ست إشارات في 2017 تكرس تحولاً هائلاً

ست إشارات في 2017 تكرس تحولاً هائلاً
TT

ست إشارات في 2017 تكرس تحولاً هائلاً

ست إشارات في 2017 تكرس تحولاً هائلاً

لا يمكن اعتبار أن التطورات المؤثرة والمتلاحقة، التي شهدها الإعلام العالمي، خلال عام 2017، بمنزلة تأسيس لمشهد إعلامي جديد كما يرى البعض؛ لكن تلك التطورات تكتسب أهمية كافية لتكريس تحول هائل في ملامح تلك الصناعة المهمة، وتأثيرها، وقواعد عملها، وهو التحول الذي بدأت خطوطه العريضة في الاتضاح، مع مطلع العقد الجاري.
سيمكن الاحتفاء بالوصول إلى درجة قياسية من جدية البحث وتوافر المعلومات الآنية والمتخصصة والمعتبرة عن حالة الصناعة على الصعيد العالمي؛ لكن مع هذا التدفق المعلوماتي المذهل، بدا أن القدرة على الاستيعاب والتحليل تتراجع لمصلحة الدهشة والانزعاج من المخاطر المتحققة والمتوقعة.
وبعيداً عن الانطباعات التي تخلقها سيول من بيانات منهمرة، تراوح الأرقام التي تتضمنها بين الملايين والمليارات، تبرز ست إشارات تكرس تحولاً جوهرياً آخذاً في التمدد، نحو رسم مشهد إعلامي لم تعرفه البشرية من قبل.
في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، غرد الرئيس الأميركي دونالد ترمب قائلاً: «ربما لم أكن لأصل إلى البيت الأبيض لولا (تويتر)»، قبل أن يصف مواقع التواصل الاجتماعي بأنها «منصة هائلة»؛ وهو الأمر الذي عكسته دراسات أجرتها مراكز بحوث معتبرة، مثل «مجلس السياسات الرقمية» و«بيرسون مارستيلر»، حين أعلنت أن أكثر من ثلثي قادة العالم، ونحو 87.3 في المائة من قادة الدول المستقرة، يستخدمون «تويتر»، في بث رؤى ومعلومات وقرارات ذات طابع سيادي.
تفيد الإشارة البارزة الأولى على صعيد المشهد الإعلامي العالمي، بأن «منصات التواصل الاجتماعي أعادت تشكيل آليات الاتصال الحكومي»، وهو أمر يقود مباشرة إلى الإشارة الثانية، التي تتعلق بـ«تغير حاد وجوهري في نمط التعرض لوسائل الإعلام»، تعززه الإحصاءات الموثوقة التي أفادت أن ما بين 50 إلى 70 في المائة من البالغين في العالم يعتمدون على الشبكات الاجتماعية مصدراً للأخبار.
يشير ذلك إلى أزمة تضرب صناعة الإعلام التقليدية التي باتت - وفق تلك الإحصاءات - عاجزة عن تصدر المشهد الإخباري، وهو أمر يطرح التساؤلات عن جوهر دورها ذاته. وهنا تبرز الإشارة الثالثة ومفادها أن «الوسائط الإعلامية التقليدية تكافح من أجل البقاء»، والبرهنة على جدوى عملها؛ وهو أمر بدا واضحاً قبل انقضاء العام، حينما قدمت تسع وكالات أنباء كبرى طلباً للاتحاد الأوروبي، ينص على ضرورة قيام عمالقة الإنترنت («غوغل»، و«تويتر»، و«فيسبوك»،...) بدفع تعويضات مالية مقابل الأرباح الطائلة التي يحققونها، جراء استخدام المواد الإخبارية المنتجة بواسطة الوسائط التقليدية.
في عام 2016، ربح «فيسبوك» عشرة مليارات دولار من مداخيل الإعلانات، وفيما تزيد أرباحه بمعدل نحو 20 في المائة سنوياً، فإن منتجي الأخبار الحقيقيين الذين ينفقون المليارات لإدامة عمل ماكينات جمع الأخبار، تتراجع مداخيلهم الإعلانية، بنسب تراوح ما بين 9 إلى 20 في المائة سنوياً، في ظل زيادة مطردة في توجه المعلنين إلى الإعلان عبر الإنترنت.
ليست هذه أسوأ التداعيات التي خلفها التمركز الراسخ لوسائط التواصل الاجتماعي، كمزود أخبار عالمي رئيس؛ إذ تبرز هنا الإشارة الرابعة التي تتعلق بـ«ضعف القدرة على إخضاع المحتوى الذي يتم بثه عبر تلك الوسائط للتقييم»، وهو الأمر الذي أظهر وجهاً شائناً لها، رأى النقاد أنه يرسم ملامح «منصات للكراهية، والتحريض على العنف، وبث الأخبار الكاذبة».
وكما اتسع قاموس المصطلحات الصحافية في 2016، ليشمل مصطلح «ما بعد الحقيقة»، فإن هذا القاموس قد يؤرخ لعام 2017 بمصطلح «الأخبار الكاذبة» أو «Fake News».
لقد منحتنا وسائط التواصل الاجتماعي مزايا فريدة؛ لكنها مع ذلك أظهرت عجزاً لافتاً، وربما مطاوعة، لبث الأكاذيب والأخبار المحرفة، بشكل زعزع اليقين العالمي في صيغة الأخبار ذاتها، ودفع جهات رسمية وبحثية مرموقة إلى اعتبار أن تلك الأخبار جزء من «الحرب الهجينة» أو «Hybrid Warfare» وخطر يهدد السلم والاستقرار العالميين.
تقودنا الإشارات الأربع السابقة إلى الإشارة الخامسة وتمهد لها؛ فقد بات مؤكداً أن «صناعة الإعلام في طريقها إلى تبني نموذج أعمال جديد» يقتضي تركيز الاستراتيجية في جانب «الديجيتال»، والخروج المحسوب والمتدرج من الجانب التقليدي، ليبقى هذا الأخير محافظاً على وجود «محدود ورمزي»، قبل أن يأخذ طريقه إلى المقابر ببطء وحسرة، كما عجائز الأفيال.
أما الإشارة السادسة الأكثر إثارة للألم في كل ما جرى على صعيد تلك الصناعة التي تملأ الدنيا وتشغل الناس، فليست سوى أنها باتت عرضة للاتهام والانتقاد من مختلف الأطراف، بوصفها تواصل الإخفاق في تعزيز صدقيتها، وامتلاك مناط تميزها ومبرر وجودها الأهم... الثقة.


مقالات ذات صلة

إحصاء 336 اعتداءً ضد الصحافيين في 3 سنوات من حكم «طالبان» في أفغانستان

آسيا خلال احتجاج نظمته حركة «طالبان» في أفغانستان (رويترز - أرشيفية)

إحصاء 336 اعتداءً ضد الصحافيين في 3 سنوات من حكم «طالبان» في أفغانستان

أفادت الأمم المتحدة، الثلاثاء، بأنها سجّلت 336 اعتداءً على صحافيين وعاملين في وسائل إعلام منذ عودة «طالبان» لحكم أفغانستان في أغسطس 2021.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا مبنى التلفزيون المصري في ماسبيرو (الهيئة الوطنية للإعلام)

تشكيلة جديدة للهيئات الإعلامية بمصر وسط ترقب لتغييرات

استقبلت الأوساط الإعلامية والصحافية المصرية، التشكيلة الجديدة للهيئات المنظمة لعملهم، آملين في أن تحمل معها تغييرات إيجابية.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
المشرق العربي المسؤول الإعلامي في «حزب الله» محمد عفيف خلال مؤتمر صحافي بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب) play-circle 00:40

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف تكون إسرائيل انتقلت من اغتيال القادة العسكريين في الحزب إلى المسؤولين والقياديين السياسيين والإعلاميين.

بولا أسطيح (بيروت)
يوميات الشرق «SRMG Labs» أكثر الوكالات تتويجاً في مهرجان «أثر» للإبداع بالرياض (SRMG)

«الأبحاث والإعلام» تتصدّر مهرجان «أثر» للإبداع بـ6 جوائز مرموقة

حصدت «SRMG Labs»، ذراع الابتكار في المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)، 6 جوائز مرموقة عن جميع الفئات التي رُشّحت لها في مهرجان «أثر» للإبداع.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق تضم المنطقة المتكاملة 7 مباني استوديوهات على مساحة 10.500 متر مربع (تصوير: تركي العقيلي)

الرياض تحتضن أكبر وأحدث استوديوهات الإنتاج في الشرق الأوسط

بحضور نخبة من فناني ومنتجي العالم العربي، افتتحت الاستوديوهات التي بنيت في فترة قياسية قصيرة تقدر بـ120 يوماً، كواحدة من أكبر وأحدث الاستوديوهات للإنتاج.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

الانتخابات الرئاسية الأميركية عزّزت وضع «بلوسكاي» منافساً لـ«إكس»

العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)
العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)
TT

الانتخابات الرئاسية الأميركية عزّزت وضع «بلوسكاي» منافساً لـ«إكس»

العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)
العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)

يبدو أن انتخابات الرئاسة الأميركية، التي أُجريت يوم 5 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، عزّزت مكانة منصة «بلوسكاي» منافساً رئيساً لـ«إكس»، ما أثار تساؤلات بشأن مستقبل المنصتين، ولمَن ستكون الغلبة في سباق منصات التواصل الاجتماعي للتنافس على زيادة عدد المستخدمين. وفي حين عدّ خبراء حاورتهم «الشرق الأوسط» أن «بلوسكاي» قد تكون «بديلاً» لـ«إكس»، فإن هؤلاء توقّعوا أن هذا التغير قد يحتاج لسنوات.

من جهتها، أفادت وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية بأن منصة «بلوسكاي» شهدت زيادة مليون مستخدم جديد خلال الأسبوع الذي أعقب الانتخابات الأميركية، وعلّقت قائلة «في الوقت الراهن يبحث بعض مستخدمي (إكس) عن منصة بديلة للتفاعل مع الآخرين ونشر أفكارهم». أما صحيفة «الغارديان» البريطانية، فأوردت في تقرير نشرته منتصف الشهر الحالي، أن كثيراً من المستخدمين «يسعون الآن للهروب من (إكس)، وسط تحذيرات من زيادة خطاب الكراهية والمعلومات المضلّلة على المنصة». وحقاً، وفق «بلوسكاي» ارتفع عدد مشتركيها «من 10 ملايين في منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، إلى 16 مليون مستخدم حالياً».

رائف الغوري، المدرّب والباحث المتخصّص في الذكاء الاصطناعي التوليدي، أرجع ازدياد الإقبال على منصة «بلوسكاي» إلى «فقدان منصة (إكس) مكانتها تدريجياً». وأردف أن جاك دورسي نقل الخبرات والتجارب الناضجة لـ«تويتر» سابقاً و«إكس» عند تأسيس «بلوسكاي»، ما منح المنصة «عناصر قوة تظهر في مزايا اللامركزية، والخوارزميات التي يستطيع المستخدم أن يعدلها وفق ما يناسبه». وتابع: «انتخابات الرئاسة الأميركية كانت من أهم التواريخ بالنسبة لبلوسكاي في ظل ازدياد الإقبال عليها».ولذا لا يستبعد الغوري أن تصبح «بلوسكاي» بديلاً لـ«إكس»، لكنه يرى أن «هذا الأمر سيحتاج إلى وقت ربما يصل إلى سنوات عدة، لا سيما أن بلوسكاي حديثة العهد مقارنة بـ(إكس) التي أُسِّست في مارس (آذار) 2006، ثم إن هناك بعض المزايا التي تتمتع بها (إكس)، على رأسها، تمتعها بوجود عدد كبير من صنّاع القرار الاقتصادي والسياسي والفنانين والمشاهير حول العالم الذين لديهم رصيد واسع من المتابعين، وهذا عامل يزيد من صعوبة التخلي عنها».

ويشار إلى أن «بلوسكاي» تتمتع بسمات «إكس» نفسها، ويعود تاريخها إلى عام 2019 عندما أعلن جاك دورسي - وكان حينئذٍ لا يزال يشغل منصب المدير التنفيذي لـ«تويتر» («إكس» حالياً) - عن تمويل الشركة تطوير منصة تواصل اجتماعي مفتوحة ولا مركزية تحمل اسم «بلوسكاي». وفي فبراير (شباط) 2022 تحوّلت إلى شركة مستقلة، لتطلق نسختها التجريبية مع نهاية العام.

من جانبه، قال محمد الصاوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، إن «منصة (بلوسكاي) في طريقها بالفعل للاستفادة من التغيّرات الجذرية التي تشهدها منصات كبيرة مثل (إكس)». وأوضح أن «النموذج اللامركزي الذي تعتمده (بلوسكاي) يمنحها ميزةً تنافسيةً ملحوظةً، لا سيما مع ازدياد الوعي حول الخصوصية والتحكم في البيانات، أضف إلى ذلك أن المستخدمين اليوم يبحثون عن منصات توفر لهم الأمان، لا سيما بعد التحوّلات الكبيرة التي شهدتها (إكس) تحت قيادة ماسك... ومن هذا المنطلق يبدو أن لدى (بلوسكاي) فرصة حقيقية للنمو، إذا استمرت في تعزيز مبادئها المتعلقة بالشفافية وحرية التعبير».

الصاوي أشار أيضاً إلى أن عمل ماسك مع ترمب قد يكون له تأثير مزدوج على منصة (إكس)، بشأن الرقابة على المحتوى، وقال: «إن العلاقة الحالية بينهما قد تدفع نحو تغييرات دراماتيكية في إدارة (إكس) وتوجهاتها المستقبلية، ما يزيد ويبرّر الحاجة إلى منصات بديلة أكثر استقلالية مثل (بلوسكاي)».