الجزائر تتأهب لسيناريو {انتقال سلس} للقيادة عندما يحين الوقت

الشباب يشعرون بالإحباط والتهميش... والهجرة ربما تكون السبيل الوحيدة لديهم

الرئيس بوتفليقة بعد إدلائه بصوته في أحد مراكز الاقتراع الشهر الماضي (رويترز)
الرئيس بوتفليقة بعد إدلائه بصوته في أحد مراكز الاقتراع الشهر الماضي (رويترز)
TT

الجزائر تتأهب لسيناريو {انتقال سلس} للقيادة عندما يحين الوقت

الرئيس بوتفليقة بعد إدلائه بصوته في أحد مراكز الاقتراع الشهر الماضي (رويترز)
الرئيس بوتفليقة بعد إدلائه بصوته في أحد مراكز الاقتراع الشهر الماضي (رويترز)

يواجه الجزائريون حتمية رحيل رئيسهم عبد العزيز بوتفليقة الذي أقعده المرض، وهم يدركون أن كل الجهود الممكنة تبذل لضمان ألا يتغير شيء يذكر عندما يحين أوان رحيله.
فقد أصيب بوتفليقة (80 عاماً) الذي حكم الجزائر قرابة عقدين من الزمان، بجلطة في عام 2013 غير أنه قد يقرر ترشيح نفسه مرة أخرى للرئاسة في الانتخابات المقبلة المقرر أن تجري في مايو (أيار) 2019. وحسب تقرير لـ«رويترز»، يعتقد كثيرون أنه إذا قرر بوتفليقة التنحي فستكون الشخصية التي سيتم انتخابها لخلافته ثانوية. ويقول مراقبون إن نخبة حاكمة قوية يهيمن عليها الجيش ستدير شؤون البلاد من وراء الستار. وقد يمثل ذلك بشرى سارة لنخبة بدأت تتقلص من قيادات جبهة التحرير الوطني التي يغلب عليها كبار السن وأباطرة الأعمال وقادة الجيش المتحالفون معها ويشاركون منذ مدة طويلة في إدارة الحياة السياسية في البلاد.
ومع ذلك فهذه الطبقة تمثل مصدراً للشعور بالإحباط لدى الشباب الجزائري الذي لم يعرف رئيساً آخر. ولا ينشغل هؤلاء كثيراً بمن يتولى دفة الأمور في البلاد بل يقلقون على الوظائف في وقت تسجل فيه البطالة مستوى مرتفعاً وتنخفض فيه أسعار النفط وتشهد البلاد تقشفاً اقتصادياً.
ويرى سمير عبد القوي الذي يدرس في مدرسة خاصة باللغة الإنجليزية، في تصريح لـ«رويترز» أن الرحيل عن البلاد قد يكون السبيل الوحيدة. وقال عبد القوي الذي يتعلم بالإنجليزية لزيادة فرصه في الحصول على تأشيرة عمل في الخارج: «لا تهمني السياسة فكل ما أحتاج إليه وظيفة معقولة إن لم يكن هنا ففي الخارج. أريد تأشيرة لا رئيساً».
وقد انتشرت التكهنات في الخارج حول ما سيحدث للجزائر بعد رحيل بوتفليقة الذي زار أوروبا عدة مرات للعلاج، ومكث في مستشفى بفرنسا عدة أشهر بعد إصابته بالجلطة. غير أن حلفاء النظام يعتبرون المسألة محسومة في الجزائر التي تبدو واحة استقرار في منطقة تجتاحها الاضطرابات.
وقال أنيس رحماني مدير تلفزيون «النهار»، وهو من المقربين من السلطات: «بعد بوتفليقة ستنظم القيادة العسكرية عملية خلافته. الطبقة السياسية ضعيفة هنا».
توقع محلل ليبرالي جزائري استمرارية النظام. وقال لـ«رويترز» طالباً عدم نشر اسمه: «المؤسسات في الجزائر أقوى من الرجال. فالرجال يذهبون لكن المؤسسات باقية». وأضاف: «المؤسسات تعمل على ما يرام سواء كان بوتفليقة مريضاً في الجزائر أو في الخارج. ما دامت صحته تسمح له فسيستمر إلى ما بعد 2018».
وتبددت تقريباً الآمال في انتخاب رئيس إصلاحي يعمل على التحديث يفتح الباب أمام ديمقراطية تنافسية ومجتمع مفتوح؛ فالأولوية على حد قول مراقبي النظام في الجزائر هي الاستقرار الذي يراه المواطنون مجسداً في بوتفليقة. وما زالت ذكريات الحرب الأهلية، التي تفجرت في التسعينات بعد أن ألغت الدولة انتخابات بدا أن حزباً إسلامياً على وشك الفوز فيها، تؤرق الجزائر المستعمرة الفرنسية السابقة التي تحررت في حرب دامية وضعت أوزارها عام 1962.
وراح ضحية الحرب الأهلية 200 ألف شخص ما جعل كثيراً من الجزائريين يتخوفون فيما بعد من الاضطرابات التي أطاحت بزعماء تونس ومصر وليبيا في انتفاضات الربيع العربي عام 2011.
وقال محلل سياسي جزائري ثانٍ: «الجزائر بلد في منطقة سيئة للغاية ولأننا في منطقة سيئة لا بد أن يظل للجيش دوره. لا أعتقد أن الجيش سيرغب في الاستيلاء على السلطة بعد بوتفليقة بل سيكون جزءاً من العملية السياسية».
الجزائريون ممن هم في سن الشباب، الذين يشكلون ثلثي سكان البلاد البالغ عددهم 41 مليون نسمة، يشعرون بأنهم تعرضوا للتهميش، وأن الصلة بينهم وبين الطبقة السياسية مقطوعة؛ فعلى النقيض من هذه الطبقة سار الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون في شوارع مدينة الجزائر خلال زيارة للبلاد الأسبوع الماضي وتحدث مباشرة مع الشباب وهو أمر لم يعهدوه من قائدهم منذ عهد بعيد. ووصف أحد المحللين الطبقة الحاكمة بأنها «عتيقة في بلد من الشباب».
وقال المحلل لـ«رويترز»: «نحلم بطبقة شابة تتمتع بالحيوية لكن الطبقة السياسية ليست مستعدة للتخلي عن شبر واحد». ونادراً ما يظهر بوتفليقة، الذي تولى الحكم عام 1999، علناً، كما أنه لم يتحدث في مناسبة عامة منذ إصابته بالجلطة. ومع ذلك فإذا قرر هو أو المحيطون به أن يترشح لفترة رئاسة خامسة فإنه سيفوز دون شك، على حد قول مصادر مقربة من الطبقة الحاكمة.
ويهيمن على البرلمان جبهة التحرير الوطني الحاكمة والتجمع الوطني الديمقراطي الموالي للحكومة في حين أن المعارضة ضعيفة ومنقسمة بما في ذلك اليساريون والإسلاميون.
إذا لم يرشح بوتفليقة نفسه، فمن الممكن أن يطرح قادة الجيش ومسؤولو المخابرات مرشحاً من خارج الطبقة السياسية. غير أن البدائل الممكنة في الوقت الحالي كلها من أعضاء النخبة القديمة مثل رئيس الوزراء أحمد أويحيى ورئيس رئيس الوزراء السابق عبد المالك سلال. ويقول مراقبون إن أي تصور لتغيير القيادة يكون فيه دور لسعيد بوتفليقة الشقيق الأصغر للرئيس وأحد مساعديه المقربين سيفتح باب الجدل لأن رجال الجيش لا يحبذون الحكم الوراثي.
ويتوقع دبلوماسيون أجانب أن يعمد قادة الجيش إلى ترتيب عملية انتقال سلس للقيادة. وما يقلقهم في حقيقة الأمر بدرجة أكبر هو الأسلوب الذي ستدير به البلاد، المعتمدة على صادرات النفط والغاز، الاقتصاد في عصر انخفاض أسعار النفط. وتنفق الحكومة نحو 30 مليار دولار كل عام لدعم أسعار كل شيء من المواد الغذائية الأساسية إلى الوقود وخدمات الرعاية الصحية والإسكان والتعليم. وقد ساعد هذا النظام في الحفاظ على السلم الاجتماعي لكن الحكومة لم تعمل على تطوير الصناعات بخلاف قطاع الطاقة كما أنها تعاني من نقص الموارد المالية.
ولم تبذل الجزائر جهداً يُذكر لتشجيع الاستثمار الأجنبي رغم الحاجة الماسة لتوفير فرص العمل، ولم تفعل شيئاً يُذكر لتيسير قيود التأشيرات أو بناء الفنادق لجذب السياح إلى شواطئ البلاد وجبالها وصحاريها وكلها لا يحتاج السفر إليها سوى رحلة جوية قصيرة من أوروبا. وحتى الآن يظل ما تحقق في المجال الأمني هو النجاح الأكبر بلا منازع. فحتى الدبلوماسيون الغربيون يتحركون بحرية دون المواكب الأمنية التي ترافقهم في كثير من العواصم العربية الأخرى.
ومع ذلك، تظل فلول تنظيم القاعدة عناصر نشطة كما أنها بايعت تنظيم داعش. وأسفر تفجير مزدوج بسيارتين ملغومتين عن مصرع 67 شخصاً في العاصمة عام 2007 وسقط ما لا يقل عن 38 رهينة قتلى عندما سيطر متطرفون على محطة للغاز عام 2013. كما كشفت الأجهزة الأمنية خلايا نائمة واخترقت خلايا أخرى، وأغلقت الجزائر كل حدودها مع ليبيا ومالي والنيجر والمغرب وموريتانيا وحولتها إلى مناطق عسكرية لمنع تواصل المتشددين المنتشرين في منطقة الساحل.
وقال رحماني: «الرئيس القادم يجب أن يكون قوي الشخصية يضمن الأمن لأننا في حالة حرب مع الإرهاب. يوجد خطر خارجي، والحدود كلها مشتعلة. يجب أن تكون للرئيس القادم خلفية عسكرية وأن يمتلك السلطة والصلاحيات لاتخاذ القرار».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم