الجعايبي وبكار يشرحان الحالة التونسية

مسرحيتهما {الخوف} جرد حساب لما حدث منذ 7 سنوات

مشهد من المسرحية
مشهد من المسرحية
TT

الجعايبي وبكار يشرحان الحالة التونسية

مشهد من المسرحية
مشهد من المسرحية

بعد مسرحية «العنف» التي قدمها في 2015 مع رفيقة دربه وشريكته في مشروعه الفني جليلة بكار منذ منتصف السبعينات، قدم فاضل الجعايبي منذ أيام مسرحيته الجديدة «الخوف» في سلسلة من العروض في قاعة الفن الرابع وسط العاصمة قبل أن يعرضها في الدورة التاسعة عشرة لأيام قرطاج المسرحية وستستأنف عروضها أيام 24 - 25 - 26 الشهر الحالي في قاعة الفن الرابع وسط العاصمة التونسية.
في العمل الجديد يواصل الجعايبي وبكار اشتغالهما على تحولات المجتمع التونسي وإخفاقات نخبه وأزماته مثلما هو الشأن في كل أعمالهما المسرحية منذ 1975 عندما التقيا في «المسرح الجديد» وقدما آنذاك سلسلة من الأعمال منها «العرس والتحقيق» و«غسالة النوادر» مع فاضل الجزيري ومحمد إدريس والحبيب المسروقي قبل أن يواصلا رحلتهما كثنائي في الكتابة والإخراج.
ويقدم الثنائي الجعايبي وبكار مسرحيتهما الجديدة «الخوف» بكلمة استهلال «من عمق الصحراء تهبّ عواصف رملية تغزو البلاد وتدفن المباني والعباد تحت كثبان الرّمال».
مخيّم كشّافة صغار يرافقهم قدماء ينجو منهم عشرة من الهلاك فيحتمون بأطلال مستشفى مهجور فارّين من خطر الموت وبوصولهم يكتشفون أنهم فقدوا واحدا آخر، ينفد كلّ ما لديهم من طعام وماء إلاّ المزاح لم يغادرهم رغم شدّة الكرب وقسوة الخوف انهيار الأمل في الخروج من هذا المكان المميت.
تستيقظ فيهم شياطينهم الدّفينة وتستفيق وحشيّتهم فيتفشّى فيهم جنون العظمة ومنطق التسلّط ويسود بينهم قانون الغاب فيتواجهون أفرادا وجماعات.
ما هو مصيرهم بعد تلاشي قيم التآخي والتضامن وبعد طغيان الجوع والعطش؟ هل سيأكلون بعضهم البعض أم سيبتكرون منافذ جديدة لتفادي الهلاك؟
من هنا تبدأ رحلة الضياع والتيه والدوران في حلقة مغلقة لا تفضي إلى شيء، صراع على قيادة المجموعة التائهة بين «القائد» المسمى «فرج» والقائد الثاني «بشوش» في إحالة رمزية على صراعات الطبقة السياسية في تونس وفِي العالم العربي على المناصب والكراسي إذ تعري «العاصفة» هذا النزوع الإنساني للسلطة وللقيادة وفرض الرأي على الآخرين ففي الوقت الذي تغرق فيه البلاد في أزمة اقتصادية واجتماعية حادة يتكالب السياسيون على «القيادة». تقول فاطمة سعيدان بل تصرخ «ما عادش نعرف روحي حية أو ميتة» تعني «لا أعرف ما إذا كنت حية أم ميتة» ويقول: «القائد» فرج «منداف تسكر علينا وحصلنا فيه كي الجرابع» المعنى «فخ وقعنا فيه وأغلق علينا الباب مثل الجرذان» و«الحلقوم مسكر» المقصود «أنابيب الصرف الصحي مغلقة» إنها الإحالة الواضحة على انسداد الأفق والضياع بعد هبوب العاصفة التي ترمز لـ«الثورة» التي قادت البلاد إلى حالة من الانسداد السياسي، فعلى مدى ساعتين لا نسمع إلا أصوات الطائرات ولا نرى إلا حالة من الهلع على الركح والجدران الحديدية العالية بألوانها القاتمة ولا نرى إلا شخصيات مشوهة فاقدة للأمل مسكونة بالرعب منذ أن هبت العاصفة في يوم الجمعة 14 يناير (كانون الثاني) 2011 فالمجموعة الكشفية التي ترمز للشباب الحالم الذي توهم أنه أسقط نظام زين العابدين بن علي ضاعت في الطريق ولم تعد تعرف دروب العودة ولا مسالك الخلاص وفِي كل يوم يسقط شباب من تونس موتى إما في البحر غرقاً في قوارب الموت وإما في سوريا والعراق وليبيا بعد أن استقطبتهم شبكات الإرهاب وتجارة البشر.
مسرحية «الخوف» تبدو وكأنها جرد حساب وتقييم لما حدث في تونس منذ سبع سنوات تقريبا عشية ذكرى الاحتجاجات الشعبية التي أسقطت النظام السابق فالإحباط تحول إلى حالة عامة في الشارع التونسي والأفق مغلق ولا أمل في المستقبل والطريق إلى العودة غائمة الملامح، إنها تلخيص درامي للحالة التونسية والتونسيين الذين يواجهون الارتفاع الجنوني للأسعار وانتشار الجريمة والمخدرات والفساد بعد أن حلموا بثورة ستغير ملامح حياتهم.
شارك في التمثيل:
أداء: فاطمة بن سعيدان، رمزي عزيز، نعمان حمدة، لبنى مليكة، أيمن الماجري، نسرين المولهي، أحمد طه حمروني، معين مومني، مروى المنّاعي. وساعدت في الإخراج نرجس بن عمّار، أما الموسيقى فكانت لقيس رستم.


مقالات ذات صلة

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

صدر حديثاً عن دائرة الثقافة في الشارقة العدد 62 لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مجلة «المسرح»، وضمَّ مجموعة من المقالات والحوارات والمتابعات حول الشأن المسرح

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
يوميات الشرق برنامج «حركة ونغم» يهدف لتمكين الموهوبين في مجال الرقص المسرحي (هيئة المسرح والفنون الأدائية)

«حركة ونغم» يعود بالتعاون مع «كركلا» لتطوير الرقص المسرحي بجدة

أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية برنامج «حركة ونغم» بنسخته الثانية بالتعاون مع معهد «كركلا» الشهير في المسرح الغنائي الراقص في مدينة جدة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق أشرف عبد الباقي خلال عرض مسرحيته «البنك سرقوه» ضمن مهرجان العلمين (فيسبوك)

«سوكسيه»... مشروع مسرحي مصري في حضرة نجيب الريحاني

يستهد المشروع دعم الفرق المستقلّة والمواهب الشابة من خلال إعادة تقديم عروضهم التي حقّقت نجاحاً في السابق، ليُشاهدها قطاع أكبر من الجمهور على مسرح نجيب الريحاني.

انتصار دردير (القاهرة )
الاقتصاد أمسية اقتصاد المسرح شهدت مشاركة واسعة لمهتمين بقطاع المسرح في السعودية (الشرق الأوسط)

الأنشطة الثقافية والترفيهية بالسعودية تسهم بنسبة 5 % من ناتجها غير النفطي

تشير التقديرات إلى أن الأنشطة الثقافية والفنية، بما فيها المسرح والفنون الأدائية، تسهم بنسبة تتراوح بين 3 و5 في المائة من الناتج المحلي غير النفطي بالسعودية.

أسماء الغابري (جدة)

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية
TT

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ حول منظومتها، لتقوم بطرح أسئلة تُفند بها ذلك الخطاب بداية من سؤالها: «هل تحتاج الأمومة إلى كتاب؟»، الذي تُبادر به القارئ عبر مقدمة تسعى فيها لتجريد كلمة «أمومة» من حمولاتها «المِثالية» المرتبطة بالغريزة والدور الاجتماعي والثقافي المُلتصق بهذا المفهوم، ورصد تفاعل الأدبين العربي والعالمي بتجلياتهما الواسعة مع الأمومة كفِعل وممارسة، وسؤال قبل كل شيء.

صدر الكتاب أخيراً عن دار «تنمية» للنشر بالقاهرة، وفيه تُفرد أبو النجا أمام القارئ خريطة رحلتها البحثية لتحري مفهوم الأمومة العابرة للحدود، كما تشاركه اعترافها بأنها كانت في حاجة إلى «جرأة» لإخراج هذا الكتاب للنور، الذي قادها «لاقتحام جبل من المقدسات، وليس أقدس من الأمومة في مجتمعاتنا ولو شكلاً فقط»، كما تقول، وتستقر أبو النجا على منهجية قراءة نصوص «مُتجاورة» تتقاطع مع الأمومة، لكاتبات ينتمين إلى أزمنة وجغرافيات مُتراوحة، ومُتباعدة حتى في شكل الكتابة وسياقها الداخلي، لاستقراء مفهوم الأمومة وخطابها كممارسة عابرة للحدود، ومحاولة فهم تأثير حزمة السياسات باختلافها كالاستعمارية، والقبلية، والعولمة، والنيوليبرالية، وغيرها.

فِعل التئام

يفتح اختيار شيرين أبو النجا للنصوص الأدبية التي تستعين بها في كتابها، في سياق القراءة المُتجاورة، مسرحاً موازياً يتسع للتحاوُر بين شخصيات النصوص التي اختارتها وتنتمي لأرضيات تاريخية ونفسية مُتشعبة، كما ترصد ردود أفعال بطلاتها وكاتباتها حِيال خبرات الأمومة المُتشابهة رغم تباعد الحدود بينها، لتخرج في كتابها بنص بحثي إبداعي موازِ يُعمّق خبرة النصوص التي حاورت فيها سؤال الأمومة.

يضع الكتاب عبر 242 صفحة، النصوص المُختارة في مواجهة المتن الثقافي الراسخ والنمطي لمنظومة الأمومة، تقول الكاتبة: «الأمومة مُتعددة، لكنها أحادية كمؤسسة تفرضها السلطة بمساعدة خطاب مجتمعي»، وتتوقف أبو النجا عند كتاب «كيف تلتئم: عن الأمومة وأشباحها»، صدر عام 2017 للشاعرة والكاتبة المصرية إيمان مرسال بوصفه «الحجر الذي حرّك الأفكار الساكنة المستكينة لفكرة ثابتة عن الأمومة»، على حد تعبير أبو النجا.

تتحاور الكاتبة مع منطق «الأشباح» وتتأمل كيف تتحوّل الأمومة إلى شبح يُهدد الذات سواء على المستوى النفسي أو مستوى الكتابة، تقول: «في حياة أي امرأة هناك كثير من الأشباح، قد لا تتعرف عليها، وقد تُقرر أن تتجاهلها، وقد تتعايش معها. لكن الكتابة لا تملك رفاهية غض الطرف عن هذه الأشباح»، ومن رحِم تلك الرؤية كانت الكتابة فعل مواجهة مع تلك «الشبحية»، ومحاولة تفسير الصراع الكامن بين الذات والآخر، باعتبار الكتابة فعلاً يحتاج إلى ذات حاضرة، فيما الأمومة تسلب تلك الذات فتصير أقرب لذات منشطرة تبحث عن «التئام» ما، ويُجاور الكتاب بين كتاب إيمان مرسال، وبين كتاب التركية إليف شافاق «حليب أسود: الكتابة والأمومة والحريم»، إذ ترصد أبو النجا كيف قامت الكاتبتان بتنحّية كل من الشِعر والسرد الروائي جانباً، في محاولة للتعبير عن ضغط سؤال الأمومة وفهم جوهرها بعيداً عن السياق الراسخ لها في المتن الثقافي العام كدور وغريزة.

تقاطعات الورطة

ترصد أبو النجا موقع النصوص التي اختارتها ثقافياً، بما يعكسه من خصائص تاريخية وسياسية ومُجتمعية، المؤثرة بالضرورة على وضع الأمومة في هذا الإطار، فطرحت مقاربةً بين نص المُستعمِر والمُستعمَر، مثلما طرحت بمجاورة نصين لسيمون دو بوفوار المنتمية لفرنسا الاستعمارية، وآخر لفاطمة الرنتيسي المنتمية للمغرب المُستعمرة، اللتين تشير الكاتبة إلى أن كلتيهما ما كان من الممكن أن تحتلا الموقع الذي نعرفه اليوم عنهما دون أن تعبرا الحدود المفروضة عليهما فكرياً ونفسياً ومجتمعياً.

كما تضع كتاب «عن المرأة المولودة» للأمريكية إدريان ريتش، صدر عام 1976، في إطار السياق الاجتماعي والقانوني والسياسي الذي حرّض آنذاك على انتقاد الرؤى الثابتة حول تقسيم الأدوار بين الجنسين وبين ما يجب أن تكون عليه الأم النموذجية، ما أنعش حركة تحرير النساء التي خرجت من عباءة الأحزاب اليسارية والحركات الطلابية آنذاك، وتشير إلى أن هذا الكتاب أطلق على الأمومة اسم «مؤسسة» بما يجابه أطراف المؤسسة الذكورية التي ترسم بدقة أدوار النساء في العائلة وصورهن، وصاغت ريتش هذا الكتاب بشكل جعله يصلح للقراءة والتأمل في بيئات مُغايرة زمنياً وجغرافياً، ويخلق الكتاب تقاطعات بين رؤية ريتش مع تجربة شعرية لافتة بعنوان «وبيننا حديقة» للشاعرتين المصريتين سارة عابدين ومروة أبو ضيف، الذي حسب تعبير شيرين أبو النجا، يمثل «حجراً ضخماً تم إلقاؤه في مياه راكدة تعمل على تعتيم أي مشاعر مختلفة عن السائد في بحر المُقدسات»، والذات التي تجد نفسها في ورطة الأمومة، والتضاؤل في مواجهة فعل الأمومة ودورها. تجمع شيرين أبو النجا بين النص الأميركي والديوان المصري اللذين يفصل بينهما نحو 40 عاماً، لتخرج بنص موازِ يُعادل مشاعر الأم (الكاتبة) وانسحاقها أمام صراع بين القدرة والعجز، والهوية وانسحاقها، لتقول إنه مهما تعددت الأسئلة واشتد الصراع واختلفت تجلياته الخطابية انسحبت الكاتبات الثلاث إلى حقيقة «تآكل الذات»، وابتلاع الأمومة للمساحة النفسية، أو بتعبير الشاعرة سارة عابدين في الديوان بقولها: «حروف اسمي تتساقط كل يوم/ لأزحف أنا إلى هامش يتضاءل/ جوار متن الأمومة الشرس».

في الكتاب تبرز نماذج «الأم» المُتعددة ضمن ثيمات متفرقة، فتضعنا الناقدة أمام نموذج «الأم الأبوية» التي تظهر في شكلها الصادم في أعمال المصرية نوال السعداوي والكاريبية جامايكا كينكد التي تطرح الكاتبة قراءة تجاورية لعمليهما، وتتوقف عند «الأم الهاربة» بقراءة تربط بين رواية «استغماية» للمصرية كاميليا حسين، وسيرة غيرية عن الناقدة الأمريكية سوزان سونتاغ، وهناك «الأم المُقاومة» في فصل كرسته لقراءة تفاعل النص الأدبي الفلسطيني مع صورة الأم، طارحة تساؤلات حول مدى التعامل معها كرمز للأرض والمقاومة، فيما تُشارك شيرين أبو النجا مع القارئ تزامن انتهائها من هذا الكتاب مع «طوفان الأقصى» وضرب إسرائيل لغزة، في لحظة مفصلية تفرض سؤالها التاريخي: ماذا عن الأم الفلسطينية؟ أمهات الحروب؟ الأمهات المنسيات؟