«الإسلاموفوبيا»... للكراهية وجهان

ارتفعت الجرائم ضد المسلمين في أميركا وأسهمت هجمات «شارلي إيبدو» في تزايد وتيرة الظاهرة أوروبياً

وجود أمني مكثف في شوارع مانهاتن مطلع الشهر الجاري بعد فشل هجوم إرهابي نفذه أحد أنصار «داعش» (أ.ف.ب)
وجود أمني مكثف في شوارع مانهاتن مطلع الشهر الجاري بعد فشل هجوم إرهابي نفذه أحد أنصار «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«الإسلاموفوبيا»... للكراهية وجهان

وجود أمني مكثف في شوارع مانهاتن مطلع الشهر الجاري بعد فشل هجوم إرهابي نفذه أحد أنصار «داعش» (أ.ف.ب)
وجود أمني مكثف في شوارع مانهاتن مطلع الشهر الجاري بعد فشل هجوم إرهابي نفذه أحد أنصار «داعش» (أ.ف.ب)

في أساطير اليونان القديمة هناك إلهان يحاربان جنباً إلى جنب، أحدهما «فوبوس» الذي يجسّد الخوف، والآخر «ديموس» الذي يجسّد الإرهاب، وهما توأمان ينحدران من إله الحرب «آيرس». ويرى الكثير من المتخصصين أن المدارس الفكرية الكبرى في عالمنا تمتد جذورها إلى اليونان القديمة رغم تجددها عبر الزمان والمكان، فإذا كان هذا صحيحاً في ميدان الفلسفة، فهل يمكن تطبيقه في مجال الميثولوجيا كذلك؟!

إن كثيراً منا يقدّم اليوم قرابين بشرية عند أقدام «فوبوس» المتمثل فيما يسمى بظاهرة الإسلاموفوبيا أو الخوف المرضي، وآخرون يمجدون «ديموس» في معبد الإرهاب. ورغم تعارض الظاهرتين الشكلي فإن ثمة تشابهاً جوهرياً بينهما.
لقد أثبتت الدراسات والإحصاءات أن ما قامت به الجماعات الإرهابية والمتطرفة المتدثرة برداء الدين قد أسهم في تأجيج الكراهية والعداء للمسلمين ومن ثم لعب دوراً كبيراً في تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا التي هي الأخرى لعبت دوراً في انضمام الشباب الساخط إلى الجماعات الإرهابية.
لا ننكر أن الإسلاموفوبيا ترتبط بعوامل كثيرة، وهي ليست وليدة المرحلة الراهنة، كما أن ظاهرة الإرهاب بجذورها السياسية والنفسية والاجتماعية معقدة لا يمكن حصرها في عامل واحد، ولكن رغم تعدد الدوافع والجذور لا يستطيع أحد أن ينكر العلاقة الوطيدة بين الظاهرتين اللتين تغذيان بعضهما البعض بالعنف والكراهية والطاقة السلبية.
ووفقاً للبيانات التي قامت بجمعها مراكز الأبحاث المتخصصة، فقد ارتفعت جرائم الكراهية ضد المسلمين بشدة في الولايات المتحدة الأميركية بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، بينما أسهمت الهجمات الإرهابية في «شارلي إيبدو» وسانت دينيس في عام 2015 في تزايد وتيرة هذه الظاهرة في الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي، وباتت هذه الأحداث نقطة تحول في معدلات زيادة الكراهية تجاه المسلمين في بلدان الاتحاد الأوروبي. هذه الكراهية بدورها هي أقوى المحفزات التي أججت ظاهرة تطرف بعض الشباب المسلمين في تلك البلدان. وقد ذكرت جريدة «إندبندنت» أن جرائم الكراهية ضد المسلمين ارتفعت خمسة أضعاف في أعقاب الهجوم الإرهابي لجسر لندن سنة 2017، كما كشفت بيانات شرطة لندن زيادة 40 في المائة في الحوادث العنصرية مقارنة ببقية أيام السنة.
وتشكل هذه الاعتداءات الوقود المحرك بالنسبة لظاهرة الإرهاب، حيث ظلت الجماعات الإرهابية تستغل شبح الإسلاموفوبيا وتقوم بتجنيد ضحاياها من بين الشباب الغاضبين الذين يعانون من الفقر والاغتراب والصدمة الثقافية وأزمة الهوية، ليسقطوا فريسة سهلة في يد الجماعات الإرهابية التي تقدم وعوداً بدولة الخلافة على الأرض ونعيم الجنة في السماء.
كما أن أخطر ما يقوم به دعاة الإرهاب والإسلاموفوبيا هو السعي لإضعاف التواصل الحضاري بين الشرق والغرب؛ فهناك أصوات عالية في الغرب تنادي بصراع الحضارات كما أن جماعات العنف في العالم الإسلامي تسعى جاهدة لتدمير المنطقة الرمادية والتعايش السلمي بين المسلمين وغير المسلمين في المجتمعات الغربية.
إلا أن عام 2017 كان استثناء؛ فقد شهد تحطيم معاقل «داعش» في الشرق الأوسط ونزع السلاح من جماعة بوكو حرام وانضمام أحد أجنحة المعارضة الأفغانية المسلحة إلى الحكومة بالإضافة إلى العملية السياسية النامية في البلاد. أما على الصعيد الفكري فقد قامت المؤسسات الدينية العريقة مثل الأزهر في القاهرة ورابطة العالم الإسلامي في مكة وغيرهما من هيئات العلماء في العالم الإسلامي بحشد قواها في مواجهة الفكر المتطرف. كما أن ثمة مراكز أُنشِئَت في العالم الإسلامي مثل مركز «اعتدال» في المملكة العربية السعودية، ومركز «صوت الحكمة» في منظمة التعاون الإسلامي، وكلاهما مركز يهتم بتفكيك بنية الخطاب المتطرف في العالم الإسلامي.
أما على المستوى الديني فقد شهد العالم لقاء أكبر رموز الديانتين الإسلامية والمسيحية في أواخر أبريل (نيسان) الماضي، وهما البابا فرنسيس بابا الفاتيكان والشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر في القاهرة.
أما على المستوى السياسي، فقد جاءت الضربة الأقوى من ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، الذي وعد بالقضاء على بقايا التطرف والعودة للإسلام الوسطي المنفتح على العالم وعلى جميع الأديان والتقاليد والشعوب، وذلك في كلمته بمنتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» في الرياض.
وإذا كانت الشهور الأخيرة من العام الماضي والشهور الأولى من العام الحالي شهدت أعلى درجات الكراهية ضد المسلمين، ووصلت إلى ذروتها في استهداف المراكز الإسلامية بشكل متكرر، من قبل أتباع اليمين المتطرف في الولايات المتحدة بتحفيز الأحزاب اليمينية في مختلف أنحاء أوروبا مثل فرنسا وألمانيا والنمسا وهولندا والدنمارك والسويد والمجر وإيطاليا، فإن النصف الثاني من العام سجل انخفاضاً ملحوظاً في درجة الإسلاموفوبيا، وذلك لأول مرة في السنوات الأربع الماضية، بحسب مرصد الإسلاموفوبيا التابع لمنظمة التعاون الإسلامي.
فقد لاحظ المرصد أن الظاهرة كانت متفشية بصورة كبيرة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2016، التي تزامنت مع الحملات السياسية في الولايات المتحدة الأميركية، واستمرت على الوتيرة ذاتها خلال الشهور التالية، ولم تمر نصف السنة حتى بدأنا نشهد انخفاضاً ملحوظاً في معدلات هذه الظاهرة.
وبقي أن نعرف أن المتطرفين مهما اختلفت عقائدهم، يعبثون بمكتسبات الحضارة الإنسانية، لأن الحضارة هي مصنع الحياة والإرهاب والعنصرية والكراهية هم أدوات الموت.
ويجب أن نعرف أن جماعات التطرف والكراهية لا يمثلون حضارة الغرب كما أن «داعش» وأخواتها لا يمثلون حضارة الإسلام، بل إن الحضارة الإنسانية سوف تتقدم رغم أنف جماعات الكراهية في الغرب وجماعات العنف في العالم الإسلامي.
ولقد أثبتت تجارب العقدين الأخيرين أن الإرهاب في العالم الإسلامي لا يمكن أن ينهزم إلا بأيدٍ إسلامية، وهذا ما أثبته القضاء على تنظيم داعش في العراق، كما أن الإسلاموفوبيا لا يمكن أن تنتهي إلا بجهود غربية، فكل طرف منا عليه واجب يجب القيام به، ويتمثل في تنظيف البيت من العداء والكراهية اللتين تضران بساكنيه قبل جيرانه.
حان الوقت أن يرجع الضالون إلى الحق ورسالة السلام التي بعثها الله، ويتخلون عن تقديم القرابين البشرية لأوهام الإرهاب «ديموس» أو الخوف «فوبوس» في معبد العنف والكراهية.
* مدير إدارة الحوار والتواصل المسؤول عن ملف مكافحة التطرف العنيف والإسلاموفوبيا بالأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي بجدة، وهو دبلوماسي أفغاني سابق، وأستاذ جامعي في الولايات المتحدة الأميركية سابقاً



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.