المثقف الثوري وسحر السلطة

المثقف الثوري وسحر السلطة
TT

المثقف الثوري وسحر السلطة

المثقف الثوري وسحر السلطة

قد يكون الامتحان العسير أمام المثقف هو موقفه من حركة ثورية تمثله، وناضل طويلاً في صفوفها من أجل انتصارها، وقد تحولت إلى سلطة جديدة لا تختلف جوهرياً عن سابقتها، على الرغم من بهرجة شعاراتها وجاذبية أهدافها، وقد تكون أخطر بكثير من سابقاتها لهذا السبب بالذات.
وعلى الرغم من ندرة حصول ذلك في عالمنا العربي، الذي لم يعرف سوى الانقلابات، ولكنه حصل في التاريخ الأدبي، منذ أول ثورة اشتراكية هزت العالم في عشرة أيام، وانتمى إليها ربع المعمورة، ونعني بها الثورة البلشفية الروسية. وُضع المثقف الثوري الروسي آنذاك أمام هذا الخيار - المعضلة. كانت هذه الثورة، بعد كومونة باريس الفاشلة 1871، قد بدت وكأنها تجسيد للحلم البشري الخالد في الحرية والعدالة.. ولكن إلى حين! فسرعان ما تحولت إلى سلطة، ليس سلطة البروليتاريا، ولكن سلطة الحزب الذي يحكم باسمها، ثم سلطة مكتبه السياسي، ثم سلطة القائد، كما يحصل عادة. وطرح هذا الوضع معضلة أخلاقية وفكرية وإنسانية كبرى أمام ضمائر المثقفين الذين ناضلوا طويلاً، وبشروا في كتاباتهم بالحلم الإنساني المنتظر منذ عصر الإغريق. فها هي الثورة التي تحققت أخيراً تتكشف عن كونها مجرد سلطة أخرى، وها هي أداة السلطة الأبدية: القمع، تعيد السلطة «الثورية» الجديدة إنتاجها، بتنويعات مختلفة، ومنها سلاح الآيديولوجيا الأخطر.
ربما كان مكسيم غوركي، صاحب رواية «الأم» الخالدة، والمناضل العتيد أيام القيصرية، الذي اعتقل ونفي عدة مرات، من أوائل ضحايا هذه الثورة التي تحولت إلى سلطة. ومن المعروف، أن غوركي كان صديق لينين، وهو صاحب مفهوم «الواقعية الاشتراكية»، السيئة الصيت، الذي دعا إلى توظيف الأدب في خدمة المجتمع، وإلا فإنه أدب برجوازي. وكان ضحايا هذا المفهوم عشرات الكتاب المبدعين داخل الاتحاد السوفياتي نفسه، قبل أن يصلنا وتصيبنا شظاياه.
وبدأ غوركي يكتشف شيئاً فشيئاً بحسه الإنساني والأخلاقي أن هذه الثورة لم تعد ثورته. صمت طويلاً، ولم ينتج أدبياً شيئاً، لكنه لم ينطق بكلمة نقد واحدة عن المسار الذي اتخذته الثورة، وكان قادراً على ذلك بحكم سلطته المعنوية، كما لم يدافع قط عن زملائه المضطهدين، خصوصاً أيام ستالين.. ظل حائراً في ماذا يفعل حتى رحيله. لكن شاعر ثورة أكتوبر، فلاديمير ماياكوفسكي، الذي حول قصائده إلى أناشيد للثورة، وأنزل الشعر إلى الشارع من أجلها، كان قد حسم أمره: هذه ليست الثورة التي أريدها، وقال كلمته النهائية الكبرى التي لا تزال تدوي في رؤوسنا: رصاصة في رأسه.
وخارج الاتحاد السوفياتي، عانى المثقفون الثوريون في أوروبا المعضلة نفسها تجاه ما يحصل في وطن الاشتراكية الأول. وما عدا أندريه جيد، وسارتر لاحقاً، ظل هؤلاء المثقفون صامتين تجاه ما يجري في عهد ستالين، مما دعا الروائي البريطاني مارتن آميس، ولو بعد أكثر من ستين سنة، إلى وصف صمت هؤلاء أمام قمع ستالين بأنه «تواطؤ وخيانة.. ولولا ذلك، كان يمكن منع ما حصل».
يقول لنا الروائي النيكاراغوي سيرغيو راميريز، في الحوار المنشور في هذه الصفحة، إن «السلطة تحتوي في قلبها على الجنون». والرجل لا ينطق عن هوى، فقد اختبر الثورة والسلطة معاً؛ كان مناضلاً في الجبهة الساندينية، وصار بعد انتصار الثورة نائباً لرئيس نيكاراغوا آنذاك، دانييل أورتيغا، زميله في النضال. وحسناً فعل حين ابتعد «عن هذا الطريق الذي اتخذته الثورة بمجرد خسارتنا للسلطة عام 1990»، ولو متأخراً.. بعد خسارة السلطة!
أي سحر تفعله السلطة؟ لا أحد يعرف لحد الآن.



مصر: اكتشاف مقبرة الملك تحتمس الثاني المفقودة بالأقصر

جانب من القطع المكتشفة بالمقبرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)
جانب من القطع المكتشفة بالمقبرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

مصر: اكتشاف مقبرة الملك تحتمس الثاني المفقودة بالأقصر

جانب من القطع المكتشفة بالمقبرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)
جانب من القطع المكتشفة بالمقبرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، الثلاثاء، اكتشاف مقبرة الملك تحتمس الثاني المفقودة بالأقصر، وهي المقبرة الملكية الأولى التي يتم العثور عليها منذ اكتشاف مقبرة الفرعون الذهبي توت عنخ آمون عام 1922.

جاء الكشف خلال أعمال الحفائر والدراسات الأثرية التي تنفذها البعثة الأثرية المصرية - الإنجليزية المشتركة بين «المجلس الأعلى للآثار» بمصر، ومؤسسة «أبحاث الدولة الحديثة»، للمقبرة رقم «C4»، حسب بيان صحافي أشار إلى أن مقبرة الملك تحتمس الثاني هي «آخر مقبرة مفقودة لملوك الأسرة الثامنة عشرة في مصر».

وأوضح البيان أنه تم العثور على مدخل المقبرة رقم «C4» وممرها الرئيسي عام 2022 بمنطقة «وادي C» بجبل طيبة غرب مدينة الأقصر (صعيد مصر)، الذي يقع على بعد حوالي 2.4 كيلومتر غرب منطقة وادي الملوك. وقال إنه «تم العثور على أدلة تشير بوضوح إلى أن المقبرة تخص الملك تحتمس الثاني».

جانب من القطع المكتشفة بالمقبرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

ووفق الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الدكتور محمد إسماعيل خالد، فإنه «عند عثور البعثة على مدخل المقبرة وممرها الرئيسي في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، اعتقد فريق العمل أنها قد تكون مقبرة لزوجة أحد ملوك (التحامسة)، نظراً لقربها من مقبرة زوجات الملك تحتمس الثالث، وكذلك من مقبرة الملكة حتشبسوت، التي أعدت لها بصفتها زوجة ملكية قبل أن تتقلد مقاليد حكم البلاد كملك وتدفن في وادي الملوك».

وقال إنه «مع استكمال أعمال الحفائر، خلال الموسم الحالي، اكتشفت البعثة أدلة أثرية جديدة حددت هوية صاحب المقبرة، وأنها تعود للملك تحتمس الثاني، وأن من تولى إجراءات دفنه هي الملكة حتشبسوت بصفتها زوجته وأخته غير الشقيقة».

وأشار إلى «العثور على أجزاء من أواني الألبستر عليها نقوش تحمل اسم الملك تحتمس الثاني بصفته (الملك المتوفى)، إلى جانب اسم زوجته الملكية الرئيسية (حتشبسوت) مما يؤكد هوية صاحب المقبرة».

مقتنيات عثر عليها بالمقبرة المفقودة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

ووصف الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار هذا الكشف بأنه «أحد أهم الاكتشافات الأثرية في السنوات الأخيرة»، مشيراً إلى أن «القطع الأثرية المكتشفة بالمقبرة تُعد إضافة مهمة لتاريخ المنطقة الأثرية وفترة عهد الملك (تحتمس الثاني)، حيث تم العثور لأول مرة على الأثاث الجنائزي للملك، الذي لا يوجد له أي أثاث جنائزي في المتاحف حول العالم».

ووجدت المقبرة في حالة سيئة من الحفظ بسبب تعرضها للسيول بعد وفاة الملك بفترة قصيرة حيث غمرتها المياه، حسب رئيس قطاع الآثار المصرية بالمجلس الأعلى للآثار ورئيس البعثة من الجانب المصري محمد عبد البديع، الذي أوضح أن «الفريق الأثري عمل على انتشال القطع المتساقطة من الملاط وترميمها».

وأضاف أن «الدراسات الأولية تشير إلى أنه تم نقل محتويات المقبرة الأساسية إلى مكان آخر بعد تعرضها للسيول خلال العصور المصرية القديمة».

وتابع أن «أجزاء الملاط المكتشفة عليها بقايا نقوش باللون الأزرق ونجوم السماء الصفراء، وكذلك زخارف وفقرات من كتاب (إمي دوات)، الذي يُعد من أهم الكتب الدينية التي اختصت بها مقابر الملوك في مصر القديمة».

وتوفي تحتمس الثاني، وهو في الثلاثين من عمره، وعثر على موميائه في خبيئة الدير البحري، وهي موجودة حالياً في متحف الحضارة بالفسطاط في القاهرة.

من جانبه، قال رئيس البعثة الأثرية من الجانب الإنجليزي الدكتور بيرز ليزرلاند، إن «المقبرة تتميز بتصميم معماري بسيط كان نواة لمقابر من تواتر على حكم مصر بعد تحتمس الثاني خلال الأسرة الثامنة عشرة».

وتضم المقبرة ممراً غطيت أرضيته بطبقة الجص الأبيض، يؤدي إلى حجرة الدفن بالممر الرئيسي للمقبرة، حيث ترتفع مستوى أرضيته بنحو 1.4 متر عن أرضية الحجرة ذاتها. ويعتقد أنه «قد استخدم لنقل محتويات المقبرة الأساسية بما فيها جثمان تحتمس الثاني بعد أن غمرتها مياه السيول»، وفق ليزرلاند.

وستواصل البعثة أعمال المسح الأثري التي تجريها في الموقع منذ عامين، للكشف عن المزيد من أسرار هذه المنطقة، والمكان الذي نُقلت إليه باقي محتويات مقبرة تحتمس الثاني.

بدوره، أكد مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية الدكتور حسين عبد البصير «أهمية الكشف كونه يسهم في إضافة معلومات عن تلك الفترة من تاريخ مصر القديمة». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المقبرة ستسهم في توضيح جزء مفقود من تاريخ الأسرة الـ18، والملك تحتمس الثاني الذي لا يُعرف عنه الكثير من المعلومات».

مومياء الملك تحتمس الثاني (متحف الحضارة)

وتحتمس الثاني هو ابن الملك تحتمس الأول من زوجة ثانوية، وتم تأمين حكمه عبر زواجه من أخته غير الشقيقة حتشبسوت. ولا يُعرَف الكثيـر عـن عصـر تحتمس الثاني، لا سيما مع قصر فترة حكمه نسبياً، حسب موقع المتحف القومي للحضارة المصرية.

وتختلف المراجع التاريخية بشأن مدة حكم تحتمس الثاني، رابع ملوك الأسرة الـ18، ويشير بعضها إلى فترة حكم تقل عن خمس سنوات. لكن رغم قصر الفترة، تشير المصادر التاريخية إلى «نجـاح الملـك تحتمـس الثانـي فـي إخماد العديد من الثورات في النوبة، كما قضى على قبيلة تسـمى (الشاسو) في سيناء، وربما قام بحملة عسـكرية علـى سوريا، وترك وراءه بقايا مشروع بناء متواضع في الكرنك، عبارة عـن بوابة مـن الحجر الجيري مـن فناء الصرح الرابع وإلفنتيـن، وكذلـك فـي النوبـة عنـد سـمنة وقمـا»، وفق موقع المتحف القومي للحضارة.