سنوات السينما: إلى أين؟ (1956) احتفاء بجورج نصر... ما له وما عليه

الاحتفاء بالمخرج اللبناني جورج نصر إشكال كبير؛ لأنه محمّـل بمستويات مختلفة من الدلائل والأفكار.
في السادس والعشرين من شهر أبريل (نيسان) في هذا العام، قام مهرجان طرابلس (وهو مهرجان صغير وطموح معاً) بالاحتفاء بمرور 60 سنة على عرض فيلم «إلى أين؟» في مهرجان «كان» السينمائي الذي كان لا يزال طفلاً يحبو آنذاك.
وبعد ذلك بشهر تم لمهرجان «كان» الاحتفاء بالمخرج اللبناني في استعادة خاصّـة لذلك الفيلم.
وقبل أكثر من شهر وأسبوع أقيم معرض لدور نشر فرنسية في بيروت (سبق «معرض الكتاب اللبناني» الذي أقيم مؤخراً)، حيث وقّـع المخرج على كتاب له بالفرنسية (وضعه مع غسان قطيط) حول حياته وأعماله.
ثم أهدته لجنة تحكيم «آفاق السينما العربية» الملتحق بمهرجان القاهرة جائزتها الأولى بطريق غير مباشر بعدما قدّم المخرجان نبيل مسعد وأنطوان وأكد فيلماً وثائقياً عنه بعنوان «نصر».
بكل ذلك بدأ المخرج اللبناني، الذي لم يحقق سوى ثلاثة أفلام، آخرها قبيل نشوب الحرب الأهلية في لبنان، كما لو أنه إعادة اكتشاف.
«إلى أين؟»، فيلمه الأول، هو عن عودة الزوج الذي هاجر قبل عشرين سنة إلى عائلته اللبنانية. كان قرر أن ينتقل إلى الغرب ليحقق آماله على أن تتبعه زوجته وولداه الصغيران إلى حيث اختار هجرته. لكن الرجل يخفق في تحقيق أي من ذلك. لم يبن صرحاً ولا حقق نجاحاً ولا استدعى عائلته لتكون إلى جانبه. عوض كل ذلك عاد بعد 20 سنة ليعيش قريباً من زوجة فقدت زهرة شبابها وولدين، أحدهما يفكر بالهجرة مثله من دون أن تعلم عائلته إنه عاد. لكن عندما يكتشف أن ابنه يريد الهجرة يظهر له ناصحاً طالباً منه أن يكف عن هذا الحلم.
كل هذا من دون أن يكشف عن حقيقته، وبينما كانت الأحداث تنتقل من وضع مأساوي إلى آخر، وليس بالطريقة التي يمكن أن تبتعد بالفيلم عن الميلودرمات ذات الخطب الوعظية عن حب الوطن وضرورة التمسك به وعدم تكرار الخطأ الذي ارتكبه الأب.
هذا كله من دون أن يبسط الفيلم وعيه ليجد أن هناك من هاجر وندم، وهناك من هاجر وسعد، ثم هناك من يعيش مطموراً في وطنه أو متألقاً فيه.
على هذا كله، لم يكن المشروع آتياً من خيال محض. جورج نصر كان وصل إلى نيويورك (افتراضياً في طريقة إلى لوس أنجليس لدراسة السينما) وشاهد بأم عينيه حالاً بائساً لمهاجرين لبنانيين (أوضح ذلك في مقابلة أجرتها معه محطة OTV اللبنانية) كانوا يفترشون الأرصفة للنوم أو يقفون عند مدخل المطاعم بانتظار لملمة بقايا الطعام.
هناك مشاهد رقص دبكة ومشاهد عرس والباقي مشاهد من وجهة نظر ذلك المهاجر المحبط العائد خائفاً من كشف هويته حتى لا يُلام. وهي - فنياً وبالإجمال - مقبولة في تلك الآونة أكثر منها اليوم، حيث تبدو الآن تابعة عنيدة لسينما مضت وأفلت.
على ذلك، فإن مستوى حرفية جورج نصر الفنية أعلى من مستوى الحكاية التي ابتدعها؛ لأنه في حين أنه لا يكفي أن يكون الموضوع ثمرة مشاهد واقعية عاصرها المخرج، فإنه لا يكفي أيضاً اعتماد نية الإدلاء بشهادة ضد الهجرة ليكون الفيلم فاعلاً في هذا الصدد.