«داعش» الصومالية... تنظيم يواجه الفشل بالانتماء القبلي

مجموعة منشقة نتجت من خلافات داخلية «لحركة الشباب» إثر مقتل زعيمها في غارة جوية أميركية

آثار تفجير انتحاري وسط العاصمة بسيارة مفخخة في مقديشو منتصف أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)
آثار تفجير انتحاري وسط العاصمة بسيارة مفخخة في مقديشو منتصف أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)
TT

«داعش» الصومالية... تنظيم يواجه الفشل بالانتماء القبلي

آثار تفجير انتحاري وسط العاصمة بسيارة مفخخة في مقديشو منتصف أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)
آثار تفجير انتحاري وسط العاصمة بسيارة مفخخة في مقديشو منتصف أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)

ظهر فرع «داعش» الوليد في الصومال سنة 2015 إثر خلافات داخلية لـ«حركة الشباب»، تفاقمت بعد اغتيال الزعيم أحمد عبدي غوداني، في غارة جوية شنتها طائرة أميركية، في سبتمبر (أيلول) 2014، ورغم أن الساحة الصومالية كانت تعج بالأفكار الدينية المتطرفة، فإن الثقل الروحي لغوداني، ورمزيته التنظيمية؛ ساعدت على تهميش الطروحات المتشددة التي لا تتماشى وذهنية «تنظيم القاعدة». غير أن وفاة زعيم «حركة الشباب»، وما صاحبها من ظهور قوي لتنظيم البغدادي في العراق، والانتصارات التي حققها هناك، عجّلا بانشقاق مجموعة صغيرة عن التنظيم الأم.
قاد عبد القادر مؤمن هذه الانفصال، ونجح في الحفاظ على حياة تنظيمه الوليد، رغم كثير من الاغتيالات التي نفذتها الشباب ضد المجموعة المنشقة منذ سنة 2014 إلى 2017، والتي نجحت في قتل بعض قيادي فرع «داعش» الوليد. وهو ما أثر بقوة على مسار رفاق عبد القادر مؤمن، وجعله يحتمي بجبال «عيل مدو»، الواقعة في منطقة تابعة لقبيلته الجبرتين. التحق بعبد القادر مؤمن بعض القيادات من الصف الثاني للشباب، جراء استمرار الصراع الداخلي للتنظيم الأم، وخسارته مناطق واسعة جراء المواجهات مع القوات الحكومية والقوات الأفريقية بالصومال. وهكذا وجد فرع «داعش»، نفسه أمام وضع صعب، يتمثل في شح الموارد المالية والبشرية؛ وفي الوقت نفسه، مكّنته التحولات العسكرية الجديدة على الأرض، من استقطاب بعض الكوادر العسكرية للشباب، وإخضاع الكثير من المراهقين للتدريب في معسكرات، بعيداً عن أعين الحكومة و«حركة الشباب»، ولم يعرف مكان هذه الأنشطة، إلا بعد نشرها إعلامياً من طرف تنظيم عبد القادر مؤمن. ورغم ذلك، يرى وزير الدولة للإعلام في حكومة إقليم «بونتلاند» عبد الفتاح نور، في تصريح صحافي له، أن «وجود (داعش) في الصومال يشكل تهديداً أمنياً للمنطقة، وبخاصة الصومال؛ إذ إن ثقله القتالي لا يقل خطورة عن الجماعات المتشددة الأخرى، كـ(حركة الشباب)، التي أربكت أمن الصومال ودول الجوار». كما أشار الوزير لصعوبات القضاء على التنظيم رغم عدم تمرسه، بحكم وعورة التضاريس الجبلية؛ أما عن تمويل «داعش» بالصومال، فلا يعلم الوزير «تحديداً مصدر دعمهم المالي واللوجيستي، لكن التنظيم الموجود في مناطق شمال شرقي الصومال ليس تنظيماً جاء إلى المنطقة، بل مقاتلين بايعوا «داعش» بعد خلافهم مع (حركة الشباب) الإرهابية».

الزعيم والقبيلة
يتزعم تنظيم داعش الصومالي شيخ خمسيني من عمره، وكان عضواً سابقاً بحركة الاتحاد الإسلامي (1983 - 1996). هاجر عبد القادر مؤمن في التسعينات إلى بريطانيا، ومارس الوعظ والخطابة فيها منذ عام 2007، غير أنه تعرض لمضايقات وملاحقة من المخابرات البريطانية؛ مما دفعه للفرار عائداً إلى الصومال سنة 2010. ونظم الشيخ إلى «حركة الشباب». ينتمي عبد القادر المؤمن قبليا لقبيلة مجيرتين التي تعيش منذ زمن طويل في أقصى الشرق الصومالي، في مناطق معروفة تاريخياً بممارسة الرعي والتجارة، مستغلة الموقع الجيوستراتيجي الساحلي لمدينة بوصاصو وحافون خاصة.
كما تقطن هذه القبيلة مناطق أخرى من داخل الصومال خاصة، مدينة ووأيل وقرطو وجرووي وجالكعيو، وتمتد إلى الداخل الإثيوبي، وتنزانيا وزيمبابوي، وسلطنة عمان؛ ويستقرون خاصة في محافظة ظفار، حيث تصاهروا تاريخياً مع القبائل المقيمة بالمنطقة.
ويبدو أن عبد القادر مؤمن، واعٍ بالدور التاريخي الذي لعبته قبيلة المجيرتين، حيث كان لها دور كبير جداً في زعامة الدولة الصومالية المعاصرة، عن طريق الدور الدينامي للنخب السياسية والدينية والتجارية الجيرتية.
أما اليوم، فالقبيلة تسيطر على إقليم بونتلاند وتدير شؤونه بشكل تام. في هذا السياق، يمكن القول كذلك إن ولادة فرع تنظيم داعش سنة 2015، مستنداً إلى الرمزية الدينية التي يتمتع بها عبد القادر مؤمن في قبيلة مجيرتين، تزيد من احتمالية التطور السريع للتنظيم على مستوى الموارد البشرية والمالية، إضافة إلى أن السلاح منتشر في الصومال ودول الجوار.
من الجانب السياسي، لا بد من استحضار ثقل قبائل الدارودية التي تعتبر قبيلة المجيرتين أكبرها على الإطلاق. فعبد القادر مؤمن يحاول استغلال النزوع التاريخي لقبيلته للسيطرة على قيادة الصومال؛ وينطلق من السيطرة الحالية شبه التامة على حكومة بونتلاند، وهو يقاتل الحكومة المركزية ويعتبرها موالية للغرب الكافر، وفي الوقت نفسه يحاول استغلال زعامته الدينية وانتماءه القبلي لاسترجاع المجد السياسي للجبرتين في قيادة الصومال.
ونشير في هذا الإطار أن الانتماء للجبرتين كان وراء وصول كل من عبد الرشيد شرماركي إلى رئاسة الصومال 1967 – 1969، وعبد الله يوسف أحمد سنة 2004 – 2008، كما ترأس قيادات جبرتية حكومات عدة للصومال، آخرها ترؤس عبدولي قاس الحكومة المشكلة سنة 2011.
يعمل زعيم تنظيم داعش على استغلال الصراعات العشائرية، وعجز الحكومة المحلية لبونتلاند برئاسة عبد الولي غاسعلى عن الاستجابة للمطالب الأساسية، الاقتصادية والاجتماعية، والأمنية؛ ويحاول مؤمن حالياً الظهور بمظهر الممثل لعشيرته في الصراع مع الحكومة المحلية، بعد المصالحة التي أجرتها مع عبد الصمد محمد غالان المنتمي إلى نفس عشيرة مؤمن. غير أن نجاح المصالحة لحد الآن يعرقل من أطماع مؤمن في بسط نفوذه على المنطقة، وضمان ولاء عشيرته كاملة، إضافة إلى أقليات الموجود في منطقة الحكومة المحلية لبونتلاند.
من جانب معاكس، قد يكون غياب «حركة الشباب» في المنطقة، وضعف الحكومة المحلية، مشجعاً لتنظيم مؤمن على الانتشار هناك، والتحرك بحرية أكبر على مستوى التجنيد، والتمويل؛ وبخاصة أن المنطقة معروفة بنزوعاتها الدينية السلفية، وعدائها الأجانب. إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة، أن التنظيم سيتقوى بسرعة، ذلك أن منطقة حكومة لبونتلاند، التي يوجد فيها حالياً، هي من المناطق الأكثر أمنا بالصومال. كما أن تجارب السكان الاجتماعية مع الحركات الإرهابية، يهيمن عليها الحذر، وعم الانجرار وراء آيديولوجيتها الدموية، الشيء الذي حد من توسع «حركة الشباب» في الشرق الصومالي.

عمليات محدودة
ويبدو أن هذا من العوامل الرئيسة المؤثرة في محدودية عمليات فرع «داعش» بالصومال؛ حيث بقي بعيداً عن العاصمة والمناطق المهمة، إلى أن نفذ أول اعتداء انتحاري في الصومال، يوم 24 مايو 2017، أسفر عن خمسة قتلى بمدينة بوساسو شمال شرقي البلاد. كما شن تنظيم عبد القادر مؤمن هجوماً إرهابياً في منطقة بونتلاند باستخدام سترة ناسفة، فبراير (شباط) 2017 استهدف فندقاً في المدينة نفسها المشار إليها (مدينة بوساسو)، الواقعة على خليج عدن؛ وأسفر الهجوم عن مقتل ستة أشخاص، بينهم اثنان من المهاجمين. وكانت «داعش» قد أعلنت مسؤوليتها عن هجوم استهدف شاحنة تابعة لقوات حفظ السلام الأفريقي، في ضواحي مقديشو عام 2016.
ويبقى إعلان تنظيم داعش في الصومال عن سيطرة مؤقتة دامت شهرين فقط، على مدينة قنْدلة التي تبعد 80 كلم من مدينة بوصاصو الساحلية بأقصى شرقي الصومال، في أكتوبر (تشرين الأول)؛ واحداً من المؤشرات التي تعبر عن أطماع للتنظيم الأكيدة في جعل منطقة الانتماء القبلي إلى زعيمها مجالاً جغرافياً للانطلاق وبناء دولة خاصة.
يمكن القول إن فرع تنظيم داعش بالصومال، ما زال هشاً، وشبه محاصر، وتجربته العسكرية في طور التشكل؛ وأن نجاحه في استثمار كثير من التناقضات والصراعات القبلية لبناء تنظيم قوي يؤثر على ما هو أمني واقتصادي تجاري في دول القرن الأفريقي ما زال ضعيفاً للغاية. ورغم أن جنينية التنظيم وهشاشة الدولة وانحصار قوتها في العاصمة ونواحيها، تشجع التنظيمات مثل «داعش» على استقبال الكوادر الأجنبية التي فرت من العراق وسوريا، بعد هزيمة «دولة الخلافة» المزعومة. فإن تدهور صورة تنظيم البغدادي، والصراع الدموي لفرعه بالصومال مع كل من «حركة الشباب» من جهة والدولة؛ والقوات الأفريقية مدعومة بالطيران الأميركي، يزيد من احتمال فشل هذا التنظيم الإرهابي، مقابل احتمال قوي لعودة للشباب المرتبط عضوياً بتنظيم «القاعدة».
كما أن فرضية التحالف والتعايش بين تنظيم عبد القادر مؤمن، والقاعدة، يبدو، على المدى القريب شبه مستحيل؛ ذلك أن تجربة الطرفين تشبه عملياً تجربة كل من النصرة سابقا، و«داعش» بسوريا؛ حيث كانت لغة السلاح والاغتيالات المتبادلة هي الفيصل، رغم الجهود الكبيرة، لبعض شيوخ التطرف، لوقف الاقتتال بينهما، وإيجاد مساحة للتقارب والتحالف بين الجانبين.
* أستاذ زائر للعلوم السياسية جامعة محمد الخامس الرباط



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.