الطعام والكلام على الطريقة اللبنانية في سان دييغو

أسماء عديدة لحقت بـ«حاجي بابا»

TT

الطعام والكلام على الطريقة اللبنانية في سان دييغو

يتنبأون بأن مدينة سان دييغو الجميلة، ذات الطقس المشابه لمدن البحر الأبيض المتوسط في جنوب غربي الولايات المتحدة، ستتوسع، ويزداد عدد سكانها بنسبة مليون نسمة خلال السنوات العشرين المقبلة. لذا فالطلب على المساكن والمطاعم سيرتفع باستمرار. منذ عقد من الزمن كان المطعم اللبناني الوحيد ذو الطابع الجيد يسمى «حاجي بابا»، لكن عدد المطاعم اللبنانية تكاثر الآن، وأصبح اختيار أفضلها أكثر صعوبة، إنما بقيت الأسماء تدور حول «الرغيف» و«الفرن» و«الفلافل». وبالمقارنة مع أسماء المطاعم الفرنسية نجد أنها لا تتجاوز «الذواقة في اختيار المأكولات» (غورميه) و«إلى اللقاء» و«مطعم السوق» وقهوة «الطاولة الجيدة»، بينما لا تتعدى أسماء المطاعم الإيطالية في سان دييغو «الصحون» و«اللحم المشوي بأصول» و«الطفل العفريت» و«لوحة موناليزا»، خلافاً للأسماء المبتكرة في إيطاليا مثل: «العشاء الأخير» و«لن أدفع الحساب» و«أمي في المطبخ» و«الحمار المطهي» و«أحبك أيتها البيتزا»!
أين يذكر المرء وجبة الطعام ولذتها بنفس الرقة والحماس، وكأنه يتحدث عن الحبيبة، سوى في لبنان وسوريا وإيطاليا وفرنسا؟ ففي لبنان أسماء الوجبات تذكر: «صدر الكنافة» و«زنود الست» و«المنقوشة» و«بابا غنوج» و«مشاوي مبخرة» و«مقلوبة بتشهي» و«الشيخ المحشي» و«الباشا وعساكره» و«مسبحة الدرويش»، وهناك مطعم معروف في بيروت اسمه «دلع كرشك»! يشتهر أهل لبنان في الوطن أو المهجر، حتى أولئك الذين لا يتمتعون بالخبرة في الطهي، بأنهم يتميزون باستعدادهم للحكم على نوعية الوجبات وجودتها، وكأنهم مرجع طعامي موثوق، فالطبخ فن يختلط بالتقاليد، ولكل بلد أحكامه الغذائية، فصورة ما نأكل وطيب المذاق تتأثر بعوامل اجتماعية وأخلاقية وسياسية، ويحترم الأميركان آراء الخبراء على عكس الطليان أو الفرنسيين أو اللبنانيين، لأنهم لا يميزون كثيراً في أميركا بين المكونات الأصلية أو المضافة، ويخلطون عدة مكونات أو توابل رغم أنها قد لا تنسجم مع بعضها، فالشعار دوما «كل شيء مسموح».
يشتهر المطبخ اللبناني الأصيل باستخدام الحبوب كالقمح والبرغل والخضار والفواكه والسمك الطازج والدجاج واللحوم والثوم وزيت الزيتون والليمون، ونجد بعض الصحون التاريخية القديمة من أيام الفينيقيين والرومان؛ ومثل المطبخ السوري تأثر اللبناني بالمطبخ العثماني في القرون الخمسة أيام حكم الدولة العثمانية، ثم تم اكتشاف الطماطم أو البندورة في المكسيك. وأغلب الأطباق تحتوي على الأعشاب والتوابل، وهي مشوية أو مقلية بالزيت أو الزبدة أو السمن، والمقبلات يغلب عليها تقديم الخضار الطازج والطحينة والكبة والتبولة والفتوش والصنوبر واللوز. الفرق بين المطعم السوري واللبناني هو في براعة الأخير في تقديم الأطباق في المطاعم بشكل لائق وخدمة بارعة.
تتميز المطاعم اللبنانية الناجحة في سان دييغو بأنها صغيرة يديرها زوج وزوجته، لذا فالمأكل فيها تقليدي وأصيل، أو ما يسمونه «أكل بيتي». ويضاهي ذلك المشهد الطعامي في لندن، حيث كان الحي الصيني في الماضي يعج بالمطاعم العائلية، لكنه فقد سحره وفتنته وشعبيته مؤخراً بعد استيلاء شبكات الطعام الكبرى على أكثر منشأته.
حديقة حنا
جاء حنا فرح عام 1979 من قريته علما الشعب بقضاء صور في جنوب لبنان، لدراسة الهندسة المدنية في الولايات المتحدة، ثم عمل في فندق الشيراتون بسان دييغو، وبعدها مديراً لسوبر ماركت للأكل الشرقي، وقرر بعدها افتتاح مطعم لبناني للطعام الأصيل دون تبديل يوم عيد ميلاد زوجته أمل الصياح التي تركت عملها في التعليم ببيروت، لتلتحق بزوجها عام 2012. كان حنا يحلم بافتتاح مطعم على غرار «حاجي بابا»، وفيه لوحات جميلة ومناظر من لبنان، ويقدم الوجبات الشهية، بينما يستمع الزبائن لأغاني فيروز وصوت أمل تحييهم بالكلام اللبناني العذب قائلة: «أهلا وسهلا تكرم عينك»، وهي تقدم لهم الأطباق الطازجة التي حضرها زوجها بنفسه. تحس وكأنك ضيف في منزلهم تتناول المأكل التقليدي، وكأنك انتقلت فعلاً إلى لبنان. يبرع حنا في تحضير الكبة المقلية التي تكبكبها أمل يومياً، كما يقدم أفضل صحن وساندويتش للفلافل في سان دييغو، ومن أفضل أطباقه البابا غنوج والحمص بالطحينة وسلطة الفتوش وسمبوسك أو برك اللحم المحشي بالبصل والصنوبر ومعجنات أو وسائد السبانخ بالحامض. السر في النجاح هو دقة حنا في اتباع الوصفة الأصلية واستيراده للبهارات المطلوبة من لبنان، لا استعمال التوابل المتوفرة في أميركا، كي يبقى الطعم كما تعود عليه اللبنانيون. يقول حنا: «البهارات عنصر هام في الطبخ، ولكل طبق توابله الخاصة به، والطباخ الناجح يحتاج إلى الذوق الجيد»، وكما يقال «النَفَس».
«الرغيف» (لا ميش)
اسم فرنسي لمطعم لبناني جيد افتتحه عام 2013 نبيه جحا من الكورة بشمال لبنان مع زوجته لين من أصل فيليبيني، وتساعده نجاة طاهية سورية من دمشق. لدى نبيه خبرة طويلة في إدارة الفنادق الفخمة في السعودية، ثم في سان دييغو، وهوايته المفضلة في تحضير الأكل الشرقي شجعته على نشر التقاليد الطعامية اللبنانية، ولديه فرن خاص لتحضير الخبز العربي الطازج والمشاوي اللذيذة من الدجاج والسمك واللحوم، وخصوصاً فتايل الغنم، وبالطبع كافة المقبلات المعروفة التي يضيف إليها «المحمرة»، وهي أكلة حلبية من الفلفل الأحمر والكمون ودبس الرمان والخبز المدقوق. أغلب زبائنه من الأميركان الذي يستمتعون بالدجاج المشوي، ولذا يشرف بنفسه على طريقة الإعداد والتوابل المستعملة التي تروق للذوق المحلي. الديكور جميل وحديث والخدمة ممتازة والجو مريح للغاية، إضافة إلى لطف وتهذيب لا مثيل له من صاحب المحل وزوجته.
«الفرن»
نجحت سامية وزوجها جورج سلامة في المطعم اللبناني الأنيق قرب جامعة سان دييغو؛ وتوسع «الفرن» بعد انتشار شعبيته وسمعة فرنه الذي يوفر أحسن المناقيش بالزيت والزعتر، والكثير من الوجبات اللبنانية المميزة، فلائحة الطعام فيه أوسع وأشمل من المطاعم الأخرى، وتحوي أيضاً الحلويات العربية والكنافة وكل ما لذ وطاب. حصل المطعم على الدرجة الممتازة في موقع «يلب» لتصنيف المطاعم في كاليفورنيا. طريقة سامية في استقبال الزبائن والاهتمام بطلباتهم بمعاونة مساعداتها تجعلك تتوق للعودة مجدداً، أو التوصية للأصناف المرغوبة لحفلاتك في الدار.
«قمر الدين»
مطعم فاخر قرب أفضل المراكز التجارية تديره إيفا وكميل بصيبص بكفاءة عالية، وله حديقة صغيرة يرتادها المخلصون للمذاقات اللبنانية الشهية.
يملك الزوجان مطاعم شرقية أخرى في أحياء مختلفة من سان دييغو تتشابه أسماؤها مع «قمر الدين»، فهناك «علاء الدين» و«فخر الدين». يفتخر المطعم بأن أطباقه ذات نوعية عالية وثابتة، فلن تخرج منه إلا راضياً كل مرة.
«مستر فلافل»
يقدم ساندويتشات الفلافل الأصيلة بأسعار معقولة وطعم حار يفضله الكثير من الزبائن الأميركان، كما يقدم أغلب أطباق المقبلات المعروفة وحلاوة الجبن يوم السبت، وتديره العائلة ذات الأصل اللبناني من الزوج إلى الزوجة والابن والعم.
من المطاعم المفضلة غير اللبنانية التي تقدم بعض الأطباق الشرقية المألوفة، لا بد من ذكر مطعم «السلطان» التركي في وسط المدينة، الذي يفتخر بالبقلاوة على الطريقة التركية، وكذلك مطعم إيراني ممتاز صغير الحجم قرب جامعة كاليفورنيا سان دييغو يرتاده العديد من الطلاب السعوديين، ويسمى «سوق المشاوي الدولي»، فالزوجة ميترا تطبخ الوجبات الإيرانية البيتية الطازجة يومياً، والزوج هوشناك يختص بالكباب بكافة أنواعه. سألته ذات مرة: لماذا اخترت البدء بهذا المطعم الجيد وكأننا نأكل في دارك؟، فأجاب: «قلت لنفسي منذ زمن بعيد إنني سأفتتح مطعماً فائق النوعية كي ألتذ بتناول الطعام فيه بنفسي كل يوم»!


مقالات ذات صلة

شيف كندي يحصد «جائزة جورماند» العالمية في «مهرجان الطعام السعودي»

مذاقات الشيف الكندي جو ثوتونغال مستعرضا إحدى وجباته (السفارة الكندية) بالرياض

شيف كندي يحصد «جائزة جورماند» العالمية في «مهرجان الطعام السعودي»

عبر الشيف الكندي جو ثوتونغال من أصول هندية، والذي حصد «جائزة جورماند» عن كتاب My Thali يوم الجمعة الماضي في «مهرجان الطعام السعودي» الذي أقيم مؤخراً في الرياض.

فتح الرحمن يوسف (الرياض)
مذاقات في مدينة بعلبك خلال جولاتها في مناطق لبنان (إنستغرام)

مدونة الطعام أناستازيا اكتشفت بلاد الأرز فوقعت في حبّها

«غايد. إل بي» هو عنوان الصفحة الإلكترونية التي تطل منها مدونة الطعام أناستازيا باكوموفسكايا على وسائل التواصل الاجتماعي، وتنشر فيها انطباعاتها حول بلاد الأرز.

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات ديكور مطعم فلوريج الجميل (الشرق الاوسط)

كيف وأين تتناول طعاماً رائعاً وبأسعار مناسبة حول العالم؟

ليس بالضرورة أن تنفق ثروة في تجربة مطعم رائد عالميّاً: إحدى طرق لتحقيق ذلك هي اختيار قائمة الغداء، التي غالباً ما تكون نسخة أقصر وأقل تكلفة من قائمة تذوق الطعام

«الشرق الأوسط» (لندن)
مذاقات بطاطس محشوة بالجبن ومقلية (الشرق الأوسط)

البطاطس حاضرة دائماً في كل مطبخ

تظهر البطاطس دائماً كبطلة متعددة الأدوار على المائدة، وتفرض حضورها بقوة في كل مطبخ، لتتألق في الوجبات كافة، سواء كطبق جانبي أو رئيسي.

محمد عجم (القاهرة)
مذاقات دفء الالوان يذكرك بمقاهي إيطاليا (الشرق الاوسط)

«إل غاتوباردو»... لمسة من السينما الإيطالية على موائد لندن

في قلب حي مايفير الأنيق في لندن، حيث تتقاطع الفخامة مع الذوق الرفيع، يبرز مطعم إل غاتوباردو (Il Gattopardo) كوجهة إيطالية تحمل سحر البحر الأبيض المتوسط.

جوسلين إيليا (لندن)

شيف كندي يحصد «جائزة جورماند» العالمية في «مهرجان الطعام السعودي»

الشيف الكندي جو ثوتونغال مستعرضا إحدى وجباته (السفارة الكندية) بالرياض
الشيف الكندي جو ثوتونغال مستعرضا إحدى وجباته (السفارة الكندية) بالرياض
TT

شيف كندي يحصد «جائزة جورماند» العالمية في «مهرجان الطعام السعودي»

الشيف الكندي جو ثوتونغال مستعرضا إحدى وجباته (السفارة الكندية) بالرياض
الشيف الكندي جو ثوتونغال مستعرضا إحدى وجباته (السفارة الكندية) بالرياض

عبر الشيف الكندي جو ثوتونغال من أصول هندية، والذي حصد «جائزة جورماند» عن كتاب My Thali يوم الجمعة الماضي في «مهرجان الطعام السعودي» الذي أقيم مؤخراً في الرياض، عن ذهوله بثراء التراث الطهوي الغني للسعودية.

وأفصح السفير الكندي لدى السعودية جان فيليب لينتو، لـ«الشرق الأوسط»: عن فخره برؤية مواهب الطهي الكندية معترفاً بها في السعودية، مضيفاً أن التنوع الكندي يغذي الابتكار في الطهي، كما أن جودة المنتجات الكندية تخلق نكهات تجمع الثقافات معاً.

وقال الشيف ثوتونغال، لـ«الشرق الأوسط»: «أقوم بزيارة هيئة فنون الطهي السعودية في الرياض كجزء من رحلتي لحضور مهرجان الطعام السعودي 2025 وحفل توزيع جوائز جورماند (الأفضل على مدار 30 عاماً)».

وأضاف ثوتونغال: «هذه هي المرة الثانية التي أحضر فيها مهرجان الطعام السعودي، وباعتباري طاهياً، فهي فرصة ثمينة لاستكشاف التراث الطهوي الغني للسعودية. أنا مهتم بشكل خاص بمعرفة المطبخ الأصيل لمختلف المناطق، بالإضافة إلى إنتاج زيت الزيتون والعسل في المملكة».

الشيف الكندي جو ثوتونغال يحضر لاحدى الوجبات الشهية (السفارة الكندية) بالرياض

ولفت إلى أن حفل توزيع جوائز جورماند الدولية يجمع مؤلفي كتب الطبخ الملهمين من جميع أنحاء العالم، مبيناً أنها منصة رائعة للتواصل مع المتخصصين ذوي التفكير المماثل، وتبادل الأفكار، واكتشاف المأكولات والثقافات المتنوعة، حيث يمثل هذا الحدث دائماً مصدراً رائعاً للتحفيز والإلهام الإبداعي بالنسبة لي.

وتابع الشيف الكندي: «إذا كنت سأوصي بأطباق ليجربها الضيوف السعوديون، فسأبدأ بشرائح لحم الضأن من كيرالا من كتاب الطبخ كوكونت لاجون. السعوديون لديهم حب عميق للحم المشوي، وهذا الطبق يربط بين عوالم الطهي لدينا بشكل جميل. يضيف التتبيلة على طريقة ولاية كيرالا - المعطرة بالبهارات وجوز الهند ولمسة من الحرارة - طبقات من التعقيد دون التغلب على الثراء الطبيعي للحوم».

الشيف الكندي جو ثوتونغال يحضر لاحدى الوجبات الشهية (السفارة الكندية) بالرياض

وأضاف: «أود أن أقدم لهم سلطة الحمص الأسود، حيث يُستخدم الحمص على نطاق واسع في المطبخ السعودي، لكن الحمص الأسود (كالا شانا) يقدم تجربة مختلفة أصغر حجماً وأكثر صلابة وأكثر نكهة بشكل مكثف من الحمص الأبيض. تُظهِر هذه السلطة الممزوجة بالبهارات وعصير الليمون وبعض الخضار المقطعة كيف يمكن تحويل المكونات المألوفة من خلال عدسة النكهات الساحلية في ولاية كيرالا».وقال ثوتونغال أيضاً: «لأن الأسماك الطازجة هي جوهر تقاليد الطعام السعودية، فإنني أوصي بطبق البلطي المقلي من ماي ثالي. مع تتبيلة التوابل النابضة بالحياة واللمسة النهائية المقرمشة، يعد هذا الطبق بمثابة تذكير بأن المأكولات البحرية لا ينبغي أبداً أن تكون لطيفة. فهو يجمع بين الروائح العطرية الجريئة والحرارة اللطيفة والمذاق النظيف للأسماك الطازجة، وهي نكهات أعتقد أن الأذواق السعودية ستقدرها حقاً». وتابع: «تحتفل هذه الأطباق معاً بالحب المشترك بين ثقافتينا للتوابل الجريئة والمكونات الطازجة والأطعمة التي تحكي قصة».


مدونة الطعام أناستازيا اكتشفت بلاد الأرز فوقعت في حبّها

في مدينة بعلبك خلال جولاتها في مناطق لبنان (إنستغرام)
في مدينة بعلبك خلال جولاتها في مناطق لبنان (إنستغرام)
TT

مدونة الطعام أناستازيا اكتشفت بلاد الأرز فوقعت في حبّها

في مدينة بعلبك خلال جولاتها في مناطق لبنان (إنستغرام)
في مدينة بعلبك خلال جولاتها في مناطق لبنان (إنستغرام)

«غايد. إل بي» هو عنوان الصفحة الإلكترونية التي تطل منها مدونة الطعام أناستازيا باكوموفسكايا على وسائل التواصل الاجتماعي، وتنشر فيها انطباعاتها حول بلاد الأرز. فقد استكشفت لبنان منذ سنوات قليلة ووقعت في حبّه.

وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «لقد زرت أكثر من 50 بلداً حول العالم. ولكن قلبي وقع في حب لبنان، فشعرت وكأنه بمثابة بيتي وعائلتي».

منذ تلك اللحظة قررت آنا كما تحب أن يناديها المقربون منها، أن تدوّن كل ما يتعلّق بميزة أطباق لبنان ومطبخه ومطاعمه. لذلك نراها تتجول بين مختلف المناطق وتنقل منها كل ما يلفتها في عالم الطعام. بالنسبة لها، فإن لبنان يتمتع بطبيعة ساحرة. وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «أغرمت بأهله وبطقسه المعتدل، وكذلك بأطباق طعامه اللذيذة والشهية. فليس هناك من مطبخ آخر ينافسه برأي، لأنه متنوع وصحي في آن».

أناستازيا في صورة تحكي فيها عن الخبز "المرقوق" (انستغرام)

وعن أطيب الأكلات التي تحب تناولها في لبنان، تقول: «أحب كثيراً تناول طبق الملوخية، وكذلك طبق الـ(شيش برك) باللبن والنعناع اليابس. أما في مجال الحلويات فلا شيء يضاهي طعم ونكهة الكنافة بالجبن».

بدأت قصة أناستازيا مع لبنان منذ نحو 6 سنوات. زارته نظراً لنصيحة أحد الأصدقاء لكونه من البلدان الجميلة جداً. «لم أتوقّع أن يكون بهذا الجمال من عدة نواحٍ. لذلك قررت الإقامة فيه، وصرت اليوم باحثة نهمة عن كل تفصيل يتعلّق بمطبخه».

أناستازيا الروسية الجنسية تجد نقاط تشابه قليلة بين أطباق بلادها وتلك الخاصة بلبنان. وتقول: «هناك أطباق مثل الملفوف المحشو باللحم. وكذلك قطع العجين باللحم المعروفة بالـ(سمبوسك). فهي تشبه أصناف طعام موجودة في بلادنا. ولكن عندنا تحضّر من خلال وضعها في مياه مغلية فقط. فنتناولها إثر نضجها بهذه الطريقة وليس بتقنية الطهي اللبنانية نفسها».

تحب التجوّل في شوارع بيروت (إنستغرام)

لا تتحمس كثيراً لافتتاح مطعم روسي في لبنان. «أعلم تماماً بأنه ليس في لبنان مطعم روسي مع الأسف. أحياناً، أفكر في افتتاح واحدٍ لتعريف اللبنانيين على أطباقنا. ولكن لا أتوقع له النجاح لأن مطبخنا يرتكز على الأطعمة الدسمة والساخنة جداً، فتغيب عنه السلطات والأكلات الخفيفة. فبلدي يقع في منطقة قطبية باردة جداً، فيما لبنان الواقع على البحر المتوسط يفضّل أهله الطعام الـ(لايت) والطازج».

وتستطرد: «ربما أفتتح مطعماً يقدم الأكلات الروسية واللبنانية. وبذلك أجلب روسيا إلى بيروت لمن لم يزرها بعد».

جالت أناستازيا في البترون كما في بيروت وزغرتا والجنوب. «لفتني جداً مطعم (جورجينا) وتديره النساء في بلدة زغرتا. يحضرن الطعام في حديقة غنّاء في الهواء الطلق. صحيح أن موقع المطعم يبعد عن العاصمة، ولكن أطباقه تستأهل قطع هذه المسافة الطويلة».

تعترف أناستازيا بمواجهتها تحديات كثيرة في إقامتها الأولية في بيروت. «لم أكن أعرف تفاصيل كثيرة عن يوميات هذا البلد، وما زلت أتعلم من أخطائي وأتأقلم أكثر».

تهوى آنا مقاهي لبنانية عديدة وتصفها بالرائعة. مضيفة: «هناك عدد كبير منها في مناطق الجميزة ومار مخايل والصيفي، وجميعها تراعي أذواق الناس على اختلافها. أنا مثلاً أحب مقهى (سيب) و(لوفانت) في الجميزة. فهما يتيحان لروادهما الاستمتاع بفنجان قهوة صباحي يضاهي بطعمه أهم المقاهي في العالم. خصوصاً إذا ما تناولناه مع قطعة حلوى لبنانية».

تصف لبنان بالبلد الساحر الذي وقعت في حبّه (إنستغرام)

وماذا عن المطعم الذي يقدم أطيب الأطباق اللبنانية بنظرها؟ تردّ بحماس: «أعدّ مطعم (ام شريف) هو الأهم، ويتميز بكونه يقدم الأطباق اللبنانية الأصيلة بنكهاتها التراثية».

تجري أناستازيا مقارنة سريعة بين بيروت وعواصم عربية أخرى. «زرت دولة الإمارات العربية، دبي مثلاً، ولكنني فضّلت لبنان عليها من نواح مختلفة. فلبنان بلد دافئ، مرت عليه حضارات كثيرة. وهو ما ألّف عنده هذا المزيج من الثقافات. ولكنني من ناحية ثانية أتوق لزيارة المملكة العربية السعودية. ففي السنوات الأخيرة شهدت تبدلاً وانفتاحاً كبيرين. وأتمنى أن أزور مناطق الرياض والعلا وغيرها لأكتشف تاريخ هذه البلاد وجمال حضارتها العربية الأصيلة».

ترفق المدونة الروسية منشوراتها مرات بأغانٍ لفيروز. وفي أحيان أخرى تدأب على نقل أجواء السهر في العاصمة. ولا تتوانى عن نشر مقاطع مصورة من يومياتها خلال تجولها في بيروت. وتقول: «أحب منطقة المنارة والروشة. ومن خلال حواراتي مع اللبنانيين صرت اليوم أجيد التحدث بالعربية. فشعب لبنان محب وقريب إلى القلب».

تزوّد أناستازيا متابعها بعناوين مطاعم ومقاهٍ وأماكن سياحية تحلو زيارتها من وقت لآخر. ومرات تضيف إليها معلومة مفيدة تحكي فيها عن ميزات لبنان. وتعلق: «تخيلي مثلاً أنني عرفت مؤخراً، بأن هناك منازل قديمة يعود تاريخها إلى 400 سنة خلت تقع على شاطئ البحر. وبينها (بيت البحر) للضيافة في منطقة طبرجا».

وتختم لـ«الشرق الأوسط»: «الطبخ في لبنان فن، وأتمنى يوماً ما أن أجيد تقنية الطبخ اللبناني. فأصبح ضليعة في معرفة الأطباق اللبنانية من ألفها إلى يائها».


كيف وأين تتناول طعاماً رائعاً وبأسعار مناسبة حول العالم؟

ديكور مطعم فلوريج الجميل (الشرق الاوسط)
ديكور مطعم فلوريج الجميل (الشرق الاوسط)
TT

كيف وأين تتناول طعاماً رائعاً وبأسعار مناسبة حول العالم؟

ديكور مطعم فلوريج الجميل (الشرق الاوسط)
ديكور مطعم فلوريج الجميل (الشرق الاوسط)

ليس بالضرورة أن تنفق ثروة في تجربة مطعم رائد عالميّاً: إحدى طرق لتحقيق ذلك هي اختيار قائمة الغداء، التي غالباً ما تكون نسخة أقصر وأقل تكلفة من قائمة تذوق الطعام المسائية. والخيار الآخر هو اختيار مكان يقدم قائمة طعام انتقائية وقت الغداء، مما يجعلك أنت المتحكم في حجم إنفاقك. استكشف وجهات تناول الطعام الرائعة بقيمة مناسبة التي ظهرت في قوائم أفضل 50 مطعماً في العالم.

«فلوريلج» - طوكيو

يقع هذا المطعم في أطول مبنى بطوكيو، وتُعتبر قائمة تذوق الغداء ذات اللمسات الفرنسية، التي يقدمها الشيف هيروياسو كاواتي، واحدة من أفضل الخيارات من حيث القيمة في قائمة أفضل 50 مطعماً في العالم لعام 2025. في غرفة طعام ذات إضاءة خافتة، يتشارك الضيوف طاولة واحدة تتسع لـ16 مقعداً، امتثالاً لمفهوم «طاولة المضيف» الخاص بكاواتي، والمصمم لتشجيع الحوار حول الطعام. تركز القائمة على المكونات النباتية، باستخدام المكونات المحلية لخلق طابع ياباني مميز إلى جانب البراعة الفرنسية الكلاسيكية المكتسبة من فترة عمل كاواتي في مطعم «لو جاردان دي سانس» الفرنسي في مونبلييه.

الغداء في سيبتيم بباريس أرخص من العشاء (الشرق الاوسط)

«سيبتيم» - باريس

سوف تحتاج إلى التنظيم الجيد إذا أردتَ حجز طاولة في «سيبتيم»: يتم إصدار الحجوزات قبل ثلاثة أسابيع وتُحجز بسرعة في الغالب. ومع قائمة تذوق متعددة الأطباق بسعر معقول كهذه، فمن السهل أن نفهم السبب. هذا المطعم، الذي احتل المرتبة 40 في قائمة أفضل 50 مطعماً في العالم لعام 2025، هو مطعم بأسلوب «النزعة الصناعية الجديدة»، ويديره الشيف بيرتراند غريبو الذي تحوَّل من مصمم غرافيك إلى شيف، وقد أسر رواد المطعم لأكثر من عقد من الزمان، مقدماً فن الطبخ الفرنسي العصري والمبدع. توقع أطباقاً موسمية تعتمد على المكونات الطازجة مع لمسات عالمية - على سبيل المثال، الهليون الأبيض مع صلصة «البوليت» وصلصة «إكس أو»، وليمون ماير المحفوظ، أو توستادا سمك السلمون المرقط مع الورد والشمندر.

«لا كولومب» - كيب تاون

اجتذبت قوائم تذوق «لا كولومب» ذات الأسعار الجيدة اهتمام العالم، مما أكسب هذا المطعم الأشبه ببيت الشجرة المرتبة 55 في التصنيف الموسَّع لأفضل مطاعم العالم لعام 2025. يقع المطعم على قمة ممر «عنق كونستانتيا» الجبلي في مزرعة «سيلفرميست» للنبيذ العضوي، حيث ستستمتع بمناظر خلابة عبر الوادي، جنباً إلى جنب مع ثمانية أطباق من إبداع الشيف جيمس غاغ وفريقه. ترتكز الأطباق على التقنية الفرنسية وتتميز بلمسات آسيوية، مع الاعتماد بشكل كبير على المنتجات المحلية والموسمية وتقديم الأطباق بأسلوب متقن والكثير من العروض التقديمية على الطاولة.

«سيليلي» - كارتاخينا

يلتزم الشيف خايمي رودريغيز بإضفاء الطابع الديمقراطي على الطهي القائم على البحث. في عام 2021، قرر التوقف عن تقديم قوائم تذوق الطعام في مطعم «سيليلي»، الذي احتل المرتبة 48 في قائمة أفضل 50 مطعماً في العالم لعام 2025. وبدلاً من ذلك قدم قائمة طعام انتقائية تحتفي بالتنوع البيولوجي وثقافة الطهي لمنطقة الكاريبي الكولومبية. بناء على تجارب مكثفة التقى فيها بالشعوب الأصلية ووثق الوصفات، تتميز قائمة «سيليلي» بمكونات نادرة مثل الأوريخيرو (بذور الأشجار التي غالبا ما تُصنع منها عجينة حلوة) والجومبالي (فاكهة برية)، بالإضافة إلى أطباق تحتوي على زهور الكاريبي، وأوراق اليوكا، وشوكولاتة لا سييرا نيفادا دي سانتا مارتا.

من أطباق ماسك (الشرق الاوسط)

«ماسك» - مومباي

«ماسك» هو أول مطعم في مومباي يقدم تجربة قائمة تذوق متعددة الأطباق، وقد أكسبه سعيه المتطور باستمرار لإعادة ابتكار فن الطهي الهندي الكلاسيكي المرتبة 68 في قائمة أفضل 50 مطعماً في العالم لعام 2025. يدير الشيف فارون توتلاني المطعم، الذي يتخذ من منطقة مصانع النسيج الصناعية السابقة في مومباي مقراً له. تتغير قائمة التذوق المكونة من 10 أطباق حسب المواسم، وتتميز بالمنتجات التي يتم الحصول عليها من المزارعين المحليين ومن رحلات البحث عن الطعام البري. يهدف توتلاني إلى تغيير تصورات رواد المطعم عن المطبخ الهندي، مسلطاً الضوء على مكونات غير معروفة خارج النطاق المحلي للغاية، مثل الحنطة السوداء، والتوت البري.

«كول» - لندن

عندما افتتح سانتياغو لاسترا مطعم «كول»، أراد أن يتبنى تحدي ابتكار المطبخ المكسيكي في مناخ لا تنمو فيه المكونات التقليدية.

لن يجد رواد المطعم الأفوكادو، أو الليمون، أو الصبار في القائمة - بدلاً من ذلك، أسفر بحث لاسترا المكثف عن بدائل من المملكة المتحدة مثل الكرنب الساقي، ونبق البحر، وعنب الثعلب المخمر، والأعشاب البحرية. احتل مطعم «كول» المرتبة 47 في قائمة أفضل مطاعم العالم لعام 2025، ويستورد فقط الذرة والشوكولاتة والفلفل الحار من المكسيك، في حين تتبنى القائمة نهجاً بريطانياً موسمياً للغاية مستلهماً من ذكريات لاسترا عن المكسيك. وعلى الرغم من أن أغلب الأطباق تتغير باستمرار، ستجد دائماً طبق المطعم الشهير وهو تاكو الروبيان مع الفلفل الحار المدخن، والملفوف المخلل، ولمسة منعشة من نبق البحر في القائمة.

من أطباق سانت بيتر (الشرق الاوسط)

«سانت بيتر» Saint Peter - سيدني

يقع هذا المكان المغطى بالخرسانة في ضاحية بادينغتون بسيدني، وهو موطن لشيف يُنسب إليه الفضل على نطاق واسع في إعادة كتابة قواعد طهي الأسماك. لن تجد طبق سمك «دُفر سُول على طريقة مونييه» في مطعم «سانت بيتر» - بدلاً من ذلك، يفضل الشيف جوش نيلاند استخدام أجزاء السمك التي يتجاهلها الطهاة الآخرون. يدافع مطعمه، الذي يحتل المرتبة 66 في قائمة أفضل 50 مطعماً في العالم لعام 2025، عن تقنيات «الرأس إلى الذيل» المستخدَمة بشكل أكثر شيوعاً للحوم، مثل التعتيق الجاف، والتقطيع، واستخدام الأحشاء. وفي حين أن قائمة «طاولة الشيف» تحتوي على أطباق جريئة، مثل حساء مع نودلز عظام سمك الترويت المرجاني، وفطيرة كبد سمك «جون دوري» بالباتيه. وتقدم قائمة الغداء ذات الأسعار المعقولة الروح المبدعة ذاتها بأسعار أقل.

«روزيتا» Rosetta - مكسيكو سيتي

يُعد مطعم «روزيتا» للشيف إيلينا ريغاداس المفضل لدى السكان المحليين والمسافرين الباحثين عن تذوق الطعام على حدٍ سواء. تدربت الشيف (التي فازت بجائزة أفضل شيف أنثى في العالم لعام 2023) في المعهد الفرنسي للطهي في نيويورك، وأمضت أربع سنوات في لندن في مطعم «لوكاندا لوكاتيلي» قبل أن تعود إلى موطنها المكسيك لافتتاح مطعمها الخاص. التأثير العالمي واضح في قائمة طعام «روزيتا» — فبينما يتم الحصول على المكونات من منتجين محليين صغار، تكتسب الأطباق طابعا عالميا: خبز البريوش مع بيض النمل وصلصة بيرنيز بالتراغون، وكابيلاتشي الجبن المدخن ومرق الذرة، وتاكو الملفوف السافوي الشهير مع صلصة «بيبيان» بالفستق والروميريتوس، على سبيل المثال لا الحصر. إذا لم تتمكن من الحصول على طاولة هنا (المطعم يحتل المرتبة 45 في قائمة أفضل مطاعم العالم لعام 2025)، فإن المخبز الموجود في الموقع والمتخصص في خبز العجين المخمّر هو وسيلة أكثر اقتصادية لتجربة مواهب ريغاداس.