الهند تعيد صياغة علاقاتها مع الشرق الأوسط

الكثير من الناس ينظرون إلى الهند باعتبارها قوة مسالمة تبتعد كثيراً عن القضايا الأمنية، وتركز جهودها على تصدير العمالة واستيراد النفط، وهذا أمر صحيح. ولكن خلال السنوات الأخيرة تغيرت الأشياء كثيراً. وبدأت الهند في النظر بعيداً، والتفكير في اتخاذ المواقف الأكثر استراتيجية، في ضوء الأبعاد الدبلوماسية والأمنية والعسكرية سريعة التغير في الشرق الأوسط.
تقارب رئيس الوزراء الهندي مع غرب آسيا باعتبارها جزءاً مهماً من السياسة الخارجية الهندية، وقام خلال السنوات الماضية، بزيارة المملكة العربية السعودية، وإيران، وأخيراً إسرائيل، وكان هو أول رئيس وزراء هندي يقوم بذلك منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين نيودلهي وتل أبيب في عام 1992. وفي السنوات الأخيرة أيضاً، وقّعت الهند على اتفاقيات أمنية ودفاعية مع السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عمان، وقطر. وفي الأثناء ذاتها، وفيما يتعلق بسوريا، قدمت الهند نوعاً من أنواع الدعم الصامت للرئيس السوري بشار الأسد، واتخذت موضعاً وسطاً بين الغرب وروسيا في هذه المسألة.
ويقول كبير تانيجا، الباحث الذي يعمل لدى مؤسسة الأبحاث والمراقبة في نيودلهي معلقاً: «إن الطموحات الهندية الحديثة تعالج فكرة كيفية التقارب مع المنطقة. وأصبح من الصعب على الهند تصوير نفسها كقوة محايدة في المنطقة عبر التحرك الحذر في الشرق الأوسط، ولا سيما مع حرص الهند على المطالبة بنفوذ أكبر لنفسها في العالم».
> لماذا خط التوافق، وربما الخط السلبي، في المنطقة؟
كانت التركيبة السكانية ذات أهمية معتبرة في السياسات الهندية تجاه المنطقة، باعتبار وجود 8.5 مليون مواطن هندي يعملون ويعيشون في منطقة غرب آسيا الكبرى، بما في ذلك 3 ملايين مواطن في المملكة العربية السعودية وحدها، و2.8 مليون مواطن في الإمارات العربية المتحدة. وأمن هؤلاء المواطنين من مصادر القلق الرئيسية للهند، ورفاهيتهم ونجاحهم في المنطقة يقدر بنحو 50 مليار دولار من التحويلات النقدية الموجهة إلى الاقتصاد الهندي سنويا. وتعد إمدادات الطاقة من الجوانب المهمة أيضاً. إذ تستورد الهند 75 في المائة من احتياجاتها النفطية وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، كما تستورد 37 في المائة من الغاز الطبيعي. والجانب الأكبر من واردات الطاقة تأتي من منطقة الشرق الأوسط، مع النفط القادم من السعودية، وإيران، والعراق، والغاز الطبيعي المستورد من قطر. وأخيراً، هناك المجال الأمني وتبادل المعلومات حول التهديدات الإرهابية. وتعتبر السعودية والإمارات من أنشط الدول في هذا المجال. وتبذل الحكومات الجهود الإضافية الكبيرة للعمل والتعاون مع الهند في مكافحة الإرهاب.
ووفقاً للدبلوماسي الهندي الأسبق جي. بارثاسارثي: «لقد كفل مودي وبمهارة فائقة أن الهند هي البلد الوحيد في العالم الذي احتفظ بعلاقات جيدة مع كافة القوى الإقليمية الرئيسية في المنطقة – السعودية، والإمارات العربية، ومصر، وإسرائيل، وإيران – ومع ذلك فإن الحفاظ على التوازن الجيوسياسي في الخليج العربي يعد من أبرز التحديات التي تواجه الهند في السيناريو الحالي».
تعتبر منطقة غرب آسيا هي منطقة الجوار القريب بالنسبة للهند. وتعود الروابط الهندية مع هذه المنطقة إلى عدة آلاف من السنين، كما أنها أيضاً المنطقة التي تتعرض مصالحها الحيوية فيها للخطر.
ويقول الدبلوماسي الهندي الأسبق تلميذ أحمد: «تدرك الحكومات في منطقة الشرق الأوسط أن الهند ليس لديها أي طموحات للهيمنة على منطقة غرب آسيا. كما أن الهند ليست جزءاً من التحالف الدولي الذي تتغير انحيازاته على الدوام»، مضيفاً أنه خلال «سعى مودي إلى تسريع وتيرة التجارة الاقتصادية مع بلدان الشرق الأوسط، عليه في الوقت نفسه أن يولي اهتماماً خاصاً إلى الاعتبارات الجيوسياسية المتقلبة في هذه المنطقة».
> لما أعادت الهند صياغة سياساتها تجاه بلدان الشرق الأوسط؟
تحركت الصين خلال السنوات القليلة الماضية بسرعة فائقة، مدعومة بالمقدرة السياسية والاقتصادية الكبيرة لإقامة الروابط الاقتصادية في الشرق الأوسط. يقول ستانلي جوني، محرر الشؤون الدولية في صحيفة «هندوستان تايمز»: إن بكين تعتبر الشرق الأوسط جزءاً من طرق التجارة التي تسعى إلى تأمينها من شرق آسيا، مروراً بأفريقيا، ووصولاً إلى أوروبا. وبالتالي، وقّعت الصين على الكثير من الاتفاقيات الأمنية مع دول المنطقة. وشرعت بكين في اتخاذ مواقف صارمة في الأمم المتحدة (مثالاً بالفيتو السوري)، وبدأت كذلك في استعراض عضلاتها عسكرياً (المناورات البحرية العسكرية مع روسيا في البحر الأبيض المتوسط)، والتفاعل مع إسرائيل، وكل ذلك دفع الهند إلى الاضطلاع بسياسة خارجية أكثر نشاطاً. إن الدخول الصيني في محيط الشرق الأوسط يعزز من الأهمية الاستراتيجية لتلك المنطقة لدى الهند. الأمر الذي يدفع الهند إلى زيادة نفوذها الخاص وحرمان بكين من التأثير الكبير على أمن الطاقة وتفادي التطويق من جانب حلفاء الصين.
يقول براميت بال تشودري، المحرر الأجنبي في صحيفة «هندوستان تايمز»: «كانت الهند شديدة الحذر في توسيع تواجدها العسكري في منطقة الخليج العربي وبحر العرب. إذ إن الحكومات المتعددة في المنطقة منقسمة بشكل حاد في دعمها مختلف الوكلاء الإقليميين في الحروب الأهلية الدائرة، وأي نشاط عسكري هندي هناك، بصرف النظر عن مدى محدوديته، سوف يُفسر على الفور بأنه لصالح دولة ضد أخرى، وهو الأمر الذي تتزايد حساسية الهند حياله. وتعتمد الهند المعتقد الداعي إلى زيادة نشاطها في صياغة التطورات في المنطقة، رغم أنه من غير الواضح حتى الآن كيفية تحويل الأفكار إلى أفعال في هذا الصدد. وبالتالي، فإن الاستثمارات الموسعة والأمن البحري هي من القضايا المركزية في الوقت الراهن بالنسبة للمصالح الهندية في حين أن الطاقة والعاملين الهنود في الخارج، رغم أهميتها، فإنها تحتل مرتبة أدنى على قائمة الأولويات».
ولكن، يؤكد المحللون على أن السياسة الهندية حيال غرب آسيا ينبغي ألا تكون صورة مكررة من السياسات الصينية، والتي تلعب الآن على كافة الحبال، لكنهم سوف يضطرون عاجلاً أم آجلاً إلى اتخاذ المواقف المنحازة والمؤيدة، ولا سيما مع اندلاع الصراعات الكبرى في المنطقة. وكتب راجا موهان، الصحافي الهندي الكبير، يقول حول السياسات الخارجية الصينية: «إن الاستراتيجية الصينية، من ناحية، تعاني من وجهين مهمين من أوجه النقص. أولاً تبدو الصين وأنها تُلزم نفسها مسؤولية الدفاع عن إيران، وهذا الالتزام قد يحمل عواقب غير مقصودة على العلاقات الصينية الخليجية، والعلاقات الصينية الأميركية، والعلاقات الصينية الإسرائيلية كذلك. والعلاقات مع إسرائيل من الأهمية القصوى، باعتبار المصالح الصينية في إسرائيل، وبالوكالة، في الولايات المتحدة، وملف الأسلحة، وهو من الملفات المهمة بصورة قياسية».
ثانياً، مع اعتبار الشعبية المتدنية للنظام الحاكم في إيران، يبدو أن الصين تستثمر الكثير من رأس مالها السياسي في أراضِ غير مستقرة، مع مصير استراتيجيتها بالكامل الذي يتوقف على مقدرة الحكومة الإيرانية على المحافظة على سيطرتها وسلطاتها في البلاد. ولهذا السبب من المهم بالنسبة إلى الهند أن تصوغ الاستراتيجية المقنعة لبلدان الشرق الأوسط وغير المقتصرة على المبادئ المجردة. وحتى إذا اضطرت الهند إلى البدء في اختيار الأصدقاء داخل منطقة الشرق الأوسط وبدرجة أكبر من العناية والحذر، فمن المرجح أن تستمر في المحاولة والمحافظة على العلاقات الودية بقدر الطاقة والإمكان، بدلاً من التحيز والميل صوب جانب دون آخر.