خادم الحرمين مفتتحاً أعمال «الشورى»: لا مكان بيننا لمتطرف يرى الاعتدال انحلالاً

أكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، أن لبلاده دوراً مؤثراً في المنظمات الإقليمية والدولية وتحظى بتقدير إقليمي وعالمي، وأنها تواصل دورها الريادي الفاعل في التصدي لظاهرة الإرهاب وتجفيف منابعه، وتعمل مع حلفائها لمواجهة نزعة التدخل في شؤون الدول الداخلية، وتأجيج الفتن الطائفية وزعزعة الأمن والاستقرار، كما تسعى إلى ترسيخ قيم التسامح والتعايش، وتعمل على رفع المعاناة عن الشعوب.
جاء ذلك في كلمة خادم الحرمين الشريفين، لدى افتتاحه أعمال السنة الثانية من الدورة السابعة لمجلس الشورى، بمقر المجلس في الرياض، أمس، حيث وجه بتوزيع كلمته الضافية على أعضاء المجلس والحضور، وتناول خلالها سياسة بلاده الداخلية وما يجري في محيطيها الإقليمي والدولي من أحداث وأوضاع.
وتطرقت كلمة الملك سلمان الافتتاحية، إلى جملة من الملفات داخلياً، ومنها مكافحة الفساد بكل أنواعه وأشكاله، والذي وصفه خادم الحرمين الشريفين، بأنه «آفة خطيرة تقوض المجتمعات وتحول دون نهضتها وتنميتها»، وقال: «قد عزمنا - بحول الله وقوته - على مواجهته بعدل وحزم لتنعم بلادنا - بإذن الله - بالنهضة والتنمية التي يرجوها كل مواطن، وفي هذا السياق جاء أمرنا بتشكيل لجنة عليا لقضايا الفساد العام برئاسة سمو ولي العهد، ونحمد الله أن هؤلاء قلة قليلة».
وأشار في كلمته، إلى أن البلاد ماضية قدماً نحو تطوير حاضرها وبناء مستقبلها على طريق التنمية والتحديث والتطوير المستمر «بما لا يتعارض مع ثوابتها، متمسكين بالوسطية سبيلاً، والاعتدال نهجاً كما أمرنا الله»، وقال محذراً في هذا السياق: «رسالتنا للجميع أنه لا مكان بيننا لمتطرف يرى الاعتدال انحلالاً ويستغل عقيدتنا السمحة لتحقيق أهدافه، ولا مكان لمنحل يرى في حربنا على التطرف وسيلة لنشر الانحلال واستغلال يسر الدين لتحقيق أهدافه، وسنحاسب كل من يتجاوز ذلك؛ فنحن - إن شاء الله -حماة الدين، وقد شرفنا الله بخدمة الإسلام والمسلمين».
وثمّن الملك سلمان، دور القطاع الخاص شريكاً مهماً في التنمية، وداعماً الاقتصاد الوطني، وقال: «سنستمر - بمشيئة الله - في تمكين القطاع الخاص وتحفيزه بما يحقق المزيد من النمو والتنمية».
وحول السياسة الخارجية لبلاده، أوضح خادم الحرمين الشريفين، أن المملكة أسست لعمل مشترك يستهدف تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، كما أنها دعت إلى حلول سياسية «للخروج من أزمات المنطقة وحل قضاياها، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية واستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة، بما في ذلك حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية».
وقال خادم الحرمين الشريفين: «وفي هذه المناسبة أؤكد استنكار المملكة وأسفها الشديد للقرار الأميركي بشأن القدس لما يمثله من انحياز كبير ضد حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية والثابتة في القدس التي كفلتها القرارات الدولية ذات الصلة، وحظيت باعتراف وتأييد المجتمع الدولي».
وشدد على أن السعودية تعمل مع حلفائها على مواجهة نزعة التدخل في شؤون الدول الداخلية وتأجيج الفتن الطائفية وزعزعة الأمن والاستقرار الإقليميين، كما تسعى إلى ترسيخ قيم التسامح والتعايش، وتعمل على رفع المعاناة عن الشعوب.
وفيما يلي نص الكلمة الملكية التي افتتح بها أعمال السنة الثانية لمجلس الشورى:
«بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله... أيها الإخوة والأخوات: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: يسعدني أن أفتتح اليوم أعمال السنة الثانية من الدورة السابعة لمجلس الشورى، سائلاً الله - عز وجل - أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن يأخذ بأيدينا إلى ما فيه خير البلاد والعباد، مقدراً للمجلس جهوده وأعماله، ومتمنياً لكم التوفيق.
لقد قامت المملكة منذ أن أسسها الملك عبد العزيز- رحمه الله - على تطبيق شرع الله، والالتزام بالعقيدة الإسلامية، وعلى العدل في جميع الأمور، والأخذ بمبدأ الشورى.
ونحمد الله على نعمه التامة، ونشكره على ما وفقنا إليه من شرف خدمة بيته الحرام، ومسجد رسوله - صلى الله عليه وسلم - وضيوف الرحمن من الحجاج والمعتمرين والزوار.
أيها الإخوة والأخوات: لما تحمله (رؤية المملكة 2030) من خطط وبرامج تنموية تستهدف إعداد المملكة للمستقبل الواعد - بإذن الله - وتحقيقاً لأهداف (الرؤية) تمت إعادة هيكلة بعض الأجهزة الحكومية، واتخاذ عدد من القرارات لخدمة مصلحة المجتمع، وتعزيز أمن الوطن ومكافحة الفساد، وزيادة مشاركة المواطنين والمواطنات في التنمية الوطنية.
ونحن نثمن دور القطاع الخاص شريكاً هاماً في التنمية ودعمه الاقتصاد الوطني، والتوسع في توظيف شباب الوطن وشاباته، وتوطين التقنية، وسنستمر - بمشيئة الله - في تمكين القطاع الخاص وتحفيزه بما يحقق المزيد من النمو والتنمية.
ولقد وجهت الوزراء والمسؤولين لتسهيل الإجراءات وتوفير مزيد من الخدمات بجودة عالية للمواطنين والمواطنات والتوسع في عدد من البرامج التي تمس حاجات المواطنين الرئيسة، ومن أهمها برنامج الإسكان.
أيها الإخوة والأخوات: إن الفساد بكل أنواعه وأشكاله آفة خطيرة تقوض المجتمعات وتحول دون نهضتها وتنميتها، وقد عزمنا - بحول الله وقوته - على مواجهته بعدل وحزم لتنعم بلادنا - بإذن الله - بالنهضة والتنمية التي يرجوها كل مواطن، وفي هذا السياق جاء أمرنا بتشكيل لجنة عليا لقضايا الفساد العام برئاسة سمو ولي العهد، ونحمد الله أن هؤلاء قلة قليلة.
وما بدر منهم لا ينال من نزاهة مواطني هذه البلاد الطاهرة الشرفاء من الأمراء والوزراء ورجال الأعمال والموظفين والعاملين على كافة المستويات وفي مختلف مواقع المسؤولية في القطاعين العام والخاص، وكذلك المقيمون بها من عاملين ومستثمرين، الذين نعتز ونفخر بهم ونشد على أيديهم ونتمنى لهم التوفيق.
أيها الإخوة والأخوات: تسعى بلادكم إلى تطوير حاضرها وبناء مستقبلها، والمضي قدماً على طريق التنمية والتحديث والتطوير المستمر بما لا يتعارض مع ثوابتها، متمسكين بالوسطية سبيلاً والاعتدال نهجاً كما أمرنا الله بذلك، معتزين بقيمنا وثوابتنا.
ورسالتنا للجميع، أنه لا مكان بيننا لمتطرف يرى الاعتدال انحلالاً ويستغل عقيدتنا السمحة لتحقيق أهدافه، ولا مكان لمنحل يرى في حربنا على التطرف وسيلة لنشر الانحلال واستغلال يسر الدين لتحقيق أهدافه، وسنحاسب كل من يتجاوز ذلك؛ فنحن - إن شاء الله - حماة الدين، وقد شرفنا الله بخدمة الإسلام والمسلمين ونسأله - سبحانه - السداد والتوفيق.
أيها الإخوة والأخوات: للمملكة دور مؤثر في المنظمات الإقليمية والدولية، وتحظى بتقدير إقليمي وعالمي مكّنها من عقد قمم تاريخية في توقيتها ومقرراتها، شارك فيها عدد كبير من قادة الدول الشقيقة والصديقة، وأسست لعمل مشترك يستهدف تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم. وقد واصلت المملكة دورها الريادي الفاعل في التصدي لظاهرة الإرهاب وتجفيف منابعه، ودعت المملكة إلى الحل السياسي للخروج من أزمات المنطقة وحل قضاياها، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية واستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة، بما في ذلك حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
وفي هذه المناسبة، أؤكد استنكار المملكة وأسفها الشديد للقرار الأميركي بشأن القدس لما يمثله من انحياز كبير ضد حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية والثابتة في القدس التي كفلتها القرارات الدولية ذات الصلة، وحظيت باعتراف وتأييد المجتمع الدولي.
ومن جانب آخر، فإن المملكة تعمل مع حلفائها لمواجهة نزعة التدخل في شؤون الدول الداخلية وتأجيج الفتن الطائفية وزعزعة الأمن والاستقرار الإقليميين.
وتسعى إلى ترسيخ قيم التسامح والتعايش، وتعمل على رفع المعاناة عن الشعوب.
وفي خطابي الموزع عليكم استعراض شامل لسياسة حكومتكم الداخلية والخارجية، ورصد لمنجزاتها خلال العام المنصرم، وأسال الله تعالى أن يوفقنا جميعاً لخدمة وطننا الغالي، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».
وكان في استقبال خادم الحرمين الشريفين، لدى وصوله إلى مقر مجلس الشورى، الأمير عبد الإله بن عبد العزيز، المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين، والأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض، والأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، والأمير محمد بن عبد الرحمن بن عبد العزيز، نائب أمير منطقة الرياض، والأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف بن عبد العزيز، وزير الداخلية، والشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، والشيخ الدكتور عبد الله آل الشيخ، رئيس مجلس الشورى، وكبار المسؤولين في مجلس الشورى ورؤساء اللجان.
من جانبه، قدم الشيخ الدكتور عبد الله آل الشيخ رئيس مجلس الشورى، خلال كلمته أمام خادم الحرمين الشريفين، رصداً عن أهم ما تم إنجازه في السنة الماضية، وهي السنة الأولى من الدورة السابعة للمجلس، مبيناً أنه تم عقد 66 جلسة، كان نتاجها أكثر من مائتي قرار، ستة وعشرون منها تتعلق بالأنظمة واللوائح، وسبعة وستون قراراً تتعلق بالتقارير السنوية، في حين تتعلق ستة وتسعون قراراً بالاتفاقيات والمعاهدات ومذكرات التفاهم، كما درس المجلس كثيراً من الأنظمة واللوائح والمقترحات.
وبيّن الشيخ الدكتور عبد الله آل الشيخ، أن المجلس دأب في دراساته ومناقشاته وأثناء جلساته على دعوة بعض الوزراء والمسؤولين المعنيين بالموضوع محل الدراسة والمناقشة للاستيضاح عن أداء الوزارات والأجهزة الحكومية وجهودها وخدماتها، وما لديها من برامج وخطط.
وقال مخاطباً الملك سلمان: «ندرك أن الآمال والتطلعات كبيرة، ونحن في مجلس الشورى ماضون - بعون الله... ثم بدعمكم واهتمامكم نحو الرقي بالأداء الذي يلبي طموحاتكم، ويحقق ما ينشده مواطنو هذه البلاد وما يؤملونه من هذا المجلس».
وأكد أن المجلس «سيضاعف جهوده نحو تنفيذ رؤيتكم وتحقيق آمالكم في خدمة هذا الشعب والارتقاء بهذا الوطن العزيز».
من جهته، قال سعد الماجد، الأمين العام لهيئة كبار العلماء بالسعودية، خلال تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «إن الخطاب ركز على عدد من القضايا الداخلية والخارجية التي تناولت سياسة المملكة في الداخل والخارج، وركزت بصورة واضحة على كتاب الله - عز وجل - وسنة رسوله الكريم»، مشيراً إلى أن السعودية تعمل على خدمة الحرمين الشريفين والمسلمين وقضايا المسلمين في كل مكان.
وبيّن الماجد خلال تصريحات، أن سياق كلمة خادم الحرمين الشريفين اشتملت على الاهتمام بالقضية الفلسطينية والحل العادل لها، مؤكداً أن هناك سعادة بالغة في الخطاب الملكي بما حواه من محاور مست الشأن الداخلي والخارجي.
حضر حفل الافتتاح، الأمراء والعلماء والمشايخ والوزراء وكبار المسؤولين، وأعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدون لدى السعودية.