هل نفتقد اليوم «أيقونة» فلسطين الشعرية؟

الأحداث العظيمة توقظ سيرة الرموز

محمود درويش
محمود درويش
TT

هل نفتقد اليوم «أيقونة» فلسطين الشعرية؟

محمود درويش
محمود درويش

ربما عرفنا قضية فلسطين من خلال محمود درويش أكثر مما عرفناها من كل المفاوضين الذين أبرموا الاتفاقيات والمعاهدات، أو حتى أولئك الذين أشعلوا الحروب. اقترنت كلمة فلسطين وجدانياً بقصائد محمود درويش... فهل نفتقده اليوم في الأحداث التي استجدت وتستجد؟
كنا كلما تحرك غصن في زيتون فلسطين، أسرعنا لقصائد محمود درويش، سواء تلك التي في دواوينه أو التي غناها فنانون، فحركوا فيها شعوراً هو مزيج بين أشجان وغضب:

«وطني حبل غسيل
لمناديل الدم المسفوك
في كل دقيقةْ
وتمددت على الشاطئ
رملاً..ونخيل»

يظل محمود درويش «أيقونة» الحلم الفلسطيني، ووشاحاً على أعناق الذين مروا فوق جبالها وسهولها ومائها... ويظل «خبز أمه وقهوة أمه» لوحة لم تجف ألوانها رغم مرور السنين.
لذلك طرحت هذا السؤال على مجموعة من المثقفين والقراء والمهتمين في «فيسبوك»: «بمناسبة ما يحدث في فلسطين اليوم، هل تفتقدون محمود درويش؟ هل كان لحضوره الشعري الأثر المهم في لفت أنظارنا إلى القضية الفلسطينية؟ وهل للشعر دور الآن؟».
فكانت هذه الإجابات:
الأكاديمي المتخصص بالشعر، الدكتور عبد السلام المساوي، يختصر المشهد كله بجملة مهمة: «نفتقد كثيراً الشاعر محمود درويش... القصيدة بعده يتيمة». أما الشاعر القاص محمد عباس علي، فيرى أن «درويش كان يمتلك الروح التي تخضبت بدماء الشهداء، وذاقت مرار النفي، وشمت روائح الغربة، ولذلك كانت كلماته نابعة من القلب، وما ينبع من القلب لا بد أن يهز القلوب ويلفت الأنظار».
الفنانة التشكيلية ريم عطالله تجيب على الشق الثاني من السؤال فقط، فتقول: «أكيد، النثر والشعر والفن هو الكاميرا الناقلة للأوضاع التي تحرك المشاعر والرأي العام تجاه أي قضية إنسانية، وبالذات القضية الفلسطينية». ويعتقد الباحث فارس بيرة أنه «بعد محمود درويش، فلسطين غدت قصيدةً ثكلى»، بينما يرى علي سعيد المعشني أننا نفتقد محمود درويش: «لا نجد الشعر بذات المضمون وقوته على المتلقي؛ لقد اختفى الحس القومي مع كثير من الشعراء، وما تحمله حروفهم من رسالة... خاصة في قضية فلسطين».
أنسام سليمان، المتخصصة باللغة العربية، تأخذ الحديث نحو منعطف آخر، فتقول: «مجتمعنا اليوم أبعد ما يكون عن القراءة، وأقرب مثال أنك تجد على صفحات الشعراء قلة قليلة من الناس تتابع وتهتم، بينما صفحات خبيرات التجميل والمودرن تستقطب عدداً أكبر هذا من ناحية، ناهيك بأن الكلام ذاته أصبح كالإبر المخدرة»، ثم تعود للقول: «أكيد، الشعراء الكبار لن يتكرروا، ولن يتكرر أثرهم في النفوس».
صباح ظاظا تؤكد أننا: «نعم، نفتقده»، بينما ترى شذى الإسطنبولي أن «للشعر كلمة مؤثرة، لكن... للعلم والمال تأثير أكبر. الشاعر برأيي إنسان عاجز عن كثير من النواحي، ومبدع من ناحية الكلام والفطنة، وله ملكة خاصة تؤثر في مسامع المتلقي، لكن يقولون: الكلام لا يقدم ولا يؤخر».
تخالفها الرأي سمر المغير، بقولها: «كانت الكلمة - وما زالت - سهماً وسيفاً بتاراً يُسدد للقلوب، ويشحذ الهمم، وما زالت كلمات درويش محفورة بكل خلايانا، وما زلنا نردد: عام يذهب، وآخر يأتي، وكل شيء فيك يزداد سوءاً يا وطني». وتقدم سمر دليلها على كلامها: «لو لم تكن للكلمة أهمية، لما كممت الأفواه، ولما هتف القائد بجيشه قبل الهجوم».
غربة خطيب تنتقي من قصائد درويش ما ترى أنه يؤكد افتقادنا له، فتقول: «الجميع يحب فلسطين وأرضها وترابها، والكل تغنّى بها بأشعار وخواطر وكلمات وعبارات، لأنّها ليست الأجمل لكنها الأعمق بجوهرها، ومن الذين قالوا عن فلسطين محمود درويش، وهنا جمعتُ لكم أجمل الأقوال والشعر لمحمود درويش عن فلسطين: فلسطين، هل في وسعي أن أختار أحلامي، لئلا أحلم بما لا يتحقق. أمّا أنا، فسأدخلُ في شجر التوت، حيث تُحوّلني دودة القزّ خيطَ حريرٍ، فأدخلُ في إبرة امرأةٍ من نساء الأساطير، ثمّ أطيرُ كشالٍ مع الريح. والتاريخ يسخر من ضحاياه، ومن أبطالهم... يلقي عليهم نظرة ويمر! أتيتُ، ولكني لم أصل.. وجئتُ، ولكني لم أعد. سنصير شعباً حين لا نتلو صلاة الشكر للوطن المقدس، كلما وجد الفقيرُ عشاءَهُ.. سنصير شعباً حين نشتم حاجبَ السلطان والسلطان دون محاكمة. أحببتك مرغماً ليس لأنك الأجمل، بل لأنك الأعمق، فعاشق الجمال في العادة أحمق. سأَصير يوماً ما أُريدُ.. سأصير يوماً طائراً، وأسل من عَدَمي وجودي.. كلما احترقَ الجناحانِ اقتربتُ من الحقيقةِ، وانبعثتُ من الرمادِ.. أَنا حوارُ الحالمين، عَزَفتُ عن جَسَدي وعن نفسي».
الباحث الأكاديمي محمد محمد عيسى يرى أن «محمود درويش لم يكن شاعراً عادياً، ربما من أسباب ذلك أنه كان ابن هذا الوطن غير العادي. وبقدر ما منحته فلسطين بأرضها المنصهرة وأطفالها الفرسان وحجارتها الرافضة شاعريةً غير آفلة، منحها درويش الكلمة الرصاصة التي وإن خفت صوتها قليلاً، فإنها في الطريق إلى مرماها... درويش الغائب بجسده قال كل ما تود أن تبوح به القلوب الظمآنة، كلماته تكاد تحرق من شدة لهيبها الكتب والصحف، وصوته ما زال يملأ المكان صولة وعنفواناً. نعم، درويش لا ينسى، وهو الذي يذكرنا بفلسطين كلما قرأناه، ونتذكره كلما جد بفلسطين جديد».
شيماء الأطرم تخالف الرأي، فتقول: «عن نفسي، أفتقد ناجي العلي، ورمزه حنظلة»، وكذلك رأي أحمد الشمري، وقريب منهما رأي لبنى شعبان، إذ تعتبر أن غسان كنفاني بالنسبة لها هو أيقونة فلسطين الأدبية. لكن هبة الشاهر تعيدنا إلى محمود درويش: «شاعر مثله كان له دور كبير في القضية الفلسطينية».
أسماء العوضي تدور معنا في فلك محمود درويش: «العاطفة النبيلة التي تسكن الشعراء تعبر عن ألم وأنين قد نعجز عن التعبير عنهما، يتحدث الشاعر عن جرح يعصرنا وألم يقتلنا، وكم تحدث درويش عن مشاعر وجروح تسكننا».
هالة شواخ تفتقد أيضاً «سميح القاسم، الذي له ما لمحمود درويش من أثر، وقد يتفوق عليه أيضاً»، بينما تؤكد زينة عويكة: «أكيد، محمود درويش شاعر نقل معاناة شعبة بالكلمة... والكلمة سلاح فتاك». ويفتقد مازن محمود ومروان فرزات وسمير المرزوق محمود درويش: «كان رائداً في التعبير والأدب عموماً، والشعر خصوصاً، يحافظ على ما تبقى من الماء في الطين».
وتؤكد ميرفت عبد الله أكثر، بقولها: «نعم، نفتقده... رحل عنا ونحن بأشد الحاجة إليه، فالوقت وقته، والمكان مكانه، ولن يشغله شاعر سواه... شاعر الإنسانية المضطهدة، شاعر الأرض التي لم تزل محتلة». وتؤيد هذا الكلام فاطمة العمير: «محمود درويش كان - ولعله ما زال - أحد الرموز ذات الأثر الكبير في القضية الفلسطينية وكل القضايا العربية». والدكتور قاسم عبد الله العزاوي يختصر بجملة جميلة: «أثر الحضور يظهره أثر الغياب». وتفتقده نادية الطاهر، بقولها: «نفتقده كثيراً. نعم، كان لحضوره الأثر الكبير في لفت أنظار العالم إلى القضية الفلسطينية... سلاماً لروحه، سيد الكلام، شاعر الأرض والقضية والمقاومة».
الشاعرة عزة علي: «يحضرني دماً... وقلباً... وروحاً... طيف روح المتقد عشقاً لوطنه وقضيته محمود درويش، مع أول ردة فعل شهدتها من أشبال فلسطين: (عيونك شوكةٌ في القلب توجعني، وأغمدها وراء الليل والأوجاع، أغمدها فيشعل جرحها ضوء المصابيح). لم يكن لشعره دور مهم وحسب، بل استطاع من خلال كلماته المنبثقة من قلبه أن يجعلنا أصحاب قضية سامية».
الشاعر أحمد بعاج يؤكد أن الكلمة سلاح فعال، بينما ترى الناشطة الأرمنية المتعاطفة مع القضية الفلسطينية أن: «القدس تعيش في كل قلب صادق ينبض بشكل مستمر كل ليلة». والفنان التشكيلي أسعد فرزات يبدو رأيه إما واقعياً أو محبطاً بعض الشيء: «في فترة الستينات وبداية السبعينات، كانت قصائد درويش والقاسم محرضة للعمل الفدائي، ولكن بعدما انكشفت الأمور، وأصبحت المتاجرة بالقضية الفلسطينية (على عينك يا تاجر)، لم تعد تلك الأشعار تقنعننا، ولم تعد محرضة». وعلى النسق نفسه، يقول محمد: «ما حدث، وما يحدث، وما سيحدث، لا يبدل الحال بالأقوال، فما أحوجنا إلى الأفعال... والأفعال أمست حلماً محالاً».



فهد المطيري لـ«الشرق الأوسط»: «فخر السويدي» لا يشبه «مدرسة المشاغبين»

فيلم «فخر السويدي» تناول قضية التعليم بطريقة فنية (الشركة المنتجة)
فيلم «فخر السويدي» تناول قضية التعليم بطريقة فنية (الشركة المنتجة)
TT

فهد المطيري لـ«الشرق الأوسط»: «فخر السويدي» لا يشبه «مدرسة المشاغبين»

فيلم «فخر السويدي» تناول قضية التعليم بطريقة فنية (الشركة المنتجة)
فيلم «فخر السويدي» تناول قضية التعليم بطريقة فنية (الشركة المنتجة)

أكد الفنان السعودي فهد المطيري أن فيلمه الجديد «فخر السويدي» لا يشبه المسرحية المصرية الشهيرة «مدرسة المشاغبين» التي قدمت في سبعينات القرن الماضي، لافتاً إلى أن الفيلم يحترم دور المعلم ويقدّره حتى مع وجود الطابع الكوميدي في العمل.

الفيلم الذي عُرض للمرة الأولى ضمن مسابقة «آفاق السينما العربية» بالنسخة الماضية من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، تدور أحداثه في 8 فصول حول رهان مدير المدرسة على تأسيس «الفصل الشرعي» ليقدم من خلاله نهجا مختلفاً عن المتبع.

وقال المطيري لـ«الشرق الأوسط» إن «المدرسة تشكل فترة مهمة في حياة كل شخص ولا تزال هناك ذكريات ومواقف راسخة في ذاكرتنا عنها، الأمر الذي سيجعل من يشاهد الفيلم يشعر بأن هناك مواقف مشابهة ربما تعرض لها أو شاهدها بالفعل خلال مسيرته التعليمية»، مرجعاً حماسه لتقديم شخصية الأستاذ «شاهين دبكة» مدير ثانوية «السويدي الأهلية» رغم كون الدور لرجل أكبر منه سناً إلى إعجابه بالفكرة التي يتناولها العمل وشعوره بالقدرة على تقديم الدور بشكل مختلف.

فهد المطيري مع أبطال الفيلم (الشركة المنتجة)

وأضاف المطيري: «إن الماكياج الذي وضعته لإظهار نفسي أكبر عمراً، استوحيته جزئياً من الفنان الراحل حسين الرضا خصوصاً مع طبيعة المدير ومحاولته المستمرة إظهار قدرته في السيطرة على الأمور وإدارتها بشكل جيد، وإظهار نفسه ناجحاً في مواجهة شقيقه الأصغر الذي يحقق نجاحات كبيرة في العمل ويرأسه».

وحول تحضيرات التعامل مع الشخصية، أكد المطيري أن خلفيته البدوية ساعدته كثيراً لكونه كان يحضر مجالس كبار السن باستمرار في منزلهم الأمر الذي لعب دوراً في بعض التفاصيل التي قدمها بالأحداث عبر دمج صفات عدة شخصيات التقاها في الواقع ليقدمها في الدور، وفق قوله.

وأوضح أنه كان حريصاً خلال العمل على إبراز الجانب الأبوي في شخصية شاهين وتعامله مع الطلاب من أجل تغيير حياتهم للأفضل وليس التعامل معهم على أنه مدير مدرسة فحسب، لذلك حاول مساعدتهم على بناء مستقبلهم في هذه المرحلة العمرية الحرجة.

وأشار إلى أنه عمل على النص المكتوب مع مخرجي الفيلم للاستقرار على التفاصيل من الناحية الفنية بشكل كبير، سواء فيما يتعلق بطريقة الحديث أو التوترات العصبية التي تظهر ملازمة له في الأحداث، أو حتى طريقة تعامله مع المواقف الصعبة التي يمر بها، وأضاف قائلاً: «إن طريقة كتابة السيناريو الشيقة أفادتني وفتحت لي آفاقاً، أضفت إليها لمسات شخصية خلال أداء الدور».

المطيري خلال حضور عرض فيلمه في «القاهرة السينمائي» (إدارة المهرجان)

وعن تحويل العمل إلى فيلم سينمائي بعدما جرى تحضيره في البداية على أنه عمل درامي للعرض على المنصات، أكد الممثل السعودي أن «هذا الأمر لم يضر بالعمل بل على العكس أفاده؛ لكون الأحداث صورت ونفذت بتقنيات سينمائية وبطريقة احترافية من مخرجيه الثلاثة، كما أن مدة الفيلم التي تصل إلى 130 دقيقة ليست طويلة مقارنة بأعمال أخرى أقل وقتاً لكن قصتها مختزلة»، موضحاً أن «الأحداث اتسمت بالإيقاع السريع مع وجود قصص لأكثر من طالب، والصراعات الموجودة»، مشيراً إلى أن ما لمسه من ردود فعل عند العرض الأول في «القاهرة السينمائي» أسعده مع تعليقات متكررة عن عدم شعور المشاهدين من الجمهور والنقاد بالوقت الذي استغرقته الأحداث.

ولفت إلى أن «الفيلم تضمن تقريباً غالبية ما جرى تصويره من أحداث، لكن مع اختزال بعض الأمور غير الأساسية حتى لا يكون أطول من اللازم»، مؤكداً أن «المشاهد المحذوفة لم تكن مؤثرة بشكل كبير في الأحداث، الأمر الذي يجعل من يشاهد العمل لا يشعر بغياب أي تفاصيل».

وحول تجربة التعاون مع 3 مخرجين، أكد فهد المطيري أن الأمر لم يشكل عقبة بالنسبة له كونه ممثلاً، حيث توجد رؤية مشتركة من جميع المخرجين يقومون بتنفيذها في الأحداث، ولافتاً إلى أن حضورهم تصوير المشاهد الأخرى غير المرتبطة بما سيقومون بتصويره جعل الفيلم يخرج للجمهور بإيقاع متزن.