شخصية مدنية ترأس وفد المعارضة: الأولوية للمعتقلين ووقف النار

TT

شخصية مدنية ترأس وفد المعارضة: الأولوية للمعتقلين ووقف النار

حاول وفد المعارضة السورية في افتتاح اجتماعات «آستانة»، أمس، تركيز النقاشات حول بندين أساسيين، هما ملف المعتقلين، وتثبيت وقف إطلاق النار، كما أنّه جدد موقفه من موضوع المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي، واشترط تنفيذ اتفاقات «آستانة» السابقة «بحذافيرها» وانطلاق «جزء ولو بسيط» من مسار الحل السياسي.
وترأست وفد المعارضة العسكري للمرة الأولى منذ انطلاق اجتماعات آستانة، شخصية مدنية - سياسية، هي أحمد طعمة، رئيس الحكومة المؤقتة سابقاً، الذي خلف العميد أحمد بري، رئيس أركان «الجيش السوري الحر». وقال أيمن العاسمي الناطق باسم وفد المعارضة في «آستانة» إن «تغيير رئاسة الوفد وانتقالها من عسكري إلى مدني، هدفه إيصال رسالة واضحة للدول الضامنة والمجتمع الدولي بتمسك المعارضة بالحل السياسي حتى خلال المسار العسكري، بخلاف ما يسعى إليه النظام المتمسك دوماً بالحل العسكري حتى خلال المسارات السياسية».
ولفت العاسمي لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «نظراً لإصرار المعارضة خلال الجولة الثامنة من المحادثات على إعطاء الأولوية لملف المعتقلين، ارتأت أن تفاوض شخصية سياسية بهذا الملف لأنه خلاف ذلك سيصر وفد النظام على إظهار المعتقلين كأسرى».
ولا تبدو المعارضة متفائلة كثيراً بإمكانية تحقيق خروق تذكر في هذا الملف، إذ أشار العاسمي إلى أن «ورقة المعتقلين هي ورقة مصيرية سواء للإيرانيين أو للنظام، وبالتالي ستكون الورقة الأخيرة التي سيفاوضون عليها باعتبار أنها سيترتب عليها فضائح كثيرة}، مشدداً على تمسك المعارضة بموقفها الرافض لتسليم قوائم بأسماء المعتقلين، «خوفاً من إقدام النظام على تصفية العدد الأكبر منهم»، رابطاً عملية التسليم بصدور قرار أممي، وبأن يقوم مندوبون أمميون بتفتيش السجون التي سيتم تحديدها.
واتهم عضو الوفد في اجتماعات «آستانة» العقيد فاتح حسون النظام السوري وإيران بعرقلة التقدم بملف المعتقلين.
وأشار لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «المسؤولين في الأمم المتحدة يوافقوننا الرأي بضرورة الضغط على النظام». وأضاف أنه على جدول الأعمال المعلن للجولة الثامنة من المحادثات بنود أخرى، أبرزها التثبيت الكامل لوقف إطلاق النار، خصوصاً الغوطة الشرقية، واستكمال تطبيق منطقة خفض التصعيد الرابعة في إدلب باستكمال دخول القوات التركية للمناطق المتفق عليها في الجولات السابقة.
ويُدرك وفد المعارضة أن الجولة الثامنة من اجتماعات آستانة ستُخصَّص بجزء كبير منها للتحضير لمؤتمر سوتشي الذي تنظمه موسكو، لذلك هو وصل إلى كازاخستان بموقف واضح من المشاركة في هذا المؤتمر، رابطاً إياها، بحسب العاسمي، بـ«تطبيق كل اتفاقات (آستانة) السابقة بحذافيرها، وانطلاق ولو جزء بسيط من مسار الحل السياسي»، مشدداً على أن «موقف الوفد في (آستانة 7) الرافض للمشاركة بسوتشي بحينها لم يكن بإطار الرفض لمجرد الرفض بل كان موقفنا بحينها أيضاً مرتبطاً بتنفيذ شروطنا».
وأضاف: «لكن طالما الإيرانيون يمعنون بتخريب الاتفاقات، وطالما القتال مستمر بالغوطة والمجازر التي ينفذها الطيران السوري والروسي على حد سواء، فلا يمكن الحديث عن أي موقف إيجابي من قبلنا بخصوص سوتشي».
وكان وفد المعارضة بدأ، أمس، اجتماعاته بلقاء عقده مع فريق تقني من الأمم المتحدة، قال إنه بحث معهم قضية إطلاق سراح المعتقلين لدى النظام. وأوضح وفد «قوى الثورة العسكري» إلى «آستانة» في بيان، أن «الهدف من المشاركة هو إطلاق سراح المعتقلين، إضافة إلى تثبيت وقف إطلاق النار، خصوصاً في مناطق خفض التصعيد، ورفع الحصار عن جميع المدن والبلدات المحاصرة، وإيصال المساعدات إلى المحتاجين»، مشدداً على أن «قضية المعتقلين هي أولوية بالنسبة للوفد العسكري، لذلك سيكون التركيز بالمجمل على بحث تلك القضية مع الجانب الروسي على وجه الخصوص».
واعتبر البيان أن «رفض النظام الإفراج عن المعتقلين هو مخالف لقرارات مجلس الأمن وعلى الأخص البنود الإنسانية التي تضمنها القرار 2254»، داعياً موسكو إلى «ممارسة دورها كطرف مسؤول وضامن للنظام».
وانتقد الوفد في بيانه «عدم التزام قوات النظام والميليشيات الأجنبية الإيرانية باتفاق خفض التصعيد»، أشار إلى أن «الجرائم ما زالت مستمرة بحق المدنيين في كل من الغوطة الشرقية بريف دمشق وإدلب». وأضاف أن «تصرفات وفد النظام في جولة جنيف الأخيرة تؤكد للجميع أنه لا يلتزم بالقرارات الدولية، ويرفض تنفيذها بشكل كامل»، مشدداً على أن «الجانب الروسي مطالب أكثر من أي وقت مضى بالضغط على النظام لدفعه إلى التسوية السياسية».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.