حوار: حزامة حبايب، الكتابة تنقذني من نفسي... فأخلق عالمي الروائي وأنغمس فيه

الروائية الفلسطينية تتمنى أن يُنظر إليها ككاتبة تتخطى الجغرافيا والتاريخ

حزامة حبايب
حزامة حبايب
TT

حوار: حزامة حبايب، الكتابة تنقذني من نفسي... فأخلق عالمي الروائي وأنغمس فيه

حزامة حبايب
حزامة حبايب

استطاعت بقامتها القصيرة أن تلهب حماس حضور حفل تكريمها بجائزة نجيب محفوظ بالجامعة الأميركية بالقاهرة يوم 11 ديسمبر (كانون الأول) في ذكرى ميلاد نجيب محفوظ الـ106. إنها الروائية حزامة حبايب، التي نجحت روايتها الأخيرة «مخمل» في خطف الجائزة. لم يكن خطابها حماسياً بقدر ما هو إنساني شفاف وصادق يلمس أعماقك. بكت وأبكت الحضور على فلسطين، على بشر، مثلها هي، يتخيلون الوطن عبر الكلمات والسطور والصور يتحرقون للمس ترابه. تقول: «أنا امرأة بلا وطن، ورثت من أبي الفلسطيني حكاية ناقصة عن بيت كان لنا ذات وطن... حملت الوطن فكرة». وأشادت لجنة التحكيم بالرواية؛ كونها «تقدم معالجة جديدة للقضية الفلسطينية، ويبدو أنها تقتحم عالم الأدب بقوة ورصانة ولغة مدججة بالموسيقى والمشاعر والعذوبة».
التقينا حزامة حبايب عقب تسلمها الجائزة، وكان هذا الحوار:
> في البداية، حديثنا عن اسمك ومعناه.
- اسمي الملتبس أعتبره نعمة بالنسبة لي، وأعتبره يخصني وحدي ويميزني؛ فهو محرف عن «زرقاء اليمامة»، وفي أول مجموعة قصصية لي «الرجل الذي يتكرر» كتب عنها أحد النقاد وأشار لي بصيغة المذكر، وقتها سعدت أن كتابتي نجحت في ألا تكشف عن جنسي؛ لأن أكثر ما يزعجني في الكتابة هو المقياس البيولوجي فـ«النسوية» في رأيي، وهي خرافة ساهم في إرسائها– للأسف– حفنة من نقاد اعتمدوا أدوات تشريحية للنص متعسّفة بطبيعتها.
> كيف كان انطباعك فور معرفتك بفوزك بجائزة نجيب محفوظ؟
- بداية، هذه أول زيارة لي لمصر يسبقني الحب واللهفة، منذ سنوات أتواصل مع كتاب وصحافيين من خلال الكلمة وتبادل القصص والروايات، وهذه العلاقة منزهة من أي شكل من أشكال المصلحة والمحاباة، كانت صداقة شفافة جداً عن بعد، واليوم التقيت الكثير منهم، لأول مرة، وشعرت بأنني أعرفهم بمنظور أوسع تعزز برؤيتهم. فوجئت بالجائزة، وطلبت مني إدارة الجائزة التكتم، وبالفعل لم يعرف أحد سوى أسرتي، زوجي وابني وابنتي، والدتي علمت من الصحف والمواقع الإخبارية وهاتفتني ودموعها تغالبها. بالطبع أن يأتي تقدير غير متوقع لعمل روائي له قيمة أدبية وعاطفية ومعنوية نفسية بالنسبة لي، فهذا التقدير والجائزة تمثل لي أمراً عظيماً. وبخاصة أن قيمة محفوظ أنه كان كاتباً يضع خريطة الشخصيات، ويبني مجتمعاً كاملاً، يتخطى الجغرافيا والزمن، وأتمنى أن يُنظر إليّ ككاتبة فلسطينية عربية تتخطى الجغرافيا والتاريخ.
> حصلت على الكثير من الجوائز من قبل، فهل تشكل لكِ الجوائز حافزاً معنوياً لاستكمال مشروعاتك الأدبية؟
- في رأيي، الكاتب لا يجب أن يفكر بجائزة أو بتقدير؛ فالكاتب لا يجب أن يلوي عنق الكتابة، بل يكتب لمشروعه، لا شك الجوائز والتقدير مهمان، لكن الكاتب هو من يصنع التقدير.
> لمن تدين حزامة حبايب بتكوينها الأدبي، وأنت دارسة للأدب الإنجليزي، فأيهما كانت أكثر سطوة عليك؟
- تربيت على قصص محفوظ ويوسف إدريس، والمجلات والجرائد المصرية... أعتبر أن الثقافة المصرية كانت هي المكون الأساسي لي. لما كنت أقرأ عن القاهرة والإسكندرية وشوارعهما وأنا أتخيلها، وأحاول طوال الطريق من المطار أن أسقط كل ما قرأته عنهما، ووجدت نسختي أنا من القاهرة بحزنها وجمالها. وقد انفتح قلبي لها ولأهلها وكأنني عشت هنا من قبل. لا شك أنني تأثرت بالكثير من الأدباء العرب والإنجليز أيضاً.
تأثرت كثيراً بجيمس جويس، وبخاصة قصصه مثل «صورة الفنان في شبابه»، ودي إتش لورنس، كلهم عنوا لي كثيراً في بداياتي. ولكن جويس أثرى في اشتغاله على استثمار اللغة، وكان ولا يزال يفتني أسلوبه، وهذا التأثر حملته معي. تأثرت أيضاً بالمنجز الفلسطيني الأدبي، وبخاصة إميل حبيبي وغسان كنفاني. ومن أهم الأصوات التي دفعتني إلى كتابة القصة هي سميرة عزام، كانت مرشحة لتحتل فضاءً أكبر في عالم الأدب، لكن العمر لم يسعفها. غير أنها أسهمت في بناء مخزون أدبي. وتجربتها الناضجة لا بد من التوقف عندها.
> تمكنت عبر «مخمل» من طرح القضية الفلسطينية بشكل مغاير أقرب للتاريخ الإنساني قبل التاريخ المادي، فهل كان ذلك عن قصد؟
- الرواية تعطي التاريخ الحقيقي... تاريخ العواطف والحب والمشاعر. «مخمل» هي رواية المرأة العربية. رواية النساء العاشقات... المحبات للحياة: «حوا» تعيش ظروفاً صعبة في المخيم الذي هو رمز للقهر والظلم والبيئة المسحوقة. تمر هي ونساء «مخمل» بكل أنواع المعاناة من الرجل ومن المرأة أيضاً. ولكن يحسب لـ«حوا» أنها ظلت محافظة على روحها حتى لا تنكسر، رغم أنها حُرمت من الحب والعشق، لكنها عاشته في لحظة ما في الرواية.
و«مخمل» القماشة الثمينة جداً، التي تتكون من طبقات عدة من الحرير الثمين. هو حلم نساء الرواية، وإذا حصلن عليه عشن لحظات حب غير مسبوقة.
> قلت «عشت في قلب محكية كبرى» فهل تستمدين مخزونك السردي من المخزون الحكائي العائلي لأسرتك؟
- تربيت في بيت لأسرة فلسطينية انتقلت من الأردن للكويت، وجدت نفسي في بيئة شكلتها الثقافة المصرية. مدخلي للأدب كان عبرها، والصحف والمجلات والفن والموسيقى. أم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، وشادية وعبد الوهاب. والدي كان يشعرنا بأن عبد الوهاب جزء من عائلتنا، كان محباً لموسيقاه وفنه... هذه الذائقة التي رُبيت عليها، وبالتالي تشكلت وجدانياً. بالطبع كان للسرد والحكايات العائلية خصوصاً من جدتي أثر كبير في نفسي، تراكمت عليه تجارب إنسانية كثيرة تخرج في نصوصي. كرّست حياتي للكتابة، أنتزع العيش انتزاعاً مثلما أنتزع الكتابة من يومي ومسؤولياتي الأسرية والعملية.
لا أبحث عن القصص في الحقيقة، هي تأتي لي. نشأت في أسرة لديها زخم من الحكايات والعلاقات والتجارب، إلى جانب حبي للسفر والترحال تعرفت خلاله على شخصيات مختلفة ومتنوعة، ولها خلفيات ثقافية متنوعة تمدني دوماً بالكثير من تفاصيل الشخصيات.
> تأثرت كثيراً عند ذكر اسم والدك وانهمرت دموعك وسالت معها دموع الحضور أثناء تسلمك الجائزة، فما السبب الذي يبدو أنه أبعد من القضية الفلسطينية؟
- كان لذكر اسم والدي كاملاً وقع كبير في نفسي. فقد شكل وجداني بعشقه للموسيقى، حتى أن ذلك يبدو جلياً في كتاباتي التي يجدها الكثيرون «مموسقة». في كل أعمالي الروائية أعتبر الموسيقى جزءاً أساسياً من الكتابة. حتى لغتي صارت مطوعة للموسيقى، أحب الموسيقى الكلاسيكية، والجاز وتحديدا اللاتين جاز، أحب الأفريقي، والغريغوري «الكنسي» أو الديني، أحب فرق السبعينات وموسيقاها مثل: «بي جيز» و«البيلتز»، وغيرهما. والموسيقى سواء العربية أو الغربية تشكل جزءاً عضوياً من تجربتي الكتابية، وتساعد على أن تمتزج أفكاري، وتطويعها وفي صياغتي اللغوية.
> ركزت على «الحب» وكان هو المعادل للحرية في «مخمل»؟
- بالفعل. حاولت أن أجعل الحب إجابة عن أسئلة كثيرة. هل يمكن أن يعيش الإنسان كل الحب في لحظة معينة يعيش عليها ما تبقى من عمره؟! حقيقة شخوص الرواية أجابوا عن ذلك من خلال قصة الحب التي عاشتها «درة العين» مع فارس «عريس الكاز» كما أسميته. و«حوا» مع «منير» وقصة الحب التي عاشتها «الست قمر». كلهم صنعوا حالات تمس أي قارئ، ويمكنه أن يجد نفسه في أي شخصية منهم. هذه رواية عن العشق هي رواية منتهى العشق.
حصيلة التجارب التي عشتها بالحياة خرجت في كل شخصية. أنا لا أكتب سيرة، بل رواية.
> لماذا اخترت مخيم «البقعة» بالأردن تحديداً؟ وهل لهذا إسقاط سياسي معين كونه مرتبطاً بنكسة 67؟
- لدي الكثير من المعارف والأصدقاء فيه. هذا المخيم من نتائج نكسة 67، وهو من المخيمات الكبيرة الممتدة التي أصبحت أشبه بمدن مشوهة صار به بيوت من طابقين، تكرست باتجاه الديمومة وتِرك خاصة المؤقت. يتمدد أفقياً ورأسياً ويحاذي المدينة، وأصبحت به سوق مركزية تخدم الخارج. ناهيكِ عن بنيته السكانية. لكن ليس هناك خلفية سياسية أو إسقاط معين على النكسة. المخيم لا يوفر عادة حياة طبيعية، بل ينطوي على قدر كبير من الذل والانكسار. ما يحصل الإنسان أن يحاول أن يسمو على مفهوم المخيم، وما يسمح لنفسه ألا تنكسر أو لقلبه أن يتحطم بغياب الوطن.
أعتقد أن هذه الرواية يمكنها أن تتخطى الجغرافيا العربية لمن تحولت لمخيمات، فهناك مدن حول العالم في أوروبا الحياة فيها أقرب لمخيمات.
> نشعر بأن «مخمل» تملكتكِ وأثرت عليك نفسياً وأنهكتك... حدثينا عن تجربتك الروائية.
- «مخمل»، هي فكرة جاءتني وأنا بين الحقيقة والحلم، أمر بحالة نفسية معينة، وقتها كنت ببيت العائلة بالأردن، كان ذلك في فصل الخريف قبل أكثر من 3 سنوات، وأول سقوط المطر وحينها خرجت رائحة الطين غنية وساحرة استولت عليّ حتى أنني لم أغلق النافذة. وتملكتني في هذه اللحظة بدأت خيالات برأسي ربما لم تكن واضحة عن شخصية «حوا» بطلة «مخمل» ومحور أحداثها. ثم استغرقت عامين ونصف العام بين جمع معلومات وتقصٍ، لكن آخر 6 أِشهر انعزلت تماماً عن العالم، وهذا كان له تبعات اقتصادية ونفسية كبيرة جداً، حتى أن عندي صوراً للغرفة التي خصصتها للكتابة. نسجتها كما ينسج القماش. في كل مشهد صعب كانت تصيبني وعكات وتعب جسدي كبير. أعترف بأن الرواية أنهكتني، لكن شعرت بعدها بأن شيئاً ما كان يؤرقني وأخرجته من جسدي. وعليّ أن أعترف بأن الكتابة تنقذني من نفسي.
ففي مشهد حوا تكسر فيه سرير الزوجية بـ«المهدي» أو المطرقة، هنالك مشاهد مؤلمة من الرواية، ومجهود نفسي كبير، وكنت أخشى أن أخرج من منزلي أن أفقد التواصل مع الشخصيات.
> اختلف ذلك عن روايتيك السابقتين؟
- كل عمل روائي أخلق له بيئة خاصة به، وأعيش فيها وأنغمس فيها. حالياً أعد في منزلي الجديد في دبي حجرة الكتابة، وأعددت الموسيقى الخاصة بالكتابة للرواية الجديدة. والتي يبدو أن طبيعتها ستكون مختلفة عن كتاباتي السابقة. كنت أقيم في أبوظبي والآن بدبي، حيث أعتقد أن تأثيرها على الراوية الجديدة سيكون مميزاً. سافرت كثيراً هناك مدن تمنحنا تجارب وشحنة من الانفعالات، وبعض المدن لا تعطي أي شيء.
في «مخمل» هيأت حجرتي واشتريت أطناناً من الأقمشة، وصوراً من المخيمات، فخرجت الرواية أكبر من المخيم، لديها قابلية لاستدعاء أكبر كم من التجارب الإنسانية الفرح والحزن والمشاعر، تشعرين بأنها تدور في أي مكان بالعالم.
> في رواياتك لاحظنا التنوع بين التقنيات ما بين الراوي العليم أو الكتابة بالصوت الأنثوي أو الصوت الذكوري، هل تختارين ذلك بشكل مسبق أو تتخذ الرواية خطها السردي؟
- في «مخمل» كتبت بصوت الراوي، والصوت الكلي. فقد أتاحت لي الرواية الحديث بنظرة المتكلم. كل النساء والرجال تحدثوا عن أنفسهم. أما في روايتي «قبل أن تنام الملكة» تناولت فيها السرة الفلسطينية بالكويت وكان مجتمعاً حيوياً وغنياً، وأعتقد أنني كنت أول من تحدث عنه. وكانت تجربة عاطفية بها من البوح النسائي، والمرأة العربية لا تجيد فن الاعتراف. وفتح ذلك عليّ النار باعتبارها سيرة ذاتية. بالطبع هي ليست سيرة، لكن فيها بعضاً مني يشبهني كما يشبه الكثير من القراء. عادة لا أضع مخططاً سردياً أترك الشخصيات تتحكم في مساراتها وأحاديثها فقط، أقوم بخلق تفاصيلهم وأحلامهم وشغفهم، ثم يقومون هم بمواجهة مصائرهم ويكتبون ظروفهم السردية.
> هل ترين أن توقيت حصول «مخمل» على الجائزة قدريٌ ليكرس القضية الفلسطينية روائياً بصورة مغايرة؟
- توقيت الجائزة صدفة، لكن الانتهاك الذي يتعرض له الفلسطيني يومي، وهذا القرار لا يعنينا في شيء، التاريخ يكتبه الشعب الفلسطيني ونحن كأدباء نتعامل مع الحدث بحساسية أكبر؛ فالكتابة أو الفعل الأدبي والثقافي مهم جداً لبناء الشخصية الفلسطينية وتعزيزها وتكريسها، وتحافظ عليها وتحافظ على المنظومة الثقافية وإبقاء الهوية الفلسطينية وتأكيدها. والمنجز الروائي الفلسطيني غني ومتنوع بتنوع موطن كتابه؛ لذا فهو يعكس عوالم كثيرة متداخلة، لكنها تعالج القضية الفلسطينية من زوايا عدة.
> كتابتك بها نوع من التقنية السينمائية «كادرات» و«مشاهد» يجدها القارئ هل ترين «مخمل» فيلماً سينمائياً؟
- صحيح، ملاحظة بمحلها. الكثير من النقاد توقفوا عند هذه الخاصية بكتابتي. حين أكتب أرى قبل أن أكتب. حقيقة معظم كتابتي القصصية والروائية ومجموعتي الشعرية، أحرص على أن أكتب وأنا ألامس حواس القارئ البصرية والحسية، أكتب عن اللون والصورة والصوت والملمس في محاولة لإحاطة بصرية بالمشهد. أستثمر أكثر التقنيات السينمائية والروائية والاستفادة منها ليس لغرض جمالي، وإنما بهدف تقديم المشهد أو الصيغة الروائية بطريقة تجتمع فيها أكثر عناصر فنية واجتماعية.
> هل هو استحواذ على القارئ لآخر حرف في الرواية؟
- أتمنى أن يكون كذلك. البعض كان يسألني لماذا اخترت نهاية «حوا» بهذا الشكل. ردي هو: من أنا لأسأل أو أحاكم؟ أنا اتخذت طريق السرد، ولا أتقيد بالعدالة الشعرية؛ لأن هذه العدالة غير موجودة بالواقع. لقد تعبت نفسياً في «مخمل» وظروف الحياة السردية تكالبت على «حوا» المرأة، لكن ظلت روحها متوهجة.
> هل ترين أن قراءات القراء على مواقع الكتابة «غودريدز» يمكن أن تعوض الأديب عن ظلم النقاد وسيفهم؟
أعتقد أنه لا غنى عن الاثنين. فرسائل القراء الشغوفين تعطي لي دفعة وزخماً لأواصل مشروعي الأدبي. عن نفسي أعتبر أنني محظوظة بدراسات النقاد التي أضاءت لي، لا أفتن ولا «أنبسط على حالي كتير»، لكن أرى في النقد إشارات لأشياء لم أكن واعية لها أثناء الكتابة، وهو أمر صحي فلا يفترض أن تكون الكتابة قصدية، والنقد كتابة تأويلية ترشد الروائي بعد أن رفع يده عن النص. وأنا أكتب للقاري وللناقد.



مصر: الكشف عن ورش أثرية لتجهيز السمك المملح وجبّانة رومانية في البحيرة

منحوتات من العصر البطلمي في الجبانة الأثرية (وزارة السياحة والآثار)
منحوتات من العصر البطلمي في الجبانة الأثرية (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر: الكشف عن ورش أثرية لتجهيز السمك المملح وجبّانة رومانية في البحيرة

منحوتات من العصر البطلمي في الجبانة الأثرية (وزارة السياحة والآثار)
منحوتات من العصر البطلمي في الجبانة الأثرية (وزارة السياحة والآثار)

أعلنت البعثة الأثرية المصرية الإيطالية المشتركة، بين المجلس الأعلى للآثار وجامعة بادوفا الإيطالية، الثلاثاء، اكتشاف عدد من الورش الصناعية التي ترجع إلى العصر المتأخر وبدايات العصر البطلمي، إلى جانب الكشف عن جزء من جبانة رومانية تضم أنماطاً متنوعة من الدفن، أثناء أعمالها بموقعي كوم الأحمر وكوم وسيط بمحافظة البحيرة (غرب الدلتا).

ويساهم هذا الكشف في تعميق فهم طبيعة الحياة والنشاط البشري في مناطق غرب دلتا النيل والمناطق الداخلية المحيطة بمدينة الإسكندرية، وفق الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار الدكتور محمد إسماعيل خالد، موضحاً في بيان للوزارة، الثلاثاء، أن «هذه الاكتشافات تمثل إضافة علمية مهمة لدراسة أنماط الاستيطان والممارسات الجنائزية والأنشطة الصناعية في غرب الدلتا، كما تسهم في تقديم رؤى جديدة حول شبكات التواصل الإقليمي منذ العصر المتأخر وحتى العصرين الروماني والإسلامي المبكر».

وتتكون الورش الصناعية المكتشفة من مبنى كبير مقسّم إلى ما لا يقل عن ست غرف، خُصصت اثنتان منها لمعالجة الأسماك، حسب تصريحات رئيس قطاع الآثار المصرية، محمد عبد البديع، حيث عثرت البعثة على نحو 9700 عظمة سمك، بما يشير إلى وجود نشاط واسع لصناعة السمك المملح في تلك الفترة.

الكشف عن جبانة رومانية بمصر (وزارة السياحة والآثار)

ويرجح تخصيص الغرف الأخرى لإنتاج الأدوات المعدنية والصخرية، وتمائم الفيانس، إذ عُثر على عدد من التماثيل الجيرية غير المكتملة، إلى جانب قطع أخرى في مراحل تصنيع مختلفة.

وأسفر الكشف أيضاً عن العثور على جرار أمفورا مستوردة وقطع من الفخار اليوناني، الأمر الذي يؤرخ نشاط هذه الورش إلى القرن الخامس قبل الميلاد.

وأسفرت أعمال الحفائر كذلك عن اكتشاف جزء من جبانة رومانية تضم عدة دفنات بثلاثة أنماط رئيسية، شملت الدفن المباشر في الأرض، والدفن داخل توابيت فخارية، بالإضافة إلى دفنات أطفال داخل أمفورات كبيرة، وفق بيان الوزارة.

فيما أوضحت رئيسة البعثة من جامعة بادوفا الإيطالية، الدكتورة كريستينا موندين، أن فريق العمل يجري حالياً عدداً من الدراسات البيو - أثرية على الهياكل العظمية المكتشفة، بهدف تحديد النظام الغذائي، والعمر، والجنس، والحالة الصحية للمدفونين بالموقع، والبالغ عددهم 23 شخصاً من الذكور والإناث والأطفال والمراهقين والبالغين.

وأشارت إلى أن النتائج الأولية لهذه الدراسات تشير إلى أن هؤلاء الأفراد عاشوا في ظروف معيشية جيدة نسبياً، دون وجود دلائل واضحة على إصابتهم بأمراض خطيرة أو تعرضهم لأعمال عنف.

وعدّ عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، هذه الاكتشافات، تمثل إضافة نوعية لفهم تاريخ غرب الدلتا خلال العصر الروماني، إذ تكشف بوضوح عن تداخل الحياة الاقتصادية مع الممارسات الاجتماعية والدينية في تلك المنطقة، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «ورش تجهيز السمك المملح تعكس نشاطاً صناعياً منظماً يعتمد على استغلال الموارد الطبيعية، ما يدل على أهمية غرب الدلتا بوصفها مركزَ إنتاجٍ غذائي وتجاري مرتبط بشبكات أوسع داخل مصر وخارجها».

من القطع المكتشفة في الجبانة (وزارة السياحة والآثار)

كما رأى عبد البصير أن «الكشف عن الجبانة الرومانية يقدّم مادة علمية ثرية لدراسة المعتقدات الجنائزية والبنية الاجتماعية للسكان، من خلال تنوع طقوس الدفن واللقى المصاحبة».

ونجحت البعثة في الكشف عن عشرات الأمفورات الكاملة (جرار خزفية)، بالإضافة إلى زوج من الأقراط الذهبية يعود لفتاة شابة، وقد نُقلت هذه القطع الأثرية إلى المتحف المصري في القاهرة، تمهيداً لإجراء أعمال الدراسة والترميم اللازمة لها، وفق بيان الوزارة.

وقال الخبير الآثاري والمتخصص في علم المصريات، أحمد عامر، إن «هذا الاكتشاف الأثري في غرب الدلتا يفتح آفاقاً جديدة لفهم فترة حكم العصور المتأخرة وما تلاها من حقب تعاقبت على الحضارة المصرية القديمة، بل وتعيد قراءة التاريخ المصري القديم من منظور جديد».

من القطع الأثرية المكتشفة (وزارة السياحة والآثار)

ويضيف لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا الكشف سوف يضيف لنا علمياً كثيراً عن تلك الحقبة، كما أنه معروف أن الأمفورات كانت تستخدم في عمليات التجارة الخارجية، وكان يوضع بها النبيذ، وأحياناً في نقل السمك المملح، وهذه ليست المرة الأولى في العثور على الأمفورات، حيث كانت متداولة في التجارة الخارجية للدولة المصرية مع اليونان في فترات كثيرة».


للمرة الأولى عالمياً... نحل الأمازون يحصل على حقوق قانونية

مدينتان في بيرو تمنحان النحل غير اللاسع حقوقاً قانونية (ميريان ديلغادو)
مدينتان في بيرو تمنحان النحل غير اللاسع حقوقاً قانونية (ميريان ديلغادو)
TT

للمرة الأولى عالمياً... نحل الأمازون يحصل على حقوق قانونية

مدينتان في بيرو تمنحان النحل غير اللاسع حقوقاً قانونية (ميريان ديلغادو)
مدينتان في بيرو تمنحان النحل غير اللاسع حقوقاً قانونية (ميريان ديلغادو)

يواجه أحد أقدم أنواع النحل على كوكب الأرض، والمُلقِّح الأساس في غابات الأمازون، تهديدات متزايدة نتيجة إزالة الغابات، والتغيرات المناخية، وتلوث المبيدات، والمنافسة من نحل العسل الأوروبي العدواني.

في خطوة تاريخية، أصبح نحل الأمازون غير اللاسع، أي الذي لا يلسع على عكس نحل العسل الأوروبي «النحل العدواني»، أول الحشرات في العالم التي تُمنح حقوقاً قانونية، تشمل الحق في الوجود، والازدهار، والحماية القانونية في حال التعرض للأذى.

وقد أُقرّت هذه القوانين في بلديتين في بيرو هما: ساتيبو وناوتا، بعد سنوات من البحث وجهود الضغط التي قادتها روزا فاسكيز إسبينوزا، مؤسسة منظمة «أمازون ريسيرتش إنترناشيونال».

يُربي السكان الأصليون هذا النوع من النحل منذ عصور ما قبل كولومبوس، ويُعد مُلقحاً رئيسياً يساهم في الحفاظ على التنوع البيولوجي وصحة النظم البيئية، إذ يلقح أكثر من 80 في المائة من النباتات، بما في ذلك محاصيل الكاكاو، والقهوة، والأفوكادو. وأظهرت أبحاث إسبينوزا، التي بدأت عام 2020، أن عسل هذا النحل يحتوي على مئات المركبات الطبية المضادة للالتهاب والفيروسات والبكتيريا، كما وثقت المعرفة التقليدية في تربيته وجني عسله.

أفاد السكان الأصليون بتراجع أعداد النحل وصعوبة العثور على الأعشاش، كما كشف التحليل الكيميائي للعسل عن آثار المبيدات حتى في المناطق النائية. وأظهرت الدراسات صلة بين إزالة الغابات وتراجع أعداد النحل، بالإضافة إلى المنافسة المتزايدة من نحل العسل الأفريقي المهجن، الذي بدأ في إزاحة النحل غير اللاسع من موائله الطبيعية منذ القرن الـ20.

وفقاً لكونستانزا برييتو، مديرة قسم شؤون أميركا اللاتينية في «مركز قانون الأرض»، تمثل هذه القوانين نقطة تحوُّل في علاقة البشر بالطبيعة، إذ تعترف بالنحل غير اللاسع بوصفه من الكائنات الحاملة للحقوق وتؤكد أهميته البيئية.

وأوضح زعيم السكان الأصليين آبو سيزار راموس أن القانون يحتفي بالمعرفة التقليدية ويعترف بالدور الحيوي للنحل غير اللاسع في دعم نُظم الأمازون البيئية وثقافات الشعوب الأصلية.

تتطلب هذه القوانين، حسبما ذكرت «الغارديان» البريطانية، استعادة المَواطن البيئية، وتنظيم استخدام المبيدات، واتخاذ تدابير للحد من آثار تغيُّر المناخ، وقد اجتذبت عريضة عالمية مئات الآلاف من التوقيعات، في حين أبدت دول أخرى اهتماماً بتطبيق نموذج بيرو لحماية المُلقِّحات المحلية.


«قصر القطن» بالإسكندرية... لتوديع الظلام واستقبال السائحين

المبنى يطل على البحر مباشرة في منطقة المنشية بالإسكندرية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
المبنى يطل على البحر مباشرة في منطقة المنشية بالإسكندرية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

«قصر القطن» بالإسكندرية... لتوديع الظلام واستقبال السائحين

المبنى يطل على البحر مباشرة في منطقة المنشية بالإسكندرية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
المبنى يطل على البحر مباشرة في منطقة المنشية بالإسكندرية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

يشكل إعلان الحكومة المصرية على لسان وزير قطاع الأعمال العام المصري المهندس محمد شيمي، عن سعيها للاستحواذ على مبنى قصر القطن في مدينة الإسكندرية المجاور للنصب التذكاري للجندي المجهول طاقة نور لإخراج المبنى من حالة الجمود واستغلاله سياحياً بعد تحويله إلى فندق.

ويعود المبنى لفترة الثمانينات، وأقيم مكان قصر القطن التاريخي زمن السادات، ويعدُّ أكبر منشأة في منطقة المنشية تطل على البحر مباشرة وسط مدينة الإسكندرية، ويتميز «قصر القطن» بطرازه المعماري ما جعله فريداً بين المنشآت والبنايات الموجودة في المنطقة من حيث الارتفاع والضخامة والعناصر الهندسية والمعمارية.

وقال الفنان فتحي بركات، رئيس جمعية الفنانين والكتاب «أتيليه الإسكندرية»، إن مبنى «قصر القطن» كان في البداية مملوكاً لشركة الأقطان الشرقية بالإسكندرية، وكانت هناك محاولة لأن يكون أعلى مبنى في المدينة ليتشكل من 45 طابقاً، لكن لم يتم الموافقة على مخطط بنائه، واقتصر على 22 طابقاً فقط، ومنذ إنشائه زمن السادات في موقع قصر القطن التاريخي لم يُستغل بشكل مثالي. «والآن تشغل جزءاً منه جامعة سنجور الفرنسية، بالإضافة إلى طابقين حكوميين، لكن تظل باقي الأدوار بلا أي نوع من الإشغال، وفق كلام بركات الذي أضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «المبنى محاط بمنطقة مزدحمة بالبائعين، منطقة المنشية، ويجاور النصب التذكاري للجندي المجهول وإعادة الحياة له ربما يعيد الهدوء مرة أخرى للمكان، ويضفي طابعاً مختلفاً لها يعيدها للزمن الجميل، وهو يمتلك إمكانات تؤهله للاستغلال الفندقي، حيث يتضمن جراجاً في الدور الأرضي، بالإضافة لإجراء الكثير من التغييرات الداخلية لاستغلال مكوناته، أما عن شكله الخارجي فلا توجد هناك مساحة لأي تغييرات، لأن واجهته زجاجية، ولا يمكن تغييرها».

المبنى المراد تحويله إلى فندق (تصوير: عبد الفتاح فرج)

كان المهندس محمد شيمي، وزير قطاع الأعمال العام، قال خلال لقائه عدداً من الصحافيين بمقر الوزارة بالعاصمة الإدارية الجديدة، الثلاثاء، إن الحكومة المصرية تعمل حالياً على خطة تهدف إلى إعادة إحياء الأصول التاريخية وتعظيم الاستفادة منها، من بينها أحد القصور الأثرية المميزة بمدينة الإسكندرية، وهو «قصر القطن» الواقع بجوار النصب التذكاري، مشيراً إلى أنه من المستهدف تطوير القصر وإعادة تشغيله فندقاً سياحياً متميزاً.

وأضاف شيمي أن المشروع المقترح يتضمن إنشاء فندق بارتفاع 22 طابقاً، يسهم في دعم الطاقة الفندقية بالإسكندرية وتعزيز المنتج السياحي، والحفاظ على الطابع التراثي وتحقيق عوائد اقتصادية مستدامة، ولتحقيق ذلك أجرت الوزارة دراسة استغلال المبنى بوضع تصور شامل لتحقيق الاستغلال الأمثل له، وتحويله إلى مركز استثماري متعدد الاستخدامات الفندقية والإدارية والتجارية، وتسهم في تعظيم العائد منه، وتنشيط ودعم الحركة السياحية والتجارية في الإسكندرية وتوفير فرص عمل إضافية.

من جهته قال الباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان إن «اتجاه مصر لتطوير واستغلال قصر القطن وتحويله إلى فندق سياحي، سيُعيد صياغة المكان، عبر إزالة الكثير من الساحات التي تشوه المنطقة، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المنطقة صارت مزدحمة جداً، فضلاً عن عشوائيتها، لذا سيكون مشروع الفندق بمثابة رئة تعيد ساحة النصب التذكاري ومنطقة المنشية لسماتها السياحية والتراثية التي فقدتها منذ سنين».