«دار الهلال» المصرية تحتفي بـ125 عاماً من الثقافة

صورة جماعية للعاملين في دار الهلال المصرية
صورة جماعية للعاملين في دار الهلال المصرية
TT
20

«دار الهلال» المصرية تحتفي بـ125 عاماً من الثقافة

صورة جماعية للعاملين في دار الهلال المصرية
صورة جماعية للعاملين في دار الهلال المصرية

تحت عنوان «دور الثقافة والتعليم والإعلام والفن في نشر التنوير ومواجهة الإرهاب»، احتفلت مؤسسة «دار الهلال» الثقافية بمناسبة بمرور 125 عاماً على إصدار مجلة «الهلال».
وقال مثقفون -في مؤتمر حاشد بهذه المناسبة- إن الدار لديها قامات صحافية وثقافية كبيرة ساهمت في ترسيخ الوعي الوطني والقومي، وإنها لم تكن منبراً تنويريا في مصر فقط؛ بل امتد إشعاعها إلى ربوع الوطن العربي، بإصداراتها المتنوعة التي نمّت الوعي الثقافي والعلمي لمختلف المراحل العمرية. وتعد «دار الهلال»، الواقعة بضاحية السيدة زينب في وسط القاهرة، أقدم مؤسسة ثقافية صحافية مصرية وعربية، فقد تأسست عام 1892 على يد جرجي زيدان في مصر، بينما تعد مجلة «الهلال» التي تصدر عن الدار من أقدم المجلات العربية التي تعمل في مجال الثقافة.
وقال الكاتب الصحافي مجدي سبلة، رئيس مجلس إدارة «دار الهلال»، إن إنشاء المؤسسة يرجع إلى القرن التاسع عشر، والمؤسسة منذ بدايتها ظلت تحارب الأفكار الظلامية، وقامت بدورها التنويري، عن طريق كل إصداراتها مثل مجلتي «الهلال» و«المصور»، موضحاً أن المؤسسة سبقت جميع دور النشر العربية، في نشر الروايات والأعمال الأدبية لكبار الكتاب المصريين والعرب، بجانب ترجمة العديد من الروايات العالمية.
من جهته، أكد الكاتب الصحافي مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، الذي ترأس «دار الهلال» لأكثر من 25 عاماً، الدور التثقيفي والتنويري الذي لعبته مؤسسة «دار الهلال» في المجتمع قائلاً إنه « لولا (دار الهلال) ما وصلت الفتاة المصرية إلى التعليم وما كانت هناك جامعة مصر الأهلية... وإنها الوحيدة التي تخاطب الطفل والرجل والمرأة والفن والموسيقى والأدب والسياسة بطريقة رزينة رشيدة وعاقلة».
بينما قال الكاتب الصحافي كرم جبر، رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، إن « احتفالية (دار الهلال) ليست حفلاً فحسب؛ بل هي احتفاء بالثقافة المصرية التي كانت الدار الحارس الأمين لها على مدار عمرها». أما الأديب يوسف القعيد، فأكد أن «دار الهلال» علامة فارقة في التاريخ المصري والعربي، فهي تقدم دور تثقيفياً كبيراً يتمثل في تقديمها الكتب الأدبية ذات العمق الفكري والتنويري، بأسعار زهيدة جداً حتى يستطيع القراء أن يقتنوها، موضحاً أنه لولا «الهلال» ما نشر كبار الكتاب أعمالهم وما عرفهم القراء.
وقال الدكتور شاكر عبد الحميد، وزير الثقافة الأسبق، إن «دار الهلال» مؤسسة مصرية ثقافية مهمة أسهمت بدور كبير في تطوير الحركة الثقافية المصرية والعربية، مؤكداً أن المثقفين المصريين تربوا واستفادوا من إصدارات هذه المؤسسة العريقة، خصوصاً «رواية الهلال»، و«كتاب الهلال»، بالإضافة إلى المجلات التي تصدر عنها مثل «المصور» التي تُعتبر من أعرق المجلات المصرية.
وأصدرت «دار الهلال» على هامش الاحتفالية موسوعتين تاريخيتين، الأولى تحت عنوان «فوتوغرافية مصر»، وتضم صوراً نادرة من أرشيف المؤسسة ومراكز الصور في أوروبا، تعكس ذكريات 175 سنة في عمر مصر، والثانية تحمل عنوان «مصر في الحرب – 125 سنة»، وتأتى في جزأين، الأول منهما يغطي الفترة من محمد علي باشا حتى الملك فؤاد الأول، والثاني من الملك فؤاد الأول حتى الرئيس الأسبق أنور السادات، ويؤرخ الجزءان معاً لنحو 300 شخصية.
وُلد المؤسس جرجي زيدان في قرية عين عنب بجبل لبنان في ديسمبر (كانون الأول) 1861. وعمل أولاً محرراً بصحيفة «الزمان» في مصر ثم مترجماً بمكتب المخابرات البريطانية في القاهرة، ثم عاد إلى لبنان وسافر بعدها إلى إنجلترا ليعود إلى مصر كي يستقر بها ويتفرغ للصحافة والتأليف. وشارك نجيب متري في إنشاء مطبعة، وهي مطبعة «الهلال»، وبعد عام انفصل متري من الشراكة لتصبح مطبعة «الهلال» من نصيبه، ثم أصدر مجلة «الهلال» عام 1892، واستكتب بها كبار الكتاب والأدباء وعمالقة الفكر آنذاك لتصبح بعد 5 سنوات أوسع المجلات الثقافية انتشاراً في الوطن العربي.
لم يتفرغ جرجي زيدان لـ«مجلة الهلال» فقط؛ بل بدأ في الكتب التاريخية التي تتناول تاريخ مصر وتاريخ التمدن الإسلامي وتاريخ العرب، وأيضاً تاريخ اللغة العربية وآدابها وفلسفتها، مع اهتمامه بتأليف سلسلة روايات عن تاريخ الإسلام.
يشار إلى أنه بعد رحيل جرجي زيدان في يوليو (تموز) عام 1914، تولى ولداه إميل وشكري إدارة «دار الهلال»، واتجها إلى توسيع إصداراتها، فأصدرا مجلة «المصور» في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1924 وتوليا رئاسة تحريرها بمساعدة فكرى أباظة، واهتمت المجلة بتغطية الأحداث في مصر والوطن العربي وسجلتها بالكلمة والصورة، مما جعلها أوسع المجلات انتشاراً في الوطن العربي... وبعد ذلك ظهرت مجلة «الكواكب» كوليد جديد لدار الهلال عام 1932.


مقالات ذات صلة

يوسف بكار يعاين بوادر التجديد في الشعر المعاصر

ثقافة وفنون يوسف بكار يعاين بوادر التجديد في الشعر المعاصر

يوسف بكار يعاين بوادر التجديد في الشعر المعاصر

يكشف كتاب «بوادر التجديد في شعرنا المعاصر»، للدكتور يوسف بكار، عن جوانب تجديدية في المضمون الشعري وتشكيلاته الفنية، متناولاً قصيدتين لخليل مطران وإبراهيم طوقان

«الشرق الأوسط» (عمّان)
صحتك التعاطف مع الذات والوعي بما يحتاج إليه جسمكم هما المفتاح لنوم أفضل (متداولة)

8 نصائح بسيطة لنوم أفضل

هل تواجهون صعوبة في النوم؟ إليكم 8 نصائح رئيسية عملية لمساعدتكم على الاسترخاء والاستغراق في النوم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق تمت استعارة الكتاب في مارس (آذار) 1926 من مكتبة بمقاطعة أوشن في نيوجيرسي (أرشيفية - رويترز)

امرأة تعيد إلى المكتبة كتاباً استعاره جدُّها قبل 99 عاماً

عندما انتقلت ماري كوبر من منزلها إلى منزل آخر، أحضرت صناديق تحتوي على متعلقات والدتها الراحلة إلى منزلها الجديد، حيث اكتشفت قطعة أثرية متمثلة في كتاب.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
ثقافة وفنون كتاب مصري يحتفي بـ«فارس الثقافتين»

كتاب مصري يحتفي بـ«فارس الثقافتين»

يُعدّ الدكتور أحمد مستجير أحد أبرز الشخصيات في الثقافة العربية خلال القرن العشرين، التي جمعت بين الأدب والعلم في تجربة مدهشة اتسمت بالإنجاز عبر مؤلفات لافتة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
ثقافة وفنون ثلاثة كتب لباسم المرعبي

ثلاثة كتب لباسم المرعبي

للشاعر العراقي باسم المرعبي صدرت ثلاثة كتب دفعة واحدة، عن دار «جبرا»، الأردن.

«الشرق الأوسط» (لندن)

ثلاث قطع نحتية من موقع سمهرم الأثري في سلطنة عُمان

ثلاث قطع فنية حجرية من «متحف أرض اللبان»
ثلاث قطع فنية حجرية من «متحف أرض اللبان»
TT
20

ثلاث قطع نحتية من موقع سمهرم الأثري في سلطنة عُمان

ثلاث قطع فنية حجرية من «متحف أرض اللبان»
ثلاث قطع فنية حجرية من «متحف أرض اللبان»

خرجت من موقع سمهرم الأثري في سلطنة عُمان مجموعة من المجامر الحجرية المتعدّدة الأشكال، أشهرها مجمرة حجرية يزيّن واجهتها نقش تصويري ناتئ يتميّز برهافة كبيرة في الصناعة الفنية. تُعرض هذه المجمرة في «متحف أرض اللبان» في مدينة صلالة التابعة لولاية ظفار، حيث تتوسّط منحوتتين حجريّتين عُثر عليهما كذلك في سمهرم.

ظهر موقع سمهرم في خور روري الذي يقع على الشريط الساحلي، بين ولاية طاقة وولاية مرباط، وتبيّن أن اسمه يعود إلى مستوطنة من الطراز الحضرمي، تحوي واحداً من أهم موانئ جنوب شرقي شبه الجزيرة العربية التي لعبت دوراً كبيراً في تجارة اللبان الدولية، خلال مرحلة زمنية طويلة تمتد من نهاية القرن الثالث قبل الميلاد، إلى القرن الخامس للميلاد. بدأ استكشاف هذا الموقع في منتصف القرن الماضي، وتولّت بعثة إيطالية تابعة لجامعة بيزا مهمة مواصلة أعمال المسح والتنقيب فيه منذ عام 1997، وأسفرت هذه الحفريات عن الكشف عن مجموعة كبيرة من المجامر، منها مجمرة تميّزت بقيمة نحتية استثنائية، مصدرها معبد صغير الحجم اكتُشف خلال حملة أجرتها هذه البعثة بين عام 2008 وعام 2010.

يبلغ طول هذه المجمرة 33 سنتيمتراً، وهي مكوّنة من قاعدة هرمية مجرّدة من أي زينة، يعلوها مكعب عريض تحوي واجهته نقشاً تصويرياً يتألف من ثلاثة عناصر حيوانية متوازية. يتوسّط سطح هذا المكعب حوض دائري يبلغ عمقه نحو 3 سنتيمترات، ويشكّل هذا الحوض الإناء المخصّص للجمر واللبان وما شابه من أنواع الطيب والبخور. النقش ناتئ، ونتوؤه البارز بقوّة يسكب عليه طابع النحت، وقوام هذا النحت أسد يحضر في وضعيّة المواجهة وسط وعلين في وضعية جانبية. يقف هذا الأسد بثبات منتصباً على قائمتيه الأماميتين المستقيمتين، وتشكّل هاتان القائمتان عمودين تستقر فوقهما كتلة الرأس الدائرية الكبيرة. يطل وجه الأسد من وسط هذه الدائرة، فاتحاً شدقه إلى أقصى حدّ، وكأنه يزأر في جمود تام.

تحيط بهذا الوجه المزمجر لبدة عريضة مكوّنة من خصلات شعر عمودية متوازية، ويعلو هذه اللبدة شقّ عريض يفصل بين خصلتين عريضتين تستقرّان فوق الجبين. العينان بيضاويتان، ويتوسّط كلاً منهما ثقب دائري يمثّل البؤبؤ. الأذنان ضخمتان، وهما دائريتان، وكل منهما محدّد بإطار مقوّس ناتئ. الأنف عريض وأفطس، وتعلوه فتحتان بيضاويتان كبيرتان. الفم فارغ، ويتمثّل بشدق عريض يكشف عن نابين مسنّنين. القدمان محدّدتان، وتتميّزان كذلك بضخامتهما، ويتكوّن كل منهما بثلاث طبقات متوازية من الكتل المرصوصة.

بدأ استكشاف الموقع في منتصف القرن الماضي وتولّت بعثة إيطالية تابعة لجامعة بيزا مهمة مواصلة أعمال المسح والتنقيب فيه منذ عام 1997

يقف هذا الليث بين وعلين متقابلين في شكل معاكس، أي الظهر في مواجهة الظهر. يدير كل من هذين الوعلين رأسه إلى الخلف في حركة واحدة جامعة، وكأنه يحدّق بالأسد الرابض في الوسط. النسب التشريحية متوازنة، والعناصر التشكيلية متآلفة ومتناغمة. يقف كل وعل على أربع قوائم حدّدت مفاصلها بدقّة، ويعلو رأس كل منهما قرنان مقوّسان مزيّنان بسلسلة من الوحدات المستطيلة المرصوفة. ملامح الوجه الواحد مختزلة، وتتكون من ثقب غائر يمثل العين، وشق بسيط يمثّل الفم. تتبنى صورة هذين الوعلين قالباً معروفاً شاع في جنوب جزيرة العرب، وشواهده في هذا الميدان عديدة، منها ما هو منقوش، ومنها ما هو منحوت. في المقابل، تخرج صورة الأسد عن القوالب الفنية المتعدّدة الخاصة بهذا الحيوان، وتهب هذا التأليف طابعاً فريداً خاصاً تتميّز به هذه المجمرة.

تُعرض هذه القطعة الفنية في «متحف أرض اللبان» بمدينة صلالة، بين منحوتتين من الحجر الجيري، تتميّزان كذلك بخصوصية كبيرة في التكوين الفني، ومصدرهما كذلك موقع سمهرم. عن يمين المجمرة، يحضر وجه آدمي شكّل في الأصل جزءاً من تمثال كبير على الأرجح. العينان واسعتان، وهما مفتوحتان ومحدقتان، مع بؤبؤ دائري غائر في الوسط. الأنف قصير، وهو مدمّر، وما بقي منه لا يسمح بتحديد شكله الأصلي. الفم عريض، مع شق طويل في الوسط يفصل بين شفتين مكتنزتين غابت حدودهما في الكتلة الجيرية. وعن يسار المجمرة، يحضر أسد فقدَ قوائمه الأربع للأسف، كما فقد الجزء الأكبر من ملامح وجهه، وما تبقّى منها يتمثّل في أنف بارز، وفم مفتوح، يحدّه شدقان مجوّفان.

تشهد هذه القطع لتقليد فني نحتي ضاعت آثاره على ما يبدو؛ إذ لا نجد ما يشابهها في ميراث سمهرم الفني بروافده المتعدّدة. في المقابل، يعكس هذا التقليد بنوع خاص أثر جنوب الجزيرة العربية الفني الذي طبع جزءاً كبيراً من هذا الميراث الذي كشفت عنه عمليات التنقيب والمسح المستمرة منذ سبعة عقود.