماس)، فضلاً عن عشرات النساء الفلسطينيات اللواتي تحولن إلى أسيرات.
وفي السنتين الأخيرتين تعاظمت هذه الجهود. وراح الإسرائيليون يتحدثون عن «انتفاضة السكاكين»، التي يقصدون بها قيام فلسطينيين أفراد بعمليات طعن لجنود أو مستوطنين. وخلالها تحول بعض الفتية إلى رموز، أمثال إسحق بدران (14 سنة) ومهند حلبي من سكان القدس المحتلة، اللذين قُتِلا بدعوى تنفيذ محاولة طعن.



نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا
TT

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية التي جرت نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فيما حصل أقرب منافسيها باندوليني إيتولا على 26 في المائة فقط من الأصوات. شكَّل فوز نيتومبو الملقبة بـ«NNN»، حلقةً جديدةً في حياة مليئة بالأحداث، عاشتها المرأة التي ناضلت ضد الاحتلال، واختبرت السجن والنفي في طفولتها، قبل أن تعود لتثبت نفسها بصفتها واحدة من أبرز النساء في السياسة الناميبية وقيادية فاعلة في الحزب الحاكم «سوابو».

في أول مؤتمر صحافي لها، بعد أسبوع من إعلان فوزها بالانتخابات الرئاسية، تعهدت نيتومبو، التي ستتولى منصبها رسمياً في مارس (آذار) المقبل، بإجراء «تحولات جذرية» لإصلاح مستويات الفقر والبطالة المرتفعة في ناميبيا، الدولة الواقعة في الجنوب الأفريقي، والتي يبلغ عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة.

نيتومبو أشارت إلى أنها قد تنحو منحى مختلفاً بعض الشيء عن أسلافها في حزب «سوابو» الذي يحكم ناميبيا منذ استقلالها عن جنوب أفريقيا في عام 1990. وقالت نيتومبو: «لن يكون الأمر كالمعتاد، يجب أن نُجري تحولات جذرية من أجل شعبنا».

لم توضح نيتومبو طبيعة هذه التحولات الجذرية التي تعتزم تنفيذها، وإن أشارت إلى «إصلاح الأراضي، وتوزيع أكثر عدالة للثروة». وبينما يصنف البنك الدولي ناميبيا على أنها دولة ذات «دخل متوسط»، فإنها تعد واحدة من أكثر الدول التي تعاني من عدم المساواة في توزيع الدخل على مستوى العالم، مع ارتفاع مستويات الفقر التي ترجع جزئياً إلى إرث عقود الفصل العنصري وحكم الأقلية البيضاء.

ووفق تقرير رسمي من البنك الدولي صدر عام 2021 فإن «43 في المائة من سكان ناميبيا يعيشون فقراً متعدد الأبعاد». وهو مؤشر يأخذ في الاعتبار عوامل عدة إلى جانب الدخل، من بينها الوصول إلى التعليم والخدمات العامة.

ولأن طريق نيتومبو السياسي لم يكن أبداً ممهداً، لم يمر إعلان فوزها بالانتخابات دون انتقادات. وقالت أحزاب المعارضة إنها ستطعن على نتيجة الانتخابات الرئاسية، متحدثةً عن «صعوبات فنية وقمع ضد الناخبين». لكنَّ نيتومبو، المعروفة بين أقرانها بـ«القوة والحزم»، تجاهلت هذه الادعاءات، واحتفلت بالفوز مع أعضاء حزبها، وقالت: «أنا لا أستمع إلى هؤلاء المنتقدين».

نشأة سياسية مبكرة

وُلدت نيتومبو في 29 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1952 في قرية أوناموتاي، شمال ناميبيا، وهي التاسعة بين 13 طفلاً، وكان والدها رجل دين ينتمي إلى الطائفة الأنغليكانية. وفي طفولتها التحقت نيتومبو بمدرسة «القديسة مريم» في أوديبو. ووفق موقع الحزب الحاكم «سوابو» فإن «نيتومبو مسيحية مخلصة»، تؤمن بشعار «قلب واحد وعقل واحد».

في ذلك الوقت، كانت ناميبيا تعرف باسم جنوب غرب أفريقيا، وكان شعبها تحت الاحتلال من دولة «جنوب أفريقيا»، مما دفع نيتومبو إلى الانخراط في العمل السياسي، والانضمام إلى «سوابو» التي كانت آنذاك حركة تحرير تناضل ضد سيطرة الأقلية البيضاء، لتبدأ رحلتها السياسية وهي في الرابعة عشرة من عمرها.

في تلك السن الصغيرة، أصبحت نيتومبو ناشطة سياسية، وقائدة لرابطة الشباب في «سوابو»، وهو ما أهّلها فيما بعد لتولي مناصب سياسية وقيادية، لكنها تقول إنها آنذاك «كانت مهتمة فقط بتحرير بلدها من الاحتلال»، مشيرةً في حوار مصوَّر نُشر عبر صفحتها على «فيسبوك» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن «السياسة جاءت فقط بسبب الظروف، التي لو اختلفت ربما كنت أصبحت عالمة».

شاركت نيتومبو في حملة «ضد الجَلْد العلنيّ»، الذي كان شائعاً في ظل نظام الفصل العنصري، وكان نشاطها السياسي سبباً في إلقاء القبض عليها واحتجازها، عدة أشهر عام 1973، وهي ما زالت طالبة في المرحلة الثانوية. ونتيجة ما تعرضت له من قمع واضطهاد، فرَّت نيتومبو إلى المنفى عام 1974، وانضمت إلى أعضاء «سوابو» الآخرين هناك، واستكملت نضالها ضد الاحتلال من زامبيا وتنزانيا، قبل أن تنتقل إلى المملكة المتحدة لاستكمال دراستها.

تدرجت نيتومبو في مناصب عدة داخل «سوابو»، فكانت عضواً في اللجنة المركزية للحركة من عام 1976 إلى عام 1986، والممثلة الرئيسية للحركة في لوساكا من عام 1978 إلى عام 1980. والممثلة الرئيسية لشرق أفريقيا، ومقرها في دار السلام من عام 1980 إلى عام 1986.

درست نيتومبو في كلية غلاسكو للتكنولوجيا، وحصلت على دبلوم في الإدارة العامة والتنمية عام 1987، ودبلوم العلاقات الدولية عام 1988، ودرجة الماجستير في الدراسات الدبلوماسية عام 1989 من جامعة كيل في المملكة المتحدة، كما حصلت على دبلوم في عمل وممارسة رابطة الشبيبة الشيوعية التابعة للاتحاد السوفياتي، من مدرسة «لينين كومسومول العليا» في موسكو.

ونالت الكثير من الأوسمة، من بينها وسام النسر الناميبي، ووسام «فرانسيسكو دي ميراندا بريميرا كلاس» من فنزويلا، والدكتوراه الفخرية من جامعة دار السلام بتنزانيا.

تزوجت نيتومبو عام 1983 من إيبافراس دينجا ندايتواه، وكان آنذاك شخصية بارزة في الجناح المسلح لجيش التحرير الشعبي في ناميبيا التابع لـ«سوابو»، وتولى عام 2011 منصب قائد قوات الدفاع الناميبية، وظل في المنصب حتى تقاعده في عام 2013، ولديها ثلاثة أبناء.

العودة بعد الاستقلال

بعد 14 عاماً من فرار نيتومبو إلى المنفى، وتحديداً في عام 1988، وافقت جنوب أفريقيا على استقلال ناميبيا، لتعود نيتومبو إلى وطنها، عضوة في حزب «سوابو» الذي يدير البلاد منذ الاستقلال.

تدرجت نيتومبو في المناصب وشغلت أدواراً وزارية عدة، في الشؤون الخارجية والسياحة ورعاية الطفل والمعلومات. وعُرفت بدفاعها عن حقوق المرأة.

وعام 2002 دفعت بقانون عن العنف المنزلي إلى «الجمعية الوطنية»، وهو القانون الذي يعد أحد أبرز إنجازاتها، حيث دافعت عنه بشدة ضد انتقادات زملائها، ونقلت عنها وسائل إعلام ناميبية في تلك الفترة تأكيدها أن الدستور يُدين التمييز على أساس الجنس.

وواصلت صعودها السياسي، وفي فبراير (شباط) من العام الماضي، أصبحت نائبة رئيس ناميبيا. كانت أول امرأة تشغل مقعد نائب رئيس حزب «سوابو» بعدما انتخبها مؤتمر الحزب في عام 2017 وأعيد انتخابها في مؤتمر الحزب نوفمبر 2022، مما أهَّلها لتكون مرشحة الحزب للرئاسة عام 2024، خلفاً للرئيس الحاج جينجوب، الذي توفي خلال العام الماضي، وتولى رئاسة البلاد مؤقتاً نانجولو مبومبا.

صعوبات وتحديات

لم تكن مسيرة نيتومبو السياسية مفروشة بالورود، إذ اتُّهمت في فترة من الفترات بدعم فصيل منشق في حزب «سوابو» كان يسعى لخلافة سام نجوما أول رئيس لناميبيا بعد الاستقلال، لكنها سرعان ما تجاوزت الأزمة بدعم من هيفيكيبوني بوهامبا، خليفة نجوما.

يصفها أقرانها بأنها قادرة على التعامل مع المواقف الصعبة بطريقة غير صدامية. خلال حياتها السياسية التي امتدّت لأكثر من نصف قرن أظهرت نيتومبو أسلوباً عملياً متواضعاً في القيادة، ولم تتورط -حسب مراقبين- في فضائح فساد، مما يمنحها مصداقية في معالجة مثل هذه الأمور، لكنَّ انتماءها منذ الطفولة إلى «سوابو»، وعملها لسنوات من خلاله، لا ينبئ بتغييرات سياسية حادة في إدارة البلاد، وإن تعهَّدت نيتومبو بذلك.

ويرى مراقبون أنها «لن تبتعد كثيراً عن طريق الحزب، ولن يشكل وجودها على سدة الحكم دعماً أكبر للمرأة». وأشاروا إلى أن نيتومبو التي كانت رئيسة المنظمة الوطنية الناميبية للمرأة (1991-1994)، والمقررة العامة للمؤتمر العالمي الرابع المعنيّ بالمرأة في عام 1995 في بكين، ووزيرة شؤون المرأة ورعاية الطفل 2000-2005، «لا يمكن وصفها بأنها نسوية، وإن دافعت عن بعض حقوق النساء».

خلال الانتخابات قدمت نيتومبو نفسها بوصفها «صوتاً حازماً يتمحور حول الناس، وزعيمة سياسية وطنية، مخلصة للوحدة الأفريقية، مناصرةً لحقوق المرأة والطفل والسلام والأمن والبيئة»، وتبنت خطاباً يضع الأوضاع المعيشية في قمة الأولويات، متعهدةً بـ«خلق 250 ألف فرصة عمل خلال السنوات الخمس المقبلة» ليتصدر هذا التعهد وسائل الإعلام الناميبية، لكن أحداً لا يعرف إن كانت ستنجح في تنفيذ تعهدها أم لا.

تبدأ نيتومبو فترة حكمها بصراعات سياسية مع أحزاب المعارضة التي انتقدت نتيجة الانتخابات التي جعلتها رئيسة لناميبيا، تزامناً مع استمرار تراجع شعبية الحزب الحاكم. وفي الوقت نفسه تواجه نيتومبو عقبات داخلية في ظل ظروف اقتصادية صعبة يعيشها نحو نصف السكان، مما يجعل مراقبون يرون أنها أمام «مهمة ليست بالسهلة، وأن عليها الاستعداد للعواصف».

ويندهوك عاصمة ناميبيا (أدوب ستوك)

حقائق

ناميبيا بلد الماس... و43% من سكانه يعيشون تحت خط الفقر

في أقصى جنوب غربي القارة الأفريقية تقع دولة ناميبيا التي تمتلك ثروات معدنية كبيرة، بينما يعيش ما يقرب من نصف سكانها فقراً متعدد الأبعاد.ورغم مساحة ناميبيا الشاسعة، فإن عدد سكانها لا يتجاوز 3 ملايين نسمة؛ ما يجعلها من أقل البلدان كثافة سكانية في أفريقيا، كما أن بيئتها القاسية والقاحلة تصعّب المعيشة فيها. ومن الجدير بالذكر أن البلاد هي موطن صحراء كالاهاري وناميب.وفقاً لموقع حكومة ناميبيا، فإن تاريخ البلاد محفور في لوحات صخرية في الجنوب، «يعود بعضها إلى 26000 عام قبل الميلاد»، حيث استوطنت مجموعات عرقية مختلفة، بينها «سان يوشمن»، و«البانتو» وأخيراً قبائل «الهيمبا» و«هيريرو» و«ناما»، أرض ناميبيا الوعرة منذ آلاف السنين.ولأن ناميبيا كانت من أكثر السواحل القاحلة في أفريقيا؛ لم يبدأ المستكشفون وصيادو العاج والمنقبون والمبشرون بالقدوم إليها؛ إلا في منتصف القرن التاسع عشر، لتظل البلاد بمنأى عن اهتمام القوى الأوروبية إلى حدٍ كبير حتى نهاية القرن التاسع عشر عندما استعمرتها ألمانيا، بحسب موقع الحكومة الناميبية.سيطرت ألمانيا على المنطقة التي أطلقت عليها اسم جنوب غربي أفريقيا في أواخر القرن التاسع عشر، وأدى اكتشاف الماس في عام 1908 إلى تدفق الأوروبيين إلى البلاد، وتعدّ ناميبيا واحدة من أكبر 10 دول منتجة للماس الخام في العالم، وتنتج وفق التقديرات الدولية نحو مليونَي قيراط سنوياً.شاب فترة الاستعمار صراعات عدة، وتمرد من السكان ضد المستعمر، تسبَّبا في موت عدد كبير، لا سيما مع إنشاء ألمانيا معسكرات اعتقال للسكان الأصليين، وعام 1994 اعتذرت الحكومة الألمانية عن «الإبادة الجماعية» خلال فترة الاستعمار.ظلت ألمانيا تسيطر على ناميبيا، التي كانت تسمى وقتها «جنوب غربي أفريقيا» حتى الحرب العالمية الأولى، التي انتهت باستسلام ألمانيا، لتنتقل ناميبيا إلى تبعية جنوب أفريقيا، فيما تعتبره الدولة «مقايضة تجربة استعمارية بأخرى»، وفق موقع الحكومة الناميبية.في عام 1966، شنَّت المنظمة الشعبية لجنوب غرب أفريقيا (سوابو)، حرب تحرير، وناضلت من أجل الاستقلال، حتى وافقت جنوب أفريقيا في عام 1988 على إنهاء إدارة الفصل العنصري. وبعد إجراء الانتخابات الديمقراطية في عام 1989، أصبحت ناميبيا دولة مستقلة في 21 مارس (آذار) 1990، وأصبح سام نجوما أول رئيس للبلاد التي ما زال يحكمها حزب «سوابو». وشجعت المصالحة بين الأعراق السكان البيض في البلاد على البقاء، وما زالوا يلعبون دوراً رئيسياً في الزراعة والقطاعات الاقتصادية الأخرى.وتعد ناميبيا دولة ذات كثافة سكانية منخفضة، حيث يعيش على مساحتها البالغة 824 ألف متر مربع، نحو ثلاثة ملايين نسمة. ويشير البنك الدولي، في تقرير نشره عام 2021، إلى أن ناميبيا «دولة ذات دخل متوسط»، لكنها تحتل المركز الثالث بين دول العالم من حيث عدم المساواة في توزيع الدخل، حيث يمتلك 6 في المائة فقط من السكان نحو 70 في المائة من الأملاك في البلاد، وتعيش نسبة 43 في المائة من سكان ناميبيا في «فقر متعدد الأبعاد». وتدير ثروات البلاد الطبيعية من الماس والمعادن شركات أجنبية.وتمتلك ناميبيا ثروة برية كبيرة، لكنها تعاني بين الحين والآخر موجات جفاف، كان آخرها الصيف الماضي، ما اضطرّ الحكومة إلى ذبح أكثر من 700 حيوان بري من أجناس مختلفة، بينها أفراس نهر، وفيلة، وجواميس وحمير وحشية، وهو إجراء ووجه بانتقادات من جانب جمعيات البيئة والرفق بالحيوان، لكن حكومة ناميبيا دافعت عن سياستها، مؤكدة أنها تستهدف «إطعام السكان الذين يعانون الجوع جراء أسوأ موجة جفاف تضرب البلاد منذ عقود».ووفق برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة منتصف العام الحالي، فإن «نحو 1.4 مليون ناميبي، أي أكثر من نصف السكان، يعانون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، مع انخفاض إنتاج الحبوب بنسبة 53 في المائة ومستويات مياه السدود بنسبة 70 في المائة مقارنة بالعام الماضي».