أوباما يقترح خطة أمنية لأوروبا الشرقية بمليار دولار

أوكرانيا في قلب حراك دبلوماسي بين ثلاث عواصم أوروبية

أوباما (يسار) يتحدث إلى نظيره البولندي برونيسلاف كوموروفسكي خلال اجتماع مع قادة دول شرق ووسط أوروبا في وارسو أمس (رويترز)
أوباما (يسار) يتحدث إلى نظيره البولندي برونيسلاف كوموروفسكي خلال اجتماع مع قادة دول شرق ووسط أوروبا في وارسو أمس (رويترز)
TT

أوباما يقترح خطة أمنية لأوروبا الشرقية بمليار دولار

أوباما (يسار) يتحدث إلى نظيره البولندي برونيسلاف كوموروفسكي خلال اجتماع مع قادة دول شرق ووسط أوروبا في وارسو أمس (رويترز)
أوباما (يسار) يتحدث إلى نظيره البولندي برونيسلاف كوموروفسكي خلال اجتماع مع قادة دول شرق ووسط أوروبا في وارسو أمس (رويترز)

اقترح الرئيس الأميركي باراك أوباما ، في وارسو أمس، مبادرة بقيمة مليار دولار لتمويل نشر مزيد من القوات البرية والجوية والبحرية الأميركية في دول «الحلفاء الجدد» في أوروبا الشرقية وسط مواجهة بين الشرق والغرب بسبب الأزمة الأوكرانية. وتنص «مبادرة طمأنة أوروبا» التي لا تزال بحاجة إلى موافقة الكونغرس، على نشر قوات أميركية جديدة جوية وبرية وبحرية في أوروبا الشرقية، كما يفترض أن تساهم في بناء قدرات الدول غير الأعضاء في الحلف الأطلسي بما فيها أوكرانيا وجورجيا ومولدوفيا بحيث تعمل مع الولايات المتحدة والحلفاء الغربيين لبناء دفاعاتها.

ودعا أوباما الذي كان يتحدث خلال مؤتمر صحافي في وارسو، أولى محطات جولته الأوروبية، روسيا إلى الضغط على الانفصاليين لوقف هجماتهم على القوات الحكومية في شرق أوكرانيا ومنع تدفق المقاتلين والأسلحة على تلك المنطقة. كما حذر من أي «استفزازات» روسية إضافية في أوكرانيا يمكن أن تدفع إلى زيادة العقوبات الاقتصادية على موسكو. ودعا أوباما نظيره الروسي فلاديمير بوتين إلى لقاء الرئيس الأوكراني المنتخب بيترو بوروشينكو، كما حث الحكومة الروسية على استخدام نفوذها «لمنع تدفق المسلحين والأسلحة إلى شرق أوكرانيا».

وجاءت تصريحات أوباما في بولندا التي وصل إليها بهدف المشاركة اليوم في الاحتفال بمرور 25 عاما على أول انتخابات حرة في هذا البلد المنتمي سابقا إلى حلف وارسو الشيوعي، ومنها سينتقل إلى بروكسل التي تستضيف قمة الدول السبع الأكثر تصنيعا، ثم إلى سواحل النورماندي الفرنسي التي ستشهد الجمعة لقاءات عالية الأهمية.

ويتوقع أن تبدأ في وارسو اليوم نشاطات دبلوماسية مكثفة على أعلى مستوى، تنتقل غدا إلى بروكسل ومنها في اليوم التالي إلى شواطئ النورماندي لإحياء الذكرى السبعين لإنزال الحلفاء عام 1944 على هذه الشواطئ، الذي كان الضربة التي أنهت السيطرة النازية على فرنسا ومهدت لوضع حد للحرب العالمية الثانية.

وتنبع أهمية المحطة الباريسية بالدرجة الأولى من وجود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في باريس تلبية لدعوة نظيره الفرنسي فرنسوا هولاند، الذي حرص على حضوره رغم التوتر في العلاقات بين موسكو والعواصم الغربية بسبب الأزمة الأوكرانية والاتهامات ضد روسيا وما تبعها من عقوبات وتهديدات بعقوبات إضافية.

وحتى الآن، لم يقرر أي لقاء خاص بين الرئيسين بوتين وأوباما اللذين سيكونان معا في العاصمة الفرنسية وفي احتفالات الجمعة. والأمر الطريف أن هولاند سيستقبل أوباما في الساعة السابعة بقصر الإليزيه في لقاء ضيق يقتصر على الرئيسين ووزيري الخارجية، ثم يستقبل في الساعة التاسعة نظيره الروسي في إطار الصيغة نفسها. وبالمقابل، فإن بوتين سيلتقي الجمعة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ثم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في منطقة النورماندي، كما ستحصل لقاءات عديدة على مستوى رؤساء الدول والحكومات البالغ عددهم 30 مسؤولا بينهم الرئيس الأوكراني المنتخب بيترو بوروشينكو الذي دعاه هولاند خصيصا ليكون قريبا من هذه اللقاءات، كما ستحصل لقاءات على مستوى وزراء الخارجية. وستتداخل هذه اللقاءات مع وجود ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية في باريس في إطار زيارة دولة هي الخامسة من نوعها منذ توليها عرش بريطانيا وهي في سن الثانية والعشرين من عمرها. كذلك، فإن الملكة إليزابيث ستشارك في احتفالات النورماندي وسيكون إلى جانبها رئيس وزرائها كاميرون.

وقالت مصادر الإليزيه إن ملفين أساسيين سيكونان على رأس جدول اجتماعات الرئيس هولاند مع ضيفيه أوباما وبوتين؛ الأول هو الملف الأوكراني، والثاني هو الملف السوري، فضلا عن العلاقات بين روسيا ودول المعسكر الغربي بشكل عام.

تعد لقاءات باريس والنورماندي المباشرة بين بوتين والقادة الغربيين الأولى من نوعها بين الجانبين منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية. وبحسب مصادر دبلوماسية أوروبية في باريس، فإن الغربيين يعولون عليها ليعرفوا نيات موسكو وبوتين تحديدا بصدد أوكرانيا والنزاع القائم في شرقها بين الانفصاليين الذين تدعمهم موسكو، وكييف التي يدعمها الغربيون. وأشارت هذه المصادر إلى وجود نوع من «التذبذب» في المواقف الروسية التي «تبدو اليوم متراجعة وأقل حدة مما كانت عليه قبل شهر أو شهر ونصف» عندما كان بوتين يؤكد أنه سيرسل الجيش الروسي للدفاع عن الروس والناطقين بالروسية إلى أي مكان يتعرضون فيه لاعتداءات. وفضلا عن ذلك، فإن موسكو لم تعلن موقفا واضحا من انتخاب بوروشينكو كما أنها لم تعمل جديا لمنع حصول العملية الانتخابية برمتها.

أما في الموضوع السوري، فإن الغربيين يسعون كذلك للتعرف على ما يريده بوتين للمرحلة التي ستلي الانتخابات الرئاسية في سوريا وإعادة انتخاب الأسد لولاية ثالثة. بيد أنهم، وفق ما أفادت به مصادر فرنسية رسمية لـ«الشرق الأوسط»، «لا ينتظرون تغيرا محسوسا في طريقة تعاطي موسكو» مع الملف السوري. فضلا عن ذلك، فإن إعادة انتخاب الأسد والتقدم الذي يحرزه ميدانيا واستمرار تصاعد ظاهرة الجهاديين التي أخذت تصيب أوروبا كما حصل في بروكسل يوم 24 مايو (أيار) الماضي، «ستوفر لبوتين حججا إضافية» ليتمسك بالسياسة التي انتهجها حتى الآن والتي حمى بموجبها النظام السوري في مجلس الأمن وعلى الساحة الدولية كما وفر له السلاح والعتاد اللذين يحتاج إليهما.

مقابل ذلك، تقول المصادر الفرنسية إنها «ليست مقتنعة» بوجود تحول جذري في السياسة الأميركية إزاء سوريا وتحديثها إزاء توفير السلاح النوعي الذي تريده المعارضة المسلحة، بسبب العوائق المعروفة وأهمها تصاعد نفوذ المنظمات الجهادية وعدم اقتناع واشنطن بالضمانات التي أعطاها وفد المعارضة الذي زار العاصمة الأميركية قبل ثلاثة أسابيع.



بوتين يحدد أولويات بلاده... مواصلة الحسم العسكري وتعزيز التحالفات في مواجهة أميركا

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدث خلال اجتماع موسع لمجلس وزارة الدفاع في موسكو الاثنين (أ.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدث خلال اجتماع موسع لمجلس وزارة الدفاع في موسكو الاثنين (أ.ب)
TT

بوتين يحدد أولويات بلاده... مواصلة الحسم العسكري وتعزيز التحالفات في مواجهة أميركا

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدث خلال اجتماع موسع لمجلس وزارة الدفاع في موسكو الاثنين (أ.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدث خلال اجتماع موسع لمجلس وزارة الدفاع في موسكو الاثنين (أ.ب)

أوجز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الاثنين، مجريات العام الحالي على خطوط المواجهة في أوكرانيا وعدّه «عاماً تاريخياً» على خلفية «الإمساك بزمام المبادرة الاستراتيجية والتقدم الواسع على الأرض». وحدد خلال اجتماع موسع حضرته قيادة وزارة الدفاع ورؤساء الإدارات الحيوية في البلاد والكتل الممثلة في مجلس الدوما (النواب)، أولويات بلاده على صعيدي الحرب المتواصلة في أوكرانيا والعلاقة مع الغرب. وتعهد بمواصلة تعزيز تحالفات بلاده العسكرية مع أطراف تتشارك مع روسيا مواقفها في مواجهة الهيمنة الغربية، خصوصاً تحركات الولايات المتحدة العسكرية في أوروبا.

وقال بوتين في كلمة استهلالية سبقت تقريراً مطولاً قدمه وزير الدفاع اندريه بيلووسوف حول سير العمليات القتالية، إن القوات الروسية باتت تمسك بقوة بالمبادرة الاستراتيجية على طول خطوط التماس. وقال إن العام الحالي غدا «عاماً تاريخياً على صعيد تحقيق أهداف العمليات في المنطقة العسكرية الشمالية، حيث حررت روسيا 189 بلدة وتجمعاً سكانياً خلال 2024».

ووجّه الرئيس الروسي بتسريع عمليات دعم الجيش بالمعدات اللازمة، وأبدى ارتياحه لمستوى تلبية المجمع الصناعي العسكري احتياجات الجيش، وقال إن الفترة الزمنية اللازمة لتزويد المؤسسة العسكرية بالحجوزات التي يتم تقديمها تقلصت عن السابق كثيراً وباتت تراوح بين 5 و7 أيام.

وقال بوتين إن بلاده تولي اهتماماً جدياً بزيادة إمكانات قواتها المسلحة؛ ومن المهم بالنسبة لموسكو أن تواصل التطوير التدريجي والمنهجي للجيش والبحرية. وكشف عن أن الصناعة العسكرية الروسية ستعمل على ضمان إطلاق الإنتاج التسلسلي لمجمعات «أوريشنيك» الصاروخية في المستقبل القريب. وأفاد بأن هذا الصاروخ الذي تمت تجربته أخيراً في أوكرانيا، «ليس سلاحاً نووياً، لكن أهميته وتأثيره يضاهيان السلاح النووي»، علماً أن صاروخ «اوروتشنيك» قادر على حمل رؤوس نووية وهو يعد الأقوى بين جيل الصواريخ الروسية طويلة المدى.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الأركان العامة فاليري غيراسيموف خلال الاجتماع الموسع لمجلس وزارة الدفاع في موسكو الاثنين (أ.ف.ب)

«مهمة مقدسة»

وحدد بوتين أولويات بلاده على جبهات القتال، وقال إن «طرد المسلحين الأوكرانيين من منطقة كورسك الروسية مهمة مقدسة». مؤكداً على مواصلة التقدم على كل خطوط التماس لإنجاز أهداف «تحرير المناطق الروسية». في إشارة إلى إقليمي دونيتسك ولوغانسك ومقاطعتي زوباروجيا وخيرسون، وهي مناطق ضمتها روسيا بشكل أحادي في عام 2022.

على صعيد تطوير تسليح القوات الروسية، قال بوتين إنه «ينبغي أن تؤخذ تجربة المنطقة العسكرية الشمالية في الاعتبار عند تحديد المجالات ذات الأولوية لتطوير الأسلحة»، مشدداً على أن «من الضروري الإسراع في إدخال التكنولوجيات المتقدمة في المجال العسكري».

كما أمر بوتين بإنشاء دائرة معلومات واحدة تُوحّد وسائل الاستطلاع والتدمير، وتوسيع صناعة الطائرات من دون طيار التي باتت تلعب دوراً مهماً على الجبهات. وفي هذا الإطار أيضاً أمر بوتين بإنشاء «قوات المعدات غير المأهولة» الذي يمثل إدارة عسكرية جديدة سوف يتم ضمها إلى المؤسسة العسكرية، وتشمل القوات العاملة في بناء الروبوتات وتحريكها.

في هذا الشأن، اقترح وزير الدفاع في تقريره بناءً على تعليمات بوتين، الشروع فوراً في تشكيل قوات من الأنظمة غير المأهولة، مشيراً إلى أنه يمكن الانتهاء من إنشائها في الربع الثالث من عام 2025. وأمر بزيادة إنتاج الأنظمة الروبوتية والأنظمة غير المأهولة بمختلف فئاتها وأنواعها. وكما أشار، سوف يتم تزويد القوات الروسية بآلاف عدة من الطائرات من دون طيار كل يوم.

جنود أوكرانيون يشاركون في تمارين تكتيكية بمنطقة دونيتسك (رويترز)

«وضع عالمي غير مستقر»

وفي الشأن الخارجي، قال بوتين إن بلاده سوف تعمل على تطوير التعاون العسكري الفني مع حلفائها. ورأى أن «الوضع العسكري السياسي في العالم ما زال صعباً وغير مستقر (...) وفي بعض مناطق العالم، لا تزال احتمالات الصراع مرتفعة، وتستمر إراقة الدماء في الشرق الأوسط».

وقال بوتين إن «الإدارة الأميركية الحالية والغرب الجماعي لا يتخلون عن محاولات الحفاظ على الهيمنة». وأشار إلى مواصلة واشنطن إمداد نظام كييف بالأسلحة والمال، سعياً إلى إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا.

وحذر الرئيس الروسي من أن بلاده «سترفع قيودها الطوعية على نشر صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى إذا بدأت الولايات المتحدة في نشر مثل هذه الأنظمة». علماً بأن هذه الصواريخ كان محظوراً على واشنطن وموسكو نشرها في أوروبا بموجب معاهدة تقليص الأسلحة التقليدية التي انسحب منها الطرفان سابقاً.

وقال بوتين إن الولايات المتحدة تعمل على تصعيد الصراع في أوكرانيا من خلال إرسال مرتزقة ومستشارين إلى هناك؛ مشيراً إلى أنه «يتم تشكيل تحالفات عسكرية سياسية جديدة في العالم بتحريض من الولايات المتحدة». ولفت إلى أن «دول (الناتو) تعمل على زيادة الإنفاق العسكري، ويتم تجميع مجموعات القوات الضاربة بالقرب من حدود روسيا؛ كما يعمل حلف شمال الأطلسي على زيادة وجوده في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ويتدرب على نشر أنظمة الصواريخ»، مؤكداً أن روسيا «لا يسعها إلا أن ترد على التحركات الأميركية والغربية». وأوضح قائلاً: «روسيا مضطرة إلى اتخاذ إجراءات إضافية لضمان أمنها، لكنها لا تنزلق إلى سباق تسلح كامل». وقال أيضاً إن روسيا تعمل على التطوير المحتمل والمتوازن للقوات النووية، وتنتهج سياسة الردع النووي بدلاً من استعراض الأسلحة النووية.

بدوره، قال وزير الدفاع إن خسائر القوات المسلحة الأوكرانية في عام 2024 تجاوزت 560 ألف جندي بين قتيل وجريح. ومنذ بداية العمليات في المنطقة العسكرية الشمالية وصلت الخسائر إلى ما يقرب من مليون شخص. وزاد أن سرعة تقدم الجيش الروسي تبلغ حالياً، في المتوسط نحو 30 كيلومتراً مربعاً يومياً. وأكد أن القوات المسلحة الروسية تستخدم نحو 3.5 ألف طائرة من دون طيار يومياً في منطقة العمليات الخاصة، وهذا الرقم آخذ في الازدياد. وقال إنه في المجمل «حررت القوات المسلحة الروسية 4.5 ألف كيلومتر مربع من الأراضي هذا العام». ووفقاً للوزير بيلووسوف، فقد «بلغ مستوى الإنفاق على الدفاع الوطني 6.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي».يترز)