متحف رومانسي في قلب روما

في غرفة الشاعر الإنجليزي جون كيتس

جون كيتس  -  غرفة كيتس في روما حيث مات
جون كيتس - غرفة كيتس في روما حيث مات
TT

متحف رومانسي في قلب روما

جون كيتس  -  غرفة كيتس في روما حيث مات
جون كيتس - غرفة كيتس في روما حيث مات

لقد كُتب الكثير من البحوث والمقالات عن الشاعر النخبوي الإنجليزي الغنائي (جون كيتس 1795 - 1821) الذي يعد من أكثر الشعراء رومانسية في تاريخ الشعر الإنجليزي إلى الدرجة التي قتلته فيها تلك الرومانسية الرقيقة العذبة وهو شاب لا يتجاوز من العمر 26 عاماً.
حياته القصيرة بقيت محاطة بنوع من السرية، حيث لم يتسنَّ لأحد من المؤرخين والكتاب تناول أحداثها، خصوصاً تلك الفترة القصيرة الثرية التي عاشها في مدينة روما التاريخية والتي أحبها وبها نضجت أفكاره ووثقت خطواته الشعرية.
ويبدو أن العديد من النقاد الذين تجاهلوا هذا الشاعر، الذي يعد الأكثر عاطفية بعد وليم شكسبير، قد ساهموا، بهذه الدرجة أو تلك، في موته التراجيدي.
زيارة إلى بيته الصغير الذي تحول خلال السنوات الأخيرة إلى متحف، وعاش به الشاعر فترة قصيرة امتدت إلى 3 أشهر من نوفمبر (تشرين الثاني) 1820 إلى فبراير (شباط) 1821، وذلك على ضوء إلحاح طبيبه الإنجليزي الخاص الذي كان يسكن هو الآخر قريباً من ساحة «إسبانيا» التي تقع في قلب العاصمة الإيطالية روما، ذات المدرجات التي تنتهي بالأسفل بنافورة المياه التي يطلق عليها اسم «لابركاجا» التي نحتها النحات الإيطالي الشهير بيترو برنيني على شكل سفينة رومانية قديمة عام 1627 بطلب من البابا أوريانو الثامن. والبيت هو شقة في الطابق الثاني تطل بشبابيكها الواسعة على الساحة ومدرجاتها الشهيرة.
يزور هذا البيت (المتحف) الصغير الذي تحول إلى سيرة ذاتية لهذا الشاعر الشاب، عدة آلاف من السياح الذين يأتون من كل أنحاء العالم، لينتظموا بشكل جماعات صغيرة لرؤية غرفة نوم الشاعر وحاجياته وكتبه ومقتنياته ولوحاته ورسائله، التي ظلت في أماكنها كما أرادها الشاعر.
قصة المتحف الصغير هذا الذي تديره إحدى المؤسسات الإنجليزية المتخصصة في المحافظة على التراث الثقافي، تتلخص بلقاء عدد من كبار الشعراء الإنجليز والأميركان جمعتهم إحدى المناسبات عام 1904 فى مدينة روما، ليقرروا ضرورة امتلاك بيت الشاعر كيتس في روما، فسارعوا لتقديم طلب إلى المؤسسات الحكومية الإنجليزية المعنية، يطالبونها بتحويل البيت الصغير إلى متحف (يكون شاهداً تاريخياً لذلك النبع من الثراء والفتوة الشعرية التي أضاءت الوجود الإنساني). وبالفعل استجابت المؤسسات المعنية واشترت الشقة الصغيرة التي ظلت مغلقة لسنوات طويلة، وفي عام 1909 حملت الواجهة الأمامية العليا من باب البناية لوحاً مرمرياً أبيض كبيراً يشير إلى بيت الشاعر وتاريخ مكوثه فيه، كما هي العادة المتبعة في العديد من المدن الإيطالية التي تخلِّد ذكرى مَن مرّوا وعاشوا وماتوا فيها من كبار الشعراء والكتاب والسياسيين.
البيت (المتحف) هو الآن عبارة عن محفل ثقافي نادر، يقدم للزائر العديد من الجوانب الخفية في حياته القصيرة والتي حال المرض دون إكمال عطاءاتها الشعرية المتميزة، فقد مات بمرض عضال ودُفن في إحدى المقابر التي تجمعه وعدداً كبيراً من الشعراء والمثقفين والفلاسفة الأجانب الذين وافتهم المنية وهم في روما. ويحمل قبره القريب من قبر المفكر الإيطالي الكبير «غرامشي» شاهداً يحمل اسمه كواحد من الشعراء الأجانب الذين أحبوا هذه المدينة العريقة.
الصعود إلى البيت (المتحف) يجعل المرء يمتلك مشاعر مختلطة ما بين الحزن والفرح، عن الشاعر الشاب الوسيم المحتشم بحياته الغامضة، الذي انزوى في هذا البيت، وهو كما يصفه العديد من الرسائل التي كتبها، يحمل خجلاً إنجليزياً كبيراً، تختلط فيه مشاعر الانتظار والاقتراب من الموت القادم.
«أرجو ألا يتملك الخوف أحداً»... بهذه العبارة الشعرية، لفظ آخر أنفاسه أمام صديقه الحميم الرسام جوزيف سيفيرين، الذي رسم صورة شخصية زيتية له (بورتريه) تتصدر الصالة الصغيرة التي ازدحمت بالكتب والصور، وبعدد آخر من البورتريهات والتخطيطات التي رسمها الشاعر كيتس نفسه لأخته (فاني) ولصديقه الحميم (توم) وقريبه (جون)، وهناك لوحة رسمها لإحدى الجِرار الإغريقية القديمة بعد إحدى الزيارات التي قام بها لمتحف الفاتيكان التاريخي. لقد كان عالمه يمتزج فيه الفن والشعر وكل ما له صلة بالإحساس العميق والرؤية الطفولية الرائعة التي حصل عليها مباشرة من واقع الحياة والأدب والفنون التي تزدحم بها كل زاوية من زوايا مدينة روما التي أحبها من كل قلبه.
أما رسائله فهي وثائق تاريخية تشهد على إحساس مرهف، يعكسه أسلوب اختياره لكلماته الأنيقة الشاعرية التي يخاطب بها الآخرين، فهو كان على ما يبدو في بحث دائم لإدراك الأحاسيس الداخلية لحياة الكلمة الشعرية، ليتمكن من ترجمة انفعالاته والتوترات النفسية التي كان يعاني منها بسبب مرضه، فهو يذكر في إحدى رسائله المعروضة «كيف يمكنني أن اقتدي بالريح فهي لا تنطلق».
يتساءل في رسالة أخرى عن الشاعر الذي في داخله وهو يرتقب الموت «أين الشاعر؟ هل لكم أن تستعرضوه لي... يا لوحي القصيدة... أنا أعرفه...».
في رسالة له إلى فاني بروان يفصح عن محبته الكبيرة لها، فيقول: «في هذه اللحظات أحاول تذكر أبيات شعر لكن دون جدوى، عليّ أن أكتب لكِ سطراً أو اثنين لأحاول إنْ كان ممكناً إقصاءك من ذهني، لكني في أعماق روحي لا أستطيع أن أفكر بأي شيء آخر. انتهى الوقت الذي كان فيه من القوة الكافية التي تمكنني من نصحك وتحذيرك من الصباح الخالي من الوعود في حياتي، فحبي جعلني ذاتياً، أنا لا أستطيع أن أوجَد من دونك، أنا مهمِل لكل شيء عدا رؤيتك. يبدو أن حياتي تقف عند ذلك، أنا لا أستطيع أن أرى أبعد من ذلك. أنتِ تشربيني، لديَّ أحاسيس كأنني في طور الذوبان، سأكون في غاية البؤس من دون الأمل في رؤيتك قريباً. سأكون شديد الخوف إذا فصلت نفسي بعيداً عنكِ. هل قلبكِ لن يتغير أبداً؟ بالنسبة إليَّ ليس هناك أي حدود لحبي لكِ، وإلى الأبد».
إن سيرة حياته التي تطالعنا فيها بعض رسائله، تُشعر المرء كأنه يلتهم رواية شيّقة، ففي هذه المختارات من الرسائل المعلقة والمحفوظة في صناديق زجاجية أنيقة تصطف جنبا إلى جنب العديد من حاجياته ومقتنياته الرومانية، نلمس بوضوح أنه يعكس اهتماماً وتنوعاً ثقافياً فائقاً، فهو يجيد دوره كصديق للعديد من الشعراء الإنجليز والإيطاليين ببراعة، حتى يبدو الأمر كأنه موقف نادر في الحياة من خلال مداخلاته والحلول التي يطرحها لعدد من المشكلات، مقارنةً بصغر سنه وصغر تجربته. لقد كان وجوده في روما يتمثل في البحث عن الموقف الأمثل والجديد في حياة الإنسان، فهو يحب معرف كل شيء، يقول: «أرغب في تشكيل أشياء تساهم في صناعة شرف الإنسان»، وهذا المقطع من إحدى رسائله يكشف عن التصاق حميمي بالحياة ومحبة كبيرة للإنسان، كما أنه موقف يحمل إشراقات من الإيمان بالغد، ظلت تسطع حتى النهاية في دياجير نفسه الملتاعة بالمرض.
لقد كانت روما بالنسبة إليه نقطة البداية القلقة التي تبحث عن يقين، ورأى في إقامته بروما (حياة ما بعد الموت)، فراح يشارك مع زملاء وأصدقاء شعراء ورسامين مثل الشاعر الكبير شيللي، الذي لازمه لفترة طويلة، وكذلك الشاعر اللورد بايرون، في التمرد على الواقع السائد آنذاك ورفض قيمه، والبحث عن رؤية جديدة للعالم والإنسان، وكانت روما هي المحطة التي كانت مهيأة للانطلاق نحو مثل هذا التمرد العاطفي، بعدما كان يعتقد أن موهبته الشعرية تنطفئ وأن النقاد لم يرحموه لأسباب سياسية، وقد شكا لأحد أصدقائه أنه لن يترك عملاً خالداً يثير فخر أصدقائه عند رحيله «أحببت الجمال في كل شيء ولو أُعطيت الوقت لتركت ذكرى بالتأكيد».
كان طفلاً صغيراً عندما توفي والده ثم والدته بمرض التدرن الرئوي الذي حصد شقيقه أيضاً، وذات مساء عاد إلى منزله في عربة مكشوفة إلا أنه حال وصوله إلى البيت بدأ بالسعال، أحسّ بقطرات من الدم على مخدته، فقال لصديقه: «هذه القطرات إنذار بموتي... سأرحل»، وفي طريقه للاستشفاء في إيطاليا حاول الانتحار، وفكر بحبيبته التي أوجعته رغبته فيها «ليتني امتلكتها عندما كنت معافى، ما كنت سأمرض عندها».
(اتركوا الشبابيك مفتوحة
لشمس روما الجميلة
ها أنتم ترون الموقع
الذي مات فيه أدونيس
لم تتغير أشياء كثيرة)
إنه لا يحسن الصمت حين يشعر برغبة الكلام، ذلك أن معظم رسائله يمكن أن تؤدي غرضها بنصف ما استوعبه الكلام، فهو يطلق شهوته للكتابة، فتشغل العبارات الوصفية حيزاً كبيراً في كل مفردة يختارها.
ومع أنه لم يكتب خلال فترة بقائه في بيته الصغير بروما إلا قصائد قليلة أبرزها «أيها البيت الملّون بلون البرتقال في قلب المدينة»، إلا أنه كتب رسائل كثيرة اعتبرها النقاد من قمم النثر الإنجليزي، وكان العديد من رسائله معنونة إلى صديقه جارلس بروان، وفي مقطع من إحدى تلك الرسائل يقول «أتذكر كل الأصدقاء... أرجوك أن تكتب إلى جورج حال وصول رسالتي هذه إليك لتخبره عن حالتي، ولا تبخل بسطرين آخرين لأختي العزيزة (فانى) فأنا لا أستطيع القول وداعاً حتى على الورقة، لكنك تعلم أن حياتي كانت مليئة بالارتباك والحيرة...».
وإذا كانت التجربة الحياتية تقود أحياناً إلى مغامرة فنية، كذلك يمكن أن تقود التجربة الفنية أحياناً أخرى إلى خلق تجارب فكرية متميزة، وقد انعكس هذا الوضع على الشاعر كيتس الذي كان يشعر باقتراب موته، والذي رأى فيه «اقتراباً من الحقيقة»، حيث دخل حنينه إلى الموت للحد الذي كان ينتظره ويدعوه بشيء من اليأس في المرتفع الشامخ، حيث ترقد مملكة الموت.
(في فناءات الحزن
وسط الدمار الصامت
أستأتي أيها الموت...؟)
إنه يُشعر القارئ كأن الموت يجري في دمه، فالفتوة شاخت، والمحارب الشاب قد استسلم، وبقي في الانتظار، يداعب الموت بالشِّعر ويستثيره بالكلمات، وقد طلب أن يُكتب على قبره «هنا يرقد شخص كتب اسمه بالماء».
الشرفة الصغيرة التي تنفتح على غرفته الصغيرة، ما زالت، وكما أرادها الشاعر، مليئة بالأزهار، إذ تصطف على جوانبها المزهريات التي تحمل أجمل أنواع الزهور، فهي تستعيد الذكرى وتلتقي الحقيقة، لتحقق توازناً عاطفياً وجمالياً لشاعر كان قلبه كالسيل المتدفق الهادر.
إن الجمال الكامن في هذا المكان، يدعو كل شيء فيه إلى التماثل والتوازن، ويعطي الانطباع السريع بالمهابة، فسلالم الساحة التي ترتفع وسط مدرجاتها الرخامية البيضاء التي يفيض بها المكان، وصوت المياه في السفينة الرومانية وسط الساحة من الأسفل، التي نحتت لتكون ذكرى لسفينة رومانية رست في نفس المكان بعد أن فاض نهر التيفر عام 1598، وشبابيك غرفة الشاعر، تبدو كأنها تحكى مأساة رومانسية لجنة الصبا التي ضاعت، فكل شيء هنا يناجي ذكراه، وهو الذي قال مرة وهو يمجد الحضور الإنساني:
(عندما أكون في غرفتي
فهناك يكون الناس معي...)
ما زالت الرغبة كبيرة في الاستشهاد بأي مقطع من رسائل وكتابات وقصائد هذا الشاعر، فهي تثير لدى المرء غريزة البحث من جديد في تفاصيل زاخرة وغنية لشاعر مبدع وإنسان كان يسعى لأن يعيش طويلاً. لكن هل سيثير اسم «جون كيتس» الأثر ذاته الذي كان يثيره عند الأوروبيين آنذاك عندما يتفحصون رسائله وقصائده التي كتبها في روما وعن روما؟ في تقديرنا أن كتابات كيتس كانت تعني طريقة في الحياة والكتابة مميزة ومثيرة ومجددة، إذ لم يشأ كيتس أن يفصل بين الفن والحياة كما كان متبعاً عند الكثير من أقرانه أو ممن سبقوه أو مثلما كانت وما زالت ترغب فيه المؤسسة الثقافية سواء في بلده أو في باقي بلدان أوروبا، فآثاره ما زالت إلى اليوم تثير الكثير من الأسئلة والحيرة. لقد كان شاعراً فذاً.
مَن، مِن الرجال، يستطيع القول
بأن الأزهار سوف تزهر
أو تلك الفاكهة الخضراء
ستمتلئ حتى تتحول
إلى لباب ذائب
وأن تلك السمكة،
ستصير عظاماً بارزة،
وأن للأرض حصتها من النهر،
والغابة والوادي،
ودوائر الموج،
وحصى الغدائر،
وللبذرة حصادها،
وللعود نغماته،
ونشوة النغمات،
أو أن للنغمات حلاوتها
إذا لم يحب الإنسان ولم يرحب.



زافين قيومجيان في برنامج «شو قولك» ينقل رؤية جيل الغد

برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)
برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)
TT

زافين قيومجيان في برنامج «شو قولك» ينقل رؤية جيل الغد

برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)
برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)

في حوارات جدّية تتّسم بالموضوعية وبمساحة تعبير حرّة يطالعنا الإعلامي زافين قيومجيان ببرنامجه التلفزيوني «شو قولك» وعبر شاشة «الجديد» ينقل للمشاهد رؤية جيل الشباب لمستقبل أفضل للبنان.

ويأتي هذا البرنامج ضمن «مبادرة مناظرة» الدّولية التي تقوم على مبدأ محاورة أجيال الشباب والوقوف على آرائهم. اختيار الإعلامي زافين مقدّماً ومشرفاً على البرنامج يعود لتراكم تجاربه الإعلامية مع المراهقين والشباب. فمنذ بداياته حرص في برنامجه «سيرة وانفتحت» على إعطاء هذه الفئة العمرية مساحة تعبير حرّة. ومنذ عام 2001 حتى اليوم أعدّ ملفات وبرامج حولهم. واطّلع عن كثب على هواجسهم وهمومهم.

يرتكز «شو قولك» على موضوع رئيسي يُتناول في كل حلقة من حلقات البرنامج. وينقسم المشاركون الشباب إلى فئتين مع وضد الموضوع المطروح. ومع ضيفين معروفَين تأخذ الحوارات منحى موضوعياً. فيُتاح المجال بين الطرفين للنقاش والتعبير. وبتعليقات قصيرة وسريعة لا تتجاوز الـ90 ثانية يُعطي كل فريق رأيه، فتُطرح سلبيات وإيجابيات مشروع معيّن مقترح من قبلهم. وتتوزّع على فقرات محدّدة تشمل أسئلة مباشرة وأخرى من قبل المشاهدين. ولتنتهي بفقرة الخطاب الختامي التي توجز نتيجة النقاشات التي جرى تداولها.

ويوضح قيومجيان لـ«الشرق الأوسط»: «يهدف البرنامج إلى خلق مساحة حوار مريحة للشباب. ومهمتي أن أدير هذا الحوار بعيداً عن التوتر. فلا نلهث وراء الـ(تريند) أو ما يُعرف بالـ(رايتينغ) لتحقيق نسبِ مشاهدة عالية. وبذلك نحوّل اهتمامنا من محطة إثارة إلى محطة عقل بامتياز».

تجري مسبقاً التمرينات واختيار الموضوعات المُراد مناقشتها من قبل الشباب المشاركين. فالبرنامج يقوم على ثقافة الحوار ضمن ورشة «صنّاع الرأي»؛ وهم مجموعات شبابية يخضعون سنوياً لتمارين تتعلّق بأسلوب الحوار وقواعده. ويطّلعون على كلّ ما يتعلّق به من براهين وحجج وأخبار مزيفة وغيرها. فيتسلّحون من خلالها بقدرة على الحوار الشامل والمفيد. ويوضح زافين: «عندما يُختار موضوع الحلقة يجري التصويت لاختيار المشتركين. وبعد تأمين الفريقين، يلتقي أفرادهما بضيفي البرنامج. ومهمتهما دعم الشباب والوقوف على آرائهم. ونحرص على أن يكونا منفتحين تجاه هذا الجيل. فأهمية البرنامج تتمثل في التوفيق بين المشتركين بمستوى واحد. ولذلك نرى الضيفين لا يتصدران المشهدية. وهي عادة متّبعة من قبل المبادرة للإشارة إلى أن الشباب هم نجوم الحلقة وليس العكس».

يمثّل المشاركون من الشباب في «شو قولك» عيّنة عن مجتمع لبناني ملوّن بجميع أطيافه. أما دور زافين فيكمن في حياديته خلال إدارة الحوار. ولذلك تختار المبادرة إعلاميين مخضرمين لإنجاز هذه المهمة.

طبيعة الموضوعات التي تُثيرها كلّ مناظرة حالياً ترتبط بالحرب الدائرة في لبنان.

ويستطرد زافين: «عادة ما تُناقش هذه المناظرات موضوعات كلاسيكية تهمّ الشباب، من بينها الانتحار والموت الرحيم، ولكن هذه الاهتمامات تقلّ عند بروز حدث معيّن. فنحاول مواكبته كما يحصل اليوم في الحرب الدائرة في لبنان».

ضرورة فتح مطار ثانٍ في لبنان شكّل عنوان الحلقة الأولى من البرنامج. وتناولت الحلقة الثانية خدمة العلم.

ينتقد قيومجيان أسلوب بعض المحاورين على الشاشات (زافين قيومجيان)

«شيخ الشباب» كما يحبّ البعض أن يناديه، يرى زافين أن مهمته ليست سهلةً كما يعتقد بعضهم. «قد يُخيّل لهم أن مهمتي سهلة ويمكن لأي إعلامي القيام بها. فالشكل العام للبرنامج بمثابة فورمات متبعة عالمياً. والمطلوب أن يتقيّد بها فريق العمل بأكمله». ويستطرد: «يمكن عنونة مهمتي بـ(ضابط إيقاع) أو (قائد أوركسترا)؛ فالمطلوب مني بصفتي مقدّماً، التّحكم بمجريات الحلقة ومدتها ساعة كاملة. فالتجرّد وعدم التأثير على المشاركين فيها ضرورة. أنا شخصياً ليس لدي هاجس إبراز قدراتي وذكائي الإعلامي، والمقدم بصورة عامة لا بدّ أن ينفصل عن آرائه. وأن يكون متصالحاً مع نفسه فلا يستعرض إمكانياته. وهو أمر بتنا لا نصادفه كثيراً».

يقول زافين إن غالبية إعلاميي اليوم يتّبعون أسلوب «التشاطر» على ضيفهم. وهو أمر يبيّن عدم تمتع الإعلامي بالحرفية. ولنتمكّن من الإبقاء على هذا الأسلوب المرن لا بدّ أن نتدرّب على الأمر. وأن نملك الثقة بالنفس وهو ما يخوّلنا خلق مساحة حوار سليمة، تكون بعيدة عن الاستفزاز والتوتر وتأخذ منحى الحوار المريح».

يستمتع زافين قيومجيان بتقديم برنامجه «شو قولك»، ويقول: «أحب اكتشاف تفكير الشباب كما أني على تماس مستمر معهم من خلال تدريسي لطلاب الجامعة، وأنا أب لشابين».

يحضّر زافين قيومجيان لبرنامج جديد ينوي تقديمه قريباً عبر المحطة نفسها. ولكنه يرفض الإفصاح عن طبيعته. ويختم: «سيشكّل مفاجأة للمشاهد وأتمنى أن تعجبه».