النظام يستهدف قواته بالخطأ في الغوطة الشرقية

سكان حمورية شرق دمشق في أعقاب قصف الطيران الحربي أمس (أ.ف.ب)
سكان حمورية شرق دمشق في أعقاب قصف الطيران الحربي أمس (أ.ف.ب)
TT

النظام يستهدف قواته بالخطأ في الغوطة الشرقية

سكان حمورية شرق دمشق في أعقاب قصف الطيران الحربي أمس (أ.ف.ب)
سكان حمورية شرق دمشق في أعقاب قصف الطيران الحربي أمس (أ.ف.ب)

استهدف الطيران الحربي للنظام، بالخطأ، مواقع قوات الأسد داخل رحبة الدبابات في بلدة حرستا في الغوطة الشرقية، ما أدى لوقوع قتلى وجرحى في صفوفهم، على خلفية عودة القصف على الغوطة بعد توقف 19 ساعة.
وقال الناطق الرسمي باسم حركة «أحرار الشام» في الغوطة، منذر فارس، في تصريح إلى موقع «عنب بلدي» المعارض، إن الغارة الجوية استهدفت قوات للنظام داخل رحبة الدبابات. ولا تتحدث وسائل إعلام النظام عادة عن هذه الأخطاء، بينما ذكرت صفحات موالية أن «قوات الحرس الجمهوري سيطرت على نفق للإرهابيين يصل بين حرستا وعربين، كان يستخدم لشن هجمات على نقاط الجيش».
ونقلت «رويترز» عن «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، ومقره بريطانيا، أن الضربة الجوية لحرستا التي يسيطر عليها «أحرار الشام» أوصلت عدد الضربات التي استهدفتها إلى 12 ضربة، ما أسفر عن مقتل امرأة وإصابة 14 شخصاً، في حين تسببت الضربات التي استهدفت عربين في مقتل 6 أشخاص على الأقل وإصابة 6 آخرين.
وأظهرت لقطات نشرتها جماعة «الخوذ البيضاء» المعنية بجهود الدفاع المدني على الإنترنت، السبت الماضي، رجالاً يهرعون لحمل أحد المصابين ورجلاً يبكي بجانبه في سيارة «فان» تنقله ورد أنه شقيق المصاب.
وأظهر فيديو آخر رجالاً في حرستا يهرعون وسط الغبار إلى مبنى يعتقد بأنه تعرض لضربة جوية، ويخرج أحدهم حاملاً أحد الأطفال المصابين.
في السياق، قتل 6 مدنيين كحصيلة أولية، وجرح العشرات في بلدة حمورية في الغوطة الشرقية لدمشق، بقصف جوي لطيران النظام على البلدة، وسط استمرار عمليات القصف، بحسب موقع «شبكة شام» الإخباري الذي نقل عن ناشطين أن الطيران الحربي لقوات الأسد استهدف بعدة غارات الأحياء السكنية في بلدة حمورية، خلفت 6 شهداء كحصيلة أولية وجرح العشرات، مشيراً إلى أن فرق الدفاع المدني تعمل في ظروف صعبة على نقل المصابين للمشافي الطبية.
وفي الغضون تعرضت مدن عربين وحرستا لقصف جوي ومدفعي عنيف من الطيران الحربي، خلف جرحى بين المدنيين، في ظل استمرار القصف الجوي على مدن وبلدات الغوطة الشرقية وارتكاب المجزرة تلو الأخرى.
ونشر الموقع أمس خبر وفاة أحد مصابي مرض السرطان في الغوطة الشرقية، بعد رفض قوات الأسد إجلاءه في ظل عدم توفر العلاج اللازم له جراء الحصار المفروض على الغوطة.
وحمل المجلس المحلي لمدينة عربين في الغوطة الشرقية لدمشق، المجتمع الدولي والدول الضامنة لاتفاق «تخفيف التوتر» مسؤولية خرق قوات الأسد وداعميها لاتفاق الغوطة.
وقال المجلس المحلي، التابع للحكومة السورية المؤقتة، في بيان، إن «الهجمة العسكرية التي تنفذها قوات الأسد والميليشيات التابعة لها على الغوطة الشرقية، تستهدف المدنيين والفرق الطبية والمؤسسات المحلية والإغاثية، بعيداً عن أي وجود عسكري لفصائل المعارضة داخل المدن».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.