خبراء: قمع في الشوارع وهجوم على المتظاهرين

عناصر من القوات الخاصة التابعة للشرطة الإيرانية ينتشرون في وسط طهران ليلة أول من أمس (وكالة فارس)
عناصر من القوات الخاصة التابعة للشرطة الإيرانية ينتشرون في وسط طهران ليلة أول من أمس (وكالة فارس)
TT

خبراء: قمع في الشوارع وهجوم على المتظاهرين

عناصر من القوات الخاصة التابعة للشرطة الإيرانية ينتشرون في وسط طهران ليلة أول من أمس (وكالة فارس)
عناصر من القوات الخاصة التابعة للشرطة الإيرانية ينتشرون في وسط طهران ليلة أول من أمس (وكالة فارس)

ردت المحامية نسرين ستودة، من طهران، على أسئلة «الشرق الأوسط» عبر الهاتف، حول آخر الأوضاع في العاصمة الإيرانية بعد أسبوع من الاحتجاجات، وقالت: «لا يمكن مشاهدة شيء في شوارع المدينة، لكن في وسط المدينة بدايةً من الساعة الثالثة بعد الظهر حتى ساعات آخر الليل تشهد المدينة لحظات ملتهبة».
وأشارت ستودة إلى حضور مكثف في شوارع وسط العاصمة بما فيها شارع انقلاب، وسط طهران، منتصف الأسبوع الماضي. وأضافت، نقلاً عن شهود عيان، نزول الإيرانيين إلى الشوارع الرئيسية في وسط العاصمة، إلا أنها ذكرت أنه «من الممكن ألا يجدوا فرصة للتجمع وترديد الشعارات».
وبشأن أبرز مطالب المتظاهرين والمجتمع المدني الإيراني خلال الأيام الأخيرة لإقامة استفتاء شعبي حول طبيعة النظام، قالت ستودة: «على أي حال منذ العقود والسنوات الماضية دافع نشطاء حقوق الإنسان في إيران عن حق الاستفتاء ومطالب الشعب بتقرير المصير، ومن الطبيعي أن يكون الاستفتاء أحد مطالب الناس حتى يتخذوا بحرّية القرار حول طريقة إدارة البلد».
وكانت ستودة من بين 6 محامين وحقوقيين بارزين أصدروا، الثلاثاء الماضي، بياناً يطالب السلطات بإطلاق سراح جميع المعتقلين فوراً. وضمت القائمة: محمد سيف زاده، وشيرين عبادي، وعبد الكريم لاهيجي، ونسرين ستودة، ومحمد أوليايي فرد، ومحمود رحماني أصفهاني. وأضاف البيان أنه «نظراً إلى تسبب تصريحات بعض المسؤولين بالتوتر وممارسة العنف ضد التجمعات القانونية والسلمية للمواطنين، نطالب بعزلهم فوراً ومحاكمتهم بحضور قضاة مستقلين».
وقالت ستودة: «صدر البيان لأن الأوضاع كانت بصورة يتجاهلون فيها حق المواطنين في إقامة تجمعات سلمية. لقد شاهدت القمع في الشوارع وهجوم قوات الأمن على الناس، ومجموع ذلك إضافة إلى مخاوف من تكرار أحداث 2009 وقمع الاحتجاجات، أدى إلى إصدار بيان نعرب فيه عن القلق فيما يتعلق بحقوق الإنسان».
وبشأن مطالب المحتجين حول إجراء استفتاء، قال الكاتب والمحلل السياسي علي كشتكر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «الشعب الإيراني يريد نظام حكم يفصل مجال السیاسة عن المجال الديني، أي أن الشعب يريد فصل مؤسسة الدين عن مؤسسة الدولة»، مضيفاً: «هذا مطلب عام بعد 39 عاماً من حكم الملالي... الشعب توصل إلى نتيجة أن النظام الحالي في البلاد يؤدي إلى فساد، وأنه عاجز عن تحقيق تقدم في البلاد، ويؤدي إلى تمييز». وأوضح أن «هذه الحكومة فرقة مذهبية خاصة وفهم رجعي ومتأخر من المذهب الشيعي الذي يحكم إيران، وهو ما يتعارض مع تطلعات الشعب الإيراني اليوم. وفي إيران خلال هذه العقود الأربعة ظهرت أجيال جديدة».
وفي شرح أوضاع إيران حالياً، يقول كشتكر: «لدينا طبقة متوسطة ثقافية تقدَّر بعشرين مليوناً منها 15 مليون متعلم في الجامعات و5 ملايين طالب حالياً، وهذا العدد يشكل مرجعية البلد اليوم في التطلع نحو الحرية والحكومة الديمقراطية. هم يرفضون الجمهورية الإسلامية، وجذور الاحتجاجات هي هذا الموضوع، على الرغم من أن تفاقم الفقر والبطالة والشباب المحبط في مجمله تسبب بنزول المواطنين المحتجين إلى الشارع».
وعن مستقبل هذه الاحتجاجات وتعامل الحكومة معها، قال كشتكر إن «الرد الوحيد للسلطة حتى اليوم في التعامل مع أي احتجاج هو القمع والرصاص والسجن، والآن هم يقرّون بقتل 22 من أبناء الشعب الإيراني، وحسب آخر الإحصائيات التي نشرتها وسائل الإعلام الرسمية فإن السلطات اعتقلت أكثر من 1700 شخص خلال الأيام الماضية، لكن هذه الاحتجاجات لن تنتهي، لأن جذورها اجتماعية ولأول مرة خلال 39 عاماً لم تجد الطبقة الوسطى المثقفة نفسها وحيدة في الاحتجاجات ولا الوحيدة التي تطالب بالحريات، فقد انضمت إليها الشرائح دون الطبقة الوسطى مثل سكان الصفيح والفقراء والمحرومين والشرائح المسحوقة، وبالمناسبة هم يشكلون القاعدة الشعبية للنظام. لقد نزلوا إلى الشارع ولا يملكون ما يخسرونه».
وانطلاقاً من ذلك يستنتج كشتكر أن «السلطات لا يمكنها القضاء بسهولة على هذه الاحتجاجات»، ويقول: «حتى لو تمكنت مؤقتاً من وقف الاحتجاجات فإنها بسرعة تعود إلى الواجهة، لأن جذر الاحتجاجات يجب أن يُقطع، والرافد الأساسي للاحتجاجات هو الفقر والبطالة والديكتاتورية والاستبداد المذهبي والتمييز وسرقات نظام الحكم، وما دام الوضع مستمراً على ما هو عليه فإن الاحتجاجات ستستمر».
ولفت كشتكر إلى أن «الاحتجاجات بداية النهاية للنظام الحالي في إيران»، مضيفاً أن «فترة النهاية من الممكن أن تطول 6 أشهر أو 6 سنوات، لكنها بداية النهاية للجمهورية الإسلامية».
وعن مواقف الرئيس الإيراني حسن روحاني في الأيام الأخيرة، قال كشتكر إنه «يمر بأوضاع صعبة للغاية»، لافتاً إلى أنه «في الجمهورية الإسلامية لدينا تياران؛ أحدهما ليس مناصراً لحروب الوكالات ومعاداة أميركا وتدمير إسرائيل، وهذا الجناح يرأسه روحاني حالياً، وهذا التيار لا يملك القوة، وإنما هي بيد القوات العسكرية وعلى رأسها الحرس الثوري ورجال الدين ومؤسسة المرشد الإيراني، نظراً إلى ذلك فإن روحاني في أوضاع صعبة، فهو من جانبه يريد أن يبعث التفاؤل بين الإيرانيين ويحاول إدارة الاحتجاجات بأقل مستويات القمع، بينما يحاول الطرف الآخر الاستمرار في سياساته الداخلية والخارجية على المنوال السابق»، معرباً عن اعتقاده أن روحاني في ظل هذه الأوضاع لن ينجح في تحسين الأوضاع الاقتصادية للبلد وحل أزمة البطالة والفقر والتصدي للتدخل الإقليمي الإيراني، وتحت تأثير ذلك يتراجع كل يوم دور الانتخابات في إيران ويزداد دور الاحتجاجات الشعبية للتغيير.



تقرير: إيران تتبنى لهجة تصالحية مع عودة ترمب وإضعاف «حزب الله»

امرأة إيرانية تمرّ بجانب لوحة جدارية مناهضة للولايات المتحدة بالقرب من مبنى السفارة الأميركية السابقة في طهران الأربعاء (إ.ب.أ)
امرأة إيرانية تمرّ بجانب لوحة جدارية مناهضة للولايات المتحدة بالقرب من مبنى السفارة الأميركية السابقة في طهران الأربعاء (إ.ب.أ)
TT

تقرير: إيران تتبنى لهجة تصالحية مع عودة ترمب وإضعاف «حزب الله»

امرأة إيرانية تمرّ بجانب لوحة جدارية مناهضة للولايات المتحدة بالقرب من مبنى السفارة الأميركية السابقة في طهران الأربعاء (إ.ب.أ)
امرأة إيرانية تمرّ بجانب لوحة جدارية مناهضة للولايات المتحدة بالقرب من مبنى السفارة الأميركية السابقة في طهران الأربعاء (إ.ب.أ)

قالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية إن إيران، التي تواجه تحديات داخلية وخارجية، تتبنى حالياً لهجة تصالحية مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وإضعاف «حزب الله» اللبناني بعد الحرب مع إسرائيل.

وأضافت أن إيران أفسحت خطاباتها العدوانية تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل المجال لإشارات تشير إلى أنها تريد مواجهة أقل.

ففي منتصف نوفمبر (تشرين الثاني)، أرسلت إيران مسؤولاً رفيع المستوى إلى بيروت لحثّ «حزب الله» على قبول وقف إطلاق النار مع إسرائيل، وفي نفس الوقت تقريباً، التقى سفير إيران لدى الأمم المتحدة برجل الأعمال إيلون ماسك، في محاولة للتقارب مع الدائرة المقربة لترمب.

وفي يوم الجمعة، ستعقد محادثات في جنيف مع الدول الأوروبية حول مجموعة من القضايا، بما في ذلك برنامجها النووي.

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)

وتمثل كل هذه الجهود الدبلوماسية الأخيرة تغييراً حاداً في اللهجة منذ أواخر أكتوبر (تشرين الأول)، عندما كانت إيران تستعد لشنّ هجوم انتقامي كبير على إسرائيل، حيث حذّر نائب قائد «الحرس الثوري» قائلاً: «لم نترك عدواناً دون ردّ منذ 40 عاماً».

ووفقاً للصحيفة، فإن التحول الإيراني من الكلام القاسي إلى نبرة أكثر تصالحية في غضون أسابيع قليلة له جذوره في التطورات في الداخل والخارج.

ونقلت عن 5 مسؤولين إيرانيين، أحدهم في «الحرس الثوري»، ومسؤولان سابقان، قولهم إن قرار إعادة ضبط السياسة كان مدفوعاً بفوز ترمب في الانتخابات الرئاسية، مع مخاوف بشأن تصرفاته التي لا يمكن التنبؤ بها، خاصة أنه سعى في ولايته الأولى إلى سياسة «الضغط الأقصى» على إيران.

لكن هذا القرار كان مدفوعاً أيضاً بتدمير إسرائيل لـ«حزب الله» في لبنان، أقرب وأهم حلفاء إيران المتشددين، والأزمات الاقتصادية في الداخل، حيث انخفضت العملة بشكل مطرد مقابل الدولار، ويلوح نقص الطاقة في الأفق مع اقتراب الشتاء.

وقال المسؤولون الإيرانيون الحاليون إن هذه التحديات مجتمعة أجبرت إيران على إعادة ضبط نهجها، إلى نهج نزع فتيل التوترات.

وأضاف المسؤولون أن إيران علّقت خططها لضرب إسرائيل بعد انتخاب ترمب، لأنها لا تريد تفاقم التوترات مع الإدارة القادمة، التي تضم مرشحين معادين لإيران ومؤيدين قويين لإسرائيل.

ومع ذلك، قال المسؤولون إن خطط ترمب المعلنة لإنهاء الحروب في الشرق الأوسط وأوكرانيا نالت استحسان إيران.

وقبل إجراء الانتخابات الأميركية، أرسلت إيران رسالة إلى إدارة بايدن، مفادها أنها، على عكس ادعاءات بعض مسؤولي الاستخبارات الأميركية، لا تخطط لاغتيال ترمب.

وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، يوم الأربعاء، إن إيران ترحب بالهدنة بين «حزب الله» وإسرائيل، مضيفاً أن «طهران تحتفظ بحقّها في الردّ على الضربات الجوية الإسرائيلية على إيران الشهر الماضي، لكنها ستأخذ في الاعتبار التطورات الإقليمية، مثل وقف إطلاق النار في لبنان».

وقالت سنام فاكيل، مديرة الشرق الأوسط في «تشاتام هاوس»، وهي مجموعة بحثية بريطانية، إنه يبدو من الواضح أن إيران تستجيب للتغيرات المقبلة في واشنطن، فضلاً عن المشهد الجيوسياسي المحلي والإقليمي المتغير الذي تواجهه الآن.

وتابعت: «لقد جاء كل شيء معاً، والتحول في اللهجة يتعلق بحماية مصالح إيران».

وقال العديد من كبار المسؤولين الإيرانيين علناً إن إيران منفتحة على المفاوضات مع إدارة ترمب لحل القضايا النووية والإقليمية، وهذا في حد ذاته تحول عن موقف إيران خلال إدارة ترمب الأولى.

عرض عدد من أجهزة الطرد المركزي في طهران خلال اليوم الوطني للطاقة النووية الإيرانية (أرشيفية - رويترز)

وقال حسين موسويان، الدبلوماسي الإيراني السابق والمفاوض النووي الذي يعمل الآن باحثاً في الشرق الأوسط والنووي في جامعة برينستون، في إشارة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: «تطبق إيران الآن ضبط النفس لإعطاء ترمب فرصة لمعرفة ما إذا كان بإمكانه إنهاء حرب غزة واحتواء نتنياهو. وإذا حدث هذا، فسوف يفتح الطريق أمام مفاوضات أكثر شمولاً بين طهران وواشنطن».

على مدى أكثر من 13 شهراً بعد هجوم «حماس» في 7 أكتوبر 2023 على إسرائيل، أصرت إيران والقوات المتحالفة معها في لبنان وسوريا واليمن والعراق على أنها لن توقف الهجمات على إسرائيل طالما كانت إسرائيل في حالة حرب في غزة.

لكن الخسائر المدمرة التي تكبدها «حزب الله» أثارت قلق إيران، التي تمارس نفوذاً كبيراً على المجموعة اللبنانية، كما أفادت وسائل الإعلام الإيرانية، بارتفاع الاستياء بين أكثر من مليون نازح شيعي لبناني، الذين نظروا إلى إيران باعتبارها حاميتهم وراعيتهم.

مسيرات انتحارية من طراز «شاهد 136» خلال العرض العسكري السنوي للجيش الإيراني بطهران (تسنيم)

وقال مهدي أفراز، المدير المحافظ لمركز أبحاث في جامعة باقر العلوم، إن إيران قللت من تقدير القوة العسكرية لإسرائيل، وإن الحرب مع إسرائيل ليست «لعبة على (بلاي ستيشن)».

وقال خلال حلقة نقاشية في الجامعة: «اتصل بنا أصدقاؤنا من سوريا، وقالوا إن اللاجئين الشيعة اللبنانيين الذين يدعمون (حزب الله) يشتموننا من أعلى إلى أسفل، أولاً إيران، ثم الآخرين. نحن نتعامل مع الحرب على أنها مزحة».

وقال ناصر إيماني، وهو محلل مقرب من الحكومة: «لا شك أن هناك رغبة حقيقية بين كبار المسؤولين والناس العاديين في إيران لإنهاء التوترات مع الغرب والتوصل إلى اتفاق. ولا يُنظر إلى التعاون مع الغرب على أنه هزيمة، بل يُنظر إليه على أنه دبلوماسية عملية، ويمكن القيام به من موقع قوة».