بقدر ما واصلت سنة 2017 تكريس صورة التنوع الذي يسم الممارسة الثقافية في المغرب، من خلال المهرجانات الدولية والتظاهرات الكبرى ذات التوجهين الأدبي والفني، مع ما يرافقها من دينامية فنية وأدبية وتكريم لرموز الفعل الثقافي وحصول على الجوائز، داخل البلد وخارجه، بشكل ينقل صورة إيجابية عن الحركية التي تتوج للمنجز الثقافي وتعطيه حضوراً إقليمياً ودولياً، فتحت عناوين أخرى، من قبيل ذهاب وزير الثقافة محمد الأمين الصبيحي وحلول محمد الأعرج مكانه، وتأجيل تنظيم دورة 2017 من المهرجان الدولي للفيلم بمراكش إلى 2018، وإرجاء عقد المؤتمر الوطني التاسع عشر لاتحاد كتاب المغرب إلى وقت لاحق، فضلاً عن رحيل عدد من رموز الفن والثقافة في المغرب، باباً لمساءلة واقع الممارسة الثقافية في البلد.
خلال 2017، نظمت في عدد من المدن المغربية مهرجانات ذات صيت عالمي. وفي حين حافظت أهم المواعيد الفنية والثقافية على مواعيدها وتميز برامجها، شكّل المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، الاستثناء، بعد أن قررت المؤسسة المنظمة عدم تنظيم دورة 2017، وتأجيلها إلى 2018، موضحة أنه «سيتم خلال هذه الفترة الانكباب على تحديد وإعطاء دينامية للتغيير الذي يتوخى إرساء تنظيم جديد وآليات جديدة تأخذ بعين الاعتبار التطور الذي يعرفه العالم الرقمي، من أجل خدمة، بشكل أفضل، رؤية وأهداف المهرجان».
غير بعيد عن مراكش التي شهدت تنظيم الدورة السابعة من مهرجان «مراكش للضحك»، ما بين 28 يونيو (حزيران) و2 يوليو (تموز) الماضي، واصلت الصويرة احتضانها مهرجاناتها الثلاثة. وفي حين احتفى مهرجان «ربيع الموسيقى الكلاسيكية»، في دورته الـ17، التي نظمت ما بين 27 و30 مايو (أيار)، بـ«الكوني» و«الآخر»، مقترحة جولة موسيقية عبر العالم؛ احتفت الدورة الـ14 من مهرجان «الأندلسيات الأطلسية»، التي نظمت ما بين 26 و29 أكتوبر (تشرين الأول)، بـ«سعادة العيش المشترك» في المغرب.
من جهتها، اقترحت فعاليات «مهرجان كناوة وموسيقى العالم»، في دورته الـ20، التي نظمت ما بين 29 يونيو وأول يوليو، احتفالية جمعت متعة الموسيقى بفضيلة الحوار الثقافي، حيث شهدت التظاهرة، في شقها الموسيقي، مشاركة عدد من نجوم موسيقى البلوز وكناوة، حيث المزج الموسيقي والتبادل في صلب الإبداع، في حين تطرق منتدى حقوق الإنسان، في دورته السادسة، الذي تنظمه إدارة المهرجان بشراكة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إلى موضوع «الإبداع والسياسات الثقافية في العصر الرقمي».
وفي أصيلة، نظم «موسم أصيلة الثقافي الدولي» فعاليات دورته الـ39، ما بين 1 و25 يوليو، مقترحة برنامجاً غنياً، توزعته الدورة الـ32 لجامعة المعتمد ابن عباد الصيفية، ومشاغل الفنون التشكيلية، ومرسم الطفل، ومشغل كتابة وإبداع الطفل، ومعارض الفنون التشكيلية، وباقة من العروض الغنائية والموسيقية الراقية.
وعلى غرار المواسم الماضية، حرص القائمون على هذا الحدث المتميز، الذي يحتفل في دورته المقبلة بوصوله إلى محطته الـ40، على التجديد النوعي والكمي، ضمن خيار الاستمرارية والمحافظة على الهوية الفكرية، التي طبعت الموسم منذ انطلاقه، في 1978، كتظاهرة هادفة غير مسبوقة في المجال الثقافي غير الحكومي في المغرب؛ ما أكسب الموسم مصداقية متجددة، فصار موعداً ثقافياً دولياً بامتياز، تقصده النخب السياسية والثقافية المغربية والأجنبية، خصوصاً من دول الجنوب والمنطقة العربية، على أساس أنه من الواحات الفكرية القليلة في العالم وعالم الجنوب، التي يجري فيها نقاش خصب بين الفاعلين ومنتجي الأفكار بخصوص قضايا وإشكاليات لها اتصال بصميم الراهن الثقافي والمعيشي العام.
وتضمن البرنامج المسطر، في إطار جامعة المعتمد بن عباد، ندوات تؤكد احتفاء أصيلة بفضيلة النقاش والحوار والانخراط بفعالية في كل ما يتعلق بالأسئلة التي تؤرق الشعوب والنخب وصناع القرار عبر العالم. في هذا السياق، كان جمهور الموسم ومتابعوه مع ندوات «أفريقيا والعالم: أي عالم لأفريقيا؟»، و«الشعبوية والخطاب الغربي حول الحكامة الديمقراطية»، و«المسلمون في الغرب: الواقع والمأمول»، و«الفكر العربي المعاصر والمسألة الدينية». كما تميز الموسم بتكريم المفكر المغربي محمد سبيلاً، ضمن فقرة «خيمة الإبداع»، مع الاحتفاء بالذكرى الـ20 لصدور مجلة الأدب العربي الحديث (بانيبال)، التي تلعب «دوراً هائلاً في ترجمة الأدب العربي».
وعلى مستوى الفنون التشكيلية والكتابة، اقترح الموسم معارض فنية، جماعية وفردية، وجدارية لـ«حكاية منضالا» ومرسماً لأطفال الموسم ومشاغل لصباغة الجداريات والحفر والصباغة وكتابة وإبداع الطفل.
أما على مستوى العروض الموسيقية والغنائية، فقد كان الجمهور مع سهرات ممتعة زادت ليالي أصيلة أنساً وبهجة، بينها سهرات مجموعة «الحضرة الشفشاونية» من المغرب؛ و«فلامنكو» مع ماكارينا راميريث من إسبانيا؛ وطرب أندلسي مع فرقة محمد العربي التمسماني للمعهد الموسيقي بتطوان برئاسة الأستاذ محمد الأمين الأكرامي من المغرب.
- فاس... الماء والمقدس
وفي فاس، واصل مهرجان الموسيقى العالمية العريقة مسيرته، فنظم دورته الـ23، ما بين 12 و20 مايو، تحت شعار «الماء والمقدس»، محتفياً بالصين «ضيف شرف». في حين تضمن البرنامج لقاءات وتجارب متعددة الثقافات وحفلات موسيقية، نشّطها عدد من الفنانين والمجموعات الموسيقية، قبل أن تتوج بحفل اختتام أحيته الفنانة اللبنانية ماجدة الرومي؛ في حين خصص «منتدى فاس» لمناقشة تيمة الماء من زوايا العلاقة بالأبعاد الروحية ومتطلبات التنمية المستديمة والنظم البيئية الهشة.
وفي الرباط، واصل مهرجان «موازين... إيقاعات العالم» استقطاب أبرز نجوم الغناء في العالم، حيث تابع مئات الآلاف، ما بين 12 و20 مايو، حفلات فنانين مغاربة، عرب وغربيين، بينهم شارل أزنافور، الأسطورة الحية للأغنية الفرنسية، والنجمة البريطانية إيلي غولدينغ، في الافتتاح، مروراً بالفنان المتميز سامي يوسف، والنجم العراقي ماجد المهندس، والنجمة اللبنانية نوال الزغبي، والنجم الأميركي نيل رودجرز، ونجمة البوب الأميركية لورين هيل، والفنانة الهندية أنوشكا شانكار، والفنانة اللبنانية نجوى كرم، انتهاء بالفنان الإيفواري ألفا بلوندي، والفنان الإنجليزي رود ستيوارت، والفنان السوري جورج وسوف.
- النشر والكتاب
احتضنت الدار البيضاء، ما بين 11 و21 فبراير (شباط)، الدورة الـ23 للمعرض الدولي للنشر والكتاب، التي استضافت 10 دول من المجموعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا، «ضيف شرف».
وتميز برنامج هذه الدورة، التي اقترحت فضاءاتها نحو 100 ألف عنوان في ثلاثة ملايين نسخة لنحو 702 عارض، توزعوا بين 353 عارضاً مباشراً و349 عارضاً غير مباشر، من 54 بلداً مشاركاً، بندوات موضوعاتية حول قضايا ثقافية راهنة، وإضاءات لتجارب في الكتابة، وليالٍ شعرية، واستضافات لمبدعين في فقرة «ساعة مع كاتب»، واستعادات ثقافية في فقرة «الكتابة والذاكرة»، واحتفاءات بـ«أسماء فوق البوديوم»، وتنويهات بأسماء جديدة ضمن فقرة «أدباء قادمون»، وفقرة «طريق الحرير: تجارب في الترجمة بين العربية والصينية»، مع تسليم «جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة»، والاحتفاء بمئوية الكاتب المغربي الراحل إدمون عمرن المليح.
- المغرب كتاب مفتوح
وجد المسؤولون المغاربة في مشاركة المغرب في فعاليات معرض باريس، «ضيف شرف» فرصة «استثنائية»، تتيح «التعريف بغنى وتنوع الثقافة المغربية بشتى تعابيرها الأدبية والفنية، سواء لدى الجمهور الواسع، أو بالنسبة لمهنيي الكِتاب بفرنسا والدول المشارِكة في هذا المعرض، الذي نظم ما بين 24 و27 مارس (آذار).
وضم الرواق المغربي، المنسجم مع تِيمة «المغرب كتاب مفتوح»، مكتبة كبرى عرضت رصيداً وثائقياً ناهز 3 آلاف عنوان في 17 ألف نسخة، تم نشرها من 60 ناشراً ومؤسسة مغربية، إلى جانب 30 مؤسسة فرنسية أصدرت لكتاب مغاربة. كما شمَل فضاءات مخصَّصة للقاءات، مكّنت من تنظيم نحو 45 ندوة ولقاء، تم تنشطيها من طرف 90 كاتباً ومحاضراً، في حين مكّن فضاءُ التوقيعات من اللقاء المباشر بين الكُتاب المغاربة والجمهور.
- جوائز تميز
شهدت 2017 حصول عدد من الأدباء المغاربة على جوائز مهمة، داخل وخارج المغرب. فضمن جائزة «كتارا»، في دورتها الثالثة، توّج محمد برادة بجائزة «فئة الرواية المنشورة» عن روايته «موت مختلف»، في حين فاز مصطفى النحال بجائزة «فئة الدراسات التي تعنى بالبحث والنقد الروائي» عن دراسته «الخطاب الروائي وآليات التخييل: دراسات في الرواية العربية»، بينما فاز طه محمد الحيرش بجائزة فئة «الروايات غير المنشورة» عن روايته «شجرة التفاح».
وفاز سبعة كتاب مغاربة، هم عبد الرحيم حزل، والمهدي الغالي، وأحمد بوغلا، وعز المغرب معنينو، ورشيد اركيلة، وسليمان القرشي وعبد النبي ذاكر، بجوائز ابن بطوطة لأدب الرحلة، في دورتها المزدوجة الـ13 والـ14 لسنتي 2017 و2018، التي أعلن مشروع «ارتياد الآفاق» عن نتائجها، التي يمنحها «المركز العربي للأدب الجغرافي» سنوياً، كما حصل عبد الرفيع جواهري، الشاعر والرئيس الأسبق لاتحاد كتاب المغرب، على «جائزة الحريات»، التي يمنحها الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، وذلك لـ«دفاعه المتواصل، سواء في أشعاره أو في مقالاته، وأيضاً في مواقفه الكثيرة، عن الحريات في وطننا العربي».
وخارج جغرافية الاحتفاء والجوائز العربية، وشحت ليلى السليماني، الروائية ذات الأصول المغربية، ضمن فعاليات معرض باريس، بالوسام الفرنسي للفنون والآداب، من درجة ضابط، على يد أودري أزولاي، وزيرة الثقافة والاتصال في فرنسا، ذات الأصول المغربية وابنة أندري أزولاي، مستشار العاهل المغربي الملك محمد السادس، التي انتخبت، في 13 أكتوبر، مديرة عامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم الثقافة (يونيسكو).
وأسفرت نتائج جائزة المغرب للكتاب، بِرسم 2017، عن فوز عبد الكريم جويطي بجائزة السرديات والمحكيات عن روايته «المغاربة»؛ فيما ذهبت جائزة الشعر لنبيل منصر عن ديوانه «أغنية طائر التم»؛ بينما فاز بجائزة العلوم الإنسانية (مناصفة) عبد العزيز الطاهري عن كتابه «الذاكرة والتاريخ» ويحيى بولحية عن كتابه «البعثات التعليمية في اليابان والمغرب». وفاز محمد خطابي بجائزة الدراسات الأدبية والفنية واللغوية عن كتابه «المصطلح والمفهوم والمعجم المختص»؛ في حين عادت جائزة العلوم الاجتماعية لعبد الرحيم العطري عن كتابه «سوسيولوجيا السلطة السياسية»؛ بينما فاز محمد حاتمي ومحمد جادور بجائزة الترجمة عن ترجمتهما لكتاب «الأصول الاجتماعية والثقافية للوطنية المغربية» لعبد الله العروي.
وبعد محمد السرغيني في 2005، والطاهر بن جلون في 2010، كان محمد بنطلحة ثالث شاعر مغربي يتسلم «جائزة الأركانة العالمية للشعر»، في دورتها الحادية عشرة، من «بيت الشعر في المغرب»، وذلك خلال حفل ثقافي وفني، نظم يوم 2 فبراير، وسط حضور نوعي من مختلف المشارب.
المغرب: سنة تكريس صورة تنوع الممارسة الثقافية
جوائز ورحيل... و«أصيلة» على مشارف الأربعين
المغرب: سنة تكريس صورة تنوع الممارسة الثقافية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة