جزائريون وفرنسيون ينضمون إلى «داعش أفغانستان»

الجيش الأميركي يقصف مختبرات المخدرات لـ«طالبان» في هلمند

عناصر من «داعش» أمام عدسات المصورين عقب اعتقالهم في جلال آباد في أكتوبر الماضي (إ.ب.أ)
عناصر من «داعش» أمام عدسات المصورين عقب اعتقالهم في جلال آباد في أكتوبر الماضي (إ.ب.أ)
TT

جزائريون وفرنسيون ينضمون إلى «داعش أفغانستان»

عناصر من «داعش» أمام عدسات المصورين عقب اعتقالهم في جلال آباد في أكتوبر الماضي (إ.ب.أ)
عناصر من «داعش» أمام عدسات المصورين عقب اعتقالهم في جلال آباد في أكتوبر الماضي (إ.ب.أ)

كشفت مصادر متطابقة لوكالة الصحافة الفرنسية، انضمام فرنسيين وجزائريين توافد بعضهم من سوريا، إلى صفوف تنظيم داعش في شمال أفغانستان، حيث أقام المتمردون قواعد جديدة. وهذه هي المرة الأولى التي يجري فيها تأكيد وجود مقاتلين فرنسيين، أو على الأقل وجود ناطقين بالفرنسية في صفوف تنظيم داعش في أفغانستان، عبر أقوال شهود ومسؤولين جرى الاتصال بهم من كابل.
وأفاد حاكم منطقة درزاب في جنوب غربي ولاية جوزجان، باز محمد دوار: «بحسب معلوماتنا وصل عدد من الرعايا الفرنسيين والجزائريين قبل 15 إلى 20 يوما (منتصف نوفمبر «تشرين الثاني») إلى درزاب». وأضاف الحاكم أن المجموعة تشمل عددا من النساء، وتتنقل برفقة مترجم من طاجيكستان، موضحا أن «أربعة من الأجانب بينهم امرأتان، يتحدثون الفرنسية والعربية»، وبرفقتهم «سبعة أو ثمانية مقاتلين جزائريين لا يتحدثون إلا العربية، إلى جانب شيشانيين وأوزبكستانيين وطاجيكستانيين. عدد من جزائريي درزاب سبق أن أمضوا وقتا في سوريا والعراق».
وانضم مئات من الفرنسيين بعضهم يتحدر من شمال أفريقيا إلى صفوف تنظيم داعش في الشرق الأوسط، ما يثير التباسا بشأن جنسيات الوافدين الجدد. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الجنرال دولت وزيري: «نسميهم العرب؛ لكنهم لا يحملون جوازات سفر».
وتعتبر ولاية جوزجان المتاخمة لأوزبكستان إحدى أبرز الجيوب التي اتخذ فيها تنظيم داعش مقرا شمالا، بعد بروزه في شرق أفغانستان في 2015.
وروى «حاجي»، أحد الأعيان الذي نأى عن الآخرين للتحدث إلى وكالة الصحافة الفرنسية، بنبرة خوف: «رأيتهم بعيني، بدوا طوال القامة، يبلغون بين 25 و30 عاما، ويرتدون بزات عسكرية»، مضيفا أنهم «لا يسمحون لأحد بالاقتراب».
وأقام مسلحو تنظيم داعش مخيما على بعد مئات الأمتار من قريته بيبي مريم، وقرية شهر دارا. وأَضاف: «نراهم يتدربون. ويقول البعض إنهم هنا مع عائلاتهم؛ لكنني لم أرها»، مؤكدا أنهم «لا يحادثون أحدا، ويتنقلون على دراجات نارية إلى الحدود ذهابا وإيابا». وتابع بأن «رعاة اقتربوا (منهم) أثناء رعي حيواناتهم واختفوا، لم نجد حتى أكواب الشاي التي استخدموها».
أكد «حاجي» أن أكثرية المقيمين في المخيم من الأجانب، وهم «نحو 200 شخص يضمون خليطا من العرب والأوروبيين والسودانيين والباكستانيين»، بدأوا التوافد قبل ستة أشهر.
وأكد «أكرم» أحد سكان القرية، كذلك بنبرة خوف، أن منطقة درزاب باتت «بنسبة 95 في المائة بيد (داعش)»، مضيفا أن «الكثير من السكان فروا، خصوصا الموظفين الحكوميين».
وأفاد المتحدث باسم حكومة الولاية، محمد رضا غفوري، بأن تنظيم داعش جند نحو 50 طفلا من المنطقة «بالقوة أو باستغلال بؤس العائلات».
وتابع بأن بعض الأطفال «يبلغون بالكاد عشر سنوات، ولديهم مخيم خاص في قرية سردارة؛ حيث يستعدون لتنفيذ اعتداءات».
وأكدت كيتلين فوريست، من معهد دراسة الحرب في واشنطن، أن تنظيم داعش يريد تحويل جوزجان - حيث يسيطر على عشر مناطق - بالإجمال إلى «محور لوجستي لاستقبال وتدريب المقاتلين الأجانب». وأوضحت في مقال أن التنظيم الذي هزم في سوريا والعراق بات يعتبر أفغانستان «ملاذا» يستطيع منه «التخطيط لاعتداءات في الولايات المتحدة». وأكد «هشار»، الزعيم السابق لإحدى قرى المنطقة، أنه رأى طلائع الفرنسيين في منتصف نوفمبر «مع مترجمهم الطاجيكي يدربون مقاتلين على الاعتداءات الانتحارية وزرع الألغام». وأضاف أن «سكان المنطقة يقولون إنهم (يستثمرون) مناجم يورانيوم وأحجارا كريمة. ليسوا هنا في سبيل القتال بل لزرع الدمار والبؤس».
وأكد مصدر أمني في كابل لوكالة الصحافة الفرنسية، وصول فرنسيين «مؤخرا» إلى تلك المنطقة، بينهم اثنان أطلقت عليهما تسمية «المهندسين، ويبدو أنهما وفدا لتنظيم أنشطة التعدين». واشتبه عدد من الأجهزة الأوروبية بوجود «فرع لـ(داعش) في طاجيكستان» بحسب المصدر، ويبدو وجود المترجم برفقة الفرنسيين تأكيدا لذلك.
وأوقف فرنسي واحد على الأقل في يوليو (تموز)، وحكم عليه بالسجن خمس سنوات بتهمة «الدخول غير المشروع إلى أراضي» طاجيكستان. وأقر الفرنسي، وهو سمكري يبلغ نحو 30 عاما متحدر من مرسيليا يقيم في كافايون في جنوب شرقي فرنسا، أنه أراد الانضمام إلى تنظيم داعش في أفغانستان.
وأضاف المصدر: «كما أن شخصين آخرين أوقفا في الوقت نفسه، كانا يحملان جوازي سفر فرنسيين مزورين».
وأفادت وزارة الدفاع الأفغانية بأن «الإمارة الإسلامية في خراسان»، الاسم التاريخي لأفغانستان، اتخذت في البدء مقرا في شرق البلاد في ولايتي ننغرهار وكونار المتاخمتين لباكستان، التي يتوافد منها الجزء الأكبر من المقاتلين. وانتشر تنظيم داعش منذ ذاك الوقت في ثلاث ولايات شمالية، هي جوزجان وفرياب وخصوصا سارِه بول، حيث يدرب مقاتلين سابقين في «طالبان»، وأعضاء سابقين في «الحركة الإسلامية» في أوزبكستان.
وتشكل جوزجان معقل زعيم الحرب الأوزبكي ونائب الرئيس الأفغاني عبد الرشيد دستم، الذي انحسر نفوذه منذ 2016، بعد اتهامات باغتصاب خصم، واستقر في تركيا منذ مايو (أيار) «لدواع طبية». وفي جوزجان قتل ستة عاملين لدى اللجنة الدولية للصليب الأحمر في كمين في فبراير (شباط)، ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن ذلك.
وأضاف المتحدث الحكومي: «سبق أن سرت شائعات كثيرة عن رعايا فرنسيين يقاتلون لصالح تنظيم داعش في منطقة درزاب؛ لكننا لم نتمكن قط من الحصول على إثبات».
وتشكل أفغانستان ذات المحيط المعقد والحدود السهلة الاختراق، أرضا للقتال منذ فترة طويلة. ففي جنوب شرقها وفي باكستان، درب المسلحون مقاتليهم ضد السوفيات في ثمانينات القرن الفائت، ولاحقا درب تنظيم القاعدة عناصره على «الجهاد العالمي».
وفي 19 نوفمبر شدد وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، أثناء محطة في كابل، على الخطر المتنامي لتنظيم داعش في أفغانستان، بعد هزائمه في العراق وسوريا.
إلى ذلك، نشر الجيش الأميركي في أفغانستان مقاطع فيديو جديدة، يزعم أنها تظهر الغارات المميتة على مختبرات المخدرات التابعة لـ«طالبان» بإقليم هلمند جنوب أفغانستان، باستخدام نظام «إم 142» المدفعي، طبقا لما ذكرته وكالة «خاما برس» الأفغانية للأنباء أمس.
وقالت القوات الأميركية في أفغانستان، إن «نظام (إم 142) لصواريخ المدفعية، التي لديها إمكانية التنقل بشكل كبير، نفذ غارة على منشأة لإنتاج المخدرات لـ(طالبان)، بإقليم هلمند، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2017».
وطبقا لبيان صادر عن القوات الأميركية في أفغانستان، فإن «الغارة المدفعية، وهي جزء من حملة مستمرة من قبل قوات الدفاع والأمن الوطني الأفغانية والقوات الأميركية في أفغانستان، أدت إلى تدمير نحو مليون دولار أميركي في صورة عائدات (طالبان) المباشرة».
وقال الجيش الأميركي إن هذا النظام الصاروخي هو إمكانية أميركية أخرى، ويتم استخدامها لممارسة ضغوط على «طالبان»، وقطع شرايين حياتهم الاقتصادية وعرقلة قدرتهم على مواصلة العمليات.
يأتي ذلك بعد أن ذكر قائد بعثة «الدعم الحازم» التابعة لحلف شمال الأطلسي (ناتو) والقوات الأميركية في أفغانستان، الجنرال جون نيكلسون الشهر الماضي، أن الهجمات على المحرك المالي لـ«طالبان» ستستمر، حيث لحقت خسائر واسعة بالجماعة في الغارات الجوية الأخيرة.
في غضون ذلك، قتل اثنان على الأقل من «طالبان»، أثناء زرعهما عبوات ناسفة بدائية الصنع بإقليم لاجمان شرق أفغانستان، طبقا لما ذكرته وكالة «خاما برس» الأفغانية للأنباء أمس.
وطبقا لفيلق «سلاب 201» التابع للجيش الأفغاني في الشرق، وقع الحادث أول من أمس، بالقرب من منطقة ألينجار. وذكر مسؤولون أن المسلحين كانوا منهمكين في زرع عبوات ناسفة بدائية الصنع، عندما وقع الحادث، ما أسفر عن مقتل اثنين على الأقل منهم.
وأضاف المسؤولون من فيلق «سلاب» أنه لم يقتل أي شخص أو يتعرض لإصابات في الحادث، بعيدا عن المسلحين الاثنين اللذين قتلا. ولم تعلق الجماعات المتشددة المسلحة المناهضة للحكومة على التقرير حتى الآن.


مقالات ذات صلة

وزير الدفاع الأميركي: نحتاج لإبقاء قواتنا في سوريا لمواجهة تنظيم داعش

الولايات المتحدة​  وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في قاعدة رامشتاين الجوية في ألمانيا (أ.ف.ب)

وزير الدفاع الأميركي: نحتاج لإبقاء قواتنا في سوريا لمواجهة تنظيم داعش

قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن لوكالة أسوشيتد برس إن الولايات المتحدة بحاجة إلى إبقاء قواتها في سوريا لمنع تنظيم داعش من إعادة تشكيل تهديد كبير.

«الشرق الأوسط» (قاعدة رامشتاين الجوية (ألمانيا))
المشرق العربي وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (الخارجية التركية)

تركيا تكشف عن 4 مطالب دولية في سوريا

كشفت تركيا عن إجماع دولي على 4 شروط يجب أن تتحقق في سوريا في مرحلة ما بعد بشار الأسد وهددت بتنفيذ عملية عسكرية ضد القوات الكردية في شمال سوريا وسط دعم من ترمب

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي قائد الجيش الأردني اللواء يوسف الحنيطي مستقبلاً وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة (التلفزيون الأردني)

بين أنقرة ودمشق… مساع أردنية لإعادة بناء قدرات «سوريا الجديدة»

هناك رأي داخل مركز القرار الأردني ينادي بدور عربي وإقليمي لتخفيف العقوبات على الشعب السوري و«دعم وإسناد المرحلة الجديدة والانتقالية».

محمد خير الرواشدة (عمّان)
المشرق العربي فيدان والصفدي خلال المؤتمر الصحافي في أنقرة (الخارجية التركية)

تنسيق تركي - أردني حول دعم المرحلة الانتقالية في سوريا... وعودة اللاجئين

أبدت تركيا توافقاً مع الأردن على العمل لضمان وحدة وسيادة سوريا ودعم إدارتها الجديدة في استعادة الاستقرار وبناء مستقبل يشارك فيه جميع السوريين من دون تفرقة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي عبد القادر مؤمن

كيف أصبح ممول صومالي غامض الرجل الأقوى في تنظيم «داعش»؟

يرجّح بأن الزعيم الصومالي لتنظيم «داعش» عبد القادر مؤمن صاحب اللحية برتقالية اللون المصبوغة بالحناء بات الرجل الأقوى في التنظيم

«الشرق الأوسط» (باريس)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟