«طائر الشمس» وثائقي يكرس الهوية الفلسطينية عبر الأختام والطوابع

رغم المحاولات المتكررة لتهويد القدس المحتلة، من قبل الإسرائيليين، الذين شرعوا أيضا في محو الهوية والرموز الفلسطينية من الذاكرة، خلال العقود الطويلة الماضية، عبر بناء مستوطنات جديدة، وتعميق أطر الاحتلال، وتضييق الخناق على الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن ثمة جهودا شعبية نجحت في الحفاظ على الرموز التاريخية لدولة فلسطين المحتلة، في وقت تريد فيه إسرائيل السيطرة بشكل كامل على مدينة القدس العتيقة عقب إعلان الرئيس الأميركي نقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس والاعتراف بها كعاصمة جديدة لإسرائيل، وهو ما قوبل بموجات غضب كبيرة على مستوى العالم العربي والإسلامي.
ويعد الفيلم الفلسطيني «طائر الشمس»، الحائز على الكثير من الجوائز الدولية، أحد أهم الأعمال الفنية والسينمائية، التي توثق الجهود الفردية والمستقلة للحفاظ على هوية فلسطين التي يسعى الاحتلال جاهدا لمحوها من التاريخ والذاكرة الإنسانية. «طائر الشمس»، يتحدث عن طائر فلسطيني قديم، يرمز للحرية، حيث تم نقش هذا الطائر على طوابع بريد رسمية، طُبعت ووُزعت في بعض الدول الأوروبية، لأنّه لا يوجد بريد رسمي في فلسطين. وتعد تصميمات طائر الشمس، التي رسمها فنانون عرب وأجانب على طوابع البريد والأختام، أعمالا فنية ترمز إلى الإعلان عن قيام دولة فلسطين، لإيمان هؤلاء الفنانين بأنّ فلسطين، دولة موجودة حتى وإن لم نستطع رؤيتها على خريطة العالم. وفيلم «طائر الشمس» من إخراج المخرج الفلسطيني عائد نبعة، وإنتاج أشرف المشهراوي، مدير شركة «ميديا تاون» الفلسطينية. وحصل الفيلم أخيراً على الجائزة الكبرى بالدورة التاسعة من مهرجان خريبكة الدولي للفيلم الوثائقي، بعدما نال إعجاب الجمهور والنقاد، في مدينة خريبكة وسط المغرب.
قال أشرف المشهراوي، منتج الفيلم لـ«الشرق الأوسط»: «طائر الشمس هو طائر حر ويرمز للحرية، والفلسطينيون شعب حر، وهذا الطائر القديم لا يعيش إلّا في فلسطين فقط، ورغم إعادة تسميته من قبل إسرائيل بأسماء جديدة، لمحوه من ذاكرتنا، فإن الفلسطينيين صغارا وكبارا يعتبرونه رمزا لحريتهم ونضالهم ضد الاحتلال الذي لا يريد أن يكون لنا أي رمز أو أي طابع خاص».
وعن صعوبات إنتاج الفيلم تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي، قال المشهراوي: «بذلنا جهودا كبيرة من أجل إنتاج هذه الفيلم في فلسطين وخارجها، رغم تضييق الخناق علينا من قبل الاحتلال، في قطاع غزة»، ولفت إلى أنّه «من أوائل أبناء غزة، الذين قاموا بشراء كاميرات حديثة لتصوير أفلام جيدة تليق بالفلسطينيين، بالإضافة إلى معالجة الأفلام بطريقة مستقلة تخدم الإنسان الفلسطيني وليس كما تريد القنوات الإخبارية العالمية».
«طائر الشمس» يشكل جزءاً من سعي الفلسطينيين للحفاظ على هويتهم، التاريخية، حيث يُسهم بتوثيق تجربة فنان فلسطيني أراد اختراع ختم، عندما وجد أنّ ليس من حق الفلسطينيين، أن يمنحوا تأشيرة لسائح أراد زيارة بلدهم، وأنّ السائح عليه أن يحصل، رسمياً، على تأشيرة وموافقة إسرائيلية، كي يزور بلدة فلسطينية.ويروي الفيلم بداية، فكرة تصميم ختم طائر الشمس، من خلال شخصيته المحورية الفنان الفلسطيني خالد جرار، بعد اكتشافه أن «طائر الشمس الفلسطيني»، موثق بهذا الاسم في قواميس الطيور العالمية، وهو بمثابة رمز لائق ومعبّر يمكن للعالم أن يتعرّف عبره على جذور سكان هذه البلاد.
يشار إلى أنّ أول لقطة بالفيلم لآلة تحفر على الخشب صورة لطائر الشمس، قبالة زهرة ياسمين مع كلمتين بالعربية والإنجليزية: «دولة فلسطين»، في إشارة واضحة وقوية إلى المناداة بإقامة دولة فلسطين.
إلى ذلك أبرز الفيلم أيضا قصة الناشطة الحقوقية اليهودية الأميركية، أليسون رامير، التي تحمل جواز سفر إسرائيليا، وآخر أميركيا، وتقول رامير في الفيلم «إنها تقيم في رام الله بجانب الفلسطينيين لتثبت للإسرائيليين، أن بإمكان امرأة يهودية أن تعيش إلى جانب الفلسطينيين بأمان وسعادة».
وتضيف «كان ختم طائر الشمس على جواز سفري يشكل إرباكاً للجنود الإسرائيليين، لكن أكبر مشكلة واجهتها عندما سألها مسؤول إسرائيلي كبير في أحد المطارات الإسرائيلية عن هذا الختم، فقالت: ختم دولة فلسطين. وأجاب: لا وجود لشيء اسمه فلسطين. فقلت: هم موجودون قبلكم. ما أدى إلى إلغاء جواز سفرها. ولم يكتف بطل الفيلم بتصميم ختم لطائر الشمس فقط بل قام بتصميم طابع بريدي يحمل صورة الطائر الفلسطيني المميز».
يقول منتج الفيلم: «أراد فيلم (طائر الشمس) أن يؤكد أن هناك طرقاً كثيرة لتصميم الأختام، وأن بإمكان الجميع أن ينحتوا أختامهم ويرسموا طوابعهم بطرق كثيرة تأكيدا للهوية الفلسطينية، في وقت يريد فيه الرئيس الأميركي محو القدس من الهوية العربية والإسلامية، مشيرا إلى أن حالة الرفض والغضب التي اندلعت عقب إعلان ترمب تؤكد أن فلسطين لا تزال حية في ضمائر الشعوب، وأن كل المحاولات الإسرائيلية لمحو هذا التاريخ قد فشلت بعدما وحدت القدس جميع الشعوب العربية والإسلامية على قول واحد (القدس عربية... وعاصمة فلسطين الأبدية)».
و«طائر الشمس» الذي اكتشف في فلسطين لأول مرة عام 1865. وموثق بالدليل الحقلي لطيور الشرق الأوسط، والمعتمد من المجلس العالمي لحماية الطيور، لا يرضى بغير فلسطين وما حولها موطنا له، وهو ما دفع مجلس الوزراء الفلسطيني في عام 2015 للمصادقة على اعتبار «عصفور الشمس» طائراً وطنياً لفلسطين، فهو الطائر الوحيد الذي يحمل اسم فلسطين عالمياً.
وجدير بالذكر أن المسابقة الرسمية بالدورة التاسعة من مهرجان خريبكة الدولي للفيلم الوثائقي، التي أقيمت في الفترة من 6 إلى 9 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، التي شارك فيها فيلم «طائر الشمس»، قد شهدت منافسة قوية بين 9 أفلام وثائقية من فلسطين والمغرب وفرنسا وبلجيكا والمغرب وتونس والجزائر.
وأعلنت لجنة التحكيم التي رأسها المخرج والمنتج المغربي إدريس الإدريسي، وبعضوية الباحث التونسي أحمد الجاسمي، والباحث من جامعة السوربون الفرنسي فرنسوا جوست، والمخرج والمنتج الأردني رمضان الفيومي، والتشكيلي المغربي الصديق الراشدي اليعقوب، عن حصول المخرج الفلسطيني عائد نبعة على الجائزة الكبرى عن فيلم «طائر الشمس»، بينما حازت المخرجة الجزائرية فرح عبادة جائزة لجنة التحكيم عن فيلم «أنا هنا»، فيما ذهبت جائزة الإخراج لفرنسا عن فيلم «الإسلام كذاكرة» لمخرجته بينيدكت بانيوت.
من جانبه قال رئيس المهرجان الدكتور الحبيب ناصري لـ«الشرق الأوسط» إن «المهرجان أصبح علامة بارزة وسط المهرجانات الفنية الدولية في المغرب وخارجها، نظراً لمشاركة المخرجين والمبدعين العرب والأجانب الفعالة به من خلال الورشات والمحاضرات والندوات الفنية التي امتدت هذا العام إلى مدرسة ثانوية في مدينة وادم زم بوسط المغرب». مشيراً إلى «وجود تصور خاص للاحتفال بشكل كبير بالنسخة العاشرة من المهرجان العام المقبل».