«حفل زفاف» بين قطين في دمشق... ووفاة 16 شخصاً من الحصار في الغوطة

TT

«حفل زفاف» بين قطين في دمشق... ووفاة 16 شخصاً من الحصار في الغوطة

فوجئ دمشقيون وعائلات في العاصمة السورية بتداول فيديو لـ«حفل زواج» بين قِطيْن في نقطة تفتيش تابعة لميليشيات تدعمها في أحد أحياء دمشق القديمة تحت العَلَم السوري، في وقت أفيد فيه بوفاة 16 شخصاً في غوطة دمشق كانوا على لوائح الإخلاء الطبي على بعد مسافة قليلة من مكان «حفل الزفاف».
وكان لافتاً في الفيديو أنه تم إحضار شخص قيل إنه «مأذون» تصدَّر الجلسة، وأمامه طاولة حلويات بين «وكلاء» العروسين، وتولى مهمة التلقين، وفق طقوس أي زواج آخر بين البشر.
يُشار إلى أن الميليشيات التابعة لإيران تسيطر على حي باب دوما وعدد من أحياء المدينة القديمة مثل العمارة، الجورة، حي الأمين، الكلاسة، ومحيط الجامع الأموي، وتنشر حواجز على مداخلها.
وبحسب وكيل القطة «بيوتي - زيزونة»، فقد تم الاتفاق على «مهر بين العروسين، وهو مقدَّم كيلوغرام من شخت (لحم) ومؤخر كيلوغرام ونصف الكيلوغرام من رؤوس ورقاب (دجاج)، بحضور الشهود»، ووسط تهليل الحضور والرقص والغناء. واللافت «العروس» التي تم إحضارها إلى الخيمة بسيارة فارهة بيضاء زفها الرجال بعراضة وهم ينشدون بأصوات مرتفعة «مياوو مياوو مياوو»، مع إطلاق أبواق السيارة التي تقدمها عسكري بعتاده الكامل فاتحا لها الطريق. وبعد إتمام إجراءات عقد النكاح علت الأصوات بالغناء للعروسين بأغانٍ شعبية شامية.
وانهمرت عشرات التعليقات على مقاطع الفيديو والصور التي نشرها أحد المشاركين على صفحة «حيوانات أليفة - بيع شراء تبنٍّ» على موقع «فيسبوك» جاءت في غالبيتها لتبارك هذا الاحتفال مع ولتعبر عن الدهشة، مع استنكار خجول.
جاء ذلك في وقت تستمر فيه المعارك في حي جوبر شرق دمشق القريب من باب توما، إضافة إلى الغوطة المحاصَرَة.
وكانت الأمم المتحدة أعلنت أن 16 شخصاً على الأقل قضوا أثناء انتظارهم عمليات إخلاء طبي من منطقة الغوطة الشرقية.
وقال يان إيغلاند، رئيس مجموعة العمل الإنساني التابعة للأمم المتحدة في سوريا إن «لائحة وُضِعَت قبل أشهر عدة تتضمن نحو 500 شخص في حاجة ماسَّة إلى إجلاء، يتقلص عددها بسرعة»، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
وقال للصحافيين في جنيف، أول من أمس: «الرقم ينخفض، ليس لأننا نقوم بإخلاء الناس، بل لأنهم يموتون»، وأضاف: «لدينا تأكيدات بوفاة 16 شخصاً من تلك اللوائح منذ إعادة تقديمها في نوفمبر (تشرين الثاني)، وربما يكون العدد أعلى»، مسلِّطاً الضوء على وفاة طفل في 14 من الشهر الحالي وسط فشل الجولة الأخيرة من محادثات «جنيف». وقال: «أخشى أن يكون هناك المزيد. خلال فترة أعياد الميلاد هذه، سيكون هناك المزيد من الوفيات ما لم نبدأ عمليات الإخلاء». ومنطقة الغوطة الشرقية قرب دمشق أحد آخر معاقل الفصائل المسلحة التي تحاصرها قوات الرئيس بشار الأسد.
وقال إيغلاند إن «عمليات الإجلاء والجهود لإدخال مساعدات إلى المنطقة متوقفة لعدم الحصول على موافقة السلطات السورية»، وأكد: «هذا يجب أن يتوقف». وقال: «كيف نشعر بالأمان والسلام في أعياد الميلاد... في حين أكثر الناس براءة في هذا النزاع يموتون؟!».
وتابع أنهم «يموتون ليس لعدم وجود مواد إغاثة، أو لأنه لا أحد يرغب في التوجه إلى هناك... بل لأنهم جزء من لعبة نفوذ».
وتأتي تعليقاته تزامناً مع بدء جولة محادثات جديدة حول سوريا تتولى رعايته روسيا وإيران وتركيا، في آستانة عاصمة كازاخستان.
وقال: «آمل من اجتماعات (آستانة) أن يكون لدينا دافع ما للتغيير في الجانب الإنساني». وأضاف: «آمل أن يكون هناك وقف للأعمال العدائية في الغوطة الشرقية (...) قبل أن يفتك الجوع بجميع السكان، وأن نخرج الجرحى والمرضى».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم