معرض «أثر» للفنون الإسلامية في الشارقة يبعث على الأمل

محطة سنوية لعشرات الفنانين من الشرق والغرب

أواني الأميركي مات ماكونيل
أواني الأميركي مات ماكونيل
TT

معرض «أثر» للفنون الإسلامية في الشارقة يبعث على الأمل

أواني الأميركي مات ماكونيل
أواني الأميركي مات ماكونيل

تحتفي الشارقة منذ منتصف الشهر بـ«مهرجان الفنون الإسلامية» الذي وصل إلى دورته العشرين. المعرض المركزي للفنون التشكيلية الذي يُنظّم في «متحف الشارقة للفنون» كما الأنشطة المصاحبة حملت عنوان «أثر». فنانون عرب وغالبية من غير العرب، كل جاء برؤيته لما يمكن أن يحمله الأثر الإسلامي من انعكاسات على الذات والجماعة والآخر، وتشكيلات المستقبل. لا تستطيع أن تحيط بالكم الكبير من المعروضات، لكن بعضها لا تستطيع أن تمر قربه من دون أن تلتقط صورة، أو تحاول لمسه بيدك لتفهم أكثر فكرة الفنان وأبعاد عمله، أو أن تدقق في الشروحات المصاحبة والبلد الذي أتى منه العمل لتعرف مغازي ما ترى.
هو واحد من أهم المعارض التي يمكن أن يراها المهتم بالفنون الإسلامية وتطورها المستمر وتأثيراتها شرقاً وغرباً. فمن المنحنيات المعمارية الإسلامية استوحى الإسباني «ديفيد مورينو»، تجهيزه البديع «ربط الأبواب» الذي انتصب وسط ممر يجتازه العابر وكأنّه يدخل قصراً إسلامياً بابه وقوسه والطريق الضيق المؤدي إليه، كلها مشيدة بأسلاك معدنية، تعطي لهذا المعمار الترائي الذي اعتدناه في يومياتنا نفحاً حداثياً جديداً. الزخرف الإسلامي والأرابيسك هي من بين العناصر الأكثر استلهاماً من قبل الفنانين. فقد اتخذ فنانان بريطانيان من «محترف توي» في المملكة المتحدة من النجمة وحدة شكّلا منها كرة مضيئة، تمت هندستها رياضياً على الكومبيوتر، لتشكل من خلال ترابط نجماتها وتكرارها، صورة عن نمط العلاقات التواصلية بين الناس في المجتمعات الإسلامية. مستخدماً مبدأ التكرار نفسه في الزخرف الإسلامي والشكل الكروي معاً، عرض هيتوشي كورياما الآتي من اليابان كرة تخرج منها الأنابيب الزجاجية من كل اتجاه لتختلط بأضواء قضبان النيون في غرفة محاطة بالمرايا، ويعطي لكرته التي تتوسط المكان بعداً أكبر من خلال صورتها في الألواح العاكسة. الزخارف أيضاً تظلل هيكل البيت أو الخيمة العربية التي بناها باتريك ويلسون وجعلها تقف على أرجل خشبية، وكأنها قوائم منتصبة لجمل. وكذلك نرى الزخارف جوهراً في عمل رومينا خانوم التي شغلت المساحة المخصصة لها بتشكيلات لسجادات عجمية علقتها وفرّغت بعضاً من مساحاتها بطريقة مدروسة، وكأنما الفراغ هو لون خاص. وجميل للغاية، تجهيز «المقرنص الشفاف» للإسبانية كريستينا بارينو التي تستخدم في تجهيزها أنابيب شفافة بأطوال متدرجة تتدلى من السقف لتشكل قنطرة زجاجية وما يشبه غرفة شرقية سحرية ورومانسية. نعود إلى النجمة الخماسية مع جون لويس فوستر، لكن بمكعبات ملونة يركّب واحدها بجانب الآخر أو فوقه ويضيء التجهيز لنصبح أمام ما يشبه كائناً حيوانياً بحرياً ملوناً.
تشكل التكنولوجيا إن في استخدامها لإنجاز الأعمال أو في التطرق إلى موضوع تأثيراتها على الحياة اليومية للأشخاص، وكذلك استلهام فكرة الروابط في العالم الإسلامي، نبعاً نهل منه الفنانون، وبينهم الإيطالي ليوناردو أوليان الذي عرض شبكة من الخيوط التي توحي بأنّها رسم تخطيطي للشبكة العنكبوتية، لكنّك حين تتأملها تلحظ النجمة الخماسية التي تتكرر في تركيبتها فيما الروابط بينها هي شرائح تكنولوجية كالتي نستخدمها في هواتفنا أو بطاريات ودوائر ملونة كأنّها أقمار في فضاء كوكبي افتراضي.
المعادلات الهندسة، والحسابات الرياضية، والتقنيات التكنولوجية، والخيال الجامح، والتقاليد حين تلبس أردية الحداثة، نجدها كلها تلتقي في علاقة حميمة داخل هذا المعرض الذي يعتبر محطة سنوية رئيسة لكل من يريد أن يعرف كيف يمكن للفنون الإسلامية أن تتمفصل مع أكثر الأفكار حداثة وجنوناً. ففي تشكيلات متوازية لعدد من المرايا الكبيرة في غرفة صممتها إسبانيتان من «كيرالت سواو» استوديو تسمح الممرات بينها للزائر بتجوال يقوده إلى متاهة مظلمة. والفنانتان المصممتان لهذه الغرفة السحرية عملتا قبلاً على ترميم مبان يعمل بها عمال مسلمون، ينشغلون عند الصلاة بتحديد وجهة الكعبة. من هنا أتى التجهيز ليقدم لعبة الزمان والمكان بطريقته الخاصة.
كثير من الزائرين وقفوا طويلاً عند لوحات الأميركي بن جونسون عن القدس، البعض يراهن أنّها مجرد صور كبّرت للأماكن المقدسة في المدينة وآخرون يؤكدون أنّها رسم. لكن بن جونسون نفسه، يشرح أنّه مفتون بسحر الأماكن المقدسة وما تبثه في نفوس المؤمنين، وأنّه يستخدم تقنيات مركبة بينها الستانسل، واللصق والرسم، مما يتطلب عملاً طويلاً وشاقاً ليخرج بلوحات باهرة ومحيرة. لكل فنان مساحة خاصة بحجم غرفة وضع فيها عمله أو أعماله واختار غالبيتهم، عرض تجهيز، بعضها جاء لافتاً مثل الآنية الضخمة التي صنعت من قضبان معدنية بلون الفضة والنحاس أجمل ما فيها انحناءاتها الانسيابية التي تحتاج مهارة لتطويعها، في محاولة لتقليد أشكال الجرار الفخارية الشرقية بروح تخرج من التربة الطينية إلى المعدن.
الفنانون العرب لم يكونوا أقل إبداعاً من زملائهم الآتين من أماكن بعيدة. خالد شعفار من الإمارات قدّم تجهيزاً جميلاً أسماه «حفل استقبال زفافي». وفي غرفة خصصت له اصطفت الكراسي، بأغطيتها البيضاء وفوق كل منها تدلى من السقف عقال، في إشارة إلى أشخاص يجلسون هنا لكنّنا لا نراهم، وعلقت في مقدمة الغرفة عباءة وفوقها تدلى عقال أيضاً في ترميز للعريس المفترض أنّه موجود لكنه غير مرئي لنا. عملٌ بالأبيض والأسود يحمل دلالات كثيرة. وكذلك لوحات عمار عطار من الإمارات ذات الخلفيات السوداء التي تحمل عنوان صلاة، وفي كل منها خطوط متوازية اصطف فوقها مصلون باللون الأبيض، كل منهم يتخذ وضعية مختلفة، حتى لا نرى واحداً منهم في وضعية تشبه الأخرى. ويقول الفنان إنّ هذا العمل استغرقه الكثير من التأمل وزيارات للمساجد، والتعرف إلى تفاصيل الحالات الجسدية للمؤمنين أثناء وجودهم في هذا المكان. الفنان أحمد جاريد يقول إنّ ما يعنيه ليس الأثر بحد ذاته، وإنّما اندثار هذا الأثر وفقدانه بمرور الزمن، لذلك جاءت لوحاته المصطفة إلى جانب بعضها البعض أقرب إلى احتراق الورق وتحول ألوانه إلى ما يعطي انطباعاً بصعوبة قراءة ما كان عليه أو حتى تخيله. ففي منطقة أصعب ما فيها هو إبقاء الآثار أو الحفاظ عليها، حيث يبدو وكأن الفناء والاندثار هما قدر كل شيء، يأتي هذا المعرض، ليقلّب المواجع حيناً ويبعث أملاً كبيراً بنضارة الفنون الإسلامية وقدرتها على التجدد ومعانقة العصر من جانب آخر.



«البحث عن رفاعة»... وثائقي يستعيد سيرة «رائد النهضة المصرية»

فيلم «البحث عن رفاعة» يتناول مسيرة رفاعة الطهطاوي (فيسبوك)
فيلم «البحث عن رفاعة» يتناول مسيرة رفاعة الطهطاوي (فيسبوك)
TT

«البحث عن رفاعة»... وثائقي يستعيد سيرة «رائد النهضة المصرية»

فيلم «البحث عن رفاعة» يتناول مسيرة رفاعة الطهطاوي (فيسبوك)
فيلم «البحث عن رفاعة» يتناول مسيرة رفاعة الطهطاوي (فيسبوك)

يستعيد الفيلم الوثائقي المصري «البحث عن رفاعة» سيرة أحد رواد النهضة الفكرية في مصر ببدايات القرن الـ19، رفاعة رافع الطهطاوي، الذي كان له دور مهم في التعليم والترجمة، ويستضيف الفيلم المركز الثقافي بيت السناري بحي السيدة زينب (وسط القاهرة)، التابع لمكتبة الإسكندرية، الأربعاء.

يتتبع الفيلم مسيرة رفاعة الطهطاوي عبر رؤية سينمائية تدمج المكان بالأحداث بالموسيقى، ويتناول شخصية وأفكار رفاعة الطهطاوي، أحد رواد النهضة الفكرية في مصر، ويُقدم رؤية سينمائية تجمع بين التاريخ والواقع، مسلّطاً الضوء على إسهاماته في تشكيل الوعي العربي الحديث، وفق بيان لمكتبة الإسكندرية.

ويُعدّ رفاعة الطهطاوي من قادة النهضة العلمية في مصر خلال عصر محمد علي، وقد ولد في 15 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1801، في محافظة سوهاج بصعيد مصر، والتحق بالأزهر ودرس على يد علمائه علوم الدين مثل الفقه والتفسير والنحو، ومن ثَمّ سافر إلى فرنسا في بعثة علمية وعاد ليضع خطة لإنشاء مدرسة الألسُن، ووضع كتباً عدّة من بينها «تخليص الإبريز في تلخيص باريز»، و«مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية»، و«المرشد الأمين في تربية البنات والبنين»، وتوفي رفاعة الطهطاوي عام 1873، وفق الهيئة العامة للاستعلامات المصرية.

بيت السناري في القاهرة (بيت السناري)

جدير بالذكر أن الفيلم وثائقي طويل، تبلغ مدته 61 دقيقة، وأخرجه صلاح هاشم، وقام بالتصوير والمونتاج المصور اللبناني سامي لمع، والمنتج المنفذ نجاح كرم، والموسيقي يحيى خليل، وهو من إنتاج شركة سينما إيزيس.

وأوضحت «سينما إيزيس» المنتجة للفيلم أنه عُرض لأول مرة في 2008 بجامعة لندن، قسم الدراسات الشرقية. وشارك في مهرجانات عربية وعالمية عدّة، من بينها «كارافان السينما العربية والأوروبية» في عمّان بالأردن، و«متحف الحضارات الأوروبية والمتوسطية» في مارسيليا بفرنسا، تحت عنوان «الطهطاوي... مونتسكيو العرب».

وكان مخرج الفيلم قد تحدّث في ندوة بجامعة لندن عقب العرض الأول له، عن تصوير أكثر من 20 ساعة بين القاهرة وأسيوط وطهطا (بلد رفاعة)، وأن مونتاج الفيلم استغرق نحو 6 أشهر بين مدن أوروبية، موضحاً أن الهدف من صنع الفيلم هو التحفيز على التفكير في فكر رفاعة ومعتقداته بخصوص مفاهيم ومعاني النهضة والتقدم.

ولفت إلى أنه أراد تقديم رؤية لرفاعة بأسلوب موسيقى الجاز، وهو ما ظهر في إيقاع الفيلم، موضحاً أن الفيلم أيضاً أراد أن يبعث برسالة مفادها بأن السينما ليست مجالاً للتسلية أو الترفيه فقط، بل يمكن أن تكون أداة للتفكير في الواقع ومشاكل مجتمعاتنا، كما يمكن أن تكون وسيلة للمحافظة على ذاكرتنا.

ويُعدّ بيت السناري الذي يستضيف عرضاً جديداً للفيلم من المراكز الثقافية التي تعتمد على تقديم الأنشطة المتنوعة، والمركز التابع لمكتبة الإسكندرية، هو بيت أثري يعود لنهايات القرن الـ18، وكان مقراً لعلماء وفناني الحملة الفرنسية على مصر بين 1798 و1801م.