إدريس إلبا: الإخراج والموسيقى سيأخذاني إلى حيث لم أذهب من قبل

قال لـ«الشرق الأوسط» إن دوره في {الجبل بيننا} من أمتع تجاربه في التمثيل

TT

إدريس إلبا: الإخراج والموسيقى سيأخذاني إلى حيث لم أذهب من قبل

اغمض عيناً، افتح عيناً تجد إدريس إلبا أمامك. إن لم يكن بلقاء حاذى عروض فيلمه الجديد «الجبل بيننا» في لندن قبل أشهر، فعلى الشاشة؛ كونه لا يتوقف عن العمل.
إدريس ألبا، المولود في السادس من سبتمبر (أيلول) سنة 1972 مثّل في خمسين فيلماً حتى الآن، بينها 19عملاً خلال السنوات الخمس الأخيرة. وبينما تم عرض The Mountain Between Us في مهرجان تورونتو في احتفال خاص في التاسع من العام الحالي، كانت صالات السينما تشهد عروض Thor‪:‬ Ragnarok وبقايا The Dark Tower وتحضّر نفسها لـ«لعبة مولي» (Molly‪›‬s Game).
معظم أدواره أكشن وحركة؛ لأنه يتمتع بتلك القامة الرشيقة والبدن الجاهز للملمات. لكن المرء يستطيع أن يلتقط بضعة أدوار كوميدية وعاطفية في مطلع عهده بالتمثيل كما في Belle Maman وOne Love وThe Gospel.
قبل عشر سنوات لعب دوره المهم الأول، وذلك في «28 أسبوعاً لاحقاً»: رعب، مثل فيه دور ناج وحيد من الزومبي بعدما شاع الفيروس في لندن وما عاد من الممكن إنقاذها. المخرج ريدلي سكوت أعطاه دوراً رئيسياً في «غانغستر أميركي» في العام نفسه، ثم توالت أدواره وصولاً إلى أعماله الأخيرة التي من بينها فيلم هاني أبو أسعد الجديد «الجبل بيننا»، حيث يؤدي إلبا شخصية الجراح الذي يستأجر، مع امرأة لا يعرفها تؤديها كيت ونسلت، طائرة صغيرة ما أن تطير فوق جبال ثلجية مقطوعة عن الحضارة حتى تسقط بمن فيها. الباقي، مغامرة تجتاز على التوالي حالة خطرة بعد حالة خطرة أخرى، ثم نهاية منفصلة تضعف الفيلم؛ كونها تلجأ إلى كل «كليشيه» عاطفي في البال.

مرحلة تحوّل
> هذا العام المقترب من نهايته والعام الماضي يبدوان أكثر أعوامك نشاطاً. خمسة أفلام هذه السنة وستة في العام الماضي. هل لديك تفسير لذلك؟
- أحب أن أتحدى نفسي ليس بالكمّ، بل بالنوع ومعظم الأفلام التي أقوم بها، وأستثني قليلاً منها، كانت تعبيراً عن رغبتي في أن أجد نفسي في موقع جيد طوال الوقت. اسمع، أنا في الخامسة والأربعين من العمر، وأعتقد أنني أريد، خلال السنوات الخمس المقبلة، التحوّل إلى الإخراج كلياً.
> بدأت هذا التحول بالفعل. لديك فيلم عنوانه Yardie...
- صحيح. هذا الفيلم جاء فرصةً وانتهزتها، وهو الآن في مرحلة التوليف. ووجدت نفسي أحب هذا التحوّل في هذه المرحلة بالتحديد.
> ما المثير في العمل كمخرج؟
- الفرصة في أن تتحدث عن التمثيل وعن التصوير، وعن كل ما يتألف منه الفيلم.
> هل استفدت من عملك مع مخرجين كثيرين عملت تحت إدارتهم، أو أنك لم تكن تقف وتراقبهم أثناء العمل.
- المؤكد أنني استفدت، ولم أكن مجرد ممثل ينتظر أمر المخرج بالتصوير أو التوقف عن التصوير. عملت مع مخرجين مختلفين وكنت أراقب ما يفعلونه. الإخراج كان مثل اللغة الثانية لي (إلى جانب التمثيل). الإخراج والتأليف الموسيقي في رأيي سيأخذاني إلى حيث لم أذهب من قبل، وأنا أعيش إثارة حتمية. أشعر بأنني أقدِم على نقلة مختلفة تماماً وكبيرة تماماً.
> في «الجبل بيننا» تعاملت مع المخرج هاني أبو أسعد الآتي من فلسطين. هو أحد المخرجين الأميركيين العرب القليلين الذي يعملون في هوليوود. كيف وجدته خلال التصوير؟
- أحببت العمل على هذا الفيلم وأحببت العمل معه. أحب المخرج الذي يعطيني نسخة مما يفكر به ثم يتركني أعمل على هذه النسخة. أبو أسعد هو من هؤلاء المخرجين. هو يعلم ما يريد، ولديه الرغبة في العمل مع المشاعر وليس فقط مع الحركة التي تسود الفيلم.
> أي نوع من المخرجين تشعر بأنك لا تحبذ العمل معهم؟
- بالنتيجة، كل تجربة مع أي مخرج محترف هي كسب لي. لكن هناك مخرجين كثيري الاهتمام بالتفاصيل: أين ستضع يدك حين تقول عبارة معينة، أو كيف ستحرك رأسك كرد فعل على ما يقوله الممثل الآخر. هذا ليس هيناً اتباعه، لكن في بعض الأحيان لدى المخرج أسبابه وأنت تقول لنفسك حين تشاهد الفيلم... «هذا ما عناه ولهذا السبب طلب مني هذه الحركة تحديداً».

إقناع طبيعي
> في «الجبل بيننا» تمثل أمام كيت ونسلت معظم الوقت. لا أذكر لك فيلماً آخر من هذا النوع. هل كانت التجربة مثمرة على أي نحو؟
- نعم. بأمانة، كانت هذه التجربة واحدة من أمتع تجاربي في التمثيل. كنت قابلت كيت في حفلة بافتا قبل أكثر من عام وطلبت منها أن تقرأ هذا السيناريو وعندما وافقت عليه أشعرتني بأنها مهتمة فعلاً بتمثيله. لم أعرفها جيداً من قبل، لكني كنت معجباً بها جداً.
> ما الذي يميزها خلال العمل في رأيك؟
- إنها لا تريد أن تمثل مشهداً من دون أن يكون المشهد صادقاً لشخصيتها هي.
> أخبرني هاني أنك لا تميل إلى «البروفات» المسبقة، لكنك قمت بها في هذا الفيلم. هل صحيح أنك لا تجري تدريبات على الدور؟
- أعتقد أن السحر يقع بين بداية تصوير اللقطة ونهايتها. هنا تكمن التلقائية. لكن إذا كانت الممثلة التي معي، أو أي ممثل آخر، يود القيام بتمرينات فأنا مستعد. كيت من هذا النوع الذي يؤيد التأكد من أن الأداء يصل إلى أعلى مستواه من خلال التدريبات، وقد استجبت لرغبتها من دون تردد.
> في بعض أفلامك السابقة مثلت أدواراً تتطلب جهداً بدنياً كما الحال في «الجبل بيننا». وأنت بلا ريب تتمتع بالقدرة التي تمكنك من ذلك. هل تقوم بتمارين يومية وتحافظ على نظام غذائي معين؟
- طبعاً أقوم بكل ذلك. أعتقد أنني أدركت من أفلامي الأولى قبل عشرين سنة أن اللياقة البدنية ضرورية بالنسبة لي. لا أسعى لكي أبدو كما لو كنت أتمتع بعضلات نافرة، لكني أحب أن أبدو مقنعاً على نحو طبيعي عندما أمثل فيلماً يتطلب مني الحركة أو الجهد البدني الإضافي. إنها من مكونات العمل.
> شاهدتك قبل أكثر من سنة في Bastille Day... أكشن طوال الوقت في دور محترف من عملاء CIA... ذكرني ذلك ما تردد عن أنك ستكون جيمس بوند المقبل...
- لا أعتقد أن ذلك أمر محتمل.
> لكن لحين بدا كما لو أنهم يفكرون بك بديلاً مقبلاً.
- نعم، لكن الأمر كان مجرد شائعة. لم يتم التفكير بي على ما أعلم. هم مقتنعون جداً بالممثل الذي يقوم بدور بوند حالياً، وهو ممتاز. لكن ماذا سيفكرون بعد ذلك؟ أمر عائد لهم.


مقالات ذات صلة

يوميات الشرق عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

قال الفنان المصري عصام عمر إن فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يجمع بين المتعة والفن ويعبر عن الناس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق محمد سعد في العرض الخاص لفيلم «الدشاش» (الشركة المنتجة للفيلم)

هل استعاد محمد سعد «توازنه» بفضل «الدشاش»؟

حقق فيلم «الدشاش» للفنان المصري محمد سعد الإيرادات اليومية لشباك التذاكر المصري منذ طرحه بدور العرض.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق تماثيل وقوالب من الفخار مصنوعة قبل الميلاد (مكتبة الإسكندرية)

«صناعة الفخار»... وثائقي مصري يستدعي حرفة من زمن الفراعنة

يستدعي الفيلم الوثائقي «حرفة الفخار» تاريخ هذه الصناعة التي تحمل طابعاً فنياً في بعض جوانبها، على مدى التاريخ المصري القديم، منذ أيام الفراعنة.

محمد الكفراوي (القاهرة)

بشير الديك كتب للسينما البديلة والسائدة معاً

أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
TT

بشير الديك كتب للسينما البديلة والسائدة معاً

أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»

بشير الديك، كاتب القصّة والسيناريو لعدد كبير من الأفلام المصرية طوال العقود الأربعين الماضية، الذي توفي في اليوم الأخير من العام الراحل، 2024، كان أحد السينمائيين الخارجين عن قوانين السينما التقليدية في النصف الأول من سنوات مهنته. لكن على الرغم من أنه في النصف الثاني وقّع على أعمال كثيرة من التي يمكن وصفها بالتقليدية، ومن بينها 6 أفلام من بطولة نادية الجندي، فإنه واظب على معالجة نصوصه باحتراف يجمع بين حكايات تحمل مضامين تنتمي إلى نزعة جادة وتنشد ميزانيات كبيرة.

لعل حقيقة أن نادية الجندي كانت تصبو دوماً إلى أدوار تخلّدها وأفلام تحافظ عبرها على مكانتها لعب بشير الديك دوراً في تلبية هذه الرغبات عبر حكايات تشويقية في المقام الأول، وشخصية رئيسية مضخّمة وذلك في أفضل نصوص ممكنة ضمن التوليفة التجارية.

بدأ هذا التعاون على نحوٍ ثلاثي: بشير الديك يكتب، ونادر جلال يُخرِج ونادية الجندي تلعب دور البطولة. هذه الأفلام هي «الإرهاب» (1989)، و«شبكة الموت» (1990)، و«عصر القوّة» (1991)، ومن ثَمّ «مهمّة في تل أبيب» (1992)، و«الشطّار» (1993)، ولاحقاً «امرأة هزّت عرش مصر» (1995).

كمال الشناوي ونادية الجندي في «مهمّة في تل أبيب»

‫اتجاهان‬

بعد بدايات متفاوتة الأهمية من بينها «مع سبق الإصرار» لأشرف فهمي (1979)، و«دعوني أنتقم» لتيسير عبّود (1979)، و«الأبالسة» لعلي عبد الخالق (1980) التحق الديك ببدايات المخرج الراحل محمد خان عبر 6 أفلام هي «الرغبة» (1980)، و«موعد على العشاء» (1981)، و«طائر على الطريق» (1981)، و«نص أرنب» (1983)، و«يوسف وزينب» (1984) و«الحرّيف» (1984) وكلها من أفضل ما حققه خان.

تعامُل الديك مع الموضوعات الجادة التي عرفتها تلك الأفلام سمح له بكتابة واحد من أفضل أعماله وهو «سواق الأتوبيس»، الذي حققه الراحل عاطف الطيب سنة 1982، وكلاهما لاحقاً تعاونا على تحقيق فيلم مهم (أكثر مما كان جيداً) آخر هو «ناجي العلي» (1992). لجانبهما فيلم ثالث هو «ضد الحكومة» (1992) من بطولة أحمد زكي ولبلبة.

في تقييم كتابات بشير الديك تتداخل بعض العناصر التي يمكن إيجاز هذا التقييم عبرها.

من ناحية، حاول دوماً التطرّق صوب قضايا مهمّة تطرح قصصاً ذات جانبٍ وطني مثل «مهمّة في تل أبيب»، الذي دار حول جاسوسة مصرية تعمل لصالح إسرائيل، ومن ثَمّ تندم فتطلب منها الاستخبارات المصرية (ممثلة بكمال الشناوي)، العمل لحساب مصر وتنجح. «ناجي العلي» ينضم إلى هذا النحو من الأعمال.

السيناريست المصري بشير الديك (وزارة الثقافة)

في ناحية أخرى، لم يتأخر عن كتابة ما كان سائداً في الثمانينات والتسعينات من اتجاه صوب الحديث عن مراكز قوى في الشارع المصري والصراع بين الأخيار والأشرار. هذه الموجة لم تعرف بداية ونهاية محدودتين فتاريخها عريق يعود لعقود سابقة، لكنها عرفت في تلك الفترة تدافعاً بين المخرجين للحديث عن تلك المراكز في حارات القاهرة (في مقابل الكثير من صراع الخير والشر على ساحلَي بور سعيد والإسكندرية في أفلام الخمسينات والستينات) في أجواء ليست بعيدة عن الخط الذي وضعه نجيب محفوظ وشخصياته.

مخرجون عديدون حقّقوا هذه الأفلام التي شُكّلت حكاياتها من صراع القوى في الشارع المصري مثل أشرف فهمي («الأقوياء»، 1982)، وأحمد السبعاوي («السلخانة» 1982 و«برج المدابغ» 1983) وكمال صلاح الدين («جدعان باب الشعرية» 1983). لكن من مزايا ما كتبه بشير الديك في هذه الأعمال التي لاقت رواجاً جماهيرياً إنه كتب ما هو أعمق في دلالاته من قصص المعلّم الشرير ضد سكان منطقته وأزلامه الذين يتصدّون للأبرياء إلى أن يخرج من رحم تلك الحارة من يواجههم جميعاً.

بداية من «نصف أرنب» توّجه الديك إلى حكاية تشويقية ذات طابع بوليسي، وفي «سوّاق الأتوبيس» وقف مع ابن المدينة في موضوع حول تفتت المجتمع مادياً. أما في «الحرّيف» فنقل اهتمامه إلى الوسط المهمّش من سكان القاهرة وأحلامهم ومتاعبهم الشخصية.

‫هموم المجتمع‬

ما يجمع بين هذه الأعمال هموم تسلّلت إلى عدد كبير من كتابات بشير الديك السينمائية.

في مقابلة تمّت بين المخرج عاطف الطيب وبيني بعد مشاهدة فيلمه النيّر «سواق الأوتوبيس»، سألت المخرج عن كيف بدأ التفكير في تحقيق «سوّاق الأتوبيس». أجاب: «بدأت الفكرة في جلسة صداقة مع بشير الديك ومحمد خان. وكنا نتحدث بشأن همومنا وطموحنا الخاص لصنع سينما أخرى مختلفة، وكانت الظروف الحياتية نفسها تجمعنا كلنا تقريباً. فقد كنت أشعر في ذلك الوقت بالذنب إزاء فيلمي الأول (يقصد «الغيرة القاتلة»، 1982)، الذي اضطُرِرت فيه إلى الاعتماد على سيناريو مأخوذ عن أصل أدبي (أجنبي) رغم إيماني الدائم بضرورة الكتابة المباشرة للسينما. اقترح محمد خان وبشير الديك فكرة وُضع لها عنوان: (حطمت قيودي)، تدور حول عائلة مهدّدة بالضياع نتيجة فقدان الأب للورشة التي أسسها وبحْثُ الابن، سائق الأتوبيس، عن مخرج من الأزمة بلا جدوى وأعجبتني الفكرة، خصوصاً أنني أميل كثيراً إلى الدراما التي تدور في نطاق عائلة. وبدأنا بالفعل في تطوير الفكرة خلال الكتابة وتبادل الآراء. وكنا كلما نتعمق في الموضوع تتضح لنا أهمية الفكرة التي نريد التعبير عنها. في الكتابة الثانية للسيناريو، وصل الفيلم إلى ما أصبح عليه».

كتب بشير الديك نحو 60 فيلماً ومسلسلاً تلفزيونياً، معظمها جمع هذه الصفات المجتمعية على نحو سائد أو مخفف. هذا ما جعله أحد أبرز كتاب السيناريو في مصر في حقبة كان للسينما البديلة والمستقلة عن السائد دور فاعل في نهضة الفيلم المصري عموماً.

مع الطيّب وخان ورضوان الكاشف ورؤوف توفيق وخيري بشارة ورأفت الميهي وسواهم، ساهم بشير الديك في منح تلك الفترة مكانتها الساطعة التي لا تغيب.