وسائل الإعلام حين تقع ضحية للإرهاب

«القاعدة» رسَّخ في أدبياته أن أكثر من نصف المعركة يجري على ساحات «الميديا»

مشهد انهيار برجي مبنى التجارة العالمية تكرر بثه مراراً من دون توقف وقابله من جهة أخرى حرص الإعلام على تلقف التسجيلات المرئية لقيادات التنظيمات الإرهابية وبثّها («الشرق الأوسط»)
مشهد انهيار برجي مبنى التجارة العالمية تكرر بثه مراراً من دون توقف وقابله من جهة أخرى حرص الإعلام على تلقف التسجيلات المرئية لقيادات التنظيمات الإرهابية وبثّها («الشرق الأوسط»)
TT

وسائل الإعلام حين تقع ضحية للإرهاب

مشهد انهيار برجي مبنى التجارة العالمية تكرر بثه مراراً من دون توقف وقابله من جهة أخرى حرص الإعلام على تلقف التسجيلات المرئية لقيادات التنظيمات الإرهابية وبثّها («الشرق الأوسط»)
مشهد انهيار برجي مبنى التجارة العالمية تكرر بثه مراراً من دون توقف وقابله من جهة أخرى حرص الإعلام على تلقف التسجيلات المرئية لقيادات التنظيمات الإرهابية وبثّها («الشرق الأوسط»)

من الصعب نسيان تصريح الرئيس الأميركي جورج بوش الابن في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، المتمثل في عبارته الشهيرة: «إما أن تكونوا معنا وإلا فأنتم مع الإرهابيين»، فهو يعكس تحولاً مفصلياً غَيّر من مفهوم الإرهاب، وعمّق من إدراك العالم لمدى خطورة التنظيمات الإرهابية بتسليط الضوء عليه. شهدت تلك الفترة التي ابتدأت بالألفية الجديدة تهافت وسائل الإعلام في تغطيتها ليس فقط الهجمات الإرهابية وإنما ما تجاوز ذلك ليُسهِم في دعم (البروباغندا) للتنظيمات الإرهابية».
فمشهد انهيار برجي مبنى التجارة العالمية تكرر بثه مراراً دون توقف، وقابله من جهة أخرى حرص الإعلام تلقف التسجيلات المرئية لقياديي التنظيمات الإرهابية وبثّها، كما حدث حين بثت قناة «الجزيرة» في 30 أكتوبر (تشرين الأول) 2004 التسجيل المرئي لزعيم «القاعدة» أسامة بن لادن وتناقلته وسائل الإعلام العالمية، مما أتاح له أن يعلل أسباب هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي شنها تنظيم القاعدة، ويستعرض قدرات التنظيم والحيثيات التي مكَّنَته من تنفيذ الهجمات. كل ذلك عاد بالنفع على تنظيم القاعدة، إذ اكتسب عبره المزيد من المؤيدين، وتمكن من بث الرعب في نفوس المشاهدين، وهو يتوعد الولايات المتحدة وحلفاءها بالمزيد من الهجمات الإرهابية.
الأمر الذي لم يتوقف عند هذا الحد وأسهم في إرضاء الأنا المتضخمة لدى المتطرفين، إذ عززت وسائل الإعلام من الهالة الإعلامية التي أحاطت بن لادن بالتسابق من أجل إجراء لقاءات صحافية معه، تعاقبت عليها كثير من الأسماء اللامعة أمثال الصحافي البريطاني روبرت فيسك، والأميركي سكوت ماكلويد. بل وصل الأمر إلى أن يسأل الإعلامي بيتر أرنيت في لقاء صحافي أجراه مع أسامة بن لادن في مارس (آذار) عام 1997 لقناة «سي إن إن» الإخبارية باهتمام بالغ: «ما مخططاتك المستقبلية؟»، وكأنه أحد مشاهير هوليوود ممن يتوق المشاهدون لمعرفة مخططاته. ليجيبه بن لادن برصانة وثقة: «سوف تراها وتسمع عنها في وسائل الإعلام إن شاء الله»، تلك الحقبة التي افتتنت فيها وسائل الإعلام بنقل صوت المتطرفين اندحرت ليقابلها في الفترة الآنية الاكتفاء بتغطية الهجمات الإرهابية وعواقبها، بعيداً عن الوقوع في سقطة تضخيم الجماعات المتطرفة، إذ بدأ ذلك بالخفوت التدريجي إلى الحد الذي ظهرت فيه أصوات تتهم وسائل الإعلام بعدم وجود تغطية كافية للهجمات الإرهابية.
على نسق تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب في فبراير (شباط) 2017، حين اتهم وسائل الإعلام بالتقصير في تغطيته للإرهاب وعملياته. وذلك ليس بالأمر المستغرب، إذ لطالما سقطت التغطيات الإعلامية لقضايا الإرهاب ضحية الانتقاد إما بالإفراط أو التقصير، بالأخص كون الإعلام مهما كان محايداً من السهل إلصاق الكثير من التهم به، بدءاً بالترويج للتنظيمات المتطرفة، ووصولاً إلى النمطية في تغطية الهجمات الإرهابية والتركيز على تغطية الهجمات التي نفذها متطرفون باسم الإسلام مما يشعل فتيل الإسلاموفوبيا ويوسع الهوة بين الحضارات والثقافات المختلفة. من جهته وصف زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري الحرب الإعلامية التي تخوضها «القاعدة» بالمعركة وبأن أكثر من نصف هذه المعركة تجري على ساحات وسائل الإعلام بما يبدو أشبه بـ«سباق لاستمالة قلوب وعقول الأمة». مثل هذا السعي من أجل كسب «أفئدة وعقول» الآخرين عبر وسائل الإعلام ليس بالأمر الجديد، إذ سعى تنظيم القاعدة بالتحديد التكثيف من حضوره في الساحة الإعلامية التقليدية، وعبر المنابر الإعلامية للتنظيم من أجل محاولة إبهار الآخرين، وفي الوقت نفسه لتخويف الآخرين من خلال استعراض قدراتهم التي تصب في محاولات إثبات وجودهم والاستمرارية في ذلك. إذ إن الهدف الأول المتعارف عليه من الهجمات الإرهابية ليس حصد عدد قتلى كبير وإنما اللعب بالعامل النفسي من خلال إثارة الرعب والحصول على أكبر قدر من المشاهدين عبر الضجة الإعلامية التي تحدثها تلك الهجمات، وقد انتقل ذلك في الآونة الأخيرة على الساحة الإلكترونية التي ارتكز عليها إرهاب العصر الحديث، ففي حقبة ما قبل «داعش» كانت تظهر عبر شاشات التلفاز خطابات قادة «القاعدة»، فيما بزغ «داعش» لتمثل مرحلة جديدة تحمل توجهات مختلفة لا تمجد قادتها وإنما تحرص على إخفاء الهويات والانصهار تحت مسمى التنظيم. يبدو أعضاء «داعش» أشبه بشخصيات هلامية يصعب الإمساك بها بخلاف التنظيمات السابقة التي كانت تتخذ تنظيماً هرمياً ومنحى أكثر وضوحاً، وبأسماء معروفة لقادته، وشمل ذلك رموزاً لـ«القاعدة» ليس في التنظيم الأم فحسب، وإنما في المناطق المختلفة كـ«القاعدة» في جزيرة العرب والتي عرف قادتها في السعودية بالتحديد أمثال عبد العزيز المقرن ويوسف العييري. فيما يقابلها من جهة أخرى اختلاف كبير في سلوكيات تنظيم داعش، ويتجلى ذلك من خلال القبض على الداعشيين المطلوبين أمنياً في السعودية دون إعطاء أهمية للشخصيات، إذ كرّس التنظيم جلّ اهتمامه باستقطاب أكبر عدد من المنتمين لهم بعيداً عن الانتقائية التي حرصت عليها القاعدة من قبل. لم يكترث تنظيم داعش بدءاً بزعيمه أبو بكر البغدادي للظهور الإعلامي واكتفى بتصريحات معدودة وقت الحاجة لذلك، الأمر الذي سهل من التشكك بصحة مقتله من عدمه وقلل من مدى تأثير اختفائه عن التنظيم بابتعاده عن التعظيم من شأن الشخصيات أو الأهداف، وهو امتداد لما تميز به تنظيم داعش بالقدرة على تغيير استراتيجياته وتكييفها مع الظروف المحيطة به. ففي الوقت الذي حرص فيه التنظيم على الابتعاد عن أنظار الإعلام التقليدي خشية الوقوع في قبضة السلطات والجهات الأمنية الدولية بالأخص بعد أن تضافرت جهودها من أجل القبض على المتطرفين وأصبح من السهل الوصول إلى أماكن وجودهم في حال تواصلهم إلكترونياً. خلق التنظيم لنفسه عالماً إلكترونياً آخر قائم على الترويج للتنظيم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي من أجل الوصول لأكبر قدر من المتعاطفين وتكوين خلايا نائمة في بقاع بعيدة بطرق سريعة وسهلة دون الحاجة عن الكشف عن هوية الأعضاء المنتمين إليه. فأي شخص يتبنى أفكار «داعش» في أي بقعة من العالم من الممكن أن ينفذ هجمة إرهابية مباغتة وحده كذئب منفرد دون الحاجة إلى اجتماعٍ فعلي مع أعضاء آخرين. باستثناء حالات نادرة أتيحت فيها الفرصة لإعلاميين معدودين إجراء حوارات صحافية مع بعض قادة التنظيم أو التعرف على العالم الداعشي عن كثب، كما حدث مع الصحافي الألماني يورغن هورفور في عام 2014، حين سمح له بالدخول إلى معاقل «داعش» في الموصل لمدة عشرة أيام، من خلال تصريح رسمي من زعيم التنظيم البغدادي أطلق عليه «كتاب الأمان» بعدم المساس به. وقد جرى ذلك في الفترة التي كان فيها التنظيم في أوج قوته وحرص على تكثيف جهوده من أجل تجنيد الجنسيات المختلفة والتركيز على الغربية منها من أجل توسيع الرقعة الجغرافية للتنظيم والاستثمار بشخصيات بإمكانها نقل خبرتهم العسكرية والفكرية الداعشية إلى أوطانهم حال رجوعهم إليها. وقد أعرب الصحافي يورغن عقب عودته إلى وطنه عن تفاجئه من أن التنظيم «أقوى مما كنا نتوقع»، وعن العدد الضخم من المناصرين من الجنسيات المختلفة بما فيها الجنسية الألمانية. بخلاف ذلك فإن تنظيم داعش اعتمد بشكلٍ عام على أذرعه الإعلامية المتمثلة في وكالة أعماق والمنشورات الإعلامية التي يعدها أعضاء التنظيم المختصون في نشر رسائله الإعلامية كمجلة دابق والتي تموجت لغاتها وأساليبها حسب الشريحة والجنسية المستهدفة. وقد تكثفت الرسائل الإعلامية للتنظيم في فترة مد نفوذ «خلافته المزعومة» في كل من العراق وسوريا، وألزم أعضاؤه بالاقتصار على سماع وسائل إعلام التنظيم وحدها، حرصاً على إقصاء أي مؤثرات خارجية، إلا أن تلك السيطرة الإعلامية تلاشت بعد فقدان تنظيم داعش لأراضيه، ليقتصر التنظيم على تبني الهجمات الإرهابية التي يزعم بأن أحد أعضائها قد ارتكبها. وإن تبنى التنظيم في الآونة الأخيرة هجمات لم يرتكبها كما حدث مع هجوم لاس فيغاس الذي أودى بحياة 58 شخصاً وارتكبه الأميركي ستيفن بادوك قبل انتحاره، وفي الحين الذي تبنى تنظيم داعش نفت ذلك السلطات الأميركية. الأمر الذي يظهر استماتة التنظيم في محاولته الحصول على أي إثبات لاستمرار قوته وأهمية هجماته وإن كان من خلال الادعاء بارتكاب عملية إرهابية لا علاقة له به، بالأخص بعد أن كثفت وسائل الإعلام من تغطيتها لأخبار انحسار قوة «داعش»، الأمر الذي جعل التنظيم يكثف من رسائله الإعلامية التي تحذر أعضاؤه ومناصرين من التأثر والانخداع بما تذكره وسائل الإعلام، وتجنب المعلومات التي وصفها التنظيم بـ«الكاذبة» بالأخص في الآونة الأخيرة مع تجلي ضعف قدراتهم العسكرية والإلكترونية، وصعوبة التحكم في المحتوى الذي يشاهده أعضاء التنظيم ويؤكد انحسار نفوذهم بخلاف ما كان يحدث من سيطرة إعلامية على المناطق التي أرسى فيها التنظيم «خلافته المزعومة» في الرقة والموصل. لا سيما بعد أن تمكنت السلطات الأمنية الدولية من كشف هويات الإرهابيين والتوصل إلى أماكن وجودهم من خلال أنشطتهم الإلكترونية. وقد قلّص من قدرات التنظيم الإلكترونية تشديد الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي وتصيد الحسابات التي تحرض على التطرف وإقفالها، ولم يقف الأمر عند تعطيل الصفحات الإلكترونية أو إقفال الحسابات المتطرفة فحسب وإنما، اتخذت طرق مكافحة الفكر المتطرف منحى جديداً من خلال محاولة تغيير التوجهات المتطرفة، إذ تمكنت عدة مواقع إلكترونية مثل «غوغل» و«يوتيوب» من إحالة الباحثين عن معلومات أو تسجيلات مرئية تحرّض على الإرهاب إلى أخرى تدينها. الأمر الذي يصعب على الإرهابيين القدرة على تجنيد المتعاطفين معهم كما كان يحدث من قبل ويساهم في خفض صوت خطابات الكراهية ويساهم في إعادة التوازن في المجتمعات وإرساء قيم السلام.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».