وسائل الإعلام حين تقع ضحية للإرهاب

«القاعدة» رسَّخ في أدبياته أن أكثر من نصف المعركة يجري على ساحات «الميديا»

مشهد انهيار برجي مبنى التجارة العالمية تكرر بثه مراراً من دون توقف وقابله من جهة أخرى حرص الإعلام على تلقف التسجيلات المرئية لقيادات التنظيمات الإرهابية وبثّها («الشرق الأوسط»)
مشهد انهيار برجي مبنى التجارة العالمية تكرر بثه مراراً من دون توقف وقابله من جهة أخرى حرص الإعلام على تلقف التسجيلات المرئية لقيادات التنظيمات الإرهابية وبثّها («الشرق الأوسط»)
TT

وسائل الإعلام حين تقع ضحية للإرهاب

مشهد انهيار برجي مبنى التجارة العالمية تكرر بثه مراراً من دون توقف وقابله من جهة أخرى حرص الإعلام على تلقف التسجيلات المرئية لقيادات التنظيمات الإرهابية وبثّها («الشرق الأوسط»)
مشهد انهيار برجي مبنى التجارة العالمية تكرر بثه مراراً من دون توقف وقابله من جهة أخرى حرص الإعلام على تلقف التسجيلات المرئية لقيادات التنظيمات الإرهابية وبثّها («الشرق الأوسط»)

من الصعب نسيان تصريح الرئيس الأميركي جورج بوش الابن في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، المتمثل في عبارته الشهيرة: «إما أن تكونوا معنا وإلا فأنتم مع الإرهابيين»، فهو يعكس تحولاً مفصلياً غَيّر من مفهوم الإرهاب، وعمّق من إدراك العالم لمدى خطورة التنظيمات الإرهابية بتسليط الضوء عليه. شهدت تلك الفترة التي ابتدأت بالألفية الجديدة تهافت وسائل الإعلام في تغطيتها ليس فقط الهجمات الإرهابية وإنما ما تجاوز ذلك ليُسهِم في دعم (البروباغندا) للتنظيمات الإرهابية».
فمشهد انهيار برجي مبنى التجارة العالمية تكرر بثه مراراً دون توقف، وقابله من جهة أخرى حرص الإعلام تلقف التسجيلات المرئية لقياديي التنظيمات الإرهابية وبثّها، كما حدث حين بثت قناة «الجزيرة» في 30 أكتوبر (تشرين الأول) 2004 التسجيل المرئي لزعيم «القاعدة» أسامة بن لادن وتناقلته وسائل الإعلام العالمية، مما أتاح له أن يعلل أسباب هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي شنها تنظيم القاعدة، ويستعرض قدرات التنظيم والحيثيات التي مكَّنَته من تنفيذ الهجمات. كل ذلك عاد بالنفع على تنظيم القاعدة، إذ اكتسب عبره المزيد من المؤيدين، وتمكن من بث الرعب في نفوس المشاهدين، وهو يتوعد الولايات المتحدة وحلفاءها بالمزيد من الهجمات الإرهابية.
الأمر الذي لم يتوقف عند هذا الحد وأسهم في إرضاء الأنا المتضخمة لدى المتطرفين، إذ عززت وسائل الإعلام من الهالة الإعلامية التي أحاطت بن لادن بالتسابق من أجل إجراء لقاءات صحافية معه، تعاقبت عليها كثير من الأسماء اللامعة أمثال الصحافي البريطاني روبرت فيسك، والأميركي سكوت ماكلويد. بل وصل الأمر إلى أن يسأل الإعلامي بيتر أرنيت في لقاء صحافي أجراه مع أسامة بن لادن في مارس (آذار) عام 1997 لقناة «سي إن إن» الإخبارية باهتمام بالغ: «ما مخططاتك المستقبلية؟»، وكأنه أحد مشاهير هوليوود ممن يتوق المشاهدون لمعرفة مخططاته. ليجيبه بن لادن برصانة وثقة: «سوف تراها وتسمع عنها في وسائل الإعلام إن شاء الله»، تلك الحقبة التي افتتنت فيها وسائل الإعلام بنقل صوت المتطرفين اندحرت ليقابلها في الفترة الآنية الاكتفاء بتغطية الهجمات الإرهابية وعواقبها، بعيداً عن الوقوع في سقطة تضخيم الجماعات المتطرفة، إذ بدأ ذلك بالخفوت التدريجي إلى الحد الذي ظهرت فيه أصوات تتهم وسائل الإعلام بعدم وجود تغطية كافية للهجمات الإرهابية.
على نسق تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب في فبراير (شباط) 2017، حين اتهم وسائل الإعلام بالتقصير في تغطيته للإرهاب وعملياته. وذلك ليس بالأمر المستغرب، إذ لطالما سقطت التغطيات الإعلامية لقضايا الإرهاب ضحية الانتقاد إما بالإفراط أو التقصير، بالأخص كون الإعلام مهما كان محايداً من السهل إلصاق الكثير من التهم به، بدءاً بالترويج للتنظيمات المتطرفة، ووصولاً إلى النمطية في تغطية الهجمات الإرهابية والتركيز على تغطية الهجمات التي نفذها متطرفون باسم الإسلام مما يشعل فتيل الإسلاموفوبيا ويوسع الهوة بين الحضارات والثقافات المختلفة. من جهته وصف زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري الحرب الإعلامية التي تخوضها «القاعدة» بالمعركة وبأن أكثر من نصف هذه المعركة تجري على ساحات وسائل الإعلام بما يبدو أشبه بـ«سباق لاستمالة قلوب وعقول الأمة». مثل هذا السعي من أجل كسب «أفئدة وعقول» الآخرين عبر وسائل الإعلام ليس بالأمر الجديد، إذ سعى تنظيم القاعدة بالتحديد التكثيف من حضوره في الساحة الإعلامية التقليدية، وعبر المنابر الإعلامية للتنظيم من أجل محاولة إبهار الآخرين، وفي الوقت نفسه لتخويف الآخرين من خلال استعراض قدراتهم التي تصب في محاولات إثبات وجودهم والاستمرارية في ذلك. إذ إن الهدف الأول المتعارف عليه من الهجمات الإرهابية ليس حصد عدد قتلى كبير وإنما اللعب بالعامل النفسي من خلال إثارة الرعب والحصول على أكبر قدر من المشاهدين عبر الضجة الإعلامية التي تحدثها تلك الهجمات، وقد انتقل ذلك في الآونة الأخيرة على الساحة الإلكترونية التي ارتكز عليها إرهاب العصر الحديث، ففي حقبة ما قبل «داعش» كانت تظهر عبر شاشات التلفاز خطابات قادة «القاعدة»، فيما بزغ «داعش» لتمثل مرحلة جديدة تحمل توجهات مختلفة لا تمجد قادتها وإنما تحرص على إخفاء الهويات والانصهار تحت مسمى التنظيم. يبدو أعضاء «داعش» أشبه بشخصيات هلامية يصعب الإمساك بها بخلاف التنظيمات السابقة التي كانت تتخذ تنظيماً هرمياً ومنحى أكثر وضوحاً، وبأسماء معروفة لقادته، وشمل ذلك رموزاً لـ«القاعدة» ليس في التنظيم الأم فحسب، وإنما في المناطق المختلفة كـ«القاعدة» في جزيرة العرب والتي عرف قادتها في السعودية بالتحديد أمثال عبد العزيز المقرن ويوسف العييري. فيما يقابلها من جهة أخرى اختلاف كبير في سلوكيات تنظيم داعش، ويتجلى ذلك من خلال القبض على الداعشيين المطلوبين أمنياً في السعودية دون إعطاء أهمية للشخصيات، إذ كرّس التنظيم جلّ اهتمامه باستقطاب أكبر عدد من المنتمين لهم بعيداً عن الانتقائية التي حرصت عليها القاعدة من قبل. لم يكترث تنظيم داعش بدءاً بزعيمه أبو بكر البغدادي للظهور الإعلامي واكتفى بتصريحات معدودة وقت الحاجة لذلك، الأمر الذي سهل من التشكك بصحة مقتله من عدمه وقلل من مدى تأثير اختفائه عن التنظيم بابتعاده عن التعظيم من شأن الشخصيات أو الأهداف، وهو امتداد لما تميز به تنظيم داعش بالقدرة على تغيير استراتيجياته وتكييفها مع الظروف المحيطة به. ففي الوقت الذي حرص فيه التنظيم على الابتعاد عن أنظار الإعلام التقليدي خشية الوقوع في قبضة السلطات والجهات الأمنية الدولية بالأخص بعد أن تضافرت جهودها من أجل القبض على المتطرفين وأصبح من السهل الوصول إلى أماكن وجودهم في حال تواصلهم إلكترونياً. خلق التنظيم لنفسه عالماً إلكترونياً آخر قائم على الترويج للتنظيم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي من أجل الوصول لأكبر قدر من المتعاطفين وتكوين خلايا نائمة في بقاع بعيدة بطرق سريعة وسهلة دون الحاجة عن الكشف عن هوية الأعضاء المنتمين إليه. فأي شخص يتبنى أفكار «داعش» في أي بقعة من العالم من الممكن أن ينفذ هجمة إرهابية مباغتة وحده كذئب منفرد دون الحاجة إلى اجتماعٍ فعلي مع أعضاء آخرين. باستثناء حالات نادرة أتيحت فيها الفرصة لإعلاميين معدودين إجراء حوارات صحافية مع بعض قادة التنظيم أو التعرف على العالم الداعشي عن كثب، كما حدث مع الصحافي الألماني يورغن هورفور في عام 2014، حين سمح له بالدخول إلى معاقل «داعش» في الموصل لمدة عشرة أيام، من خلال تصريح رسمي من زعيم التنظيم البغدادي أطلق عليه «كتاب الأمان» بعدم المساس به. وقد جرى ذلك في الفترة التي كان فيها التنظيم في أوج قوته وحرص على تكثيف جهوده من أجل تجنيد الجنسيات المختلفة والتركيز على الغربية منها من أجل توسيع الرقعة الجغرافية للتنظيم والاستثمار بشخصيات بإمكانها نقل خبرتهم العسكرية والفكرية الداعشية إلى أوطانهم حال رجوعهم إليها. وقد أعرب الصحافي يورغن عقب عودته إلى وطنه عن تفاجئه من أن التنظيم «أقوى مما كنا نتوقع»، وعن العدد الضخم من المناصرين من الجنسيات المختلفة بما فيها الجنسية الألمانية. بخلاف ذلك فإن تنظيم داعش اعتمد بشكلٍ عام على أذرعه الإعلامية المتمثلة في وكالة أعماق والمنشورات الإعلامية التي يعدها أعضاء التنظيم المختصون في نشر رسائله الإعلامية كمجلة دابق والتي تموجت لغاتها وأساليبها حسب الشريحة والجنسية المستهدفة. وقد تكثفت الرسائل الإعلامية للتنظيم في فترة مد نفوذ «خلافته المزعومة» في كل من العراق وسوريا، وألزم أعضاؤه بالاقتصار على سماع وسائل إعلام التنظيم وحدها، حرصاً على إقصاء أي مؤثرات خارجية، إلا أن تلك السيطرة الإعلامية تلاشت بعد فقدان تنظيم داعش لأراضيه، ليقتصر التنظيم على تبني الهجمات الإرهابية التي يزعم بأن أحد أعضائها قد ارتكبها. وإن تبنى التنظيم في الآونة الأخيرة هجمات لم يرتكبها كما حدث مع هجوم لاس فيغاس الذي أودى بحياة 58 شخصاً وارتكبه الأميركي ستيفن بادوك قبل انتحاره، وفي الحين الذي تبنى تنظيم داعش نفت ذلك السلطات الأميركية. الأمر الذي يظهر استماتة التنظيم في محاولته الحصول على أي إثبات لاستمرار قوته وأهمية هجماته وإن كان من خلال الادعاء بارتكاب عملية إرهابية لا علاقة له به، بالأخص بعد أن كثفت وسائل الإعلام من تغطيتها لأخبار انحسار قوة «داعش»، الأمر الذي جعل التنظيم يكثف من رسائله الإعلامية التي تحذر أعضاؤه ومناصرين من التأثر والانخداع بما تذكره وسائل الإعلام، وتجنب المعلومات التي وصفها التنظيم بـ«الكاذبة» بالأخص في الآونة الأخيرة مع تجلي ضعف قدراتهم العسكرية والإلكترونية، وصعوبة التحكم في المحتوى الذي يشاهده أعضاء التنظيم ويؤكد انحسار نفوذهم بخلاف ما كان يحدث من سيطرة إعلامية على المناطق التي أرسى فيها التنظيم «خلافته المزعومة» في الرقة والموصل. لا سيما بعد أن تمكنت السلطات الأمنية الدولية من كشف هويات الإرهابيين والتوصل إلى أماكن وجودهم من خلال أنشطتهم الإلكترونية. وقد قلّص من قدرات التنظيم الإلكترونية تشديد الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي وتصيد الحسابات التي تحرض على التطرف وإقفالها، ولم يقف الأمر عند تعطيل الصفحات الإلكترونية أو إقفال الحسابات المتطرفة فحسب وإنما، اتخذت طرق مكافحة الفكر المتطرف منحى جديداً من خلال محاولة تغيير التوجهات المتطرفة، إذ تمكنت عدة مواقع إلكترونية مثل «غوغل» و«يوتيوب» من إحالة الباحثين عن معلومات أو تسجيلات مرئية تحرّض على الإرهاب إلى أخرى تدينها. الأمر الذي يصعب على الإرهابيين القدرة على تجنيد المتعاطفين معهم كما كان يحدث من قبل ويساهم في خفض صوت خطابات الكراهية ويساهم في إعادة التوازن في المجتمعات وإرساء قيم السلام.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.