سنوات السينما

«أسرار في عيونهم»
«أسرار في عيونهم»
TT

سنوات السينما

«أسرار في عيونهم»
«أسرار في عيونهم»

The Secret in Their Eyes (2009)
أسرار التاريخ في عيون الأحياء
هو أفضل أفلام المخرج الأرجنتيني جوان جوزيه كامبانيللا. قبله وبعده حقق أفلاماً بعضها جيد، لكن لا شيء منها وصل إلى مستوى هذا العمل الذي نال أوسكار أفضل فيلم أجنبي في العام التالي لإنتاجه.
يبدأ الفيلم بشاشة سوداء ونقرات على البيانو قبل أن يفتح على شارة تحمل اسم الرصيف 8 في محطة قطار. الصورة هنا غير واضحة إلى أن تستدير الكاميرا لليسار لتحتل عيني امرأة الكادر في «كلوز أب». العينان ترصدان شيئاً. ظهور الشيء يبدأ بقطع حاد على حقيبة على الأرض تمتد يد فترفعها. إنها يد رجل نراه من الخلف وهو سائر في اتجاه القطار. لقطة له من الأمام من دون أن نتبين وجهه، تطالعنا الناس المتحركة فوق الرصيف نفسه مصورة مثل شظايا أو كأشباح في البال وتلك المرأة تقف في نهاية اللقطة لا تتحرك. ثم لقطة «كلوز أب» أخرى لها، هذه المرة من كاميرا أعلى منها تقف جانباً لتلتقط قمة رأسها وجزءاً من وجهها. في الخلفية حركة القطار ليست بيّنة إلا لمن يتمعن. حينها فقط تتحرّك المرأة لتلحق بالقطار. تضع يدها على زجاج النافذة التي جلس ذلك الرجل بجانبها. يضع يده لتلك اللحظة التي تسبق إسراع القطار. اللقطة التالية، والمكان لا يزال يبدو كما لو كان جزءاً من عالم شبحي كامن في البال وليس في الواقع، من مؤخرة القطار لها تركض وحيدة.
المقدمة فيلم بحد ذاته. لو أن مخرجاً أراد تصوير لحظة وداع ملؤها الصمت تبتعد عن الآهات والعبارات والقبلات، وتتويجها بملامح فنية في التصميم العام وفي التصوير لكانت هذه المقدمة نموذجاً٠ لكن في باطن الفيلم قصتين في عهدين:‫القصّة الأولى عاطفية والقصة الثانية جنائية. العهد الأول الزمن الحالي (الزمن الذي ينطلق منه الفيلم). الزمن الثاني هو منتصف السبعينات. الحركة المتبادلة بين القصتين والعهدين مُحاكة مثل نسيج يتطلب مهارة في كل تفصيلة منه. ذات المهارة التي توصم هذا الفيلم ولقطاته. من المشاهد الأولى حتى تلك الأخيرة، هناك حياكة ألوان وتصميم لقطات ونطق حوارات وتوزيع إضاءة وبالطبع نظرات. في الفصل الثاني من المشاهد، بعد المقدمة، نرى المحقق القضائي بنجامين (ريكاردو دارين) ينظر بإعجاب إلى رئيسته السابقة في القسم الذي كان يعمل فيه إرين (سوليداد فيلاميل). يتحاشى المخرج هنا توزيع لقطات قريبة للوجه أو العينين، لكنه بالتأكيد يطلب من ممثله أن يبدي تلك النظرة المعبرة التي تلي قيامها بإنزال الآلة الطابعة التي كان يستخدمها في عمله إلى أن اعتزله قبل نحو 20 سنة.
من هنا ينطلق الفيلم في استعادات لماضي علاقة من ناحية ولحادثة سياسية لا تزال نتائجها مرتسمة في بال مرتكبيها والمتعرضين لها. الفيلم في منوال إخراجه لغزي على أرض متاخمة لهيتشكوك من ناحية، وتركيز على المحقق ليس كبطل بل كحالة إنسانية. هنا يبرز فعل البحث عن قاتل ارتكب جريمته قبل عقدين من الزمان. وهناك ذلك المشهد الذي ينتصف الفيلم، وهو مشهد المطاردة الوحيد فيه ويبدأ بلقطة جوية عالية تهبط منها الكاميرا أفقيا إلى الاستاد الرياضي. ما يحدث لست دقائق لاحقة يحتاج إلى تحليل حول كيفية تعامل المخرج مع المشاهد: التقطيع على الورق. التصوير. المونتاج. إنها ست دقائق حابسة للأنفاس وشديدة الإثارة، لكنها ليست مجانية. في الحقيقة ليست هناك دقيقة وحيدة من الفيلم تشبه أي من الأفلام البوليسية الأميركية. حتى هذه الدقائق الست. معالجتها الفنية مختلفة كذلك الغاية منها. هذا على الرغم من أن المخرج سبق له وأن حقق للتلفزيون الأميركي 17 حلقة من المسلسل القضائي - البوليسي Law and Order وكان يستطيع الاعتماد على تلك المدرسة لو شاء.‬
بتدرج ملائم يتحول الفيلم إلى حكاية بوليسية ولو أنها لا تستطيع أن تطغي على العاطفة التي يكتنزها بنجامين في داخله وتعبر عنها عيناه. إنه حب صامت لامرأة لم تكشف له بعد عن أنها تعلم أنه واقع في حبها طوال تلك السنين.


مقالات ذات صلة

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

يوميات الشرق المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا.

انتصار دردير (جدة)
يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.