صفحة «داعش» طويت في الموصل... وبقي خرابها ماثلاً للعيان

العفو الدولية: القوات العراقية والتحالف تسببا في الوفيات لا «داعش» وحده

فارون  من المعارك يجتازون مسجد النوري بالقسم القديم لمدينة الموصل في يوليو الماضي (أ.ب)
فارون من المعارك يجتازون مسجد النوري بالقسم القديم لمدينة الموصل في يوليو الماضي (أ.ب)
TT

صفحة «داعش» طويت في الموصل... وبقي خرابها ماثلاً للعيان

فارون  من المعارك يجتازون مسجد النوري بالقسم القديم لمدينة الموصل في يوليو الماضي (أ.ب)
فارون من المعارك يجتازون مسجد النوري بالقسم القديم لمدينة الموصل في يوليو الماضي (أ.ب)

انطوت منذ أشهر صفحة «داعش» في مدينة الموصل بجانبيها الأيسر والأيمن وعموم محافظة نينوى، لكن صفحة المآسي والخراب التي خلّفها التنظيم الإرهابي والأعمال العسكرية ضده، ما زالت ماثلة للعيان، خاصة في المدينة القديمة في جانبها الأيمن. وتقول مصادر لـ«الشرق الأوسط»، إن «المدينة القديمة مدينة أشباح، ولا ملمح فيها للحياة كما لم تباشر السلطات بإعادة الإعمار فيها».
وتشير المصادر إلى بقاء 72 جسراً في عموم المحافظة محطمة بضمنها 5 جسور على نهر دجلة تربط بين جانبي المدينة، ومن الخمسة يعمل واحد منها متضرر جداً، لكن أعيد إصلاحه بشكل مؤقت يسمح بعبور الناس عبر الجانبين.
وخلافاً إلى الجانب الأيسر الذي دبت فيه الحياة نتيجة عدم تعرضه للدمار أثناء الحرب ضد «داعش»، فإن المصادر تؤكد أنه «لا وجود للحياة في الجانب الأيمن، وأغلب عمليات الإعمار المدعومة من دولة مانحة توقفت بسبب حالات الفساد». وفي آخر فصول أعداد الضحايا والخراب الذي ضرب مدينة الموصل التي احتلها تنظيم داعش في 9 يونيو (حزيران) 2014. واتخذ منها عاصمة لخلافته المزعومة، ذكرت منظمة العفو الدولية في تقرير لها صدر أمس، أن المعلومات الجديدة تقدّر عدد الوفيات في صفوف المدنيين في الموصل بما يزيد على عشرة أضعاف التقديرات الرسمية.
وجاء تقرير المنظمة رداً على تقرير لوكالة «أسوشييتد بريس»، ذكرت فيه أن بين 9 إلى 11 ألف شخص من المدنيين قتلوا في معركة الموصل.
وقالت مديرة البحوث لـ«الشرق الأوسط» في منظمة العفو الدولية لين معلوف في تصريحات نقلها عنها موقع المنظمة الرسمي على الإنترنت: «لقد أرعبتنا هذه الأرقام الجديدة، وإن لم تفاجئنا؛ إذ أنها تتسق تماماً مع النتائج التي توصلنا إليها في السابق والتي أفادت بأن آلاف المدنيين قُتلوا في معركة الموصل».
وأشارت معلوف إلى أن «تلك الوفيات لم تسببها الجماعة المسلحة التي تسمى (الدولة الإسلامية) وحدها، وإنما القوات العراقية وقوات التحالف أيضاً».
ولم يصدر عن السلطات العراقية منذ انطلاق الحرب ضد داعش عام 2014، أي إحصاءات رسمية بشأن أعداد القتلى في أغلب مناطق الحرب، سواء من قواتها الأمنية أو من المواطنين المدنيين. إلا أن قوات التحالف الدولي، أعلنت، في وقت سابق، مسؤوليتها عن مقتل 326 شخصاً فقط. الأمر الذي تكذبه التقارير الجديدة لأعداد الضحايا.
وترى معلوف أن «عدم اعتراف القوات العراقية وقوات التحالف بأعداد القتلى المدنيين في الموصل وعدم التحقيق فيها، يُعتبر تخلياً صارخاً عن المسؤولية»، مطالبة بتوخي الشفافية وتقديم كشف حساب صادق وعلني بالثمن الحقيقي الذي تكبَّده المدنيون في هذه الحرب، بالإضافة إلى «إجراء تحقيق فوري من قبل التحالف بقيادة الولايات المتحدة في الانتهاكات والهجمات غير القانونية التي وثقتها منظمة العفو الدولية وغيرها من المنظمات المستقلة أثناء معركة الموصل».
وكان منظمة العفو نشرت في يوليو (تموز) الماضي تقريرا تناول الانتهاكات التي اقترفتها جميع أطراف النزاع في غرب الموصل، ودعت فيه قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة والقوات العراقية إلى الاعتراف علناً بحجم وخطورة الخسائر في أرواح المدنيين التي وقعت أثناء معركة الموصل، وإلى ضرورة إنصاف ضحايا الانتهاكات وعائلاتهم.
بدوره، لم يستبعد النائب عن محافظة نينوى عبد الرحمن اللويزي صحة الأرقام الجديدة لأعداد الضحايا المدنيين في الموصل وقال لـ«الشرق الأوسط»: «قوات التحالف الدولي اعترفت في أكثر من مناسبة بتعرض المدنيين إلى قصف جوي بالخطأ، والاعتراف بحد ذاته دليل على وجود ضحايا».
وأشار اللويزي إلى أن دائرة صحة نينوى أصدرت قبل نحو ثلاثة أشهر تقريراً «أكدت فيه انتشال ما لا يقل عن 3 آلاف جثة لمدنيين قتلوا أثناء الحرب».
وحول إمكانية تعويض أسر الضحايا من قبل الحكومة العراقية، لفت إلى وجود قانون نافذ يتعلق بتعويض ضحايا الإرهاب، لكنه يرى أن «مشكلة القانون تكمن في مبالغ التعويض القليلة جداً قياساً بحجم الأضرار التي لحقت بأرواح وممتلكات المواطنين، حيث لا يتجاوز المبلغ 5 ملايين دينار عراقي».
كما لفت إلى مشكلة أخرى تتعلق في مسألة التعويضات، وهي «عدم تخصيص مبالغ محددة لضحايا الحرب في الموصل في الموازنة الاتحادية للعام المقبل، وهذا يعقد الأمور ولا يسهم في التخفيف من معاناة أسر الضحايا».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم