ديانا تريلنغ... سيرة تعود بها إلى الضوء

اعتماداً على ستين صندوقاً محفوظاً في أرشيف جامعة كولومبيا

ديانا تريلنغ... سيرة تعود بها إلى الضوء
TT

ديانا تريلنغ... سيرة تعود بها إلى الضوء

ديانا تريلنغ... سيرة تعود بها إلى الضوء

في تاريخ الأدب ناقدات أدبيات موهوبات تصادف أن كن زوجات لنقاد أدبيين ذائعي الشهرة راسخي المكانة، ومن ثم حكم على هؤلاء الناقدات بأن يبقين في منطقة الظل، أو على أحسن تقدير في مرتبة ثانية بعد أزواجهن. وربما كان أوضح مثال لهذا هو الناقدة الإنجليزية كويني ليفيس (1906 - 1981) زوجة الناقد ف. ر. ليفيس (1895 - 1978)، والناقدة الأميركية ديانا تريلنغ (1905 - 1996) زوجة الناقد الأميركي لايونيل تريلنغ (1905 - 1975). وهذه الأخيرة هي موضوع حديثنا هنا؛ وذلك بمناسبة صدور كتاب عنها يحمل عنوان «الرحلة التي لم يروها أحد: حياة ديانا تريلنغ» من تأليف ناتالي روبنز (الناشر: مطبعة جامعة كولومبيا) في 484 صفحة.
Nathalie Robins، The Untold Journey: The life of Diana Trilling، Columbia University Press.
أول ما يلفت نظر قارئ هذا الكتاب – كما تقول مارغوري بارلوف في عرض له بـ«ملحق التايمز الأدبي» (19 مايو/أيار 2017) - هو أن المؤلفة تبذل قصارى جهدها لكي تقدم ديانا في صورة إيجابية جذابة، لكن معرفتها سطحية بالوسط الذي كان يتحرك فيه مثقفو نيويورك، الذي كانت ديانا تنتمي إليه. وبدلاً من أن تقوم ناتالي روبنز بأي دراسة عميقة لكتابات هؤلاء المثقفين أو لمواقفهم الآيديولوجية فإنها تقدم خيطاً من الذكريات والحكايات اعتمدت فيها أساساً على ستين صندوقاً من أوراق ديانا محفوظة في أرشيف جامعة كولومبيا: رسائل ويوميات ومقابلات صحافية ومسودات قصص قصيرة، بل وحتى رسائل قصيرة من رؤساء التحرير يرفضون فيها نشر ما أرسلته إليهم ديانا.
والصورة التي تنبثق من هذه الوثائق إنما هي صورة امرأة صعبة المراس كثيراً ما تكون مكدرة تتميز بالصلف والانغماس في الذات والخبث على نحو ماكر، والتنافس الحاد مع الغير، وهي صفات جعلتها إن عاجلاً أو آجلاً تنفر من كل أصدقائها وعارفيها. وقد أجرت المؤلفة مقابلات مع كثير من هؤلاء الذين عرفوها، لكن شهاداتهم عنها لا تحقق الكثير من أجل تغيير هذه الصورة. كذلك، تمكنت المؤلفة من الاطلاع على أوراق زوج ديانا الناقد والأستاذ بجامعة كولومبيا. وحتى كلمات هذا الأخير لا تغير من هذا الانطباع. ففي يومياته بعد أول لقاء لهما في 1927 كتب: «الليلة التقيت بديانا. في البداية شعرت بنفور منها، لكني حتى في قلب النفور شعرت بانجذاب إليها». ولا يبدو أن مشاعره المركبة هذه قد تغيرت عبر السنين. وما لبث الانجذاب أن أخلى السبيل لفترة من العجز الجنسي من جانبه ولد توترات بين الزوجين. وظل لايونيل تريلنغ مخلصاً لها طوال حياتهما الزوجية، لكن لا يبدو أنه قد مال إليها كثيراً في أي وقت.
ولدت ديانا في نيويورك لأسرة غنية من يهود بولنديين هاجروا إلى الولايات المتحدة الأميركية. كان لدى الأسرة سائق سيارة وخادمة مقيمة إلى أن تأثرت بالانهيار المالي في نيويورك عام 1929. التحقت الابنة بكلية رادكليف في مدينة كمبردج بولاية ماساشوستس، حيث درست تاريخ الفن التشكيلي. كان من المألوف لفتيات الطبقة المتوسطة في تلك الأيام أن يعدن إلى بيوتهن بعد التخرج ويلبثن في انتظار الزواج. التقت بلايو نيل عندما كان في الثانية والعشرين يعد رسالته للدكتوراه بجامعة كولومبيا. وكان أبوه، وهو تاجر فراء، أقل ثروة من أبي ديانا، لكن الاثنين سرعان ما عقدا خطبتهما، وبقليل من المساعدة المالية من أسرة الخطيبة تمكنا من إتمام الزواج في 1929. استقرا في سلسلة من الشقق في نيويورك. وسرعان ما عُيّن لايونيل أستاذاً للأدب الإنجليزي في جامعة كولومبيا.
جاءت النقطة الحاسمة في حياتها في عام 1941 حين استرقت السمع إلى مهاتفة تليفونية بين زوجها وبين مرغريت مارشال محررة القسم الأدبي في مجلة «ذا نيشان». ومن هذه المهاتفة علمت أن الأخيرة كانت تبحث عن أحد يكتب غفلاً من التوقيع مراجعات للروايات الجديدة على صفحات المجلة، وسرعان ما تقدمت ديانا لشغل الوظيفة وحصلت عليها. وبعد عام صارت تنشر فيها بتوقيعها، كما بدأت توافي صحفاً ومجلات أخرى بكتاباتها.
كيف واتاها النجاح بهذه السرعة؟ من المفارقات أنها بخلاف زوجها لم تكن «مثقفة» بالمعنى الدقيق للكلمة - وفي الوقت الذي كان لايونيل يكتب فيه دراسات عميقة عن ماثيو أرنولد وهنري جيمز وروايات آداب السلوك في القرن التاسع عشر كانت هي تنظر بعين الاستهانة إلى أعمال أدبية مهمة عهد إليها بكتابة مراجعات لها. ذهبت إلى أن رواية جورج أورويل «مزرعة الحيوان»: «لا تزيد على أن تعيد ببساطة إنتاج الموقف التاريخي في روسيا دون أن تضيف إلى ذلك أي استبصارات أخلاقية أو سياسية جديدة».
ووصفت «إعادة زيارة برايدزهيد» - أهم روايات الروائي الإنجليزي إفلين وو - بأنها «مفتقرة إلى الاتساق» و«مملة»: وشكت من أن فرجينيا ولف في كتابها النقدي «القارئ العادي»: «دائماً ما تلوذ بحساسيتها الأنثوية». وفي مقابل ذلك كانت تشيد بأعمال أقل قيمة وكتّاب أدنى مستوى.
وشاب علاقتها التوتر مع سائر كتاب مجلة «بارتيزان رفيو» مثل حنة أرنت وماري مكارثي (ذهبت ديانا إلى أن هاتين الأخيرتين كانتا تنصبان شباكهما حول زوجها لايونيل، لكن لا يوجد دليل على ذلك في سيرة أيهما).
وإنما بعد وفاة لايونيل في 1975 قد علا نجمها. كان مما ساعد على ذلك أن اتجاهات النقد النسوي تلاقت مع اتجاهاتها (رغم أنها شخصياً كانت لها تحفظات على النقد النسوي ومن يمثلنه مثل جرمين جرير). ونظر إليها القراء على أنها قد ظلت طويلاً تعيش في منطقة الظل نتيجة لشهرة زوجها، وأنه قد آن الأوان لإتاحة الفرصة لها كي تتحدث بصوتها الخاص. أخرجت كتابها المسمى «مسز هاريس» (1981) وموضوعه ناظرة مدرسة بنات في ولاية فرجينيا قتلت عشيقها الطبيب لأنه خانها. لاقت هذه القصة هوى في نفسها وتحولت بين يديها من إحدى الجرائم التي تتحدث عنها الصحافة الشعبية الرخيصة إلى إحدى ميلودرامات المحاكم كتلك التي تقدمها مسلسلات التلفزيون الأميركية. وكانت هناك خطة لتحويل الكتاب إلى فيلم سينمائي، لكن ذلك لم يتم. على أن أحد النقاد دعا كتابها «من الكلاسيات».
وقال الناقد جاك بارزن لها إنها قد كتبت «واحدة من الأوصاف العظيمة للمحاكمات في عصرنا». وإلى جانب هذا الكتاب، أصدرت ديانا عدداً من الكتب التي تجمع شمل دراساتها النقدية ومقالاتها المتفرقة.
وفي الوقت ذاته ظلت ديانا محتفظة بروحها القتالية. ففي إحدى مقالات قدمتها لواحدة من دور النشر كي تدرج في كتاب لها نقدت الكاتبة المسرحية ليليان هيلمان نقداً جارحاً جعل الدار تحجم عن نشر الكتاب وتلغي عقدها معها. كان الخلاف بين المرأتين سياسياً، حيث إن هيلمان يسارية التوجه، لكن عنصراً من الغيرة الشخصية دخل، وبخاصة وقد كانت هيلمان كاتبة مسرحية مشهورة.
ولا يسع المرء إلا أن يتفق مع مارغوري بارلوف، التي أوردنا كلامها في مطلع هذا المقال، حين تقول إن ديانا وإن كانت ناقدة مثيرة للخلاف كانت تستحق كتاباً أفضل من هذا الكتاب الأشبه بمسلسل تلفزيوني متواضع المستوى.



«إثراء» تكرّس مؤتمر الفن الإسلامي بالظهران «في مديح الفنان الحِرفي»

الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية والأمير سلطان بن سلمان في افتتاح مؤتمر الفن الإسلامي بمركز «إثراء» بالظهران (الشرق الأوسط)
الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية والأمير سلطان بن سلمان في افتتاح مؤتمر الفن الإسلامي بمركز «إثراء» بالظهران (الشرق الأوسط)
TT

«إثراء» تكرّس مؤتمر الفن الإسلامي بالظهران «في مديح الفنان الحِرفي»

الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية والأمير سلطان بن سلمان في افتتاح مؤتمر الفن الإسلامي بمركز «إثراء» بالظهران (الشرق الأوسط)
الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية والأمير سلطان بن سلمان في افتتاح مؤتمر الفن الإسلامي بمركز «إثراء» بالظهران (الشرق الأوسط)

افتتح الأمير سعود بن نايف بن عبد العزيز، أمير المنطقة الشرقية، اليوم الأحد، أعمال مؤتمر الفن الإسلامي بنسخته الثانية، بحضور الأمير سلطان بن سلمان، المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين، رئيس مجلس الأمناء لجائزة عبد اللطيف الفوزان لعمارة المساجد.

وينظم المؤتمر مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء» بالظهران، بالتعاون مع جائزة عبد اللطيف الفوزان لعمارة المساجد، ويستمر حتى 26 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، تحت شعار «في مديح الفنان الحِرفي».

ويحضر المؤتمر باحثون في الفن والتاريخ الإسلامي، ومثقفون وضيوف من مختلف دول العالم،

ويهدف إلى دعم وإحياء التقاليد الفنية الإسلامية بتسليط الضوء على أعمال الحِرفيين المعاصرين الذين يُبقون هذه التقاليد الفنية والحِرفية على قيد الحياة.

الحرف رحلة تعلّم

وفي كلمته، ثمن المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين ورئيس مجلس أمناء جائزة عبد اللطيف الفوزان لعمارة المساجد الأمير سلطان بن سلمان آل سعود، جهود «أرامكو» في مجال الإرث والحضارة ودعم المشاريع التراثية في المنطقة الشرقية، مستعرضاً الأهمية التاريخية للحِرف بوصفها مليئة بالتراث الحضاري للمناطق، وذلك عطفاً على إنجازات المملكة في المحافل الدولية والعالمية بمشاركات متنوعة، سواء من مؤسسات ومعارض ومؤتمرات ذات بُعد تاريخي واجتماعي تصبّ في المنفعة المجتمعية.

وأكد «الأهمية التاريخية للحرف على أنها رحلة تعلم وليست إنجازات»، لافتاً، في الوقت نفسه، إلى «دور المتاحف في تعزيز التاريخ بوصفها وجهة رئيسية لكل دولة». وأشار إلى جهود المملكة في تسجيل واحة الأحساء بصفتها موقعاً تراثياً عالمياً في منظمة اليونسكو.

الحرفي شاعر صامت

وفي كلمته ذكر مدير مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء» عبد الله الراشد أن مدرسة الفنون الإسلامية يكاد يغيب عنها الصانع، قائلاً: «القطع الإسلامية لا تعرف من صنعها، أما القطع المعاصرة فيُحتفى بالصانع، وكأن الحرفي في الفنون الإسلامية يود أن يبقى في الظل والخفاء»، مشيراً إلى أن «الحرفي شاعر صامت»، فمن هذا المنطلق حرص «إثراء» على إقامة هذا المؤتمر «في مديح الفنان الحرفي»، والذي «يحوي أوراقاً بحثية وجلسات حوارية ومعارض مصاحبة من أنحاء العالم؛ لنستكشف جمال الحرف الإسلامية وتأثيرها العميق على الثقافة الإنسانية، ولنعبر بتقدير عالٍ لمن يبدعون بأيديهم تراثنا وهويتنا ويصنعونها في زمن جل ما يلمس ويستخدم يصنع بالآلة، لذا أتينا بهذه المعارض لنحتفي باليد البشرية».

ولفت الراشد إلى إطلاق ثلاثة معارض متزامنة مع أعمال المؤتمر في القطع الأثرية والفنون الإسلامية والأزياء التراثية من حول العالم، في حين يتزامن إطلاق المؤتمر مع تسمية عام 2025 عام الحرف اليدوية الذي أطلقته وزارة الثقافة، مما يضيف بعداً خاصاً لهذه المناسبة.

وأضاف: «جهودنا في (إثراء) للعام المقبل تتضمن تقديم عشرات البرامج الكبرى والمعارض والورش؛ كلها حول الحرف اليدوية نستهدف فيها آلاف الزوار».

كود المساجد

بدوره، أعلن رئيس مجلس أمناء الفوزان لخدمة المجتمع عبد الله بن عبد اللطيف الفوزان، اعتماد كود المساجد في المملكة، والذي عملت عليه الجائزة بالشراكة مع وزارة الشؤون الإسلامية واللجنة الوطنية لكود البناء، مشيراً إلى أنه سيجري تدشينه في شهر يناير (كانون الثاني) المقبل.

وأشار إلى أن المؤتمر ملهم لإحياء الإرث الحضاري والتاريخي للأجيال القادمة، منوهاً، في الوقت نفسه، بالمكانة التي يتمتع بها الفنان الحرفي عبر العصور، لذا جاءت الجائزة بوصفها مرجعاً ثقافياً وفكرياً ومظلة حاضنة للمبادرات، والتي تحافظ على الموروث بوصفه رؤية مستقبلية.