صندوق النقد يرحب بمحاولات الإصلاح السودانية

أكد أن الاقتصاد {تعرض لضغوط خارجية وداخلية هائلة}

لا يزال السودان يعاني من ضائقة الديون وهو مؤهل لتخفيف عبئها (غيتي)
لا يزال السودان يعاني من ضائقة الديون وهو مؤهل لتخفيف عبئها (غيتي)
TT

صندوق النقد يرحب بمحاولات الإصلاح السودانية

لا يزال السودان يعاني من ضائقة الديون وهو مؤهل لتخفيف عبئها (غيتي)
لا يزال السودان يعاني من ضائقة الديون وهو مؤهل لتخفيف عبئها (غيتي)

رحب صندوق النقد الدولي بالتعديلات الجزئية التي نفذتها السلطات السودانية على السياسات الاقتصادية من أجل المساعدة على تحقيق الاستقرار في الاقتصاد وإعادة بناء النمو، والتي كان آخرها السماح بزيادة المرونة في أسعار الصرف وتخفيض دعم الوقود... ومع ذلك رأى الصندوق أنه رغم أن هذه التدابير كانت مفيدة، فإنها لم تكن كافية لتحويل اتجاه الاستقرار الاقتصادي الكلي المستدام والنمو الواسع النطاق.
وأكد الصندوق في تقريره الصادر أمس واطلعت عليه «الشرق الأوسط»، أن الأوضاع الاقتصادية في السودان كانت صعبة منذ انفصال جنوب السودان عام2011 وفقدان الجزء الأكبر من إنتاج النفط وصادراته، مما أدى إلى تفاقم البيئة الخارجية الصعبة، بما في ذلك المتأخرات ومحدودية فرص الحصول على التمويل الخارجي، والعقوبات الأميركية، والانسحاب من العلاقات المصرفية المراسلة... موضحا أن الاختلالات الخارجية تتراجع حاليا عن المستويات السابقة، ولكن النشاط الاقتصادي لا يزال متواضعا.
وبحسب التقرير، فمن المتوقع أن ينخفض عجز الحساب الجاري (الأساس النقدي) بمقدار 3.25 نقطة مئوية ليصل إلى 2.75 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2017. وذلك يعكس عدة نقاط، من بينها الانخفاض الشديد في سعر الصرف الموازي، وإدخال سعر حافز من البنوك التجارية في أواخر عام 2016 بالقرب من المعدل الموازي لكثير من المعاملات الرسمية. وأيضا ارتفاع أسعار الوقود والكهرباء في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، مما ساعد على كبح الطلب المحلي، وكذلك القيود الكمية على الواردات المعتمدة في عام 2016؛ إضافة إلى تحسين معدلات التبادل التجاري.
وأشار التقرير إلى أن الناتج المحلي الإجمالي نما بنسبة تقدر بنحو 3.5 في المائة في عام 2016، مدفوعا بالاستهلاك الخاص والعام ومساهمة إيجابية من صافي الصادرات... وتشير البيانات الخاصة بالنصف الأول من عام 2017 إلى ضعف الطلب المحلي الحقيقي، وهو ما قابله جزئيا تعزيز مساهمة الصادرات الصافية، ولا سيما بسبب انخفاض الواردات... ومن المتوقع أن يصل النمو إلى 3.25 في المائة في عام 2017.
وشدد المديرون التنفيذيون في الصندوق على ضرورة إجراء إصلاحات لتحقيق الاستدامة المالية مستقبلا، والحد من التضخم، وتعزيز النمو الشامل للجميع. وأكدوا أن الإلغاء الدائم للعقوبات الأميركية على التجارة والتدفقات المالية يمثل فرصة فريدة لاتخاذ إجراءات حاسمة لتعزيز التوقعات وتعزيز العائد من الإصلاحات.
واتفق المديرون على أن توحيد سعر الصرف أمر بالغ الأهمية للقضاء على التشوهات التي تعرقل الاستثمار والنمو. ورأى الكثير منهم جدوى في توحيد أولي لأسعار الصرف من أجل القضاء على ممارسات العملات المتعددة وتعزيز مصداقية برنامج إصلاح السلطات. وفي الوقت نفسه، أقر بعضهم بأن النهج التدريجي يمكن أن يخفف من مخاطر احتمال تجاوز أسعار الصرف، بالنظر إلى الحد الأدنى من الاحتياطيات الدولية، والآثار الاجتماعية السلبية للتكيف.
كما شدد المديرون على ضرورة تعزيز أوضاع المالية العامة من أجل ترسيخ استقرار الاقتصاد الكلي وإيجاد حيز للإنفاق العام ذي الأولوية. وفي حين أن تقييم رسوم الاستيراد والإيرادات النفطية بسعر الصرف المحدد حسب السوق يمكن أن يولد عائدا في الإيرادات، فإنه يلزم اتخاذ تدابير إضافية للحد من العجز المالي. وينبغي أن تقترن تعبئة الإيرادات المعززة بإعفاءات ضريبية مبسطة، والتخلص التدريجي من الدعم المكلف للوقود والقمح، وزيادة استخدام التحويلات النقدية المستهدفة.
ودعا المديرون إلى سياسة نقدية أكثر صرامة للحفاظ على التضخم في الشيكات. وأشاروا إلى أنه ينبغي تعزيز القيود المفروضة على العجز المالي في المصارف المركزية من أجل احتواء الضغوط التضخمية. وإلى أن يتم وضع حجر الأساس لاستهداف التضخم مباشرة، فإن وضع إطار لاستهداف الأموال الاحتياطية سيكون مفيدا لترسيخ السياسة النقدية في ظل نظام مرن لسعر الصرف.
وشجع المديرون كذلك البنك المركزي السوداني على مواصلة تطوير قدراته للإشراف على مخاطر الاستقرار المالي والتخفيف من حدتها. ورحبوا أيضا بالتقدم الذي أحرزته السودان في التصدي لأوجه القصور في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ودعوا إلى مواصلة الجهود لتعزيز الإطار. كما شجعوا السلطات على تحديث مناخ الأعمال والإطار القانوني، والمضي قدما في تدابير مكافحة الفساد لدعم الاستثمار والنمو.
وأقر المديرون بأن السودان لا يزال يعاني من ضائقة الديون، وهو مؤهل لتخفيف عبئها في إطار مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون. وشجعوا السلطات على مواصلة العمل مع الشركاء الدوليين لتأمين الدعم الشامل لتخفيف عبء الديون وتعزيز تعاونهم مع الصندوق بشأن السياسات والمدفوعات، بما في ذلك عن طريق دفع مبالغ منتظمة إلى الصندوق على الأقل كافية لتغطية الالتزامات المستحقة، مما يزيد من قدرة السودان على الدفع. وأشار المديرون إلى اهتمام السلطات ببرنامج جديد للمراقبة، وهو شرط مسبق للوصول إلى نقطة اتخاذ القرار المتعلقة بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون.
وعلى صعيد ذي صلة، دعت وزارة المالية السودانية صندوق النقد الدولي إلى الإسهام في إعفاء ديون السودان الخارجية، وطالبت بإعفاء ديون السودان وجنوب السودان وفق الخيار الصفري الذي يحظى بدعم الاتحاد الأفريقي، في وقت وعدت المجموعة الأولى بصندوق النقد بتقديم مساعدات فنية لدعم السودان في مجال المالية العامة، وبناء القدرات للكوادر الاقتصادية.
من جانبه أوضح المدير التنفيذي للمجموعة الأولى بصندوق النقد، أن رفع العقوبات الأميركية عن السودان يتيح فرص لتدفق الاستثمارات ورؤوس الأموال الأجنبية، مبيناً أن زيارته للسودان أتت بدعوة من وزير المالية للمجموعة الأفريقية خلال اجتماع في واشنطن أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مشيراً إلى أن الصندوق سيقوم بتقديم مساعدات فنية لدعم السودان في مجال المالية العامة وبناء القدرات للكوادر الاقتصادية.



الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
TT

الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)

على مدار الأسبوعين الماضيين، اجتمع قادة الدول والمنظمات الدولية، والمستثمرون، والقطاع الخاص، في العاصمة السعودية الرياض، لمناقشة قضايا المناخ، والتصحر، وتدهور الأراضي، وندرة المياه، وسط «مزاج جيد ونيات حسنة»، وفق الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر إبراهيم ثياو، خلال مؤتمر صحافي عُقد مساء الخميس.

وجرى جمع 12 مليار دولار تعهدات تمويل من المنظمات الدولية الكبرى. وفي المقابل، تُقدَّر الاستثمارات المطلوبة لتحقيق أهداف مكافحة التصحر وتدهور الأراضي بين 2025 و2030 بنحو 355 مليار دولار سنوياً، مما يعني أن هناك فجوة تمويلية ضخمة تُقدَّر بـ278 مليار دولار سنوياً، وهو ما يشكل عقبة كبيرة أمام تحقيق الأهداف البيئية المطلوبة.

وحتى كتابة هذا الخبر، كانت المفاوضات لا تزال جارية. وكان من المرتقب إعلان النتائج في مؤتمر صحافي عصر اليوم، إلا أنه أُلغي، و«تقرَّر إصدار بيان صحافي يوضح نتائج المؤتمر فور انتهاء الاجتماع، وذلك بدلاً من عقد المؤتمر الصحافي الذي كان مخططاً له في السابق»، وفق ما أرسلته الأمم المتحدة لممثلي وسائل الإعلام عبر البريد الإلكتروني.

التمويل

وقد تعهدت «مجموعة التنسيق العربية» بـ10 مليارات دولار، في حين قدَّم كل من «صندوق أوبك» و«البنك الإسلامي للتنمية» مليار دولار، ليصبح بذلك إجمالي التمويل 12 مليار دولار، وهو ما جرى الإعلان عنه يوم الخميس.

وكانت السعودية قد أطلقت، في أول أيام المؤتمر، «شراكة الرياض العالمية للتصدي للجفاف»، بتخصيص 150 مليون دولار على مدى السنوات العشر المقبلة.

وأشار تقرير تقييم الاحتياجات المالية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إلى وجود فجوة تمويلية تبلغ 278 مليار دولار سنوياً، تهدد قدرة الدول على تحقيق أهداف مكافحة هذه الظواهر بحلول عام 2030، ما يشكل عقبة أمام استعادة الأراضي المتدهورة التي تُقدَّر مساحتها بمليار هكتار.

وتبلغ الاستثمارات المطلوبة لتحقيق هذه الأهداف بين 2025 و2030، نحو 355 مليار دولار سنوياً، في حين أن الاستثمارات المتوقعة لا تتجاوز 77 ملياراً، مما يترك فجوة تمويلية ضخمة تصل إلى 278 مليار دولار، وفق تقرير تقييم الاحتياجات المالية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، الذي أصدرته في اليوم الثاني من المؤتمر. وفي وقت تواجه الأرض تحديات بيئية تتعلق بتدهور الأراضي والتصحر، إذ أشارت التقارير التي جرى استعراضها، خلال المؤتمر، إلى أن 40 في المائة من أراضي العالم تعرضت للتدهور، مما يؤثر على نصف سكان العالم ويتسبب في عواقب وخيمة على المناخ والتنوع البيولوجي وسُبل العيش.

وفي الوقت نفسه، يفقد العالم أراضيه الخصبة بمعدلات مثيرة للقلق، وزادت حالات الجفاف بنسبة 29 في المائة منذ عام 2000، متأثرة بالتغير المناخي، وسوء إدارة الأراضي، مما أدى إلى معاناة ربع سكان العالم من موجات الجفاف، ومن المتوقع أن يواجه ثلاثة من كل أربعة أشخاص في العالم ندرة كبيرة في المياه بحلول عام 2050، وفقاً لبيانات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر. وقد ارتفع الجفاف الحاد بنسبة 233 في المائة خلال خمسين عاماً، وفق آخِر تقارير «البنك الدولي».

وفي ظل هذه الظروف، جاء مؤتمر الرياض «كوب 16» لمناقشة أهمية التعاون الدولي والاستجابة الفعّالة لمجابهة هذه التحديات، وليسلّط الضوء على ضرورة استعادة 1.5 مليار هكتار من الأراضي بحلول عام 2030 لتحقيق الاستدامة البيئية.

يُذكر أن «مؤتمر كوب 16» هو الأول من نوعه الذي يُعقَد في منطقة الشرق الأوسط، وأكبر مؤتمر متعدد الأطراف تستضيفه المملكة على الإطلاق. وصادف انعقاده الذكرى الثلاثين لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إحدى المعاهدات البيئية الثلاث الرئيسية المعروفة باسم «اتفاقيات ريو»، إلى جانب تغير المناخ والتنوع البيولوجي.