التنازل عن السيادة «مقابل الاستقرار» عنوان لبنان في 2017

التنازل عن السيادة «مقابل الاستقرار» عنوان لبنان في 2017
TT

التنازل عن السيادة «مقابل الاستقرار» عنوان لبنان في 2017

التنازل عن السيادة «مقابل الاستقرار» عنوان لبنان في 2017

اكتسب عام 2017 في السياسة اللبنانية، صفة عام الصراع على «النأي بالنفس». فالعبارة على كل شفة ولسان، ودخلت قاموس المصطلحات في علم السياسة.المقصود بالنأي بالنفس في الحالة اللبنانية
اتفاق قوى الداخل على ضرورة ابتعادها عن الصراعات الإقليمية، والامتناع عن الاصطفاف في المحاور للحفاظ على الاستقرار الداخلي، وانتظام العمل الحكومي، ولو في حده الأدنى.
الواقع أن معضلة إبعاده عن المحاور، لازمت لبنان منذ نشأته، حيث إن فكرة تحييد لبنان هي فكرة تأسيسية، لا بل مرتكز عقده الاجتماعي المكون لاستقلاله. فالاستقلال هو استقلال عن الخارج أولاً، ومن هنا كانت الدعوات لضرورة التزام أبنائه بفك ارتباطهم بالمشاريع العابرة للحدود مهما كان سحرها ووقعها كبيرا في وجدان البعض، على قاعدة أنه قد ترتاح إليها فئة، انطلاقاً من تجربتها التاريخية كمجموعة أو طائفة أو مذهب، وقد تلاقي هواجس ومخاوف لدى فئة أخرى.
هكذا في منتصف القرن الماضي تبلورت فكرة الشراكة اللبنانية والتي تقضي بتخلي شركاء الداخل عن خيارات الخارج والالتزام بـ«الخيار اللبناني». تخلى مسيحيو لبنان عن الحماية الفرنسية بالتوازي مع تخلي المسلمين عن مشروع القومية العربية المدعوم من قبل القوي البريطانية. والحقيقة أن فرقاء الداخل لم يلتزموا دوماً وبالكامل بمقتضيات العقد المؤسس والقاضي بالابتعاد عن المحاور، وكلما تم الإخلال بالوعد من أحد الفرقاء دخل لبنان فترة اضطراب، بدليل أزمة 1958 على خلفية اصطفاف فئة في المحور الناصري، ولجوء البعض الآخر إلى حلف بغداد للاحتماء من الناصرية. وهكذا دخل البلد في أواخر الستينات انقساماً بين من اصطف إلى جانب السلاح الفلسطيني وفريق حمل السلاح لصد السلاح بعد فشل تسوية اتفاق القاهرة، قبل بدء الحرب الأهلية.
في عام 2005 فتح اللبنانيون صفحة مشرقة في تاريخهم حينما أحيوا الشراكة وانتفضوا على الوصاية السورية على أثر اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري. لاقت تلك الانتفاضة قوة دفع دولية مواكبة لها تمثلت - بتحرك عربي أوروبي أميركي من أجل تحييد لبنان عن صراع المحاور وتعزيز مقومات سيادة الدولة اللبنانية، وارتكز على سلة من القرارات الدولية، لا سيما القرار 1559 والـ1680، الصادرة عن مجلس الأمن والداعية لحل الميليشيات ونزع سلاحها. ولكن ما لبث هذا الربيع اللبناني أن تلاشى أمام إصرار فريق من اللبنانيين على الالتصاق بالمحور الإيراني وعلى الإبقاء على السلاح خارج إطار الشرعيتين اللبنانية والأممية المتمثلة بالقرارات المذكورة أعلاه، ولكن أيضاً أمام تلاشي الدعم الدولي وسياسة الانفتاح على إيران التي أطلقتها إدارة أوباما بدءاً من عام 2008، دفعت ثمنها القوى السيادية اللبنانية وثورة الشعب السوري فيما بعد.
دخل حزب الله الساحة السورية وتجاوزها إلى ساحات أخرى. انغماسه في القتال إلى جانب نظام الأسد شكل منذ البداية مادة انقسام داخلي. الجروح التي خلفها نظام الأسد أقله عند فريق كبير من اللبنانيين ما كانت لتندمل بعد. أخذ الصراع في سوريا أبعاداً مذهبية طالت تردداتها العمق اللبناني، لا سيما في العاصمة بيروت وعاصمة الشمال طرابلس. طفا مصطلح «النأي بالنفس» على سطح المشهد السياسي مع وصول حكومة الرئيس ميقاتي عام 2011، حينها بات واضحاً الضرورة الملحة للابتعاد عن نيران الحرب السورية. أتى إعلان بعبدا في عام 2012 مطالباً «بتحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية... وافق على الوثيقة كل الأفرقاء بمن فيها (حزب الله)، إلا أنه عاد وانقلب عليها بعد تغيير موازين القوى العسكرية في الداخل السوري لصالحه».
توالت أزمات الحكم منذ 2005، وتبعتها تسويات، وهي محاولات قادتها، في معظمها، قوى إقليمية ساعية إما إلى دور، أو للدفاع عن موقع وساحة نفوذ في المشرق العربي. والعنوان كما في كل مرة تجنيب لبنان الانزلاق الكامل في أتون الإقليم. لا شك أيضا أن مسألة اللاجئين السوريين شكلت محفزاً أساسيا لتلك الدول، لا سيما الأوروبية منها للدخول على خط تسوية يؤمن الحد الأدنى من الاستقرار ويبعد عنها شبح اللاجئين الذي بات التحدي الأول في داخلها مهددا العقد الأوروبي بالانفراط.
وقد شكلت مسألة النفط في الفترة الأخيرة وتهافت بعض الشركات الأوروبية على هذه السوق الناشئة في المتوسط محفزاً إضافياً للدخول على خط التسويات. فكان لافتاً أن يكون إقرار مرسوم النفط من أول قرارات حكومة التسوية الأخيرة، وتلزيم تكتل شركات توتال - اني - نوفاتك (فرنسية - إيطالية - روسية) أول قرارات «تسوية التسوية»، أي في أول جلسة لمجلس الوزراء بعد عودة الحريري عن استقالته.
لكن تسويات الحد الأدنى لم تعالج النقاط الخلافية العالقة، وعلى رأسها مسألة سلاح حزب الله، وموقع لبنان من الصراعات الدائرة في الإقليم. وعند كل تسوية كان يصار إلى القفز فوق تلك النقاط الخلافية الجوهرية وإغراقها في عبارات فضفاضة زيّنت خطابات القسم والبيانات الوزارية. وفي كل مرة كان «ضرورة الحفاظ على الاستقرار» و«إنقاذ البلد من الفراغ»، عناوين أو مبررات لقادة التسوية في الداخل. وقد يكون أخطر ما في هذه التسويات المنطق الذي تستند إليه، ومفاده أن الاستقرار يقتضي بالتنازل عن السيادة أو تأجيل البحث بالأمور السيادية.
لا شك في أن تسليم أفرقاء الداخل بهذا المنطق سمح بقلب المعادلة الداخلية، فمع التسوية الأخيرة التي أتت بسعد الحريري رئيساً للوزراء، استحوذ الفريق المتحالف مع حزب الله على الأكثرية في السلطة التنفيذية، أي مجلس الوزراء، ولكن هذه المرة مع غطاء المعترضين أنفسهم. ومن خلال القانون الانتخابي الذي كان قوة الدفع الأساسية باتجاه إقراره، قد يتمكن من قلب الأكثرية النيابية لصالحه في مايو (أيار) 2018.
صحيح أنه في عام 2011 أطاح «حزب الله» ومن خلال القمصان السود بحكومة سعد الحريري، وشكل حكومة لون واحد خاضعة كليا لنفوذه. لكن بقيت تلك الحكومة فاقدة لمشروعية سياسية، في الداخل كما في الخارج، في مواجهة تحديات ليس أقلها حالة الركود الاقتصادي الذي بات يهدد بانفجار اجتماعي. والأهم كان فريق «14 آذار»، وهو القوة المناهضة لحزب الله، فرغم أخطائه العديدة كان ما زال قوة معارضة وازنة. أما وقد دخل اليوم أقطابه الأساسيون في تسوية لإنقاذ البلد من «الفراغ»، وارتضوا بأقل من الثلث المعطل داخل مجلس الوزراء، وهو الثلث الذي لم يتخلَّ عنه يوما «حزب الله» عندما كان يشارك في حكومات الوحدة الوطنية، فقد وفروا من حيث يدرون أو لا يدرون، غطاءً للفريق المرتبط مع إيران الغارق في معارك الإقليم، وساهموا في تشتيت القوى السيادية، وإضعاف قدرتها على التأثير، أو حتى على التعطيل. ومع موافقتهم على قانون الانتخاب الذي أتى لصالح «حزب الله»، مددوا لا بل شرعوا مفاعيل التسوية.
خلال العام المنصرم احتدم الصراع في مواجهة إيران وفي ساحات عديدة، بلغت الأمور ذروتها مع بلوغ الصواريخ الباليستية الإيرانية الصنع العمق السعودي. شعارات التسوية مثل «النأي بالنفس» و«إبعاد لبنان» عن الصراعات، بقيت حبراً على ورق وظهرت عاجزة عن حماية لبنان وتحييده.
«حزب الله» استمر في المعارك في سوريا، وصعد من بيروت الحملات الحادة ضد المملكة العربية السعودية ودول الخليج. في المقابل صنفت الأخيرة «حزب الله» منظمة إرهابية وحملته والفريق المتحالف معه مسؤولية التصعيد. مع الفارق أنه في هذه المرة لم يلاقِ الفريق الشريك في التسوية، الذي دخلها بحجة ربط نزاع مع حزب الله، الظروف التخفيفية التي طالما كان يركن إليها لتبرير واقعيته السياسية. حُمل ولو بطريقة غير مباشرة حصته من المسؤولية، كما ظهر من خلال البيان الأخير لوزراء الخارجية العرب حينما أشار إلى حزب الله كشريك في الحكومة اللبنانية. فمرحلة الصبر الاستراتيجي التي عُرفت بها سياسات دول الخليج العربي، ولّت، وتقلص مع انقضائها هامش المساكنة مع حلفاء إيران في الداخل اللبناني.
صحيح أن خيارات تلك القوى المناهضة لحزب الله، التي دخلت معه بشراكة حكومية، محدودة، لكن الصحيح أيضاً أن التسوية الأخيرة في لحظة حرجة، دخلت عشية تحول كبير في السياسات الإقليمية، الأمر الذي أثار اسئلة حول صوابية قرارها لا سيما الاستناد إلى ما قدمته من تنازلات، أكان لجهة حجمها في الحكومة، أو لجهة تسليمه سلفاً بتقليص وجودها في المجلس النيابي المقبل، ويطال سيل التساؤلات دور وإمكانية الفريق الأوروبي الضامن للتسوية الأخيرة. فالأخير غارق في اعتباراته الداخلية، ومقيد بمصالحه الداخلية، بما فيها الاقتصادية والنفطية. بالإضافة إلى أن خياراته وقدرته على حماية التسوية تحدها استعداداته على تحمل الأثمان.
ويبقى السؤال: هل التسوية الأخيرة أمنت الحد الأدنى من الاستقرار، وكانت بالفعل أفضل الممكن، أو كان من الأفضل الانتظار؟ وهل ثمن الاستقرار يتجاوز تعليق مقتضيات السيادة ويذهب في اتجاه تكوين جديد للسلطة وإعادة النظر في الصيغة والدور....؟
انتخابات 2018 لناظرها قريبة.



تنديد يمني بتصفية الحوثيين أحد المعتقلين في تعز

مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيمهم (رويترز)
مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيمهم (رويترز)
TT

تنديد يمني بتصفية الحوثيين أحد المعتقلين في تعز

مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيمهم (رويترز)
مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيمهم (رويترز)

نددت الحكومة اليمنية بتصفية الحوثيين أحد المعتقلين المدنيين في أحد السجون الواقعة شرق مدينة تعز، واتهمت الجماعة بالتورط في قتل 350 معتقلاً تحت التعذيب خلال السنوات الماضية.

التصريحات اليمنية التي جاءت على لسان وزير الإعلام، معمر الإرياني، كانت بعد أيام من فرض الولايات المتحدة عقوبات على قيادي حوثي يدير المؤسسة الخاصة بملف الأسرى في مناطق سيطرة الجماعة.

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)

ووصف الإرياني إقدام الحوثيين على تصفية المواطن أحمد طاهر أحمد جميل الشرعبي، في أحد معتقلاتهم السرية في منطقة الحوبان شرق تعز، بأنها «جريمة بشعة» تُضاف إلى سجل الجماعة الحافل بالانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية، وتعكس طبيعتها الوحشية وعدم التزامها بأي قانون أو معايير إنسانية، وفق تعبيره.

وأوضح الوزير اليمني في تصريح رسمي أن الحوثيين اختطفوا الضحية أحمد الشرعبي، واحتجزوه قسرياً في ظروف غير إنسانية، قبل أن يطلبوا من أسرته، في 11 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، الحضور لاستلام جثته بعد وفاته تحت التعذيب.

وقال إن هذا العمل الوحشي من قِبَل الحوثيين يظهر اللامبالاة بأرواح اليمنيين، ويعيد التذكير باستمرار مأساة الآلاف من المحتجزين والمخفيين قسراً في معتقلات الجماعة بما في ذلك النساء والأطفال.

وأشار وزير الإعلام اليمني إلى تقارير حكومية وثقت أكثر من 350 حالة قتل تحت التعذيب في سجون الحوثيين من بين 1635 حالة تعذيب، كما وثقت المنظمات الحقوقية -بحسب الوزير- تعرض 32 مختطفاً للتصفية الجسدية، بينما لقي آخرون حتفهم نتيجة الانتحار هرباً من قسوة التعذيب، و31 حالة وفاة بسبب الإهمال الطبي، وقال إن هذه الإحصاءات تعكس العنف الممنهج الذي تمارسه الميليشيا بحق المعتقلين وحجم المعاناة التي يعيشونها.

ترهيب المجتمع

اتهم الإرياني الحوثيين باستخدام المعتقلات أداة لترهيب المجتمع المدني وإسكات الأصوات المناهضة لهم، حيث يتم تعذيب المعتقلين بشكل جماعي وتعريضهم لأساليب قاسية تهدف إلى تدمير إرادتهم، ونشر حالة من الخوف والذعر بين المدنيين.

وطالب وزير الإعلام في الحكومة اليمنية المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان بمغادرة ما وصفه بـ«مربع الصمت المخزي»، وإدانة الجرائم الوحشية الحوثية التي تمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي والإنساني.

الحوثيون يتعمدون ترهيب المجتمع بالاعتقالات والتعذيب في السجون (رويترز)

ودعا الوزير إلى «ممارسة ضغط حقيقي على ميليشيا الحوثي» لإطلاق صراح كل المحتجزين والمخفيين قسرياً دون قيد أو شرط، وفرض عقوبات صارمة على قيادات الجماعة وتصنيفها «منظمة إرهابية عالمية».

وكانت الولايات المتحدة فرضت قبل أيام عقوبات على ما تسمى «لجنة شؤون الأسرى» التابعة للحوثيين، ورئيسها القيادي عبد القادر حسن يحيى المرتضى، بسبب الارتباط بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في اليمن.

وتقول الحكومة اليمنية إن هذه المؤسسة الحوثية من أكبر منتهكي حقوق الإنسان وخصوصاً رئيسها المرتضى الذي مارس خلال السنوات الماضية جرائم الإخفاء القسري بحق آلاف من المدنيين المحميين بموجب القوانين المحلية والقانون الدولي الإنساني.