تحركات فلسطينية لإيجاد «آلية بديلة» للتفاوض

غداة استخدام واشنطن حق النقض «الفيتو» ضد مشروع قرار في مجلس الأمن لحماية وضع القدس، أرسل الرئيس الفلسطيني محمود عباس ممثلين عنه إلى روسيا والصين «من أجل بحث إيجاد آلية دولية بديلة» للولايات المتحدة لرعاية العملية السياسية.
وأعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة أنها ستعقد جلسة طارئة غداً للتصويت على مشروع قرار يرفض اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وكانت الولايات المتحدة نقضت مشروع قرار تقدمت به مصر، أول من أمس، عندما استخدمت «الفيتو» في مجلس الأمن. وخلافاً للمجلس، لا تحظى أي دولة بحق النقض في الجمعية العامة. وطلب اليمن وتركيا عقد الجلسة الطارئة للجمعية العامة التي تضم 193 دولة، باسم المجموعة العربية و«منظمة التعاون الإسلامي».
وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني الذي سافر إلى الصين، إن الوفدين سينقلان رسالة من عباس مفادها ضرورة الرعاية الدولية لعملية السلام في إطار الأمم المتحدة. وترأس مجدلاني الوفد إلى الصين، فيما قاد مستشار عباس للعلاقات الخارجية نبيل شعث وفداً إلى روسيا. ويؤكد التحرك الفلسطيني العملي إصرار السلطة على مقاطعة الولايات المتحدة و«عزلها» عن العملية السياسية، وهي مهمة يعتقد مراقبون أنها صعبة وتحتاج إلى ظروف مختلفة ووقت طويل.
وبدأ الخلاف بين السلطة والولايات المتحدة بعد قرار ترمب اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، وتفاقم هذا الخلاف بعد إعلان عباس مقاطعة زيارة كانت مقررة اليوم لنائب الرئيس الأميركي مايك بنس للمنطقة وأرجئت إلى الشهر المقبل، ووصلت الأمور إلى طريق مسدود مع استخدام الولايات المتحدة «الفيتو» ضد إجماع دولي حول القدس.
وأعربت الرئاسة الفلسطينية عن غضبها من استخدام «الفيتو». وقال الناطق الرسمي باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة إن «الحقوق الفلسطينية، وعلى رأسها القدس الشرقية هي مفتاح الحرب والسلام، ومن دون دولة فلسطينية مستقلة لن يكون هناك سلام أو استقرار».
وأكد أبو ردينة أن «هذا الفيتو سيؤدي إلى مزيد من عزلة الولايات المتحدة، كما سيشكل استفزازاً للمجتمع الدولي»، مشدداً على أن السلطة ستواصل «تحركاتنا في الأمم المتحدة وفي المؤسسات الدولية كافة للدفاع عن حقوق شعبنا».
واعتبر مجدلاني أن «الرد على الاحتلال وإدارة ترمب، هو بالتوجه نحو الدول الكبرى، خصوصاً الاتحاد الأوروبي والصين الشعبية وروسيا الاتحادية، من أجل العمل على إيجاد صيغة دولية تحرج الإدارة الأميركية، وفرض الرؤية الفلسطينية بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة بعاصمتها القدس».
وهاجمت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حنان عشراوي «الفيتو» الأميركي، ورأت أن مداخلة المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هيلي «تثبت الجهل المطبق بطبيعة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتجسد غطرسة القوة المفتقرة للحدود الدنيا من الأخلاق والقوانين الدولية». وأضافت أن «هذا الفيتو والاعتراف الأميركي الباطل بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، لا ينهي دور الإدارة الأميركية من أي عملية سياسية ذات مغزى وحسب، بل ويجعلها شريكاً في الاحتلال وفي الجرائم، وهي بسلوكها السياسي الأرعن في مجلس الأمن، تقدم سابقة خطيرة في ركل منظومة القيم والقوانين والتشريعات الدولية والإنسانية، ما يضعها في مواجهة العالم والقيم الإنسانية المشتركة، وعلى صف واحد مع الدول المارقة مثل إسرائيل».
وأضافت أن «الرد الأمثل على هذا الاستعلاء الأحمق للإدارة الأميركية، يتمثل بمواصلة العمل مع العالم، لعزل هذا السلوك غير المسؤول والخطير، من خلال التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وتحت بند (متحدون من أجل السلام)، لإفشال هذا القرار والفيتو الأميركي، والاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على جميع أراضيها التي احتلت عام 1967. والقدس عاصمة لها. وفقط بهذا تنتصر البشرية للقانون الدولي والحق والعدالة».
وكانت السلطة قررت إحالة مشروع قرار مجلس الأمن الذي ينص على أن أي قرار أو تصرف يبدو أنه يغير طابع القدس أو وضعها أو التركيبة السكانية فيها يفتقر إلى الشرعية القانونية ويعتبر باطلاً ويتعين نقضه، إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، في جلسة طارئة تحت عنوان «متحدون من أجل السلام»، كرد على استخدام الولايات المتحدة «الفيتو».
وقال وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، أمس، إن «القرار مثّل فرصة للولايات المتحدة للتراجع عن قراراها غير القانوني، وعودتها للاتساق مع ميثاق الأمم المتحدة والقانون والإرادة الدولية، لكنها مع الأسف اختارت الوقوف على الجانب الخطأ من التاريخ، والانحياز إلى الاستعمار والظلم، وكل ما يقوّض جهود السلام في الشرق الأوسط والعالم». وطالب الولايات المتحدة بـ«التراجع عن قراراها». وشدد على أن «استخدامها للفيتو لا يحميها من تحمل مسؤولياتها، وهو انتهاك جديد للمبادئ التي قامت عليها الأمم المتحدة، ومخالفة لميثاقها وعمل مؤسساتها».
ويذهب عباس اليوم إلى السعودية وغداً إلى فرنسا. وكان يفترض أن يزور عباس الرياض، أمس، لكن تم تأجيل اللقاء يوماً واحداً، بطلب سعودي. وقال مستشار الرئيس الفلسطيني للشؤون الدبلوماسية مجدي الخالدي إن عباس سيلتقي اليوم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان «لبحث آخر تطورات القضية الفلسطينية بعد القرار الأميركي حول القدس، والفيتو في مجلس الأمن». وشدد على «متانة العلاقات بين السعودية والفلسطينيين وقوتها، وموقف الرياض الرافض للقرار الأميركي، وضرورة التشاور المستمر مع دول العالم كافة في ظل الوضع الراهن».
وسيبحث عباس في السعودية وفرنسا «خلق آلية دولية بديلة للولايات المتحدة، استناداً إلى التحرك الفرنسي العام الماضي، الذي انتهى بمؤتمر للسلام شارك فيه 25 وزير خارجية من الدول العربية والأوروبية والولايات المتحدة، لكنه خرج ببيان من دون آليات واضحة أو سقف زمني».
وسيحاول عباس الاتفاق مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على إيجاد آلية دولية على غرار آلية «5+1» التي نجحت في التوصل إلى الاتفاق النووي الإيراني. ويتطلع الفلسطينيون إلى رعاية الأمم المتحدة لمثل هذه الآلية. غير أن هذه المحاولات تصطدم برفض إسرائيل التعاطي مع أي بديل للولايات المتحدة.