تفاؤل حذر بتحسن أوضاع المنطقة في «المنتدى العربي» بدبي

أبدى قادة وخبراء عالميون تفاؤلاً حذراً حيال الأوضاع السياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مشيرين إلى وجود عدد من الملفات المؤثرة كالملف اليمني والسوري والليبي لم تنتهِ حتى الآن، في حين يتوقع أن تحل أزمة اليمن خلال العام المقبل.
وتوقع المشاركون في المنتدى الاستراتيجي العربي الذي عقد دورته العاشرة في دبي أمس، أن تشهد أسعار النفط متوسطاً سعرياً ما بين 55 دولاراً إلى 60 دولاراً، خلال العام المقبل، في حين لا تزال الرؤية غير واضحة المعالم حيال وجود نمو أو انكماش اقتصادي في الدول العربية، كما تعاني من ضعف في تأمين فرص العمل مع وجود تحدٍ في تخفيض نسب البطالة، حيث تحتاج الدول العربية إلى ما يقارب 16 مليون فرصة عمل خلال السنوات الخمس المقبلة.
وقال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، إنه متفائل بعام 2018 اقتصادياً، وإن متغيرات 2018 ستكون محصلتها إيجابية للإمارات؛ لأنها أكثر استعداداً سياسياً واقتصادياً وعلمياً، مؤكداً أن «لدينا قاعدة اقتصادية متنوعة، وحركة تجارة دولية قوية، وخبرات كبيرة تؤهلنا للتعامل والاستفادة من متغيرات 2018 الاقتصادية كافة».
وأضاف: «لدينا دول عربية كبرى ستشهد إصلاحات اقتصادية ضخمة العام القادم، وإن الدول المصدرة للنفط تكيفت اقتصادياً مع أسعاره، والإصلاحات الاقتصادية في عالمنا العربي هي مؤشرات إيجابية للمستقبل».
وأمل نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي أن يحمل عام 2018 عدداً من التغيرات الإيجابية على الصعيد السياسي في المنطقة، وقال: «نأمل أن يكون عام 2018 عام انفراج لبعض الأزمات العربية الحادة».
ولفت إلى أن العالم أصبح أكثر ترابطاً من أي وقت مضى، وما يحدث في أي بقعة منه تنعكس آثاره على البلدان كافة، وقال: «العالم العربي يمر بتغيرات متسارعة سياسياً واقتصادياً، والدول التي لا تواكب سرعة التغيرات تخاطر بالتأخر لسنوات طويلة»
وتضمن برنامج المنتدى بدورته العاشرة ست جلسات تناولت في محاورها حالة العالم والعالم العربي اقتصادياً وسياسياً في 2018. وشملت قائمة المتحدثين كلاً من فرنسوا أولاند الرئيس الفرنسي السابق الذي ناقش احتمالات تفكك الاتحاد الأوروبي، وروبرت غيتس، وزير الدفاع الأميركي السابق، الذي طرح إشكالية تحول العالم إلى ساحة لصراع نووي بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة في 2018.
وحول حالة العالم سياسياً في 2018، قال فرنسوا أولاند الرئيس الفرنسي السابق: «بريطانيا ستتأثر بخروجها من الاتحاد الأوروبي أكثر من التأثر دول الاتحاد الأوروبي، وبخاصة بعد بقاء اسكوتلندا وآيرلندا الشمالية بعد خروج بريطانيا، بالإضافة، ستبقى قيادة فرنسا قوية ولن تهز مكانتها عبر دول العالم، وبخاصة دول الاتحاد الأوروبي».
وأضاف أولاند: «لم تكن فرنسا في موقف ملائم كالتي هي عليه اليوم»، موضحاً أن العام المقبل لن يشهد أي أحداث غير متوقعة، وقال خلال مشاركته في المنتدى: «نحن في حاجة إلى ضمان دعم العراق وحمايته من أي تدخلات».
من جانبه، قال الدكتور روبرت غيتس، وزير الدفاع الأميركي السابق: «هناك خشية أن تستمر كوريا الشمالية في تطوير منظومة أسلحتها الباليستية العابرة للقارات؛ مما سيخلق توتراً في العلاقات الدولية، لكنني أستبعد حدوث صدام عسكري، وأتوقع أن تستقر الأمور من خلال الحوار».
وتوقع غيتس أن يستمر الإرهاب في استهداف مدن كبرى في العالم رغم هزيمة «داعش» داخل العراق وسوريا، وطالب بضرورة رفع التنسيق بين دول العالم للسيطرة توسع الجماعات الإرهابية، ومنعها من امتلاك أسلحة دمار شامل.
وحول التجارة العالمية، قال وزير الدفاع الأميركي السابق: «سنتجه أكثر نحو التجارة الثنائية بدلاً من التجارة متعددة الأطراف، لكن في رأيي أنها خطوة سيئة»، كما أشار إلى أن مقاطعة كاتالونيا ستبقى جزءاً من إسبانيا، إلا أنه استدرك وقال: «قد تكون هناك اتفاقيات جديدة حول استقلاليتها»، كما توقع وجود احتمال متزايد بحدوث صدام بين إسرائيل و«حزب الله» على ضوء التوتر المتصاعد بين الطرفين، وبخاصة بعد الانتصار الذي يعتقد مقاتلو الحزب أنهم حققوه في سوريا، وأضاف: «إن إيران سترفع من حدة التوتر بين السنة والشيعة من خلال التصعيد في اليمن وسوريا ودعم الجماعات الموالية لها».
وقال: إن من أبرز إنجازات الرئيس إدارة الرئيس ترمب تكمن في تحسين العلاقات بين العالم العربي والولايات المتحدة، مشيراً إلى أن قراره بنقل السفارة الأميركية إلى القدس لم يكن مدروساً، وسوف يؤثر على استراتيجيات ومصالح أميركا في المنطقة والعالم.
وفي جلسة حول «الأحداث الرئيسية التي ستؤثر على العالم في 2018»، قال أيان بريمر، رئيس ومؤسس الجمعية الأوروبية الآسيوية «يوروآسيا»: إن الصين قادرة على قيادة الاقتصاد العالمي في حين يفتقر العالم إلى قيادات نموذجية قادرة على التأثير في توجهات الأحداث وبناء التحالفات الفعالة.
واعتبر بريمر أن سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترمب أفقدت أميركا قدرتها على التأثير في ساحات الصراع، مثل بحر الصين وسوريا، كما أن انسحاب أميركا من اتفاقية المناخ وتصريحات ترمب الأخيرة قوبلت برفض دولي واسع يكاد يشمل مجمل السياسات الخارجية الأميركية.
وأوضح بريمر أن حال أوروبا شبيه بالوضع في أميركا من حيث التفاوت وهيمنة الاحتكارات الاقتصادية الكبرى، وهذا أدى بدوره إلى انتشار النزعات الشعبوية في هذه البلدان، وتراجع النموذج الاقتصادي الغربي لصالح دول مثل الصين واليابان اللتين تمتلكان اقتصاديهما وتوظفان الجزء الأكبر من الناتج الإجمالي المحلي لرعاية المواطنين واستيعابهم في وظائف تتناسب مع كفاءتهم.
وحول حالة العالم اقتصادياً، قال الدكتور ﺟﻮزﻳﻒ ستيغليتز، اﻟﺤﺎﺋﺰ جائزة نوبل في علوم الاقتصاد: إن العولمة أصبحت واقعاً مفروضاً على دول العالم، ويتوقع استمرارها في السنوات المقبلة؛ نظراً لإيجابياتها الكثيرة، مثل زيادة حجم التجارة الدولية والاستثمارات الأجنبية، والنمو الاقتصادي، ونشر الكثير من المفاهيم والأفكار الحديثة.
وأوضح ستيغليتز أن العولمة لا تزال غير عادلة بالنسبة للكثير من الأطراف، فهناك الكثير من الدول التي تضررت من جرائها، ولا تزال تعاني من أزماتها الاقتصادية، مشيراً إلى أن الدول المتقدمة لم تسلم من سلبيات العولمة، فسياسات فرض الضرائب التي ينتهجها ترمب على سبيل المثال أدت إلى تأجيج السخط وعدم الرضا على أثر اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء في الولايات المتحدة الأميركية.
وزاد: «سيؤدي الاقتراح الضريبي الذي طرحه الرئيس ترمب إلى زيادة العجز بما يتراوح ما بين تريليوني و3 تريليونات دولار على مدى السنوات العشر المقبلة».
وحول حالة العالم العربي سياسياً في عام 2018، توقع فواز جرجس، أﺳﺘﺎذ ﻓﻲ العلاقات اﻟﺪوﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﻛﻠﻴﺔ ﻟﻨﺪن للاقتصاد واﻟﻌﻠﻮم اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ، استمرار التخبط الأميركي، وبخاصة بعد إعلان الرئيس الأميركي بشأن القدس، ووصف ترمب بأنه يغرد خارج السرب، ويضرب ركائز القوة الأميركية في العالم، وفي العالم العربي تحديداً.
واعتبر جرجس أن الرئيس الأميركي لن يستثمر في الصراع المباشر مع إيران، مشدداً على أن غياب أي استراتيجية أو رؤية للسياسة الخارجية لدى الرئيس الأميركي، وكل القرارات التي اتخذها ترمب خلال 2017 سوف تضر بالمصالح الأميركية في المستقبل، وتقوّض فائض القوة الناعمة الذي بنته أميركا على مدى سنوات وعقود.
أما في الملف السوري، فاعتبر جرجس أن لا تغيير على الوضع الراهن، في حين سيواجه اليمن وضعاً يتسم بتنامي النزاعات القبلية وعمليات الثأر، في حين يتجه العراق إلى استقرار نسبي.
في المقابل، وحول الوضع الجيوسياسي الخليجي في 2018، توقع الكاتب السعودي عبد الرحمن الراشد «أن يشهد عام 2018 علاقات إقليمية ودولية أفضل بالنسبة لدول الخليج، خصوصاً بما يتعلق بأزمة قطر، والأزمة اليمنية، والعلاقات الخليجية الأميركية، والعلاقات الخليجية الروسية».
وأشار إلى وجود ثلاثة تكتلات في دول مجلس التعاون الخليجي، هي: السعودية والإمارات والبحرين، ومجلس التعاون نفسه، أما التكتل الثالث فيضم قطر فقط، وتوقع أن مجلس التعاون الخليجي سيبقى كتلة واحدة ضمن توجه سياسي موحد لمواجهة إيران والتعامل مع أزمة اليمن.
وتوقع الراشد أن تكون سنة 2018 حاسمة بالنسبة لأزمة قطر، فما تعاني منه أصبح ضخماً جداً، حيث إن القطريين منهكون من تداعيات المقاطعة؛ مما سيدفعها للعودة إلى مجلس التعاون الخليجي وقبولها بجميع المطالب؛ وذلك منعاً للنزيف الاقتصادي الذي تعاني منه الآن.
وعن دور السعودية في قيادة المنطقة، أكد الراشد أن الحالة في الوقت الراهن «مبهرة على الصعيد الاجتماعي»؛ لأنها متغيرة تماماً عن تلك التي اتسمت بها في السنوات الماضية.
وفيما يتعلق بالسياسة السعودية، قال الراشد: «هناك قيادة وسياسة جديدة وطموحة وشابة في المملكة، وقد يراها البعض جريئة». واعتبر أنه سيكون للتحالف السعودي - الإماراتي القوي دور كبير في توجيه السياسة الإقليمية والاقتصاد العالمي بصفتهما أقوى دولتين في المنطقة سياسياً واقتصادياً.
أما عن العلاقات الخليجية الأميركية وتأثيرها على المنطقة، فقال الراشد: «الولايات المتحدة الأميركية ومجلس التعاون الخليجي لديهما مصلحة مشتركة فيما يتعلق بالعراق على اعتبار أنها منطقة استراتيجية»، واعتبر أن هناك تحولاً كبيراً في العلاقة بين دول الخليج والولايات الأميركية في عهد ترمب، معتبراً أن الاستقرار سيكون أفضل في سوريا في عام 2018 أكثر مما شهده عام 2017، وقال: إن «المؤثر السلبي على تلك العلاقة هو أزمة قطر».
وعن الأزمة اليمنية، قال الراشد: «شهدت الأزمة اليمنية تطورات دراماتيكية، وقد يطول النزاع فيها بين الأطراف المتصارعة، لكن الكثير من الشواهد تشير إلى إمكانية التوصل إلى حل ونهاية لهذا النزاع الطويل في نهاية عام 2018». وقال: إن الشرعية في اليمن استطاعت أن تفرض سلطتها على ثلاثة أرباع اليمن، والمعركة الحاسمة ستكون على مدينتين فقط، هما صنعاء وميناء الحديدة، وفي حال تحريرهما ستتغير خريطة الصراع بشكل جذري. وعن مرحلة بعد التحرير، شبّه الراشد الحالة بالوضع في أفغانستان، حيث انحصر تواجد طالبان في المناطق الجبلية النائية، بعيداً عن المدن الرئيسية.