الشحوم في الجسم... تأثيرات صحية مختلفة

الأنواع الموجودة «خارج أماكنها الطبيعية» أكثرها خطورة

الشحوم في الجسم... تأثيرات صحية مختلفة
TT

الشحوم في الجسم... تأثيرات صحية مختلفة

الشحوم في الجسم... تأثيرات صحية مختلفة

أكدت دراسة حديثة للباحثين من كلية الطب بجامعة هارفارد أن المهم في شأن خطورة الإصابة بالنوبات القلبية والسكتة الدماغية ومرض السكري ليس هو مقدار الزيادة في كمية الشحوم المختزنة في الجسم فقط، بل هو مكان خزن تلك الشحوم في مناطق معينة من الجسم.
وتناول الباحثون بالدراسة الاختلافات في «أنماط توزيع الدهون» Fat Distribution Patterns فيما بين أجسام الرجال وأجسام النساء الذين يعانون من زيادة الوزن والسمنة، وما يرتبط بها من مخاطر الإصابة بأمراض القلب المرتبطة بعمليات الأيض الكيميائية الحيوية، أو ما تُعرف بـ«مخاطر القلب الأيضية» Cardio - Metabolic Risk. وتم عرض نتائج هذه الدراسة في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي ضمن فعاليات اللقاء السنوي لجمعية الأشعة في أميركا الشمالية Radiological Society of North America.

زيادة الوزن

وذكر الباحثون أنه ووفقاً للبيانات الصادرة عن المركز الوطني الأميركي للإحصاءات الصحية فإن أكثر من 70 في المائة من الأميركيين يعتبرون إما مُصابون بزيادة الوزن Overweight أو بالسمنة. ومعلوم أن «السمنة» بالتعريف الطبي هي مرحلة متقدمة من حالة الزيادة في الوزن، وتحديداً حينما يكون «مؤشر كتلة الجسم» BMI فوق مستوى 30، بينما «زيادة الوزن» تكون حينما يكون مؤشر كتلة الجسم ما بين 25 و30 في المائة. ومؤشر كتلة الجسم يُمكن حسابه لأي إنسان من خلال قسمة الوزن بالكيلوغرامات على مربع الطول بالمتر. وغالباً ما تكون الزيادة في وزن الجسم عن المعدل الطبيعي بسبب زيادة تراكم كميات الشحوم في الجسم تحديداً.
وأضاف الباحثون في عرضهم للدراسة أن السمنة أو زيادة الوزن هما حالتان تُعرضان الإنسان لارتفاع احتمالات الإصابة بمجموعة متنوعة من المشاكل الصحية، وأن السمنة بالذات هي السبب الرئيسي الثاني للوفاة الذي يمكن الوقاية منه في الولايات المتحدة.
ورغم هذا، كما أفاد الباحثون، فإن الأشخاص الذين لديهم مقدار وزن الجسم نفسه ومؤشر كتلة الجسم نفسه، قد يختلفون في مدى خطورة إصابتهم بتلك النوعية من الأمراض والاضطرابات الصحية ذات العلاقة بالسمنة أو بزيادة الوزن؛ وذلك نظراً لتداخل عوامل أخرى ذات علاقة بالجينات الوراثية أو نمط سلوكيات عيش الحياة اليومية، أو نوعية ومكونات التغذية التي يأكلونها، إضافة إلى وجود اختلاف طبيعي في تكوين الجسم لدى الرجال، بالمقارنة مع تكوين الجسم لدى النساء، حيث تحتوي أجسام النساء على كمية أعلى من الدهون، وكمية أقل من كتلة العضلات، مقارنة بالرجال الذين تكون لديهم كتلة العضلات أكبر وكمية الشحوم أقل.

توزيع الشحوم

وطرح الباحثون أن «توزيع الشحوم في الجسم» هو مؤشر مُحدد مهم في تقدير احتمالات خطورة الإصابة بأمراض القلب ذات الصلة باضطرابات عمليات الأيض الكيميائية الحيوية، وأوضحوا أن غالبية الناس يعرفون أن ثمة نمطين من شكل السمنة، نمط سمنة شكل التفاحة Apple - Shaped Obesity ونمط سمنة شكل الكُمثرى Pear - Shaped Obesity، وهو الوصف الذي يصف أماكن تراكم وخزن الشحوم في الجسم.
وللتوضيح، ففي حالة سمنة شكل التفاحة، وهو الغالب لدى الرجال، يكون تراكم الشحوم أكبر في منتصف الجسم ومنطقة البطن بالذات، بينما في حالة سمنة شكل الكُمثرى، وهو الغالب لدى النساء، يكون تراكم الشحوم أكبر في منطقة الأرداف وحول الوركين والحوض.
كما طرح الباحثون «نوعية الشحوم» كعامل مُحدد آخر في تقدير احتمالات خطورة الإصابة بأمراض القلب ذات الصلة باضطرابات عمليات الأيض الكيميائية الحيوية. وأفادوا أن نوعية الشحوم الموجودة في «خارج أماكنها الطبيعية» Ectopic Fat هي على وجه الخصوص أكثر خطورة، أي الشحوم التي تتراكم في داخل تجويف البطن وبين أعضائه، وأيضاً الشحوم التي تتراكم في داخل العضلات، وفي داخل الكبد، وداخل أعضاء أخرى من الجسم.
وعلّقت الدكتورة ميريام بريديلا، الباحثة الرئيسية في الدراسة وطبيبة الأشعة بمستشفى ماساتشوستس العام في بوسطن والأستاذة المشاركة في قسم الأشعة بكلية الطب في جامعة هارفارد، قائلة: «هناك فروق في تكوين الجسم فيما بين الذكور والإناث، وهناك أيضاً اختلاف في أماكن تخزين وتراكم الشحوم في مناطق الجسم خارج الأماكن الطبيعية لها، وهما يمكن أن يكون لهما ارتباط باحتمالات مخاطر الإصابة بأمراض عدة مثل السكري وأمراض القلب والسكتة الدماغية، ما يجعلها احتمالات تختلف فيما بين الذكور والإناث».

شحوم خطرة

وشمل الباحثون مجموعة من الذكور والإناث البالغين، منهم منْ وزنهم طبيعي ومنهم منْ لديهم إما سمنة أو زيادة في الوزن. وتم لهم إجراء اختبارات بأنواع مختلفة من التصوير بالأشعة لتحديد مكونات الجسم ومدى وأماكن وكمية تراكم الشحوم لديهم في مناطق الجسم المختلفة. وأظهرت النتائج أن النساء بالعموم لديهن كمية أكبر من الشحوم في أجسامهن، ولديهن كمية أكبر من الشحوم المتراكمة تحت الجلد Subcutaneous Fat، ولديهن كمية أقل من كتلة العضلات Lean Mass، وذلك مقارنة بالرجال. ولكن كان لدى الرجال تراكم لكمية أكبر من الشحوم في البطن، وما بين الأعضاء في منطقة البطن، أو تُعرف بالشحوم الحشوية Visceral Adipose Tissue، ولديهم تراكم أكبر للشحوم في داخل العضلات وفي الكبد، مقارنة بالنساء. وقالت الدكتورة بريديلا: «الرجال البدناء لديهم نسبة عالية نسبياً من الشحوم الحشوية ومن الشحوم داخل الخلايا العضلية ومن الشحوم في الكبد، وكلها عوامل ترفع من خطورة الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وذلك مقارنة بالنساء اللواتي لديهن الوزن نفسه ومؤشر كتلة الجسم نفسه. ومع ذلك، فإن الرجال لديهم كتلة عضلات أكبر، وهو عامل وقاية لصحة القلب والأوعية الدموية. والنساء لديهن كمية نسبية أعلى من إجمالي الشحوم في الجسم، ولكن لديهن كمية أعلى من الشحوم السطحية في مناطق الفخذين، وهو عامل وقاية لصحة القلب والأوعية الدموية».
وأضافت قائلة ما مفاده: مقارنة بالنساء... الرجال لديهم احتمالات أعلى لخطورة الإصابة بالأمراض القلبية، نظراً لارتفاع تراكم الشحوم في البطن، ولكن النساء أيضاً يُمكن أن ترتفع لديهن مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية إذا ما زاد تراكم الشحوم لديهن في خارج المناطق الطبيعية، أي إذا ما زاد تراكم الشحوم لديهن في منطقة البطن بالذات.

أنواع الدهون

وفي جسم الإنسان هناك عدة أنواع من الشحوم، منها الشحوم البنية Brown Fat، والشحوم البيضاء White Fat، والشحوم الصفراء Yellow Fat، ولكل نوع من هذه الشحوم وظائف وتأثيرات صحية، منها تأثيرات صحية ضارة، ومنها تأثيرات صحية مفيدة.
والشحوم البيضاء تتراكم تحت طبقة الجلد، والشحوم الصفراء تتراكم حول الأعضاء التي في البطن، أي أن الشحوم المتراكمة في الأفخاذ والأرداف تختلف عن نوعية الشحوم المتراكمة في تجويف البطن. ولدى الشخص السمين، تتراكم في الجسم كميات كبيرة من الشحوم بأنواع مختلفة، وكبر حجم البطن هو نتيجة لوجود كميات كبيرة من الشحوم البيضاء تحت جلد غطاء البطن، ونتيجة أيضاً لزيادة كميات الشحوم الصفراء التي تتراكم حول الأعضاء المختلفة داخل تجويف البطن، أي الكبد والكُلى والطحال والأمعاء والمعدة وغيرها. وبمزيد من التفصيل، فإن الشحوم البيضاء التي تتراكم تحت الجلد المغطى لمنطقة البطن تختلف في تأثيراتها الصحية عن الشحوم البيضاء الأخرى التي تتراكم تحت الجلد المغطى لمنطقة الأفخاذ والأرداف، خصوصا لدى النساء. وكثيرة هي الدراسات الطبية التي أوضحت أن وجود الشحوم تحت الجلد في منطقة البطن هو شيء ضار، بخلاف السمنة بتراكم الشحوم تحت الجلد في منطقة الأفخاذ والأرداف لدى النساء. وتوجد الشحوم البنية بكمية قليلة جداً لدى البالغين، وتحديداً نحو ربع كيلوغرام، وتتراكم فيما بين الكتفين أعلى الظهر، وهي شحوم مفيدة جداً للجسم لأن وجودها يُحفّز حرق الجسم للشحوم المتراكمة في مناطق أخرى من الجسم، ويُجبرها على استخدامها في إنتاج الطاقة.
* استشارية في الباطنية


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك تمارين النهوض بالرأس من التمارين المنزلية المعروفة لتقوية عضلات البطن

لماذا قد تُغير ممارسة التمارين الرياضية لساعتين في الأسبوع حياتك؟

نصح أستاذ أمراض قلب بجامعة ليدز البريطانية بممارسة التمارين الرياضية، حتى لو لفترات قصيرة، حيث أكدت الأبحاث أنه حتى الفترات الصغيرة لها تأثيرات قوية على الصحة

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك دراسة: عادات العمل قد تصيبك بالأرق

دراسة: عادات العمل قد تصيبك بالأرق

خلصت دراسة إلى أن عادات العمل قد تهدد نوم العاملين، حيث وجدت أن الأشخاص الذين تتطلب وظائفهم الجلوس لفترات طويلة يواجهون خطراً أعلى للإصابة بأعراض الأرق

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك رجل يحضّر فنجانين من القهوة بمقهى في كولومبيا (أرشيفية - إ.ب.أ)

ما أفضل وقت لتناول القهوة لحياة أطول؟... دراسة تجيب

أشارت دراسة جديدة إلى أن تحديد توقيت تناول القهوة يومياً قد يؤثر بشكل كبير على فوائدها الصحية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)

دراسة: النباتيون أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب

أكواب من الحليب النباتي بجانب المكسرات (أرشيفية - إ.ب.أ)
أكواب من الحليب النباتي بجانب المكسرات (أرشيفية - إ.ب.أ)
TT

دراسة: النباتيون أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب

أكواب من الحليب النباتي بجانب المكسرات (أرشيفية - إ.ب.أ)
أكواب من الحليب النباتي بجانب المكسرات (أرشيفية - إ.ب.أ)

تشير دراسة إلى أن النباتيين قد يكونون أكثر عرضة للاكتئاب؛ لأنهم يشربون الحليب النباتي. ومع ذلك، فإن محبي المشروبات قليلة الدسم هم أقل عرضة للقلق والاكتئاب.

تم جمع البيانات من أكثر من 350 ألف شخص مسجلين في دراسة «بيو بانك» في بريطانيا الذين تمت متابعتهم لأكثر من عقد من الزمان، وتقييمهم بحثاً عن علامات مشاكل الصحة العقلية.

وجدت الدراسة أنه عند أخذ العمر والصحة والدخل في الاعتبار، فإن أولئك الذين يشربون الحليب قليل الدسم هم أقل عرضة للاكتئاب بنسبة 12 في المائة، وأقل عرضة للقلق بنسبة 10 في المائة.

ومع ذلك، وُجد أن شرب الحليب منزوع الدسم ليس له أي فائدة، في حين أن شرب أنواع أخرى من الحليب، مثل حليب الصويا واللوز، كان مرتبطاً بزيادة خطر الإصابة بالاكتئاب بنسبة 14 في المائة، حسبما أوردت صحيفة «تلغراف» البريطانية. وفي هذا الصدد، كتب العلماء من جامعة «ساوثرن ميديكال» في دراستهم: «الحليب مصدر غني بالعناصر الغذائية، مثل اللاكتوز والدهون والبروتين والمعادن، وهي ضرورية للحفاظ على صحة الإنسان».

يقولون إن الحليب مصدر غني بمعدن الكالسيوم الذي ثبت سابقاً أنه ينشط مسارات في الجسم يمكنها زيادة إنتاج السيروتونين. والسيروتونين مادة كيميائية تلعب دوراً في الدماغ، فيما يتعلق بالمزاج والصحة العقلية. وتعمل المجموعة الأكثر شيوعاً من أدوية مضادات الاكتئاب على تعزيز امتصاص السيروتونين.

والحليب غني بالدهون المشبعة، ويحتوي الحليب منزوع الدسم على نسبة أقل من هذه الجزيئات مقارنة بالحليب كامل الدسم.

وارتبط تناول كثير من الدهون المشبعة في النظام الغذائي بكثير من الحالات الصحية، مثل ارتفاع نسبة الكولسترول والسكتة الدماغية وأمراض القلب، ولكن ثبت أيضاً أنه يزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب.

ويقول العلماء إن هذا قد يفسر سبب كون الحليب منزوع الدسم -ولكن ليس كامل الدسم- مفيداً للصحة العقلية؛ لأن المحتوى العالي من الدهون المشبعة في حليب البقر غير منزوع الدسم، يمكن أن يضعف إشارات الدوبامين في الدماغ ويسبب الالتهاب. لكن الحليب منزوع الدسم يحتوي أيضاً على «كمية كبيرة» من الدهون غير المشبعة، والتي غالباً ما يطلق عليها «الدهون الجيدة» وقد ثبت في الماضي أنها مفيدة لنظام الدوبامين في الدماغ.

ويقول العلماء إن الحليب منزوع الدسم يحتوي على دهون جيدة أكثر من الحليب كامل الدسم، ودهون سيئة أقل من الحليب كامل الدسم، وهذا قد يعني أنه يقع في مكان جيد؛ حيث يحسن الصحة العقلية.

وكتب العلماء في الدراسة التي نشرت في مجلة «Frontiers in Nutrition»: «قد يوفر ملف الأحماض الدهنية في الحليب منزوع الدسم حماية دماغية أكبر، مقارنة بالحليب كامل الدسم، وبالتالي يقلل من خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق». ويضيفون: «يشير التحليل إلى إمكانية وجود ارتباط عكسي بين استهلاك الحليب منزوع الدسم ومخاطر الاكتئاب والقلق». وأضافوا: «تشير هذه النتائج إلى أن الحليب منزوع الدسم قد يكون له تأثير وقائي ضد هذه الحالات الصحية العقلية، مما يقدم آفاقاً جديدة للتدخلات الغذائية».