يتنبأون بأن مدينة سان دييغو الجميلة، ذات الطقس المشابه لمدن البحر الأبيض المتوسط في جنوب غربي الولايات المتحدة، ستتوسع، ويزداد عدد سكانها بنسبة مليون نسمة خلال السنوات العشرين المقبلة. لذا فالطلب على المساكن والمطاعم سيرتفع باستمرار. منذ عقد من الزمن كان المطعم اللبناني الوحيد ذو الطابع الجيد يسمى «حاجي بابا»، لكن عدد المطاعم اللبنانية تكاثر الآن، وأصبح اختيار أفضلها أكثر صعوبة، إنما بقيت الأسماء تدور حول «الرغيف» و«الفرن» و«الفلافل». وبالمقارنة مع أسماء المطاعم الفرنسية نجد أنها لا تتجاوز «الذواقة في اختيار المأكولات» (غورميه) و«إلى اللقاء» و«مطعم السوق» وقهوة «الطاولة الجيدة»، بينما لا تتعدى أسماء المطاعم الإيطالية في سان دييغو «الصحون» و«اللحم المشوي بأصول» و«الطفل العفريت» و«لوحة موناليزا»، خلافاً للأسماء المبتكرة في إيطاليا مثل: «العشاء الأخير» و«لن أدفع الحساب» و«أمي في المطبخ» و«الحمار المطهي» و«أحبك أيتها البيتزا»!
أين يذكر المرء وجبة الطعام ولذتها بنفس الرقة والحماس، وكأنه يتحدث عن الحبيبة، سوى في لبنان وسوريا وإيطاليا وفرنسا؟ ففي لبنان أسماء الوجبات تذكر: «صدر الكنافة» و«زنود الست» و«المنقوشة» و«بابا غنوج» و«مشاوي مبخرة» و«مقلوبة بتشهي» و«الشيخ المحشي» و«الباشا وعساكره» و«مسبحة الدرويش»، وهناك مطعم معروف في بيروت اسمه «دلع كرشك»! يشتهر أهل لبنان في الوطن أو المهجر، حتى أولئك الذين لا يتمتعون بالخبرة في الطهي، بأنهم يتميزون باستعدادهم للحكم على نوعية الوجبات وجودتها، وكأنهم مرجع طعامي موثوق، فالطبخ فن يختلط بالتقاليد، ولكل بلد أحكامه الغذائية، فصورة ما نأكل وطيب المذاق تتأثر بعوامل اجتماعية وأخلاقية وسياسية، ويحترم الأميركان آراء الخبراء على عكس الطليان أو الفرنسيين أو اللبنانيين، لأنهم لا يميزون كثيراً في أميركا بين المكونات الأصلية أو المضافة، ويخلطون عدة مكونات أو توابل رغم أنها قد لا تنسجم مع بعضها، فالشعار دوما «كل شيء مسموح».
يشتهر المطبخ اللبناني الأصيل باستخدام الحبوب كالقمح والبرغل والخضار والفواكه والسمك الطازج والدجاج واللحوم والثوم وزيت الزيتون والليمون، ونجد بعض الصحون التاريخية القديمة من أيام الفينيقيين والرومان؛ ومثل المطبخ السوري تأثر اللبناني بالمطبخ العثماني في القرون الخمسة أيام حكم الدولة العثمانية، ثم تم اكتشاف الطماطم أو البندورة في المكسيك. وأغلب الأطباق تحتوي على الأعشاب والتوابل، وهي مشوية أو مقلية بالزيت أو الزبدة أو السمن، والمقبلات يغلب عليها تقديم الخضار الطازج والطحينة والكبة والتبولة والفتوش والصنوبر واللوز. الفرق بين المطعم السوري واللبناني هو في براعة الأخير في تقديم الأطباق في المطاعم بشكل لائق وخدمة بارعة.
تتميز المطاعم اللبنانية الناجحة في سان دييغو بأنها صغيرة يديرها زوج وزوجته، لذا فالمأكل فيها تقليدي وأصيل، أو ما يسمونه «أكل بيتي». ويضاهي ذلك المشهد الطعامي في لندن، حيث كان الحي الصيني في الماضي يعج بالمطاعم العائلية، لكنه فقد سحره وفتنته وشعبيته مؤخراً بعد استيلاء شبكات الطعام الكبرى على أكثر منشأته.
حديقة حنا
جاء حنا فرح عام 1979 من قريته علما الشعب بقضاء صور في جنوب لبنان، لدراسة الهندسة المدنية في الولايات المتحدة، ثم عمل في فندق الشيراتون بسان دييغو، وبعدها مديراً لسوبر ماركت للأكل الشرقي، وقرر بعدها افتتاح مطعم لبناني للطعام الأصيل دون تبديل يوم عيد ميلاد زوجته أمل الصياح التي تركت عملها في التعليم ببيروت، لتلتحق بزوجها عام 2012. كان حنا يحلم بافتتاح مطعم على غرار «حاجي بابا»، وفيه لوحات جميلة ومناظر من لبنان، ويقدم الوجبات الشهية، بينما يستمع الزبائن لأغاني فيروز وصوت أمل تحييهم بالكلام اللبناني العذب قائلة: «أهلا وسهلا تكرم عينك»، وهي تقدم لهم الأطباق الطازجة التي حضرها زوجها بنفسه. تحس وكأنك ضيف في منزلهم تتناول المأكل التقليدي، وكأنك انتقلت فعلاً إلى لبنان. يبرع حنا في تحضير الكبة المقلية التي تكبكبها أمل يومياً، كما يقدم أفضل صحن وساندويتش للفلافل في سان دييغو، ومن أفضل أطباقه البابا غنوج والحمص بالطحينة وسلطة الفتوش وسمبوسك أو برك اللحم المحشي بالبصل والصنوبر ومعجنات أو وسائد السبانخ بالحامض. السر في النجاح هو دقة حنا في اتباع الوصفة الأصلية واستيراده للبهارات المطلوبة من لبنان، لا استعمال التوابل المتوفرة في أميركا، كي يبقى الطعم كما تعود عليه اللبنانيون. يقول حنا: «البهارات عنصر هام في الطبخ، ولكل طبق توابله الخاصة به، والطباخ الناجح يحتاج إلى الذوق الجيد»، وكما يقال «النَفَس».
«الرغيف» (لا ميش)
اسم فرنسي لمطعم لبناني جيد افتتحه عام 2013 نبيه جحا من الكورة بشمال لبنان مع زوجته لين من أصل فيليبيني، وتساعده نجاة طاهية سورية من دمشق. لدى نبيه خبرة طويلة في إدارة الفنادق الفخمة في السعودية، ثم في سان دييغو، وهوايته المفضلة في تحضير الأكل الشرقي شجعته على نشر التقاليد الطعامية اللبنانية، ولديه فرن خاص لتحضير الخبز العربي الطازج والمشاوي اللذيذة من الدجاج والسمك واللحوم، وخصوصاً فتايل الغنم، وبالطبع كافة المقبلات المعروفة التي يضيف إليها «المحمرة»، وهي أكلة حلبية من الفلفل الأحمر والكمون ودبس الرمان والخبز المدقوق. أغلب زبائنه من الأميركان الذي يستمتعون بالدجاج المشوي، ولذا يشرف بنفسه على طريقة الإعداد والتوابل المستعملة التي تروق للذوق المحلي. الديكور جميل وحديث والخدمة ممتازة والجو مريح للغاية، إضافة إلى لطف وتهذيب لا مثيل له من صاحب المحل وزوجته.
«الفرن»
نجحت سامية وزوجها جورج سلامة في المطعم اللبناني الأنيق قرب جامعة سان دييغو؛ وتوسع «الفرن» بعد انتشار شعبيته وسمعة فرنه الذي يوفر أحسن المناقيش بالزيت والزعتر، والكثير من الوجبات اللبنانية المميزة، فلائحة الطعام فيه أوسع وأشمل من المطاعم الأخرى، وتحوي أيضاً الحلويات العربية والكنافة وكل ما لذ وطاب. حصل المطعم على الدرجة الممتازة في موقع «يلب» لتصنيف المطاعم في كاليفورنيا. طريقة سامية في استقبال الزبائن والاهتمام بطلباتهم بمعاونة مساعداتها تجعلك تتوق للعودة مجدداً، أو التوصية للأصناف المرغوبة لحفلاتك في الدار.
«قمر الدين»
مطعم فاخر قرب أفضل المراكز التجارية تديره إيفا وكميل بصيبص بكفاءة عالية، وله حديقة صغيرة يرتادها المخلصون للمذاقات اللبنانية الشهية.
يملك الزوجان مطاعم شرقية أخرى في أحياء مختلفة من سان دييغو تتشابه أسماؤها مع «قمر الدين»، فهناك «علاء الدين» و«فخر الدين». يفتخر المطعم بأن أطباقه ذات نوعية عالية وثابتة، فلن تخرج منه إلا راضياً كل مرة.
«مستر فلافل»
يقدم ساندويتشات الفلافل الأصيلة بأسعار معقولة وطعم حار يفضله الكثير من الزبائن الأميركان، كما يقدم أغلب أطباق المقبلات المعروفة وحلاوة الجبن يوم السبت، وتديره العائلة ذات الأصل اللبناني من الزوج إلى الزوجة والابن والعم.
من المطاعم المفضلة غير اللبنانية التي تقدم بعض الأطباق الشرقية المألوفة، لا بد من ذكر مطعم «السلطان» التركي في وسط المدينة، الذي يفتخر بالبقلاوة على الطريقة التركية، وكذلك مطعم إيراني ممتاز صغير الحجم قرب جامعة كاليفورنيا سان دييغو يرتاده العديد من الطلاب السعوديين، ويسمى «سوق المشاوي الدولي»، فالزوجة ميترا تطبخ الوجبات الإيرانية البيتية الطازجة يومياً، والزوج هوشناك يختص بالكباب بكافة أنواعه. سألته ذات مرة: لماذا اخترت البدء بهذا المطعم الجيد وكأننا نأكل في دارك؟، فأجاب: «قلت لنفسي منذ زمن بعيد إنني سأفتتح مطعماً فائق النوعية كي ألتذ بتناول الطعام فيه بنفسي كل يوم»!
الطعام والكلام على الطريقة اللبنانية في سان دييغو
أسماء عديدة لحقت بـ«حاجي بابا»
الطعام والكلام على الطريقة اللبنانية في سان دييغو
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة