«داعش» الصومالية... تنظيم يواجه الفشل بالانتماء القبلي

مجموعة منشقة نتجت من خلافات داخلية «لحركة الشباب» إثر مقتل زعيمها في غارة جوية أميركية

آثار تفجير انتحاري وسط العاصمة بسيارة مفخخة في مقديشو منتصف أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)
آثار تفجير انتحاري وسط العاصمة بسيارة مفخخة في مقديشو منتصف أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)
TT

«داعش» الصومالية... تنظيم يواجه الفشل بالانتماء القبلي

آثار تفجير انتحاري وسط العاصمة بسيارة مفخخة في مقديشو منتصف أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)
آثار تفجير انتحاري وسط العاصمة بسيارة مفخخة في مقديشو منتصف أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)

ظهر فرع «داعش» الوليد في الصومال سنة 2015 إثر خلافات داخلية لـ«حركة الشباب»، تفاقمت بعد اغتيال الزعيم أحمد عبدي غوداني، في غارة جوية شنتها طائرة أميركية، في سبتمبر (أيلول) 2014، ورغم أن الساحة الصومالية كانت تعج بالأفكار الدينية المتطرفة، فإن الثقل الروحي لغوداني، ورمزيته التنظيمية؛ ساعدت على تهميش الطروحات المتشددة التي لا تتماشى وذهنية «تنظيم القاعدة». غير أن وفاة زعيم «حركة الشباب»، وما صاحبها من ظهور قوي لتنظيم البغدادي في العراق، والانتصارات التي حققها هناك، عجّلا بانشقاق مجموعة صغيرة عن التنظيم الأم.
قاد عبد القادر مؤمن هذه الانفصال، ونجح في الحفاظ على حياة تنظيمه الوليد، رغم كثير من الاغتيالات التي نفذتها الشباب ضد المجموعة المنشقة منذ سنة 2014 إلى 2017، والتي نجحت في قتل بعض قيادي فرع «داعش» الوليد. وهو ما أثر بقوة على مسار رفاق عبد القادر مؤمن، وجعله يحتمي بجبال «عيل مدو»، الواقعة في منطقة تابعة لقبيلته الجبرتين. التحق بعبد القادر مؤمن بعض القيادات من الصف الثاني للشباب، جراء استمرار الصراع الداخلي للتنظيم الأم، وخسارته مناطق واسعة جراء المواجهات مع القوات الحكومية والقوات الأفريقية بالصومال. وهكذا وجد فرع «داعش»، نفسه أمام وضع صعب، يتمثل في شح الموارد المالية والبشرية؛ وفي الوقت نفسه، مكّنته التحولات العسكرية الجديدة على الأرض، من استقطاب بعض الكوادر العسكرية للشباب، وإخضاع الكثير من المراهقين للتدريب في معسكرات، بعيداً عن أعين الحكومة و«حركة الشباب»، ولم يعرف مكان هذه الأنشطة، إلا بعد نشرها إعلامياً من طرف تنظيم عبد القادر مؤمن. ورغم ذلك، يرى وزير الدولة للإعلام في حكومة إقليم «بونتلاند» عبد الفتاح نور، في تصريح صحافي له، أن «وجود (داعش) في الصومال يشكل تهديداً أمنياً للمنطقة، وبخاصة الصومال؛ إذ إن ثقله القتالي لا يقل خطورة عن الجماعات المتشددة الأخرى، كـ(حركة الشباب)، التي أربكت أمن الصومال ودول الجوار». كما أشار الوزير لصعوبات القضاء على التنظيم رغم عدم تمرسه، بحكم وعورة التضاريس الجبلية؛ أما عن تمويل «داعش» بالصومال، فلا يعلم الوزير «تحديداً مصدر دعمهم المالي واللوجيستي، لكن التنظيم الموجود في مناطق شمال شرقي الصومال ليس تنظيماً جاء إلى المنطقة، بل مقاتلين بايعوا «داعش» بعد خلافهم مع (حركة الشباب) الإرهابية».

الزعيم والقبيلة
يتزعم تنظيم داعش الصومالي شيخ خمسيني من عمره، وكان عضواً سابقاً بحركة الاتحاد الإسلامي (1983 - 1996). هاجر عبد القادر مؤمن في التسعينات إلى بريطانيا، ومارس الوعظ والخطابة فيها منذ عام 2007، غير أنه تعرض لمضايقات وملاحقة من المخابرات البريطانية؛ مما دفعه للفرار عائداً إلى الصومال سنة 2010. ونظم الشيخ إلى «حركة الشباب». ينتمي عبد القادر المؤمن قبليا لقبيلة مجيرتين التي تعيش منذ زمن طويل في أقصى الشرق الصومالي، في مناطق معروفة تاريخياً بممارسة الرعي والتجارة، مستغلة الموقع الجيوستراتيجي الساحلي لمدينة بوصاصو وحافون خاصة.
كما تقطن هذه القبيلة مناطق أخرى من داخل الصومال خاصة، مدينة ووأيل وقرطو وجرووي وجالكعيو، وتمتد إلى الداخل الإثيوبي، وتنزانيا وزيمبابوي، وسلطنة عمان؛ ويستقرون خاصة في محافظة ظفار، حيث تصاهروا تاريخياً مع القبائل المقيمة بالمنطقة.
ويبدو أن عبد القادر مؤمن، واعٍ بالدور التاريخي الذي لعبته قبيلة المجيرتين، حيث كان لها دور كبير جداً في زعامة الدولة الصومالية المعاصرة، عن طريق الدور الدينامي للنخب السياسية والدينية والتجارية الجيرتية.
أما اليوم، فالقبيلة تسيطر على إقليم بونتلاند وتدير شؤونه بشكل تام. في هذا السياق، يمكن القول كذلك إن ولادة فرع تنظيم داعش سنة 2015، مستنداً إلى الرمزية الدينية التي يتمتع بها عبد القادر مؤمن في قبيلة مجيرتين، تزيد من احتمالية التطور السريع للتنظيم على مستوى الموارد البشرية والمالية، إضافة إلى أن السلاح منتشر في الصومال ودول الجوار.
من الجانب السياسي، لا بد من استحضار ثقل قبائل الدارودية التي تعتبر قبيلة المجيرتين أكبرها على الإطلاق. فعبد القادر مؤمن يحاول استغلال النزوع التاريخي لقبيلته للسيطرة على قيادة الصومال؛ وينطلق من السيطرة الحالية شبه التامة على حكومة بونتلاند، وهو يقاتل الحكومة المركزية ويعتبرها موالية للغرب الكافر، وفي الوقت نفسه يحاول استغلال زعامته الدينية وانتماءه القبلي لاسترجاع المجد السياسي للجبرتين في قيادة الصومال.
ونشير في هذا الإطار أن الانتماء للجبرتين كان وراء وصول كل من عبد الرشيد شرماركي إلى رئاسة الصومال 1967 – 1969، وعبد الله يوسف أحمد سنة 2004 – 2008، كما ترأس قيادات جبرتية حكومات عدة للصومال، آخرها ترؤس عبدولي قاس الحكومة المشكلة سنة 2011.
يعمل زعيم تنظيم داعش على استغلال الصراعات العشائرية، وعجز الحكومة المحلية لبونتلاند برئاسة عبد الولي غاسعلى عن الاستجابة للمطالب الأساسية، الاقتصادية والاجتماعية، والأمنية؛ ويحاول مؤمن حالياً الظهور بمظهر الممثل لعشيرته في الصراع مع الحكومة المحلية، بعد المصالحة التي أجرتها مع عبد الصمد محمد غالان المنتمي إلى نفس عشيرة مؤمن. غير أن نجاح المصالحة لحد الآن يعرقل من أطماع مؤمن في بسط نفوذه على المنطقة، وضمان ولاء عشيرته كاملة، إضافة إلى أقليات الموجود في منطقة الحكومة المحلية لبونتلاند.
من جانب معاكس، قد يكون غياب «حركة الشباب» في المنطقة، وضعف الحكومة المحلية، مشجعاً لتنظيم مؤمن على الانتشار هناك، والتحرك بحرية أكبر على مستوى التجنيد، والتمويل؛ وبخاصة أن المنطقة معروفة بنزوعاتها الدينية السلفية، وعدائها الأجانب. إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة، أن التنظيم سيتقوى بسرعة، ذلك أن منطقة حكومة لبونتلاند، التي يوجد فيها حالياً، هي من المناطق الأكثر أمنا بالصومال. كما أن تجارب السكان الاجتماعية مع الحركات الإرهابية، يهيمن عليها الحذر، وعم الانجرار وراء آيديولوجيتها الدموية، الشيء الذي حد من توسع «حركة الشباب» في الشرق الصومالي.

عمليات محدودة
ويبدو أن هذا من العوامل الرئيسة المؤثرة في محدودية عمليات فرع «داعش» بالصومال؛ حيث بقي بعيداً عن العاصمة والمناطق المهمة، إلى أن نفذ أول اعتداء انتحاري في الصومال، يوم 24 مايو 2017، أسفر عن خمسة قتلى بمدينة بوساسو شمال شرقي البلاد. كما شن تنظيم عبد القادر مؤمن هجوماً إرهابياً في منطقة بونتلاند باستخدام سترة ناسفة، فبراير (شباط) 2017 استهدف فندقاً في المدينة نفسها المشار إليها (مدينة بوساسو)، الواقعة على خليج عدن؛ وأسفر الهجوم عن مقتل ستة أشخاص، بينهم اثنان من المهاجمين. وكانت «داعش» قد أعلنت مسؤوليتها عن هجوم استهدف شاحنة تابعة لقوات حفظ السلام الأفريقي، في ضواحي مقديشو عام 2016.
ويبقى إعلان تنظيم داعش في الصومال عن سيطرة مؤقتة دامت شهرين فقط، على مدينة قنْدلة التي تبعد 80 كلم من مدينة بوصاصو الساحلية بأقصى شرقي الصومال، في أكتوبر (تشرين الأول)؛ واحداً من المؤشرات التي تعبر عن أطماع للتنظيم الأكيدة في جعل منطقة الانتماء القبلي إلى زعيمها مجالاً جغرافياً للانطلاق وبناء دولة خاصة.
يمكن القول إن فرع تنظيم داعش بالصومال، ما زال هشاً، وشبه محاصر، وتجربته العسكرية في طور التشكل؛ وأن نجاحه في استثمار كثير من التناقضات والصراعات القبلية لبناء تنظيم قوي يؤثر على ما هو أمني واقتصادي تجاري في دول القرن الأفريقي ما زال ضعيفاً للغاية. ورغم أن جنينية التنظيم وهشاشة الدولة وانحصار قوتها في العاصمة ونواحيها، تشجع التنظيمات مثل «داعش» على استقبال الكوادر الأجنبية التي فرت من العراق وسوريا، بعد هزيمة «دولة الخلافة» المزعومة. فإن تدهور صورة تنظيم البغدادي، والصراع الدموي لفرعه بالصومال مع كل من «حركة الشباب» من جهة والدولة؛ والقوات الأفريقية مدعومة بالطيران الأميركي، يزيد من احتمال فشل هذا التنظيم الإرهابي، مقابل احتمال قوي لعودة للشباب المرتبط عضوياً بتنظيم «القاعدة».
كما أن فرضية التحالف والتعايش بين تنظيم عبد القادر مؤمن، والقاعدة، يبدو، على المدى القريب شبه مستحيل؛ ذلك أن تجربة الطرفين تشبه عملياً تجربة كل من النصرة سابقا، و«داعش» بسوريا؛ حيث كانت لغة السلاح والاغتيالات المتبادلة هي الفيصل، رغم الجهود الكبيرة، لبعض شيوخ التطرف، لوقف الاقتتال بينهما، وإيجاد مساحة للتقارب والتحالف بين الجانبين.
* أستاذ زائر للعلوم السياسية جامعة محمد الخامس الرباط



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».