عام على حكومة «استعادة الثقة»: كثير من الإنجازات... والإخفاقات

أقرت قانون الانتخاب ومراسيم النفط وموازنة المالية العامة في لبنان

رئيس الحكومة سعد الحريري يتفقد تحضيرات احتفالات رأس السنة في ساحة النجمة وسط بيروت أول من امس (دالاتي ونهرا)
رئيس الحكومة سعد الحريري يتفقد تحضيرات احتفالات رأس السنة في ساحة النجمة وسط بيروت أول من امس (دالاتي ونهرا)
TT

عام على حكومة «استعادة الثقة»: كثير من الإنجازات... والإخفاقات

رئيس الحكومة سعد الحريري يتفقد تحضيرات احتفالات رأس السنة في ساحة النجمة وسط بيروت أول من امس (دالاتي ونهرا)
رئيس الحكومة سعد الحريري يتفقد تحضيرات احتفالات رأس السنة في ساحة النجمة وسط بيروت أول من امس (دالاتي ونهرا)

تطوي حكومة «استعاد الثقة» التي يرأسها سعد الحريري مع نهاية العام، سنتها الأولى، على الكثير من الإنجازات والإخفاقات في آنٍ واحد، مع ترجيح كفّة الإيجابيات التي تحققت في فترة زمنية تعدّ قصيرة، مقارنة بأعمار الحكومات السابقة.
في الحسابات الموضوعية لما تحقق على مدى عام كامل، يؤكد المهتمون بالشأن العام، أن الحكومة أبلت بلاءً حسناً في معالجة الكثير من الملفات الحساسة، رغم أن رهانات اللبنانيين على العهد الجديد وهذه الحكومة كانت أكبر مما أنجز، إذ يرى وزير الدولة لشؤون مجلس النواب علي قانصو، أن «استعادة الدولة ثقة شعبها، لا تتأمن إلا بقدر ما تحقق الدولة عبر الحكومة من طموحات المواطنين».
قد تكون الملفات المنجزة محدودة، لكنها ذات قيمة سياسية واقتصادية بالنظر لأهميتها، وهو ما شدد عليه قانصو الذي اعتبر أن «أهم ما حققته الحكومة من إنجازات، هو إصدار المراسيم التطبيقية لملف النفط، ومن ثمّ الموافقة على إعطاء رخص للاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز من قبل ثلاث شركات عملاقة، ما يضع لبنان بمصاف الدول النفطية، ويحقق نمواً كبيراً ويخلق آلاف فرص العمل للشباب اللبناني». ويتوقف أيضاً عند أهمية «إقرار قانون جديد للانتخابات الذي اعتمد النظام النسبي، وهو ما عجزت عنه الحكومات السابقة، رغم التشوهات التي تعتري هذا القانون، وهي (الحكومة) فتحت بذلك الباب أمام إنجاز الانتخابات في الربيع المقبل، بعد سلسلة من الإنجازات»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن «إقرار موازنة العام 2017 ولو متأخرا وخارج المواعيد الدستورية، أعادت الإنفاق إلى سكته الصحيحة، بعد أن كان الإنفاق في الوزارات سائباً، ويحصل من دون موازنة أو سياسة مالية».
ويلفت وزير الدولة لشؤون مجلس النواب، إلى أن «إقرار التعيينات في الإدارات العامة وفي المؤسسات العسكرية والأمنية، والتشكيلات القضائية والدبلوماسية بعد سنوات من الشغور، أعاد عمل المؤسسات إلى واقعه الطبيعي، وأعاد ثقة المجتمع الدولي بلبنان، وحقق شيئا مهماً من تطلعات الناس»، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن «إقرار قانون سلسلة الرتب والرواتب الذي أحالته الحكومة على المجلس النيابي وأصدره الأخير بقانون، أعطى الحق للموظفين، وأراح شريحة كبيرة من الناس التي استعادت ثقتها بالدولة»، مشدداً على أن كل ذلك «لم يكن ليتحقق لولا الاستقرار السياسي الذي ينعم به لبنان، ولولا التعاون القائم بين الحكومة والمجلس النيابي، ودور رئيس الجمهورية (ميشال عون) بالإشراف على ورشة العمل المتكاملة والسهر على عمل المؤسسات».
ولا تسلم الإنجازات المشار إليها من بعض الانتقادات، لما يشوبها من شكوك وعلامات استفهام. ويعتبر وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد نقولا تويني، أن «ما تحقق يعدّ جيداً مقارنة مع الضغوط السياسية والاقتصادية الدولية التي يتعرّض لها لبنان». ويشدد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على أن «لبنان موجود في محيط مشتعل بالحروب والنزاعات، ورغم ذلك لا يزال مصراً على تقديم الأفضل لمواطنيه وللمقيمين على أرضه».
لكن طموحات المسؤولين تفوق ما تم إنجازه بكثير، ويلفت الوزير تويني إلى أن البلد «يحتاج في السنة المقبلة إلى إطلاق المشاريع التنموية، من طرقات وبنى تحتية وكهرباء ومياه».
ويقول: «لبنان يحتاج الآن إلى تغيير نوعي في زيادة إنتاج الكهرباء الذي يحفز القطاع الصناعي، كما يحتاج إلى محطات لتسييل الغاز، بالإضافة إلى ورشة واسعة تبدأ بشق الأنفاق التي تربط المناطق ببعضها البعض، وإعادة تشغيل سكك الحديد من جنوب لبنان إلى شماله، وشقّ نفق يربط بيروت بطريق دمشق (البقاع اللبناني)، ومعالجة المياه المبتذلة وتنقية مياه البحر لتكون صالحة للاستخدام، والتوقف عن استعمال الشواطئ اللبنانية مكباً للنفايات، وتجميل هذه الشواطئ لتصبح وجهة سياحية».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.