«داعش» الصومالية... تنظيم يواجه الفشل بالانتماء القبلي

مجموعة منشقة نتجت من خلافات داخلية «لحركة الشباب» إثر مقتل زعيمها في غارة جوية أميركية

آثار تفجير انتحاري وسط العاصمة بسيارة مفخخة في مقديشو منتصف أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)
آثار تفجير انتحاري وسط العاصمة بسيارة مفخخة في مقديشو منتصف أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)
TT

«داعش» الصومالية... تنظيم يواجه الفشل بالانتماء القبلي

آثار تفجير انتحاري وسط العاصمة بسيارة مفخخة في مقديشو منتصف أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)
آثار تفجير انتحاري وسط العاصمة بسيارة مفخخة في مقديشو منتصف أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)

ظهر فرع «داعش» الوليد في الصومال سنة 2015 إثر خلافات داخلية لـ«حركة الشباب»، تفاقمت بعد اغتيال الزعيم أحمد عبدي غوداني، في غارة جوية شنتها طائرة أميركية، في سبتمبر (أيلول) 2014، ورغم أن الساحة الصومالية كانت تعج بالأفكار الدينية المتطرفة، فإن الثقل الروحي لغوداني، ورمزيته التنظيمية؛ ساعدت على تهميش الطروحات المتشددة التي لا تتماشى وذهنية «تنظيم القاعدة». غير أن وفاة زعيم «حركة الشباب»، وما صاحبها من ظهور قوي لتنظيم البغدادي في العراق، والانتصارات التي حققها هناك، عجّلا بانشقاق مجموعة صغيرة عن التنظيم الأم.
قاد عبد القادر مؤمن هذه الانفصال، ونجح في الحفاظ على حياة تنظيمه الوليد، رغم كثير من الاغتيالات التي نفذتها الشباب ضد المجموعة المنشقة منذ سنة 2014 إلى 2017، والتي نجحت في قتل بعض قيادي فرع «داعش» الوليد. وهو ما أثر بقوة على مسار رفاق عبد القادر مؤمن، وجعله يحتمي بجبال «عيل مدو»، الواقعة في منطقة تابعة لقبيلته الجبرتين. التحق بعبد القادر مؤمن بعض القيادات من الصف الثاني للشباب، جراء استمرار الصراع الداخلي للتنظيم الأم، وخسارته مناطق واسعة جراء المواجهات مع القوات الحكومية والقوات الأفريقية بالصومال. وهكذا وجد فرع «داعش»، نفسه أمام وضع صعب، يتمثل في شح الموارد المالية والبشرية؛ وفي الوقت نفسه، مكّنته التحولات العسكرية الجديدة على الأرض، من استقطاب بعض الكوادر العسكرية للشباب، وإخضاع الكثير من المراهقين للتدريب في معسكرات، بعيداً عن أعين الحكومة و«حركة الشباب»، ولم يعرف مكان هذه الأنشطة، إلا بعد نشرها إعلامياً من طرف تنظيم عبد القادر مؤمن. ورغم ذلك، يرى وزير الدولة للإعلام في حكومة إقليم «بونتلاند» عبد الفتاح نور، في تصريح صحافي له، أن «وجود (داعش) في الصومال يشكل تهديداً أمنياً للمنطقة، وبخاصة الصومال؛ إذ إن ثقله القتالي لا يقل خطورة عن الجماعات المتشددة الأخرى، كـ(حركة الشباب)، التي أربكت أمن الصومال ودول الجوار». كما أشار الوزير لصعوبات القضاء على التنظيم رغم عدم تمرسه، بحكم وعورة التضاريس الجبلية؛ أما عن تمويل «داعش» بالصومال، فلا يعلم الوزير «تحديداً مصدر دعمهم المالي واللوجيستي، لكن التنظيم الموجود في مناطق شمال شرقي الصومال ليس تنظيماً جاء إلى المنطقة، بل مقاتلين بايعوا «داعش» بعد خلافهم مع (حركة الشباب) الإرهابية».

الزعيم والقبيلة
يتزعم تنظيم داعش الصومالي شيخ خمسيني من عمره، وكان عضواً سابقاً بحركة الاتحاد الإسلامي (1983 - 1996). هاجر عبد القادر مؤمن في التسعينات إلى بريطانيا، ومارس الوعظ والخطابة فيها منذ عام 2007، غير أنه تعرض لمضايقات وملاحقة من المخابرات البريطانية؛ مما دفعه للفرار عائداً إلى الصومال سنة 2010. ونظم الشيخ إلى «حركة الشباب». ينتمي عبد القادر المؤمن قبليا لقبيلة مجيرتين التي تعيش منذ زمن طويل في أقصى الشرق الصومالي، في مناطق معروفة تاريخياً بممارسة الرعي والتجارة، مستغلة الموقع الجيوستراتيجي الساحلي لمدينة بوصاصو وحافون خاصة.
كما تقطن هذه القبيلة مناطق أخرى من داخل الصومال خاصة، مدينة ووأيل وقرطو وجرووي وجالكعيو، وتمتد إلى الداخل الإثيوبي، وتنزانيا وزيمبابوي، وسلطنة عمان؛ ويستقرون خاصة في محافظة ظفار، حيث تصاهروا تاريخياً مع القبائل المقيمة بالمنطقة.
ويبدو أن عبد القادر مؤمن، واعٍ بالدور التاريخي الذي لعبته قبيلة المجيرتين، حيث كان لها دور كبير جداً في زعامة الدولة الصومالية المعاصرة، عن طريق الدور الدينامي للنخب السياسية والدينية والتجارية الجيرتية.
أما اليوم، فالقبيلة تسيطر على إقليم بونتلاند وتدير شؤونه بشكل تام. في هذا السياق، يمكن القول كذلك إن ولادة فرع تنظيم داعش سنة 2015، مستنداً إلى الرمزية الدينية التي يتمتع بها عبد القادر مؤمن في قبيلة مجيرتين، تزيد من احتمالية التطور السريع للتنظيم على مستوى الموارد البشرية والمالية، إضافة إلى أن السلاح منتشر في الصومال ودول الجوار.
من الجانب السياسي، لا بد من استحضار ثقل قبائل الدارودية التي تعتبر قبيلة المجيرتين أكبرها على الإطلاق. فعبد القادر مؤمن يحاول استغلال النزوع التاريخي لقبيلته للسيطرة على قيادة الصومال؛ وينطلق من السيطرة الحالية شبه التامة على حكومة بونتلاند، وهو يقاتل الحكومة المركزية ويعتبرها موالية للغرب الكافر، وفي الوقت نفسه يحاول استغلال زعامته الدينية وانتماءه القبلي لاسترجاع المجد السياسي للجبرتين في قيادة الصومال.
ونشير في هذا الإطار أن الانتماء للجبرتين كان وراء وصول كل من عبد الرشيد شرماركي إلى رئاسة الصومال 1967 – 1969، وعبد الله يوسف أحمد سنة 2004 – 2008، كما ترأس قيادات جبرتية حكومات عدة للصومال، آخرها ترؤس عبدولي قاس الحكومة المشكلة سنة 2011.
يعمل زعيم تنظيم داعش على استغلال الصراعات العشائرية، وعجز الحكومة المحلية لبونتلاند برئاسة عبد الولي غاسعلى عن الاستجابة للمطالب الأساسية، الاقتصادية والاجتماعية، والأمنية؛ ويحاول مؤمن حالياً الظهور بمظهر الممثل لعشيرته في الصراع مع الحكومة المحلية، بعد المصالحة التي أجرتها مع عبد الصمد محمد غالان المنتمي إلى نفس عشيرة مؤمن. غير أن نجاح المصالحة لحد الآن يعرقل من أطماع مؤمن في بسط نفوذه على المنطقة، وضمان ولاء عشيرته كاملة، إضافة إلى أقليات الموجود في منطقة الحكومة المحلية لبونتلاند.
من جانب معاكس، قد يكون غياب «حركة الشباب» في المنطقة، وضعف الحكومة المحلية، مشجعاً لتنظيم مؤمن على الانتشار هناك، والتحرك بحرية أكبر على مستوى التجنيد، والتمويل؛ وبخاصة أن المنطقة معروفة بنزوعاتها الدينية السلفية، وعدائها الأجانب. إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة، أن التنظيم سيتقوى بسرعة، ذلك أن منطقة حكومة لبونتلاند، التي يوجد فيها حالياً، هي من المناطق الأكثر أمنا بالصومال. كما أن تجارب السكان الاجتماعية مع الحركات الإرهابية، يهيمن عليها الحذر، وعم الانجرار وراء آيديولوجيتها الدموية، الشيء الذي حد من توسع «حركة الشباب» في الشرق الصومالي.

عمليات محدودة
ويبدو أن هذا من العوامل الرئيسة المؤثرة في محدودية عمليات فرع «داعش» بالصومال؛ حيث بقي بعيداً عن العاصمة والمناطق المهمة، إلى أن نفذ أول اعتداء انتحاري في الصومال، يوم 24 مايو 2017، أسفر عن خمسة قتلى بمدينة بوساسو شمال شرقي البلاد. كما شن تنظيم عبد القادر مؤمن هجوماً إرهابياً في منطقة بونتلاند باستخدام سترة ناسفة، فبراير (شباط) 2017 استهدف فندقاً في المدينة نفسها المشار إليها (مدينة بوساسو)، الواقعة على خليج عدن؛ وأسفر الهجوم عن مقتل ستة أشخاص، بينهم اثنان من المهاجمين. وكانت «داعش» قد أعلنت مسؤوليتها عن هجوم استهدف شاحنة تابعة لقوات حفظ السلام الأفريقي، في ضواحي مقديشو عام 2016.
ويبقى إعلان تنظيم داعش في الصومال عن سيطرة مؤقتة دامت شهرين فقط، على مدينة قنْدلة التي تبعد 80 كلم من مدينة بوصاصو الساحلية بأقصى شرقي الصومال، في أكتوبر (تشرين الأول)؛ واحداً من المؤشرات التي تعبر عن أطماع للتنظيم الأكيدة في جعل منطقة الانتماء القبلي إلى زعيمها مجالاً جغرافياً للانطلاق وبناء دولة خاصة.
يمكن القول إن فرع تنظيم داعش بالصومال، ما زال هشاً، وشبه محاصر، وتجربته العسكرية في طور التشكل؛ وأن نجاحه في استثمار كثير من التناقضات والصراعات القبلية لبناء تنظيم قوي يؤثر على ما هو أمني واقتصادي تجاري في دول القرن الأفريقي ما زال ضعيفاً للغاية. ورغم أن جنينية التنظيم وهشاشة الدولة وانحصار قوتها في العاصمة ونواحيها، تشجع التنظيمات مثل «داعش» على استقبال الكوادر الأجنبية التي فرت من العراق وسوريا، بعد هزيمة «دولة الخلافة» المزعومة. فإن تدهور صورة تنظيم البغدادي، والصراع الدموي لفرعه بالصومال مع كل من «حركة الشباب» من جهة والدولة؛ والقوات الأفريقية مدعومة بالطيران الأميركي، يزيد من احتمال فشل هذا التنظيم الإرهابي، مقابل احتمال قوي لعودة للشباب المرتبط عضوياً بتنظيم «القاعدة».
كما أن فرضية التحالف والتعايش بين تنظيم عبد القادر مؤمن، والقاعدة، يبدو، على المدى القريب شبه مستحيل؛ ذلك أن تجربة الطرفين تشبه عملياً تجربة كل من النصرة سابقا، و«داعش» بسوريا؛ حيث كانت لغة السلاح والاغتيالات المتبادلة هي الفيصل، رغم الجهود الكبيرة، لبعض شيوخ التطرف، لوقف الاقتتال بينهما، وإيجاد مساحة للتقارب والتحالف بين الجانبين.
* أستاذ زائر للعلوم السياسية جامعة محمد الخامس الرباط



تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟