عشرات القتلى بغارات على ريف إدلب

قوات النظام تتعرض لانتكاسة شمال البلاد

بعد غارة على ريف إدلب أمس (أخبار إدلب)
بعد غارة على ريف إدلب أمس (أخبار إدلب)
TT

عشرات القتلى بغارات على ريف إدلب

بعد غارة على ريف إدلب أمس (أخبار إدلب)
بعد غارة على ريف إدلب أمس (أخبار إدلب)

صعّدت قوات النظام السوري من وتيرة قصفها لمناطق سيطرة المعارضة في الشمال السوري في موازاة هجومها على ريفي حماة الشمالي والشرقي وحلب الجنوبي، حيث تعرضت لانتكاسة عسكرية إثر صد قوات المعارضة وحلفائها في «هيئة تحرير الشام» لهجوم قوات النظام، كما ذكر ناشطون سوريون.
وأثار مقتل 19 مدنياً بينهم سبعة أطفال منتصف ليل الثلاثاء - الأربعاء في غارة جوية استهدفت بلدة في محافظة إدلب في شمال غربي سوريا والمشمولة باتفاق خفض التوتر، تضاربا في المسؤوليات. وفي وقت قال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إنه «يرجح أنها روسية»، نفت وزارة الدفاع الروسية مسؤوليتها عن الهجوم. ونقلت وكالة الأنباء الروسية عن بيان للوزارة قولها: «لم تنفذ طائرات القوات الجوية الروسية طلعات في تلك المنطقة».
وكان «المرصد» قال إن ضربات وقعت ليلا في بلدة معرشورين في محافظة إدلب وأسفرت أيضا عن إصابة 25 شخصا. وأفادت وكالة «الصحافة الفرنسية» بأن مباني في بلدة معرشورين في ريف إدلب الجنوبي التي استهدفها القصف، سُويت أرضاً ولم يبق منها سوى جبال من الركام، وأخرى إلى جانبها وقد انهارت جدرانها. وبدت بقع من الدماء على حجارة من بقايا المباني المستهدفة.
ووسط الركام، قال زاهد أبو عبدو أحد سكان البلدة: «هذه كلها منازل المدنيين» مشيراً إلى المباني المدمرة حوله. ورجح «المرصد» أن «طائرات حربية روسية استهدفت منازل عدة متلاصقة في بلدة معرشورين»، التي تسيطر عليها فصائل إسلامية بينها «هيئة تحرير الشام»، وهي تحالف قوي تقوده جبهة النصرة.
وتشكل محافظة إدلب إحدى مناطق خفض التوتر الأربع في سوريا. وتحدثت تقارير معارضة عن أن قوات النظام تحشد على أطراف إدلب، تمهيدا لعملية عسكرية، وتحديداً في ريف حماة الشمالي الغربي.
وأفاد موقع «عنب بلدي» المعارض بأن قوات النظام والميليشيات المساندة لها تحشد في منطقتين شمالي حماة، لفتح محور عسكري جديد إلى جانب المعارك في الريف الشرقي. وقالت إن قوات النظام استقدمت تعزيزات عسكرية إلى مدينتي طيبة الإمام وصوران في الريف الشمالي لحماة، كخطوة للتقدم باتجاه مدينة اللطامنة.
وتتعرض اللطامنة لقصف جوي مكثف من الطيران الحربي الروسي، وزادت حدته بعد العمل العسكري الأخير لفصيل «جيش العزة» نحو مدينة حلفايا.
بالتزامن، تعرضت مناطق سيطرة المعارضة في الشمال السوري، وهي ريفا حلب الجنوبي وحماة الشمالي الشرقي، لهجوم واسع تنفذه قوات النظام بهدف استعادة السيطرة عليه.
وذكرت تقارير أن قوات النظام أوكلت القيادي الميداني العميد سهيل الحسن المعروف بـ«النمر»، مهمة قيادة الهجوم. وقالت إنه وصل إلى ريف حماة الشمالي الشرقي، مدفوعاً بتعزيزات عسكرية بينها أسلحة تمت السيطرة عليها في معارك دير الزور الأخيرة.
وتحاول قوات النظام التوغل في عمق الحدود الإدارية لمحافظة إدلب، في خطوة للوصول إلى مطار أبو الضهور العسكري. وفتحت في الأيام الماضية ثلاثة محاور الأول من ريف حلب الجنوبي من مناطق جبل الحص ورسم السيالة، والثاني من ريف حماة الشرقي مرورا بمنطقة الرهجان. أما الثالث فينطلق من ريف حماة الشمالي وتحاول الوصول من خلاله إلى قرية أبو دالي التي خسرتها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وتعرضت قوات النظام لانتكاسة عسكرية في تلك المنطقة، إذ أفادت شبكة «الدرر الشامية» بأن «هيئة تحرير الشام»، أحبطت أمس هجومين منفصلين لقوات النظام وميليشياته على المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في ريفي حماة الشمالي وحلب الجنوبي. وذكرت «وكالة إباء» أن مقاتلي تحرير الشام تمكنوا من قتل مجموعة كاملة من قوات النظام بينهم ضابطٌ وجُرح آخرون، أثناء محاولتهم التقدم على محور قرية المشيرفة بريف حماة الشمالي. كما صدت هجوماً على قريتي رسم سيالة ورملة بريف حلب الجنوبي.
ونقل ناشطون عن وسائل إعلام النظام قولها إن الفصائل شنت هجوماً عنيفاً على محور كتيبة الدفاع الجوي - خان طومان، وأن قوات النظام تصدت للهجوم.
وفي ريف دمشق، الجنوبي الغربي، تواصلت العمليات العسكرية لقوات النظام، التي تحاول تحقيق تقدم جديد في المنطقة، ومهدت له بقصف مكثف إذ استهدفت بعشرات الصواريخ والقذائف الصاروخية والمدفعية، مناطق في مغر المير ومزرعة بيت جن وبلدة بيت جن، بالتزامن مع اشتباكات متفاوتة العنف في محاولة من قوات النظام التقدم بعد فرض سيطرتها النارية وتقطيع أوصال الدائرة المحاصرة من ريف دمشق الجنوبي الغربي، بالقرب من الحدود السورية - اللبنانية وبالقرب من الحدود مع الجولان السوري المحتل.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.