أزمات الديون شبح يطارد الدول المتقدمة رغم الاحتفاء بالنمو

النموذج الاقتصادي القائم على الاقتراض يهدد بمخاطر كبرى

TT

أزمات الديون شبح يطارد الدول المتقدمة رغم الاحتفاء بالنمو

أصدرت منظمة دول التعاون الاقتصادي والتنمية تقريراً أشادت فيه بالنمو الاقتصادي الذي تحققه الدول الغنية والمتقدمة، والبالغ في متوسطه العام 3.6 في المائة في 2017، ومتوقع له 3.7 في المائة في 2018، مع بعض الفوارق بين دولة وأخرى من الدول الأعضاء في المنظمة وعددها 34.
وأكد التقرير أن هذا النمو هو الأعلى منذ 8 سنوات، وجاء مدفوعاً بالإنفاق الحكومي الكثيف المبني على الاستدانة، والمستفيد من الهبوط التاريخي لأسعار الفائدة. لكن المنظمة تحذر من أن النمو قد يتراجع في 2019 في عدد من الدول، لأن الاستثمارات الخاصة لا تواكب العامة لتعزز فرص استدامة النمو الاقتصادي، كما أن الديون الخاصة تحمل مخاطر تهدد النمو أيضاً في 2019.
ويقول التقرير: «إذا كانت السلطات العامة اتخذت خطوات فعالة في سبيل دعم النمو، فإن هذا النمو يجب أن يُعزز باستثمارات الشركات التي عليها تخفيف استدانتها أيضاً، وفي ذلك معضلة، لا سيما لنموذج أعمال واستثمارات سائد قائم على الاقتراض أولاً وأخيراً».
فالقطاعات العامة استدانت كثيراً، وهذا ما فعلته أيضاً الشركات والأسر التي أقدمت على الاقتراض بكثافة مستفيدة من المال الرخيص بعد سنوات طويلة من الفوائد المنخفضة جداً. وبذلك تراكم الدين الخاص ليصل إلى مستويات مقلقة؛ إذ يشير تقرير المنظمة إلى ارتفاع معدله في 10 سنوات، من 108 في المائة من الناتج، إلى 135 في المائة في المتوسط العام، علماً بأنه أكثر من ذلك في عدد من دول المنظمة مثل بلجيكا التي يساوي فيها مجموع ديون الشركات والأسر نحو 200 في المائة من الناتج.
ففي جانب ديون الأسر، فإن المؤشرات لا تقل خطورة، حيث قفزت الاستدانة من 80 في المائة من الدخل المتاح إلى 140 في المائة في 10 سنوات. وفي التفاصيل، قفز هذا النوع من الديون في الدنمارك على سبيل المثال ليساوي 3 أضعاف الدخل المتاح. وفي كندا تساوي ديون الأسر إجمالي الناتج، والنسب عالية أيضاً في دول أخرى مثل بريطانيا وكوريا الجنوبية، أما في ألمانيا وفرنسا فهي معتدلة ولا تتجاوز 60 في المائة من الناتج.
وترافق ارتفاع ديون الأسر مع صعود في أسعار العقار إلى مستويات تشكل فقاعة في بعض المدن الكبرى، مما قد يكون مقدمة إلى «انكماش في مرحلة لاحقة، مثلما حصل في دورات اقتصادية سابقة»، كما يؤكد خبراء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
أما في جانب ديون الشركات، فعلى خلفية المال الرخيص وفي حلبات التنافس على العوائد، ارتفعت المخاطر المرتبطة بتلك القروض وتحولت أموال كثيرة إلى قطاعات غير منظمة أو مراقبة كثيراً، وكذلك إلى السندات والمشتقات وبعض المنتجات المالية الأخرى. فقد تراكمت ديون كثيرة مرتبطة بسندات وإصدارات معرضة للمخاطر والانكشافات، وتدهورت نوعية وجودة إصدارات ديون الشركات، مما قد يجعلها «هشة أمام أي صدمة في الأسواق المالية»، بحسب التقرير.
والأسوأ من ذلك هو أنه على الرغم من الاقتراض الإضافي، فإن رأس المال ليس منتجاً (بقياس العوائد) حالياً مقارنة بما كان عليه قبل 20 سنة، وهذا بدوره يضغط على نمو الأجور.
وتنصح المنظمة السلطات العامة بوضع إجراءات لتخفيف المخاطر، وتطلب الانتباه إلى مكامن الضعف في قروض الأسر، وذلك باستخدام سياسات ضريبية واجتماعية ذات علاقة بالسكن للجم فقاعات باتت خطرة سواء لجهة ارتفاع أسعار العقار أو لجهة تضخم ديون الأسر بمعدلات تفوق دخلهم المتاح وبسرعة نمو أعلى من نمو أجورهم.
أما بالنسبة للشركات، فعلى السلطات تصعيب بعض شروط الحصول على الأموال، أو فرض إجراءات ضريبية لاجمة لتضخم الدين الخاص، وهذا بدوره سيدفع الشركات المستدينة إلى رفع إنتاجية الرساميل وتخفيف شهية اتخاذ المخاطر. وأفضل مثال على ذلك هو الصين، حيث يوافق محافظ البنك المركزي تشو شياو تشوان على إجراءات تخفف من مخاطر الديون الضخمة للشركات والأسر.
فالمحافظ الصيني، الذي هو على وشك ترك منصبه، وكان عادة قليل الكلام، دافع في تصريح له الأسبوع الماضي، وقبل ذلك أيضاً، عن سياسته الإصلاحية، وحذر من المخاطر المالية التي تهدد البلاد، وهي برأيه «كبيرة ومخبأة ومعقدة ومعدية ومتشعبة وخطرة» وفقاً لتعبيره.
وهو بذلك يشير إلى الديون الخاصة التي تراكمت على نحو هائل، لا سيما ديون الشركات التي تعيش على الاستدانة فقط.
يذكر في هذا المجال أن الدين العام والخاص في الصين يبلغ الآن 250 في المائة من الناتج.
وفي الولايات المتحدة تحذيرات من تفاقم التعثر في قروض الطلاب وبنسبة وصلت إلى 11 في المائة، ومن ديون السيارات وبطاقات الائتمان... بعدما وصل الدين الخاص عموماً في 2017 إلى المستوى الذي ساد عشية الأزمة في 2008.
تبقى الإشارة إلى أن المؤشرات المقلقة هذه ليست خاصة بالدول المتقدمة فقط، فصندوق النقد الدولي قدر الدين الخاص في العالم بما يساوي 225 في المائة من الناتج العالمي، لكن الصندوق يشير تحديداً إلى أن الديون في دول مجموعة العشرين تنمو بمعدلات أعلى من نمو اقتصاداتها، ومن هذه الدول عادة تنطلق شرارات الأزمات المالية الدولية.



بكين تتهم أوروبا بفرض «حواجز تجارية غير عادلة»

سيدة تتسوق في أحد المتاجر بمدينة ليانيونغانغ شرق الصين (أ.ف.ب)
سيدة تتسوق في أحد المتاجر بمدينة ليانيونغانغ شرق الصين (أ.ف.ب)
TT

بكين تتهم أوروبا بفرض «حواجز تجارية غير عادلة»

سيدة تتسوق في أحد المتاجر بمدينة ليانيونغانغ شرق الصين (أ.ف.ب)
سيدة تتسوق في أحد المتاجر بمدينة ليانيونغانغ شرق الصين (أ.ف.ب)

قالت الصين الخميس إن تحقيقاتها في ممارسات الاتحاد الأوروبي وجدت أن بروكسل فرضت «حواجز تجارية واستثمارية» غير عادلة على بكين، مما أضاف إلى التوترات التجارية طويلة الأمد.

وأعلنت بكين عن التحقيق في يوليو (تموز)، بعدما أطلق الاتحاد تحقيقات حول ما إذا كانت إعانات الحكومة الصينية تقوض المنافسة الأوروبية. ونفت بكين باستمرار أن تكون سياساتها الصناعية غير عادلة، وهددت باتخاذ إجراءات ضد الاتحاد الأوروبي لحماية الحقوق والمصالح القانونية للشركات الصينية.

وقالت وزارة التجارة، الخميس، إن تنفيذ الاتحاد الأوروبي للوائح الدعم الأجنبي (FSR) كان تمييزاً ضد الشركات الصينية، و«يشكل حواجز تجارية واستثمارية». ووفق الوزارة، فإن «التطبيق الانتقائي» للتدابير أدى إلى «معاملة المنتجات الصينية بشكل غير موات أثناء عملية التصدير إلى الاتحاد الأوروبي مقارنة بالمنتجات من دول أخرى».

وأضافت بكين أن النظام لديه معايير «غامضة» للتحقيق في الإعانات الأجنبية، ويفرض «عبئاً ثقيلاً» على الشركات المستهدفة، ولديه إجراءات غامضة أنشأت «حالة من عدم اليقين هائلة». ورأت أن تدابير التكتل، مثل عمليات التفتيش المفاجئة «تجاوزت بوضوح الحدود الضرورية»، في حين كان المحققون «غير موضوعيين وتعسفيين» في قضايا، مثل خلل الأسواق.

وأوضحت وزارة التجارة الصينية أن الشركات التي عدّت أنها لم تمتثل للتحقيقات واجهت أيضاً «عقوبات شديدة»، الأمر الذي فرض «ضغوطاً هائلة» على الشركات الصينية. وأكدت أن تحقيقات نظام الخدمة المالية أجبرت الشركات الصينية على التخلي عن مشاريع أو تقليصها، ما تسبب في خسائر تجاوزت 15 مليار يوان (2,05 مليار دولار).

وفي سياق منفصل، تباطأ التضخم في أسعار المستهلكين في الصين خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فيما واصلت أسعار المنتجين الانكماش وسط ضعف الطلب الاقتصادي.

وألقت عوامل، تتضمن غياب الأمن الوظيفي، وأزمة قطاع العقارات المستمرة منذ فترة طويلة، وارتفاع الديون، وتهديدات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب فيما يتعلق بالرسوم الجمركية، بظلالها على الطلب رغم جهود بكين المكثفة لتحفيز القطاع الاستهلاكي.

وأظهرت بيانات من المكتب الوطني للإحصاء، الخميس، أن مؤشر أسعار المستهلكين ارتفع 0.1 في المائة الشهر الماضي على أساس سنوي، بعد صعوده 0.2 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني) السابق عليه، مسجلاً أضعف وتيرة منذ أبريل (نيسان) الماضي. وجاءت البيانات متسقة مع توقعات الخبراء في استطلاع أجرته «رويترز».

وظل مؤشر أسعار المستهلكين ثابتاً على أساس شهري، مقابل انخفاض بواقع 0.6 في المائة في نوفمبر، وهو ما يتوافق أيضاً مع التوقعات. وارتفع التضخم الأساسي، الذي يستثني أسعار المواد الغذائية والوقود المتقلبة، 0.4 في المائة الشهر الماضي، مقارنة مع 0.3 في المائة في نوفمبر، وهو أعلى مستوى في خمسة أشهر.

وبالنسبة للعام ككل، ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين 0.2 في المائة بما يتماشى مع وتيرة العام السابق، لكنه أقل من المستوى الذي تستهدفه السلطات عند نحو ثلاثة في المائة للعام الماضي، مما يعني أن التضخم أخفق في تحقيق الهدف السنوي للعام الثالث عشر على التوالي.

وانخفض مؤشر أسعار المنتجين 2.3 في المائة على أساس سنوي في ديسمبر، مقابل هبوط بواقع 2.5 في المائة في نوفمبر، فيما كانت التوقعات تشير إلى انخفاض بنسبة 2.4 في المائة. وبذلك انخفضت الأسعار عند بوابات المصانع للشهر السابع والعشرين على التوالي.

ورفع البنك الدولي في أواخر ديسمبر الماضي توقعاته للنمو الاقتصادي في الصين في عامي 2024 و2025، لكنه حذر من أن أموراً تتضمن ضعف ثقة الأسر والشركات، إلى جانب الرياح المعاكسة في قطاع العقارات، ستظل تشكل عائقاً.