«الخيال الممكن» النبش في الأرض بعد ارتياد الفضاء

سلطان بن سلمان يدون تجربته كأول أمين للهيئة العامة للسياحة والتراث في السعودية

«الخيال الممكن» النبش في الأرض بعد ارتياد الفضاء
TT

«الخيال الممكن» النبش في الأرض بعد ارتياد الفضاء

«الخيال الممكن» النبش في الأرض بعد ارتياد الفضاء

وضع الأمير سلطان بن سلمان، أول أمين للهيئة العامة للسياحة والتراث في بلاده السعودية، تجربة الهيئة ومسيرتها في البناء والتنظيم والتطوير، في الواجهة منذ تأسيسها عام 2000 كمؤسسة حكومية صغيرة، لتنطلق بأحلام كبيرة وتستثمر في كفاءة السعوديين، وصولا لخلق صناعة جديدة تصب في الاقتصاد الوطني السعودي وتنميّه، وتعيد تنظيم وبناء مسارات اقتصادية واجتماعية، تتقاطع مع البعد الحضاري العريق، وتفتح أمام مواطني البلاد المزيد من فرص العمل، والاستثمار في شتى مناطقهم ومدنهم وقراهم، وبمختلف مستوياتهم التعليمية والعمرية.
واختار الأمير أن يدون هذه التجربة للهيئة التي شارك في بداياتها مؤسسا الأمانة العامة لها، ولاحقا رئيسا لمجلس إدارتها، ثم أول أمين لها، في عمل يعبر عن مضمون وروح تلك التجربة التي لم يكن الطريق إلى تحقيق أهدافها مزروعا بالورود، بل كان طريقا شائكا، وأمامه متاريس وعقبات، عادة ما تواجه كل بدايات التجارب المماثلة ومسارات عملها للوصول إلى الهدف وتحقيق التفرد والتميز والنقلات فيها. ووجد الأمير ضالته في إبراز مسيرة الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في عمل موسوعي سماه «الخيال الممكن»، رصد فيه رحلة التحديات والكفاح والصبر لصناعة قطاع سياحي واعد، من خلال مؤسسة صغيرة إلى مؤسسة رائدة وفاعلة. لقد وجد الأمير سلطان بن سلمان نفسه مسؤولا عن تأسيس وتطوير صناعة سياحية ببلاده واستثمار تراثها استفادة من الكنوز المتنوعة من المعادن الطبيعية والتراثية التي تنام عليها بلاده.
يقول الأمير سلطان بن سلمان في تقديمه لـ«الخيال الممكن»: «أدركت منذ اللحظة الأولى التي كُلفت فيها مسؤولية إنشاء الجهاز التنفيذي للهيئة، وإدارة الجهود لتطوير السياحة والعناية بالتراث الوطني، أن بناء مؤسسة حكومية رائدة وفاعلة بمثل هذه الأهمية الاقتصادية والاجتماعية تستجيب لتطلعات الوطن والمواطن، وتعيش مفردات عصرها لتأسيس مسار اقتصادي كبير، يحتاج إلى طول نفس، ولا يحتمل القفز على تتابع المراحل، ولذلك أردتُ أن يكون سيرها كخبب الجياد بين الركض والهرولة، حتى لا يفقدنا الاستعجال التوازن، أو يفقدنا البطء تحقيق الإنجازات المؤملة. لقد خلعتُ للتو بزّتي العسكرية، وترجلتُ من طائرتي، حيث تعودتُ أن أرى الأشياء من قممها (كطيار ورائد فضاء)، وها أنا ذا أجد نفسي مسؤولا عن إنشاء وتطوير صناعة سياحية في بلادي، لا.. بل والنبش في هذه الأرض الواسعة للبحث عن مكنوناتها وتسخيرها لتعزيز التراث الوطني العريق، والمساهمة في تشكيل الهوية الوطنية، وهنا فقط شعرتُ بأهمية تمازج رؤية القمم من الأعلى، ورؤية الأشياء من العمق، من أحافير الآثاريين، في تكوين رؤية أكثر اتساع».
وذكر الأمين العام للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في السعودية على أن اختياره «الخيال الممكن» عنوانا لهذه الدراسة وما أنجز من العمل المؤسسي الذي تم به إدارة الهيئة: «استلهمته من والدي ووالد الجميع الملك سلمان بن عبد العزيز، الرجل والمسؤول الذي تعلمت منه الكثير في حياتي الشخصية والمهنية، خلال زيارته للهيئة عام 2005م وعرض الملامح الأولى للخطة الوطنية للتنمية السياحية، حين قال (الحقيقة أنا أتابع في الصحف أعمال هيئة السياحة، وبعض من يشاهد البرامج أو التصريحات يقول: هذه مبالغ فيها، وفيها خيال، وليست ممكنة، وهذا يذكرني بتجربة هيئة تطوير مدينة الرياض، وكيف أن البعض كان يرى أن الطموح والخطط المستقبلية لتطوير الرياض نسج من الخيال... والآن نريدهم أن يأتوا ويشاهدوا الواقع، فنحمد الله على ذلك ونطالب بأكثر وأكثر)».
يمثل العمل الذي أنجزه الأمير سلطان بن سلمان في رصده لهذه التجربة، سفرا يتعدى تجربة الهيئة في البناء المؤسسي، إلى جوانب تتعلق بالنشأة للهيئة وصولا لتحقيق الأهداف. وفي هذا الصدد يرى عراب السياحة والتراث في بلاده أن «صناعة السياحة تتصف بقدرة فريدة على التأثير والتأثر بالبيئة المحيطة، ومن دون تكامل التخطيط والتنظيم ستتعرض الموارد التي تقوم عليها إلى خطر الاندثار، وستتعذر بالتالي استدامة التنمية المستقبلية لصناعة السياحة»، لافتا في هذا الصدد إلى أنه عند النظر إلى التفاوت في مستوى تطور تنمية صناعة السياحة والتراث الحضاري الوطني في عدد من بلدان العالم مع مراعاة الفروقات في الأنظمة السياسية والاقتصادية بل تلك البلدان، وجدنا أن هناك قاسما مشتركا بينها يتمثل في الإجماع العام على أربع وظائف أساسية للدولة لإحداث التنمية المستدامة للسياحة تتلخص في: رسم السياسات، وضع الأنظمة وتطبيقها، توفير البنية التحتية، تحفيز الطلب. ويضيف: «إن تحقيق الرؤى والأهداف المستقبلية لتنمية السياحة الوطنية بشكل مستدام يتطلب إقرار حزمة من السياسات التنفيذية لقيادة العمل السياحي، وفي مقدمتها: دعم الدولة للتنمية السياحية بالممكنات النظامية، وبالتمويل المالي، ودمجها مع خطط التنمية، والعمل على تشجيع المجتمع بجمع مكوناته على المشاركة الفاعلة في تنمية المرافق والخدمات السياحية، وتشغيلها من خلال تطوير منتجات عالية المواصفات والنوعية تعتني بالقيم الإسلامية، وتقاليد الكرم، وحسن الضيافة، وأسلوب الحياة السعودية. هذا بالإضافة إلى التركيز على أن تتمتع السياحة السعودية بقدرة تنافسية عالية عبر تنمية متوازنة للسياحة، وإيجاد فرص العمل والاستثمار للمواطنين».
ومن المعروف أن الأمير سلطان بن سلمان هو أول رائد فضاء عربي ومسلم شارك في رحلة ديسكفري في مهمة 51 جي عام 1985، وهو أيضاً ناشط في مجال المؤسسات الخيرية والإنسانية ومؤسسات النفع العام، وله اهتمامات واسعة بعلوم الفضاء وقضايا التراث العمراني، وحاصل على درجة ماجستير في العلوم الاجتماعية والسياسية من كلية ماكسويل للمواطنة والشؤون العامة بجامعة سيراكيوز الأميركية، كما حصل على الكثير من الأنواط والأوسمة والميداليات والجوائز وشهادات التقدير والتكريم من عدد من الدول والملوك والرؤساء والجامعات والمؤسسات العلمية والخيرية. وصدرت له كتب في مجال اهتماماته، وهي «سيرة في التراث العمراني»، و«كوكب واحد»، و«العودة إلى الأرض»، وآخرها «الخيال الممكن».


مقالات ذات صلة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

ثقافة وفنون أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية

سحر عبد الله
يوميات الشرق «معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري في مركز «سوبر دوم» بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر
TT

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

هي رواية تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، تحمل اسم «عورة في الجوار»، وسوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر والتوزيع، وتقع في 140 صفحة.

عن عوالمها وفضائها السردي، يقول تاج السرّ لـ«الشرق الأوسط»: «تروي هذه الرواية التحولات الاجتماعية، وحياة الريف المكتنز بالقصص والأساطير، وانتقال البلد إلى (العصرنة) والانفتاح ورصد التأثيرات الثقافيّة التي تهبّ من المدن إلى الأرياف، لكنها ترصد أيضاً تأثير الأوضاع السياسية المضطربة في السودان على حياة الناس العاديين وما تسببه الانقلابات العسكرية من معاناة على السكان المحليين، خاصة في الأرياف... إلى جانب اهتمامها بتفاصيل الحياة اليومية للناس، في سرد مليء بالفكاهة السوداء».

حمل غلاف الرواية صورة الكلب، في رمزية مغوية إلى بطل الرواية، الذي كان الناس يطلقون عليه لقب «كلب الحرّ» كتعبير عن الشخص كثير التنقلّ الذي لا يستقرّ في مكان. كان كثير التنقّل حيث يعمل سائق شاحنة لنقل البضائع بين الريف والعاصمة وبقية المدن، والزمان هو عام 1980، وفي هذا الوقت يلتقي هذا السائق، وكان في العشرينات من عمره بامرأة جميلة (متزوجة) كانت تتبضع في متجر صغير في البلدة التي ينحدرُ منها، فيهيمُ فيها عشقاً حتى إنه ينقطع عن عمله لمتابعتها، وتشمم رائحتها، وكأنها حلم من أحلام الخلود.

وعن الريف السوداني الذي توليه الرواية اهتماماً خاصاً، ليس كرحم مكاني فحسب، إنما كعلاقة ممتدة في جسد الزمان والحياة، مفتوحة دائماً على قوسي البدايات والنهايات. يتابع تاج السر قائلاً: «الريف السوداني يلقي بحمولته المكتنزة بالقصص والأساطير حتى الفانتازيا في أرجاء الرواية، حيث ترصد الرواية ملامح وعادات الحياة الاجتماعيّة... لتنتقل منها إلى عالم السياسة، والانقلابات العسكرية والحروب الداخلية، حيث تسجل صراعاً قبلياً بين قبيلتَين خاضتا صراعاً دموياً على قطعة أرض زراعية، لا يتجاوز حجمها فداناً واحداً، لكنّ هذه الصراعات المحلية تقود الكاتب إلى صراعات أكبر حيث يتناول أحداثاً تاريخيّة كالوقائع العسكريّة والحروب ضدّ المستعمِر الإنجليزي أيّام المهدي محمد أحمد بن عبد الله بن فحل، قائد الثورة المهديّة، ومجاعة ما يعرف بـ(سنة ستّة) التي وقعت عام 1888، حيث تعرض السودان عامي 1889 – 1890 إلى واحدة من أسوأ المجاعات تدميراً».

وعلى الصعيد الاجتماعي، ترصد الرواية الغزو الثقافي القادم من المدن إلى الأرياف، وكيف استقبله الناس، خاصة مع وصول فرق الموسيقى الغربية، وظهور موضة «الهيبيز»، وصولاً إلى تحرر المرأة.

رواية جديدة تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، سوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر.

يشار إلى أن أمير تاج السر روائي سوداني ولد في السودان عام 1960، يعمل طبيباً للأمراض الباطنية في قطر. كتب الشعر مبكراً، ثم اتجه إلى كتابة الرواية في أواخر الثمانينات. صدر له 24 كتاباً في الرواية والسيرة والشعر. من أعماله: «مهر الصياح»، و«توترات القبطي»، و«العطر الفرنسي» (التي صدرت كلها عام 2009)، و«زحف النمل» (2010)، و«صائد اليرقات» (2010)، التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية عام 2011، تُرجمَت أعماله إلى عدّة لغات، منها الإنجليزيّة والفرنسيّة والإيطاليّة والإسبانيّة والفارسيّة والصينيّة.

نال جائزة «كتارا» للرواية في دورتها الأولى عام 2015 عن روايته «366»، ووصلتْ بعض عناوينه إلى القائمتَين الطويلة والقصيرة في جوائز أدبيّة عربيّة، مثل البوكر والشيخ زايد، وأجنبيّة مثل الجائزة العالميّة للكتاب المترجم (عام 2017 بروايته «العطر الفرنسي»، وعام 2018 بروايته «إيبولا 76»)، ووصلت روايته «منتجع الساحرات» إلى القائمة الطويلة لجائزة عام 2017.

صدر له عن دار «نوفل»: «جزء مؤلم من حكاية» (2018)، «تاكيكارديا» (2019) التي وصلتْ إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب (دورة 2019 – 2020)، «سيرة الوجع» (طبعة جديدة، 2019)، «غضب وكنداكات» (2020)، «حرّاس الحزن» (2022). دخلت رواياته إلى المناهج الدراسيّة الثانويّة الإماراتيّة والبريطانيّة والمغربية.