مصر تحارب «داعش» بالتنمية في بئر العبد

تتميز بارتفاع معدلات التعليم فيها والترابط القبلي

أحد شوارع مدينة بئر العبد التي شهدت الشهر الماضي «مذبحة المصلين»  («الشرق الأوسط})
أحد شوارع مدينة بئر العبد التي شهدت الشهر الماضي «مذبحة المصلين» («الشرق الأوسط})
TT

مصر تحارب «داعش» بالتنمية في بئر العبد

أحد شوارع مدينة بئر العبد التي شهدت الشهر الماضي «مذبحة المصلين»  («الشرق الأوسط})
أحد شوارع مدينة بئر العبد التي شهدت الشهر الماضي «مذبحة المصلين» («الشرق الأوسط})

دفعت بشاعة الحادث الإرهابي الذي استهدف مسجد الروضة بمدينة بئر العبد في شمال سيناء، الشهر الماضي، وأسفر عن سقوط 311 ضحية، بينهم 27 طفلاً، الحكومة المصرية إلى التسريع في وتيرة تنفيذ «الخطة التنموية» في مناطق المحافظة التي ينشط فيها على نطاق واسع عناصر تنظيم «داعش سيناء»، والذين نفذوا على مدار 5 سنوات عمليات مختلفة ضد قوات الجيش والشرطة والأقباط وبعض أبناء القبائل. ويبدو ذلك التوجه الرسمي من قبل المسؤولين المصريين اختباراً حقيقياً لما يعرف بـ«خطة محاربة الإرهاب بالتنمية» إلى جانب العمليات العسكرية المتواصلة، وبخاصة أن تجربة تنمية المدينة التي شهدت «مذبحة المصلين» ستكون معياراً يقاس عليه مدى النجاح أو الفشل في ذلك التوجه.
«سنجعل من مدينة بئر العبد الجديدة أنموذجاً يشار إليه بالبنان»... هكذا تحدث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أول خطاب مباشر لمواطنيه، بعد وقوع الحادث، وأعقب ذلك إعلان القائم بأعمال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي التأكيد على أن الحكومة «ستسرع في تنفيذ كافة الإجراءات المتعلقة بمتابعة الحادث وتداعياته، وأهمها قيام هيئة التخطيط العمراني بوضع مخطط تنموي شامل لمركز بئر العبد لتلبية كافة الاحتياجات التنموية المختلفة في هذه المنطقة».
وتفيد نظرة مباشرة على الموقع الجغرافي لمدينة بئر العبد على خريطة شمال سيناء بأنها تكاد تكون الموقع الأنسب لتنفيذ المخطط التنموي المقترح، فهي من ناحية تقع أقصى الشمال الغربي، وتُشكل ما يشبه مثلث ضلعه الأول البحر المتوسط (شمالاً)، وتعد محافظتا الإسماعيلية وبورسعيد والمجرى الملاحي لقناة السويس الضلع الثاني (غرباً) لحدود المدينة، بينما يحيط بها منطقة وسط سيناء من جهتي الشرق والجنوب.
ويعزز من فرص تنمية وتدشين «مدينة بئر العبد الجديدة» المقترح إنشاؤها، أن المركز كان مستقراً إلى حد كبير طوال الأعوام الأربعة الماضية التي اندلعت فيها الأعمال الإرهابية بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسى، حيث خلت مدينة بئر العبد من تواجد التيار السلفي المتشدد الذي تطور فيما بعد إلى تنظيم داعش، إضافة إلى ارتفاع معدلات التعليم بها والترابط القبلي، وابتعاد المدينة عن المناطق الجبلية الوعرة، حيث تتميز بمسطح جغرافي شبه مكشوف، يُسهل عمليات المراقبة الأمنية ويعد عائقاً أمام التنظيمات لتشكيل خلايا في المنطقة. وإضافة إلى ما سبق، تبدو قوات الشرطة في هيئتها المعتادة بسياراتها المعروفة والرسمية (على عكس المناطق الأخرى التي تستخدم فيها سيارات مدنية لتجنب الرصد ومدرعات للحماية)، ويرتدي أفراد الأمن الزي المعتاد من دون واقيات الرصاص؛ وهو ما يعاكس تماماً الأوضاع في مدن العريش والشيخ زويد ورفح.
ويبدو أن الأمان النسبي للمنطقة كان سمة تاريخية للمدينة؛ إذ تشير الروايات المتوارثة والنبذة التي يعرضها الموقع الرسمي للمحافظة، إلى أن سبب التسمية يرجع إلى «وجود بئر لشخص كنيته العبد، كانت تمر عليه القوافل التجارية وتحط الرحال عنده للسقاية، وتناقل الناس الاسم حتى عرفت باسم بئر العبد».
رئيس مدينة بئر العبد، المهندس نصر الله محمد، قال لـ«الشرق الأوسط»: إن المدينة تضم 24 قرية و101 تابع (تقسيم إداري)، ويبلغ إجمالي سكانها 91.876 ألف نسمة، وفقاً لآخر إحصاء سكاني عام 2016. وأضاف: «إن عدداً من أبناء قبائل (السواركة، والرميلات) وعائلات أخرى من مراكز الشيخ زويد ورفح، نزحت تباعاً هرباً من آثار الحرب على الإرهاب خلال الأعوام الأربعة الماضية، ووفقاً لإحصائية رسمية من اللجنة المكلفة من قبل محافظ شمال سيناء بمتابعة أحوال المنتقلين من الشيخ زويد ورفح إلى مراكز المحافظة الأخرى، تبين نزوح 1268 أسرة في 36 تجمعاً في مركز بئر العبد».
ويشرح محمد، أن التقسيم الحالي للمدينة يتضمن جزأين، أولهما العمارات السكنية التي أنشأتها الحكومة لتسكين الأهالي والموظفين، والجزء الآخر المساكن الأهلية ذاتية البناء، كما يوجد بها مكاتب المصالح الحكومية والخدمية «مكتب بريد وفرع لبنك مصر ومركز إعلام مطور تابع للهيئة العامة للاستعلامات، ومستشفى عام وتم إنشاء مستشفى مركزي جديد قيد الافتتاح قريبا، يحظى بإمكانات طبية متطورة، وكذلك توجد الإدارات الحكومية المختلفة ومقر لمجلس المدينة، ويوجد قسم شرطة، كما يوجد قسم آخر للشرطة في قرية رمانة ومحطة تعبئة أنابيب غاز ومحطتان للوقود، إحداهما محطة مطورة أنشأتها القوات المسلحة المصرية».
يتنوع نشاط الأهالي في بئر العبد بين العمل بصيد الأسماك والزراعة، وبخاصة النخيل والمنتجات المرتبطة به صناعة العجوة وبيع وتعبئة التمور، كما يوجد بها أكبر عدد لمفارخ إنتاج الدجاج التي يتم نقل إنتاجها إلى المحافظات الأخرى.
وإضافة إلى المدينة الجديدة التي ستكون سمتها الوحدات السكنية والمباني الخدمية (من المخطط أن تضم 5 آلاف وحدة سكنية)، فهناك في بئر العبد أيضاً «المنطقة الصناعية الاستثمارية» التي تخلو حتى الآن من أي مصانع عليها، وهي تقع منطقة جنوب الطريق الدولي الساحلي بنحو كيلومتر واحد فقط، وتوازي طريق «جعل» الذي يصل إلى منطقة الصناعات الثقيلة بوسط سيناء، وتحكمه كمائن أمنية عدة للشرطة والقوات المسلحة؛ وهو ما يعطيها مميزات الوجود المستقر للاستثمار.
ولا تعد مسألة الاهتمام بالمنطقة الصناعية الاستثمارية وليدة الحادث الأخير المعروف باسم «مذبحة المصلين»؛ إذ تفقدت وزيرة التعاون الدولي والاستثمار سحر نصر، في يناير (كانون الثاني) 2016 مدينة بئر العبد، وبصحبتها ممثلو 6 صناديق عربية، هي العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، والسعودي للتنمية، والكويتي للتنمية، وأبوظبي للتنمية، والأوبك للتنمية الدولية (أوفيد)، والبنك الإسلامي للتنمية، وتعهد ممثلو المؤسسات بدعم مشروع تنمية شبه جزية سيناء بتمويل يقدر بـ1.5 مليار دولار.
وتحدث نائب رئيس مدينة بئر العبد المهندس محمد عيد اللواء إلى «الشرق الأوسط»، موضحاً أن «المنطقة الصناعية تمتد على مساحة مليون مترمربع، وتم مد المرافق الحيوية لنحو 60 في المائة من مساحتها، وتضمن 96 قطعة جاهزة لإقامة مشروعات بمساحات من 2 إلى 6 آلاف مترمربع، ومقسمة إلى 150 فداناً للأنشطة الصناعية و70 فداناً للطرق، و13.5 فدان للخدمات و6.5 فدان مساحات خضراء».
ويشرح عيد، مزايا إقامة المدينة الجديدة السكانية إلى جانب المنطقة الصناعية، فيوضح أن «المسافة بينهما لا تتجاوز سوى 3 كيلومترات؛ مما يعني توفر مساكن للعمال وأسرهم».



«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
TT

«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)

دخل حزب «الوفد» المصري العريق في أزمة جديدة، على خلفية قرار رئيسه عبد السند يمامة، فصل أحد قادة الحزب ورئيسه الأسبق الدكتور السيد البدوي، على خلفية انتقادات وجَّهها الأخير إلى الإدارة الحالية، وسط مطالبات باجتماع عاجل للهيئة العليا لاحتواء الأزمة، فيما حذَّر خبراء من «موجة انشقاقات» تضرب الحزب.

وانتقد البدوي في حديث تلفزيوني، دور حزب الوفد الراهن، في سياق حديثه عمّا عدَّه «ضعفاً للحياة الحزبية» في مصر. وأعرب البدوي عن استيائه من «تراجع أداء الحزب»، الذي وصفه بأنه «لا يمثل أغلبية ولا معارضة» ويعد «بلا شكل».

وذكر البدوي، أن «انعدام وجوده (الوفد) أفقد المعارضة قيمتها، حيث كان له دور بارز في المعارضة».

و«الوفد» من الأحزاب السياسية العريقة في مصر، وهو الثالث من حيث عدد المقاعد داخل البرلمان، بواقع 39 نائباً. في حين خاض رئيسه عبد السند يمامة، انتخابات الرئاسة الأخيرة، أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحصل على المركز الرابع والأخير.

المقر الرئيسي لحزب «الوفد» في القاهرة (حزب الوفد)

وأثارت تصريحات البدوي استياء يمامة، الذي أصدر مساء الأحد، قراراً بفصل البدوي من الحزب وجميع تشكيلاته.

القرار ووجه بانتقادات واسعة داخل الحزب الليبرالي، الذي يعود تأسيسه إلى عام 1919 على يد الزعيم التاريخي سعد زغلول، حيث اتهم عدد من قادة الحزب يمامة بمخالفة لائحة الحزب، داعين إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا.

ووصف عضو الهيئة العليا للحزب فؤاد بدراوي قرار فصل البدوي بـ«الباطل»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «لائحة الحزب تنظم قرارات فصل أي قيادي بالحزب أو عضو بالهيئة العليا، حيث يتم تشكيل لجنة تضم 5 من قيادات الحزب للتحقيق معه، ثم تُرفع نتيجة التحقيق إلى (الهيئة العليا) لتتخذ قرارها».

وأكد بدراوي أن عدداً من قيادات الحزب «دعوا إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا قد يُعقد خلال الساعات القادمة لبحث الأزمة واتخاذ قرار»، معتبراً أن «البدوي لم يخطئ، فقد أبدى رأياً سياسياً، وهو أمر جيد للحزب والحياة الحزبية».

ويتخوف مراقبون من أن تتسبب الأزمة في تعميق الخلافات الداخلية بالحزب، مما يؤدي إلى «موجة انشقاقات»، وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور طارق فهمي لـ«الشرق الأوسط» إن «مشكلة فصل البدوي قد تؤدي إلى موجة انشقاقات داخل الحزب، وهي ظاهرة مرشحة للتفاقم في الحياة السياسية المصرية خلال الفترة القادمة، فمشكلة (الوفد) مثل باقي الأحزاب... لا توجد قناعة بتعدد الآراء والاستماع لجميع وجهات النظر».

وأكد فهمي أن «اجتماع الهيئة العليا لحزب (الوفد) لن يحل الأزمة، والحل السياسي هو التوصل إلى تفاهم، للحيلولة دون حدوث انشقاقات، فمشكلة (الوفد) أنه يضم تيارات وقيادات كبيرة تحمل رؤى مختلفة دون وجود مبدأ استيعاب الآراء كافة، وهو ما يؤدي إلى تكرار أزمات الحزب».

وواجه الحزب أزمات داخلية متكررة خلال السنوات الأخيرة، كان أبرزها إعلان عدد من قياداته في مايو (أيار) 2015 إطلاق حملة توقيعات لسحب الثقة من رئيسه حينها السيد البدوي، على خلفية انقسامات تفاقمت بين قياداته، مما أدى إلى تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي في الأزمة، حيث اجتمع مع قادة «الوفد» داعياً جميع الأطراف إلى «إعلاء المصلحة الوطنية، ونبذ الخلافات والانقسامات، وتوحيد الصف، وتكاتف الجهود في مواجهة مختلف التحديات»، وفق بيان للرئاسة المصرية حينها.

وأبدى فهمي تخوفه من أن «عدم التوصل إلى توافق سياسي في الأزمة الحالية قد يؤدي إلى مواجهة سياسية بين قيادات (الوفد)، ومزيد من قرارات الفصل، وهو ما سيؤثر سلباً على مكانة الحزب».

في حين رأى نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في مصر الدكتور عمرو هاشم ربيع، أن «(الوفد) سيتجاوز هذه الأزمة كما تجاوز مثلها»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأزمة ستمر مثل كثير من الأزمات، لكنها لن تمر بسهولة، وستحدث عاصفة داخل الحزب».

واستنكر ربيع فصل أحد قيادات حزب ليبرالي بسبب رأيه، قائلاً: «من الغريب أن يقوم رئيس حزب ليبرالي ينادي بحرية التعبير بفصل أحد قياداته بسبب رأيه».

كان البدوي قد أعرب عن «صدمته» من قرار فصله، وقال في مداخلة تلفزيونية، مساء الأحد، إن القرار «غير قانوني وغير متوافق مع لائحة الحزب»، مؤكداً أنه «لا يحق لرئيس الحزب اتخاذ قرار الفصل بمفرده».

وأثار القرار ما وصفها مراقبون بـ«عاصفة حزبية»، وأبدى عدد كبير من أعضاء الهيئة العليا رفضهم القرار، وقال القيادي البارز بحزب «الوفد» منير فخري عبد النور، في مداخلة تلفزيونية، إن «القرار يأتي ضمن سلسلة قرارات مخالفة للائحة الحزب، ولا بد أن تجتمع الهيئة العليا لمناقشة القرار».

ورأى عضو الهيئة العليا لحزب «الوفد» عضو مجلس النواب محمد عبد العليم داوود، أن قرار فصل البدوي «خطير»، وقال في مداخلة تلفزيونية إن «القرار لا سند له ولا مرجعية».

وفي يوليو (تموز) الماضي، شهد الحزب أزمة كبرى أيضاً بسبب مقطع فيديو جرى تداوله على نطاق واسع، على منصات التواصل الاجتماعي، يتعلق بحديث لعدد من الأشخاص، قيل إنهم قيادات بحزب «الوفد»، عن بيع قطع أثرية؛ مما أثار اتهامات لهم بـ«الاتجار غير المشروع في الآثار».