حركة سير اعتيادية، وأصوات البائعين تتعالى في السوق وسط مدينة عفرين (60 كيلومتراً شمال شرقي حلب)، في مشهد يوحي بأن الحياة شبه طبيعية؛ لكن التصعيد التركي الأخير والتهديدات بضربة عسكرية، دفع الأهالي لاتخاذ بعض الاحتياطات، مثل شراء الطعام وتخزين المؤن والطحين، كما بدأ أصحاب المنازل في تجهيز الملاجئ، بعدما أوعز مسؤولو الإدارة الذاتية بتنظيف الأقبية لتكون ملاجئ في حال تعرض المدينة للقصف.
ونقل جانيار (46 سنة) رئيس مجلس حي عفرين الجديدة، أن مسؤولي الإدارة المحلية عقدوا اجتماعات موسعة طوال الأسبوع الجاري، وقال: «طلبوا من رؤساء الكومينات (وحدات الأحياء والشوارع) التأكد من جاهزية الملاجئ، وتوجيه سكان الأبنية بتنظيفها للاستخدام في حال وقوع هجمة عسكرية تركية».
ومنح انسحاب قوات النظام السوري بداية عام 2013 الأكراد فرصة لتشكيل حكومات محلية في ثلاث مناطق، يشكلون فيها غالبية سكانية، وعفرين إحدى التجمعات الكردية، بالإضافة إلى الجزيرة وكوباني (عين العرب)، وهي منطقة حدودية محاذية لولاية هاتاي التركية، وعلى عكس منطقتي كوباني والجزيرة، تقع عفرين في نقطة بعيدة نسبياً عن المناطق الكردية الأخرى شمال سوريا، وتحاذيها مدن ومناطق عربية سورية.
وصرح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مراراً، بأن بلاده عازمة على «تطهير» كل من المدن السورية: عفرين، ومنبج، وتل أبيض، ورأس العين، والقامشلي، من «الإرهابيين»، في إشارة إلى «وحدات حماية الشعب» الكردية.
واتهمت هيفي مصطفى، رئيسة المجلس التنفيذي لمقاطعة عفرين، تصاعد تصريحات تركيا بعد فشل سياستها، بالتدخل في الشأن السوري، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «محاولة لكسر عزيمة شعوب المنطقة التي اختارت النظام الفيدرالي، وخلق حالة من الفوضى لإضفاء شرعية على دخول الأراضي السورية بذريعة محاربة الإرهاب، على الرغم من أنها الداعم الرئيسي للإرهاب»، على حد تعبيرها.
وتابعت: «سيكون ردنا مباشرا عبر كافة السبل السياسية والعسكرية؛ لأننا نمتلك القوة الكافية للوقوف في وجه الاحتلال التركي»، ولفتت إلى أنّ أهالي عفرين: «على أتم الاستعداد لمواجهة كافة أشكال الاحتلال، وعلى رأسها الاحتلال الفاشي التركي»، بحسب هيفي مصطفى.
ونشر نشطاء من عفرين على منصات التواصل الاجتماعي، صورة تظهر إزالة كتلتين إسمنتيتين من الشريط الحدود بالجانب السوري المقابل لقرية بابليت، التابعة لريف ناحية جندريس الواقعة شمال عفرين، ونقل المزارع سعدو الذي تقع أرضه على مقربة من الشريط الحدودي مع تركيا، أن المزارعين يشتكون وبشكل مستمر من دخول العربات العسكرية إلى حقولهم، كما يسمعون بشكل شبه يومي هذه التهديدات، وقال: «منذ مدة ونحن نسمع بهذه التهديدات؛ لكنها لا ترهبنا، هذه التصريحات تهدف لإجبارنا على التخلي عن أرضنا وبيوتنا ودفعنا نحو النزوح والهجرة» مضيفاً: «هذا وطني، ولن أخرج منه».
وقررت هيئة التربية بالمجلس التنفيذي في مدينة عفرين، تقديم موعد إجراء الامتحانات النصفية للمراحل الانتقالية التي بدأت منذ 17 الشهر الجاري، حيث كانت تجرى في الأول من يناير (كانون الثاني) بداية العام الجديد. ونقلت المدرسة حنيفة (35 سنة) أن الامتحانات النصفية بدأت بالفعل، وقالت: «تقرر الانتهاء من الامتحانات قبل نهاية العام الجاري، كما تم إبلاغ الكادر التدريسي بتوجيه التلاميذ وذويهم لاتخاذ تدابير احتياطية تحسباً للضربة».
وبحسب تقارير إعلامية، أرسل الجيش التركي مزيدا من الحشود العسكرية على طول الحدود مع سوريا المقابلة لمنطقة عفرين، في حين تأخذ القوى السياسية الكردية والعسكرية التهديدات التركية على محمل الجد.
وأكد محيي الدين شيخ آلي، سكرتير حزب الوحدة الكردي (يكيتي) لـ«الشرق الأوسط»، أن التهديدات التركية حيال عفرين «مؤشر لا يجوز الاستخفاف به»، وقال: «التهديدات جاءت على أعلى المستويات، رافقها قصف مدفعي متكرر لقرى وأرياف منطقة عفرين، وتحليق شبه يومي لطيران الاستكشاف في أجواء المنطقة». وشدد على أن التصعيد التركي الأخير يأتي في سياق الأزمات الداخلية والخارجية التي تعاني منها تركيا، وقال: «كأن تطويق الفضائح ومعالجة أزمات تركيا البنيوية متوقف على ضربة عفرين؛ لكن الأهالي على أتم جهوزية للدفاع عن أنفسهم، ويقفون صفاً واحداً مع قواتهم العسكرية (وحدات حماية الشعب)».
هدوء حذر في عفرين على وقع تهديدات تركية
هدوء حذر في عفرين على وقع تهديدات تركية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة